أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 169

جلسة 19 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, ومحمود محمد مجاهد, والسيد أحمد عفيفي, وعادل يونس المستشارين.

(37)
الطعن رقم 1886 لسنة 28 القضائية

(أ) سرقة. عناصر الواقعة الإجرامية. الاختلاس. ما لا ينفيه.
عدم إبقاء السارق على المسروق في حوزته لا ينفي ركن الاختلاس.
(ب) قانون دولي عام. حقوق الدولة المحاربة. الاستيلاء في عرف القانون الدولي. ماهيته.
(ج) حكم. ما لا يعيب تسبيبه. الخطأ المادي. مثال.
الخطأ في وصف الأجولة المسروقة لا يعيب الحكم.
(د) إثبات. حرية القاضي في تكوين عقيدته. قيودها.
1 - عدم استبقاء السارق ما اختلسه في حوزته لا ينفي ركن الاختلاس.
2 - الاستيلاء الذي تنظمه قواعد القانون الدولي العام إنما هو الذي تلجأ إليه دولة محاربة عند قيام ضرورة ملجئة لتسد حاجاتها عند توفر هذه الضرورة وتوجب عليها تعويض صاحب الشئ الذي استولت عليه.
3 - الخطأ في وصف الأجولة المسروقة ليس من شأنه أن يقدح في سلامة الحكم, لأنه من قبيل الخطأ المادي الذي لا تتأثر به حقيقة الواقعة التي اطمأنت إليها المحكمة.
4 - للقاضي أن يستخلص من وقائع الدعوى وظروفها ما يؤيد به اعتقاده في شأن حقيقة الواقعة, ما دام استخلصه سائغا متفقا مع الأدلة المطروحة وليس فيه إنشاء لواقعة جديدة أو دليل مبتدأ ليس له أصل في الأوراق, مما يصح أن يوصف بأنه قضاء بعلم القاضي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: اختلس البن المبين قيمته بالمحضر والمملوك لشركة كولونيال التجارية إضرارا بها والذي لم يكن قد سلم إلا على سبيل الأمانة وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. ومحكمة بورسعيد الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا. فاستأنف المتهم الحكم. ومحكمة بورسعيد الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن يبنى طعنه على ما يقوله من أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون كما شابه القصور. ذلك بأن الطاعن أثار أمام محكمة ثاني درجة أن ركن الاختلاس غير متوفر لأن القوات البريطانية هى التي سلمت الطاعن الأجولة بناء على تصريح مراقبة التموين ولما كانت القوات المذكورة لها حق الاستيلاء على المواد التموينية في المناطق المحتلة فيكون تسليمها لما استولت عليه نافيا للإختلاس فضلا عن أن مراقبة التموين المصرية منحت هذه الصفة للقوات البريطانية وكان الموظفون المصريون يشتركون مع ضابط بريطاني في التسليم بصفته مندبا للدولة المحتلة, وقد انتقل الضابط المكلف بالتحقيق إلى مكان الحادث لضبط البن فتركه تحت يد صاحب المخزن ولم يعين حارسا أو يختم المكان للتحفظ على ما وجد فيه إلا بعد ثلاثة أيام من تاريخ الضبط وهو ما يبطل الإجراءات ويجعل حائز تلك المضبوطات في حل من العبث بها ثم إسناد السرقة إلى المتهم, وفضلا عن ذلك فإن حكم محكمة أول درجة أثبت أن الأجولة من السيزاك مع أنها من الخيش أما أجوله السيزاك فهى 432 جوالا وهى التي استخراجها الطاعن من الدائرة الجمركية بناء على تصريح باسمه, وكان هذا الخطأ هو سبب قضاء المحكمة بالإدانة, أما الخمسة أجولة من السيزاك فقد دسها أحمد الشناوي بين التسعين جوالا ليقيم شبهة الاتهام قبل الطاعن كذلك ذكر الحكم الابتدائي أن المتهم انتهز فرصة وجود الجنود الانجليز وضابطهم وهم لا يهمهم مراقبة المتهم وعماله عند نقل البن إلى السيارات وأخذ الأجولة المسروقة وهو من قبيل إقامة الحكم على معلومات شخصية لا يصح أن تبني عليها الأحكام ولا أصل لها في الأوراق, إذ ثبت أن السيارات الأربع لا يمكن أن تحمل أكثر من 432 جوالا هى كل ما صرح بنقله, وقد تمسك الدفاع بما شهد به الضابط محرر المحضر من أنه لم يغلق المخازن أو يضع حارسا عليها إلا بعد الضبط بأيام فلم ترد المحكمة على ما تمسك الدفاع.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه بتاريخ 12 من يناير سنة 1957 أرسل قائد مخابرة القناة وشرق الدلتا خطابا إلى مفتش المباحث العامة ببورسعيد ذكر فيه أنه علم من التحريات أن كميات من البن والسكر التي سرقها الفرنسيون من مخازن جمرك بورسعيد موجودة بمخازن أحمد الشناوي وشركاه وقد اشتراها منهم شريكه اليوناني الجنسية جان موتوبولو وفي 15 من يناير سنة 1957 أرسل مفتش المباحث العامة بالقنال صورة من هذا الخطاب إلى مفتش المباحث الجنائية ببورسعيد الذي أحاله إلى معاون مباحث قسم أول بورسعيد فقام هذا الأخير في 17 من يناير سنة 1957 بالانتقال إلى مخازن أحمد الشناوي وشركاه بشارع محمد محمود والأهرام رقم 27 ببورسعيد حيث تقابل مع المذكور وشريكه يني فوتو بولو وطلب منهما السماح له بتفتيش المخزن فلما أذنا له وجد به بعض البضائع من بينها 95 جوالا من البن الغير مطحون وذكرا له في المحضر الذي افتتحه في ذات اليوم بأن المتهم أودعه لديهما كأمانة في 5 ديسمبر سنة 1956 لأنه كان خلص على كمية كبيرة من البن من الجمارك لم يتسع لها مخزنه فأودع لديهما ما فاض عنده وذلك لصلة الصداقة والعمل التي تربطهما وإياه وقد فصل أحمد على الشناوي هذه الواقعة فذكر أنه في يوم 5 من ديسمبر سنة 1956 بينما كان يسير أمام بنك باركليز وبصحبته كل من عبده محمود وإبراهيم الجنايني في طريقهم ليوصل الأول إلى منزله حيث كان يشكو من أثر إصابة في قدمه, قابلهم عزيز فارس وأخبره بأنه موقد من قبل المتهم وطلب الحضور لمقابلته واستمهله حتى يذهبوا مع عبده محجوب إلى منزله ثم عاد معه إلى مكتب المتهم الذي طلب منه في حضور رئيس عمال الشحن مصطفى عبد الراضي عبد الرازق, وبعض الحمالين, وعزيز, أن يسمح له بتخزين أجولة كانت محملة على سيارة أمام مكتبه في مخزنه فأخبره أن مفتاح المخزن موجود مع شريكه الخواجة يني مخالي وأنه سيذهب إليه في منزله حتى إذا ما وجده فيه أخذه منه وفعلا اصطحب معه مصطفى عبد الراضي إلى منزل هذا الشريك واستلم منه المفتاح وسلمه إلى مصطفى الذي عاد به إلى المتهم فقام بتخزين البن في المخزن وظل به حتى يوم تفتيشه بواسطة المحقق" ثم أورد الحكم على ثبوت واقعة اختلاس أجولة البن المضبوطة في المخزن أدلة سائغة من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وتحدث الحكم عن ركن الاختلاس بقوله "إن الواقعة تعد سرقة طبقا للمادتين 311, 318 من قانون العقوبات وقد توافرت أركان الجريمة في حق المتهم إذ أنه هو الذي قام بسحب البن المملوك للغير من مخازن الشركة الشرقية للإيداع ومن داخل الدائرة الجمركية ثم نقله وأودعه مخزن أحمد الشناوي وأن عدم استيقاء ما اختلسه في حوزته لا ينفي ركن الاختلاس في جريمة السرقة التي تمت منذ أن استولى على أجولة البن ووضعها في السيارة التي أعدها لنقلها" لما كان ذلك وكان ما يقوله الطاعن من أن قواعد القانون الدولى تبيح للقوات المحتلة الاستيلاء على المواد التموينية فتصبح ملكا لها بهذا اللاستيلاء وأن تلك القوات هى التي سلمت الطاعن أجولة البن, ما يقوله الطاعن من ذلك غير سديد لأن الاستيلاء الذي تنظمه قواعد القانون الدولي العام إنما هو الذي تلجأ إليه دولة محاربة عند قيام ضرورة ملجئة لتسد حاجاتها عند توفر هذه الضرورة وتوجب عليها تعويض صاحب الشئ الذي استولت عليه, وهذا المعنى غير متحقق في واقعة الدعوى التي أثبتها الحكم من أن الأجولة المسروقة كانت في مخازن الشركة الشرقية وصرح للطاعن بنقل عدد منها فتجاوزه إلى القدر المختلس وهو ما ينطبق عليه قانونا وصف السرقة التي أدانه الحكم بها, لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن بما يفنده, وكان ما يثيره الطاعن من أن الضابط المحقق لم يتحفظ على البن المضبوط أو ينصب عليه حارسا أو يختم المخزن الذي يحتويه مما يمكن الحائز له من العبث به مردود بأن ضابط البوليس الذي باشر التحقيق على ما هو ثابت بالحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه, قد عاين أجولة البن وأثبت حالتها في محضر ضبط الواقعة وقد اطمأنت المحكمة إلى ما أثبته بهذا المحضر, وكان ما يدعيه الطاعن من حصول عبث من صاحب المخزن بهذه الأجولة توسلا لإسناد جريمة السرقة إلى الطاعن هو جدل موضوعي لا يقبل أمام محكمة النقض, وقد اقتنعت محكمة الموضوع للأدلة التي أوردتها أن الطاعن هو مختلس هذه الأجولة وأنه هو الذي نقلها لإيداعها لحسابه في المكان الذي ضبطت فيه بمخزن أحمد الشناوي وأنه هو بذاته البن موضوع التهمة, لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد تناول ما ذكره الطاعن من أن المحكمة أخطأت في قولها أن خمسة من الأجولة من السيزاك وباقي الأجولة المسروقة من الخيش ورد عليه بما يدحضه, فضلا عن أن هذا الخطأ في الوصف ليس من شأنه أن يقدح في سلامة الحكم لأنه من قبيل الخطأ المادي الذي لا تتأثر به حقيقة الواقعة التي اطمأنت إليها المحكمة, أما ما أورده الطاعن من أن قول محكمة أول درجة في حكمها أن المتهم انتهز فرصة وجود جنود الأعداء وضباطهم وهم لا يهمهم مراقبة المتهم وعماله عند نقل البن ومعرفة عدد الأجولة ومطابقتها لما ورد بالتصريح الصادر له هو من قبيل المعلومات الشخصية التي لا يصح أن يؤسس عليها قضاء - ما ذهب إليه الطاعن مردود بأن ما أثبته الحكم ليس إلا استنتاجا من المقدمات التي استظهرتها المحكمة وهو ما يدخل في سلطة القاضي الذي له أن يستخلص من وقائع الدعوى وظروفها ما يؤيد به اعتقاده في شأن حقيقة الواقعة ما دام ما استخلصه سائغا متفقا مع الأدلة المطروحة وليس فيه إنشاء لواقعة جديدة أو دليل مبتدأ ليس له أصل في الأوراق مما يصح أن يوصف بأنه قضاء بعلم القاضي.
وحيث إنه لما تقدم يكون ما يثيره الطاعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.