أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 600

جلسة 22 من مايو سنة 1961

برياسة السيد محمد عطية اسماعيل المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وعبد الحسيب عدى، ومحمود اسماعيل، وحسن خالد المستشارين.

(115)
الطعن رقم 327 لسنة 31 القضائية

(أ) تحقيق. اختصاص. نيابة عامة. نيابة إدارية. رشوة.
استقلال القانون التأديبى عن قانون العقوبات. الفعل الواحد قد ينشأ عنه فى الوقت نفسه خطأ تأديبى وفعل جنائى. دخوله فى اختصاص النيابة الإدارية والنيابة العامة. مثال. الرشوة: هى إخلال بواجبات الوظيفة العامة، ومخالفة لأحكام قانون العقوبات. المادة 17 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون 59 لسنة 1959. تولى النيابة الإدارية إجراءات الرقابة والفحص والتحقيق، ثم إحالتها الأوراق إلى النيابة العامة بعد تكشف الجريمة. لا بطلان.
(ب) نيابة إدارية. نقض.
المراقبة الفردية. إجراءاتها. المادة الخامسة من القانون 117 لسنة 1958. وجوب الإذن الكتابى من مدير عام النيابة الإدارية أو من يفوضه من الوكلاء العامين. لا يلزم أن يصدر تفويض خاص للوكيل فى كل قضية على حدة. يكفى أن يكون التفويض خاصا فى نوع العمل بسبب تقسيمه بين الوكلاء حسبما يتراءى للمدير العام.
الجدل فى هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض. لا يقبل.
(جـ) نيابة إدارية. إجراءات التحقيق.
إخطار الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف المتهم بالتحقيق قبل البدء به. المادة الثالثة من القانون. إجراء تنظيمى. ولا شأن له بالإجراءات السابقة على التحقيق. علة ذلك.
( د) دعوى جنائية. ما لا يعدّ قيدا على تحريكها. نيابة عامة. نيابة إدارية.
ما تنص عليه المادة الثالثة من القانون 117 لسنة 1958 من وجوب إخطار الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف المتهم بما تجريه النيابة الإدارية من تحقيق. لا شأن للنيابة العامة به. ليس قيدا على حريتها فى تحريك الدعوى الجنائية. التزامها فى التحقيق والتصرف فيه نصوص قانون الإجراءات الجنائية.
1 - إذ كان القانون التأديبى مستقلا عن قانون العقوبات لاختلاف ذاتية كل منهما وتغاير مجال تطبيقه، فإن الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ تأديبى يستوجب المساءلة التأديبية وفعل جنائى مؤثم قانونا فى الوقت نفسه. والرشوة بوصفها إخلالا بواجبات الوظيفة العامة ومخالفة لأحكام قانون العقوبات تجمع بين الخطأ التأديبى، وحينئذ تتعاون قوى الدولة بجهازيها الإدارى والقضائى لمكافحة تلك الجريمة ولا يستقل أحدهما بالاختصاص دون الآخر - وقد أفصح الشارع بما نص عليه فى المادة 17 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 59 لسنة 1959 عن إمكان بلوغ الخطأ التأديبى مبلغ الجريمة، وبالتالى فإن تحرى أمر هذا الخطأ يدخل فى اختصاص النيابة الإدارية من حيث الرقابة والفحص والتحقيق حتى إذا أسفر التحقيق عن وجود جريمة جنائية أحالت الأوراق إلى النيابة العامة التى تتولى استيفاء التحقيق والتصرف فيه - ولما كان ذلك فإن ما أثاره الطاعن من بطلان الإجراءات لأنها انصبت على جريمة من جرائم القانون العام مما تختص به النيابة العامة دون هيئة الرقابة الإدارية لا يكون له وجه.
2 - لا يشترط بحسب نص المادة الخامسة من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 59 لسنة 1959 أن يصدر تفويض خاص للوكيل العام للنيابة الإدارية فى كل حال على حدة وفى كل قضية على وجه التخصيص، بل يكفى أن يكون التفويض خاصا فى نوع العمل بحسب تقسيمه بين الوكلاء العامين حسبما يتراءى للمدير العام صاحب الحق فى هذا التقسيم. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد دلل على صدور الإذن باتخاذ الإجراءات الموصلة لضبط الجريمة فى حالة تلبس من الوكيل العام المختص بشئون الرقابة، وكان الطاعن لم يطلب إلى محكمة الموضوع على وجه الجزم تحقيق صدور التفويض إلى الوكيل العام، فلا يقبل منه إثارة الجدل حول هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - ما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1958 فى فقرتها الأخيرة من وجوب إرسال إخطار إلى الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف بإجراء التحقيق قبل البدء به - قصد به توجبه الخطاب إلى النيابة الإدارية فى خصوص ما تجريه من تحقيق طبقا لأحكام الفصل الثانى من الباب الثانى من القانون المذكور، ومراد الشارع من ذلك هو تنظيم العلاقة بين جهة الرقابة وجهة الإدارة، ولا شأن له بالإجراءات السابقة على التحقيق لأنها إجراءات تفترض السرية التى يتعين أن تحاط بها حتى توصل إلى النتيجة المرتقبة وهو ما يؤيده ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية المصاحبة لهذا القانون.
4 - لا شأن للنيابة العامة فيما تجريه من تحقيقات - بما تنص عليه المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1958 من وجوب إرسال إخطار إلى الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف بإجراء التحقيق قبل البدء به - لأنها تسير فى التحقيق والتصرف فيه وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، ولم يقصد الشارع من المادة الثالثة سالفة الذكر وضع قيود جديدة على حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها ولم يرتب بطلانا ما على مخالفة أحكامها، إذ أنه نص تنظيمى كما يبين من صيغته وطبيعته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولا - بصفته موظفا عموميا "كاتب بسكرتارية مجلس بلدى القاهرة" طلب لنفسه وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن أخذ من سيد محمد جنيهين على سبيل الرشوة ليقوم بحفظ الشكاوى المقدمة ضده إلى بلدية القاهرة. وثانيا - بصفته سالفة الذكر اختلس الأوراق المبينة القيمة والوصف بالمحضر والمملوكة لمجلس بلدى القاهرة والمسلمة إليه بسبب وظيفته. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و 104 و 110 و 111 و 112/ 1 و 118 من قانون العقوبات. فأمرت الغرفة بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمواد 103 و 104 و 17 من قانون العقوبات أولا - بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألفى جنيه عن التهمة الأولى. وثانيا - ببراءته من التهمة الثانية. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ فى القانون وبطلان الإجراءات وفساد الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع ببطلان التفتيش تأسيسا على أن أمر التفتيش لم يشتمل على إسم من أصدره ووظيفته وإسم المأذون له بالتفتيش وإسم المتهم ونوع التهمة والزمن المحدد للتفتيش والأعمال المطلوب إجراؤها، كما دفع ببطلان إجراءات التفتيش التى قام بها ضابطان من قسم الرقابة بالنيابة الإدارية وليس لأعضائها حق القبض والتفتيش إلا فيما تضمنته المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية فى الإقليم المصرى التى حددت اختصاصات النيابة الإدارية وقصرتها على المخالفات المالية والإدارية وليس من بينها جرائم القانون العام ومن بينها جريمة الرشوة إذ تختص بها النيابة العامة وحدها، ودفع الطاعن أيضا ببطلان التفتيش لإجرائه قبل إخطار الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف أخذا بحكم المادة الثالثة سالفة البيان، هذا فضلا عن أن الوكيل الذى أصدر الأمر بالتحقيق لم يسبق له الحصول على إنابة خاصة بإصداره طبقا للمادة الخامسة من القانون المذكور، وجاء الحكم قاصرا فى الرد على كل ذلك. كما أشار الضابطان إلى أن شخصا آخر كان معهما وسمع الحديث الذى دار بين الطاعن وبين المبلغ ولكن المحكمة لم تستوف التحقيق من هذه الناحية ولم تستمع إلى أقوال هذا الشاهد. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يبين النصيب الذى يقع من عمل الموظف فى الاختصاص العام لوظيفته واستدل على توافر الرشوة من وجود الجنيهين مع الطاعن مع أن انتقال حيازتها إليه لا يدل حتما على الرشوة ولا تتوافر به حالة التلبس التى لم تمحصها المحكمة بما تنتجها، مما يبطل القبض ويهدر الدليل المستمد منه وبالتالى يفسد تسبيب الحكم بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه تجمل فى "أنه بتاريخ 23/ 6/ 1959 أبلغ سيد محمد مقابل رئيس حانوت باب الخلق، النقيب محمد عباس بقسم الرقابة بالنيابة الإدارية بأن المتهم (الطاعن) الموظف بسكرتارية الجبانات ببلدة القاهرة يتقاضى الرشوة وأنه يطلبها منه ليعمل على حفظ الشكاوى المقدمة ضده فى شأن إلغاء حانوته، ثم عاد إليه فى اليوم التالى أى يوم 24/ 6/ 1959 وأبلغه بأنه اتفق مع المتهم على أن يقابله ليعطيه مبلغا من النقود لهذا الغرض، فاستأذن النقيب من وكيل عام النيابة الإدارية المختص بقسم الرقابة فى السير فى الإجراءات الموصلة إلى ضبط المتهم والجريمة متلبسا بها، ثم سلم المبلغ ورقتين ماليتين من فئة الجنيه بعد أن أثبت رقمهما فى محضره واتصل المبلغ بعد ذلك بالمتهم واتفق معه على أن يلتقى فى مقهى عينه له وفى الميعاد المحدد ذهب السيد النقيب سالف الذكر ومعه الرائد ابراهيم اسماعيل ابراهيم زميله بقسم الرقابة إلى المقهى المتفق عليه حيث انتظرا به حتى حضر المتهم مع المبلغ وشاهد الأخير يعطى المتهم جنيهين وبعد أن تسلمهما منه وشرع فى الانصراف من المقهى قبض الضابطان عليه بعد أن أسقط المتهم النقود من يده وتبينا أنهما الجنيهان المسلمان للمبلغ ثم ذهبا بالمتهم إلى قسم البوليس حيث أبلغوا عن الواقعة وباشرت النيابة التحقيق". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو أدلة مستمدة من محضر ضبط الواقعة وأقوال الشهود فى التحقيق وأمام المحكمة، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دين الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قدر على ما أثاره الطاعن فى شأن بطلان التفتيش فى قوله: "... إن المتهم (الطاعن) حين قبض عليه كان فى حالة تلبس إذ شوهد يتناول النقود من المبلغ الشاهد سيد محمد مقابل الذى كان قد أبلغ عن طلب المتهم الرشوة منه فكان من حق الضابطين وقد شاهدا المتهم يجتمع بالمبلغ ويأخذ منه النقود، كان لهما أن يستوقفاه ويقبضا عليه بعد أن تحققا من أن ما أخذه هو الجنيهان المسلمان منهما للمبلغ بالذات وذلك لأن ما وقع أمامها يعتبر مظهرا خارجيا ينبعث عن الواقعة الجنائية المبلغ عنها ويكشف لهما أن الجريمة ترتكب وهذه هى حالة التلبس فى القانون التى تجيز لهما طبقا لنص المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية أن يقبضا على المتهم ويسوقاه إلى قسم البوليس للتحقيق معه عن جريمته". وما قاله الحكم من ذلك صحيح فى القانون ولا جدوى مما يثيره الطاعن فى خصوص نعيه على إذن التفتيش بالبطلان طالما أن الحكم قد دلل بأدلة سائغة على قيام حالة التلبس بجناية الرشوة مما يغنى عن ضرورة استصدار أمر بالتفتيش. وكان تقدير الظروف الموضوعية لتوافر حالة التلبس بالجريمة وصلة المتهم بها مما يدخل فى اختصاص محكمة الموضوع تفصل فيه بما لا معقب عليها فى ذلك طالما تقيمه على ما ينتجه وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه فى تقديره. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى ما يثيره الطاعن من بطلان الإجراءات لأنها انصبت على جريمة من جرائم القانون العام مما تختص به النيابة العامة دون هيئة الرقابة الإدارية فرد عليه فى قوله "وحيث إن هذا الدفع مردود بأنه فضلا عن أن فعل المتهم بطلبه الرشوة من المبلغ ينطوى على مخالفة إدارية لمقتضيات وظيفته ومن اختصاص الضابطين تحرى هذه المخالفة والكشف عنها طبقا لنص المادة الخامسة من القانون رقم 117 لسنة 1958 فى شأن تنظيم النيابة الإدارية وقد كان ذلك منهما بعد استئذان الوكيل العام كما جاء فى التحقيق وشهادة النقيب محمد عباس محمد بمحضر الجلسة". وإذ كان القانون التأديبى مستقلا عن قانون العقوبات لاختلاف ذاتية كل منهما وتغاير مجال تطبيقه، فإن الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ تأديبى يستوجب المساءلة التأديبية وفعل جنائى مؤثم قانونا فى الوقت نفسه، والرشوة بوصفها إخلالا بواجبات الوظيفة العامة ومخالفة لأحكام قانون العقوبات تجمع بين الخطأ التأديبى والجريمة وحينئذ تتعاون قوى الدولة بجازيها الإدارى والقضائى لمكافحة تلك الجريمة ولا يستقل أحدهما بالاختصاص دون الآخر، وهذا الاعتبار هو ما كان موضع نظر الشارع حين نص فى المادة 17 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية فى الإقليم المصرى المعدل بالقانون رقم 59 لسنة 1959 على "أنه إذا أسفر التحقيق عن وجود جريمة جنائية أحالت النيابة الإدارية الأوراق إلى النيابة العامة وتتولى النيابة العامة التصرف فى التحقيق واستيفائه إذا تراءى لها ذلك على أن يتم ذلك على وجه السرعة" مما يفصح عن إمكان بلوغ الخطأ التأديبى مبلغ الجريمة وبالتالى فإن تحرى أمر هذا الخطأ يدخل فى اختصاص النيابة الإدارية من حيث الرقابة والفحص والتحقيق وفقا لأحكام القانون المذكور أخذا بنص هذه المادة الأخيرة والمادة الخامسة منه التى تجرى على أن "لقسم الرقابة والفحص أن يتخذ الوسائل اللازمة لتحرى المخالفات الإدارية والمالية والكشف عنها وله فى سبيل ذلك الاستعانة برجال البوليس والموظفين الذين يندبون للعمل بالقسم المذكور ويحرر محضر يتضمن ما تم إجراؤه والنتيجة التى أسفر عنها. ولا يجوز إجراء المراقبة الفردية إلا بإذن كتابى من مدير عام النيابة الإدارية أو من يفوضه من الوكيلين". لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على صدور الإذن باتخاذ الإجراءات الموصلة لضبط الجريمة فى حالة تلبس من الوكيل العام المختص بشئون الرقابة. وكان لا يشترط بحسب نص المادة الخامسة سالفة البيان أن يصدر تفويض خاص للوكيل العام فى كل حال على حدة وفى كل قضية على وجه التخصيص بل يكفى أن يكون التفويض خاصا فى نوع العمل بحسب تقسيمه بين الوكلاء العامين حسبما يتراءى للمدير العام صاحب الحق فى هذا التقسيم وفقا للمادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية المنشور بعدد الجريمة الرسمية رقم 38 فى 27/ 11/ 1958 والتى تقضى بأن "تحدد بقرار من المدير العام اختصاصات الوكلاء العاملين ورؤساء الإدارات". فمتى حدد اختصاص الوكيل العام طبقا لهذا النص كان ذلك تفويضا خاصا له فيما يزاوله فى حدود اختصاصه. ولما كان الطاعن لم يطلب إلى محكمة الموضوع على وجه الجزم تحقيق صدر التفويض إلى الوكيل العام فلا يقبل منه إثارة الجدل حول هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من وجوب إخطار الوزير أو الهيئة التى يتبعها الموظف قبل إجراء التحقيق مردودا بأن ما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1958 فى فقرتها الأخيرة من أنه "يجب إرسال إخطار إلى الوزير أو الرئيس الذى يتبعه الموظف بإجراء التحقيق قبل البدء به، وذلك فيما عدا الحالات التى يجرى فيها التحقيق بناء على طلب الوزارة أو الهيئة التى يتبعها الموظف" ما نصت عليه من ذلك قصد به توجيه الخطاب إلى النيابة الإدارية فى خصوص ما تجريه من تحقيق طبقا لأحكام الفصل الثانى من الباب الثانى من القانون المذكور ومراد الشارع من ذلك هو تنظيم العلاقة بين جهة الرقابة وجهة الإدارة ولا شأن له بالإجراءات السابقة على التحقيق لأنها إجراءات تفترض السرية التى يتعين أن تحاط بها حتى توصل إلى النتيجة المرتقبة منها، يؤيد هذا ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية المصاحبة لهذا القانون من أنه "من المفهوم أن إجراء الرقابة فى كل وزارة أو مصلحة أو جهة سوف يتم بناء على تكليف من رئيس القسم المختص، وفى نطاق السرية التامة، حتى يتمكن أن تؤتى الرقابة ثمرتها من إزالة الخطأ والإتجاه إلى التوجيه والإصلاح على أساس ما تسفر عنه، وهذا هو الهدف الأهم من إجراء الرقابة..." فلا شأن للنيابة العامة فيما تجريه من تحقيقات - بهذا النص ذلك لأنها تسير فى التحقيق والتصرف فيه وفقا لقانون الإجراءات الجنائية ولم يقصد الشارع من المادة الثالثة سالفة الذكر وضع قيود جديدة على حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها ولم يرتب بطلانا ما على مخالفة أحكامها إذ أنه نص تنظيمى كما يبين من صيغته وطبيعته... ... لما كان ذلك، وكانت هيئة الرقابة بالنيابة الإدارية لم تقم إلا بواجب الرقابة والضبط فى جريمة متلبس بها، وقد قامت النيابة العامة بتحقيق الواقعة طبقا للقانون فلا وجه للتحدى بالبطلان. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين اختصاص الطاعن بوصفه موظفا فى قسم الجبانات ونصيبه من العمل الذى أخذ الرشوة من أجله وهو قبوله الشكاوى ضد الحانوتية - ومنهم المبلغ - وقيدها فى السجل الخاص وعرضها على رئيسه وتنفيذ ما يؤشر به وتلقى ما يحقق منها وعرض الأمر بمذكرة على السكرتارية العامة فيكون الطاعن ذا علاقة بالعمل المطلوب منه أداؤه على وجه يعتبر به مختصا بالمعنى المقصود فى نص المادة 103 من قانون العقوبات المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد حققت شفوية المحاكمة بسماع الشهود فى حضور الطاعن ولم يطلب هو أو المدافع عنه سؤال الشاهد الذى أشار إليه فى طعنه فلا يحق له أن ينعى على المحكمة التفاتها عن إجراء فاته التقدم به إليها. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن لا يكون له وجه.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.