أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 183

جلسة 16 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, وعادل يونس المستشارين.

(41)
الطعن رقم 1632 سنة 28 القضائية

تهديد. جريمة الشروع في اغتصاب المال بطريق التهديد. المادة 326/ 2 ع. بيانات أحكام الادانة فيها. البيان الكافي. مثال.
إذا أثبت الحكم في حق المتهمين أن كلا منهما تسلم من يد المجني عليها مبلغ خمسة جنيهات عالما أن لاحق له فيها وقد ضبط رجال البوليس المبلغ على إثر استلامهما إياه وأنهما قد توسلا إلى ذلك بتهديد المجني عليها بالإساءة إليها والنيل من سمعتها وسمعة شقيقتها وسمعة المحل الذي تزاول عملها فيه, وكانت هذه الوسيلة كافية للتأثير عليها على النحو الذي استخلصته المحكمة, وكان مفاد ما أثبته الحكم من حضورهما معا إلى محل المجني عليها في أول الأمر ثم إلى محل "الأميريكين" الذي اتفقا مع المجني عليها على اللقاء فيه لقبض المال هو انصراف نيتهما إلى أخذ هذا المال, فإن الحكم يكون قد بين واقعة الدعوى مما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الشروع في الحصول على المال بالتهديد التي دان المتهمين بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهمين بأنهما شرعا في الحصول بالتهديد على مبلغ عشرة جنيهات من......... وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو ضبطهما متلبسين. وطلبت عقابهما بالمواد 45 و47 و326/ 2 من قانون العقوبات مع تطبيق أقصى العقوبات ومحكمة الموسكي الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وكفالة 200 قرش لكل لوقف التنفيذ فاستأنف المتهمان هذ الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن الأول بنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه يشوبه القصور وخطأ الاستدلال, ذلك بأن الواقعة ليست إلا رواية ابتدعتها المجني عليها وزيفت بلاغها والطاعن لم يطلب منها شيئا ولم يكن في حاجة إلى أن يحضر إليها مرتين, ثم إن الشاكية لم تشهد أحدا من عاملات محلها ولا حتى بواب المنزل الذي تسكنه على حضوره, وقد أقام الطاعن دفاعه على ذلك فأهدرته المحكمة ولم تناقشه, وحتى لم تلتفت إلى ما ذكره الطاعن من أنه لم تكن عنده ولا عند زميلة نية استغلال المجني عليها فقد حضرا إلى محل الأمريكين بناء على طلبها لتتأكد من حصول الصلح وأن زميله هو الذي دفع الحساب, وأن العبارة التي نسبت إلى الطاعن في تحقيق البوليس ليس من شأنها أن تدينه لأن الحضور لاستلام هدية هو أمر بعيد عن نطاق الجريمة, ولم تدلل المحكمة على أن استلام النقود كان ثمرة التهديد على الرغم من الظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الواقعة, هذا إلى أن المحقق سمع أقوال زوج المجني عليها ولم يدونها في محضره, كذلك فإن الدفاع مؤسس على أن الأدلة التي طرحت على المحكمة تحتمل أكثر من تفسير مما يشكك فيها.
وحيث إن الطاعن الثاني يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه جاء معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والقصور, ذلك بأن الحكم الابتدائي الذي أيدته محكمة ثاني درجة سلم في أسبابه بأن الطاعن لم يطلب من المجني عليها نقودا ولم يذهب إلى محلها كما ادعت وأنها أضافت إلى أقوالها أمام محكمة ثاني درجة ما لم تقله أمام المحكمة الجزئية مما يجعل أقوالها محل شك, وكان في مكنة المحقق لو كان صحيحا ما ادعته المجني عليها أن يستصدر أمرا من القاضي الجزئي بمراقبة التليفون وهو إجراء لم يتم لاعتقاده أن هذه المكالمات لم تكن إلا مجرد زعم من جانب المجني عليها, وقد أثار الدفاع ذلك كله أمام المحكمة ومع أهميته لم ترد عليه, هذا إلى أن الطاعن في مناقشته لشهادة الكونستابل والمخبرين أبدى أن الكونستابل قبض على الطاعن قبل حصول الإشارة المتفق عليها وكان خليقا به أن ينتظر تلك الإشارة لما يكون فيها من دلالة على انصراف نية الطاعن إلى أخذ المبلغ, أما إلقاء المبلغ تحت قدمه فلم يكن مقصودا به إلا إبعاد الشبهة عن نفسه, فضلا عن أن الطاعن الأول أوفى حساب الطلبات مما يدل على أنه لم يكن لديه نية استغلال المجني عليها وقد تغاضى الحكم عن كل هذه الملاحظات التي أوردها الدفاع ولم يرد عليها, كما لم يرد على ما قرره الطاعن من أن حضوره كان بناء على دعوة من المجني عليها التي رغبت أن تتأكد من حصول الصلح بنفسها ولكن تحامل المحقق عليه هو الذي دعا إلى أن يثبت في محضره ما أثبته مما نفاه الطاعن, كذلك تناول الدفاع تفنيد تلك الشبهات التي أحيط بها وقال إن مصدر الإتهام لم يكن إلا خشية المجني عليها من إفشاء أمر زواجها العرفي - الذي كان شاهديه - إلى أهلها فعمد زوجها إلى دفعها إلى هذا الإتهام, وأخيرا فقد استند الحكم إلى أسباب يصح حملها على أكثر من محمل, من ذلك أن الحكم عول على ضبط الورقتين الماليتين مع ما أحاط بتلك الواقعة من ظروف بينها الطاعن, هذا إلى أن عقد الزواج العرفي كما يصح أن يكون سببا لمحاولة استغلال المجني عليه فإنه يصح كذلك أن يكون سببا لتوجيه الإتهام وعلى ذلك لا يكون الحكم قد أقام قضاءه على أدلة يقينية وإنما على استدلال ظني يحتمل أكثر من تفسير.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الشروع في الحصول على المال بالتهديد والتي دان الطاعنين بها, إذ قال الحكم في هذا البيان "إن المجني عليها أبلغت معاون مباحث قسم الموسكي أن المتهم الأول حضر مع الثاني إلى محلها الذي تديره متذرعا بأنه يريد مقابلة أحد عمالها في غير مواعيد العمل ثم افهمها أنه محتاج غلى المساعدة فأعطته مبلغ 25 قرشا وكان ذلك منذ شهر سابق تقريبا وبعد تسليم المبلغ المشار إليه بعشرة أيام اتصل بها تليفونيا مذكرا إياها بنفسه وطلب منها عشرة جنيهات لحاجته الضرورية فلما رفضت وقطعت الإتصال التليفوني عاد إلى طلبها مرة أخرى مهددا إياها إنه سوف يشنع عليها ويسئ إلى سمعتها, وأنه سيتربص للعاملات بمحلها بما يؤذيهن ويسئ إلى سمعة محلها, كما أنه يعرف طريق أختها إلى المدرسة وسينال من سمعتها هى الأخرى, وإن من الأفضل أن تشتري سمعتها هى وأختها بالمبلغ المطلوب مانحا إياها مهلة تنتهى يوم 5/ 3/ 1957 وأعطاها رقم تليفون 48791 على أن تطلبه باسم............... فاتفق معها معاون المباحث على مسايرة المتهم الأول بطلبه تليفونيا في الرقم الذي حدده لها والاتفاق على تحديد مكان وميعاد للمقابلة يمكن استدراجه إليه ليدفع المبلغ ففعلت وتحددت المقابلة في مبدأ الأمر الساعة 10 صباح اليوم التالي بكازينو جرين بارك بحديقة الأزبكية وتم ترقيم ورقتين فئة الخمسة جنيهات بعلامة مميزة هى إمضاء المعاون المحقق الذي عهد بضبط الواقعة إلى الكونستابل حسين عدلي والمخبرين عبد السميع سعد ومحمد يوسف منصور في المكان والساعة المتفق عليها إلا أن تلك القوة عادت وأبلغت بأن المقابلة لم تتم, ثم أخطرت المجني عليها المحقق تليفونيا بأن المتهم الأول عاود الاتصال بها تليفونيا وحدد لها ميعادا جديدا بمحل الأمريكين بشارع عماد الدين الساعة 7 مساء نفس اليوم, فكلف رئيس القوة بالانتظار في الميعاد الجديد حيث تم لهم ضبط المتهمين فور استلامهما من المجني عليها العشرة جنيهات فئة الخمسة جنيهات المرقومين, وجاء بأقوال الكونستابل والمخبرين بأنهم انتظروا بالدور العلوي للأمريكين حيث اجتمعت المجني عليها بالمتهمين حول إحدى المناضد وما أن شاهدوها تسلم كلا من المتهمين الورقة ذات الخمسة جنيهات مطوية حتى سارع المخبران إلى القبض على المتهمين وضبط النقود المسلمة ملقاة تحت القدم اليمنى لكل منهما, وأوضح الكونستابل أنه لم يتمكن من سماع الحديث الذي دار بين الطرفين وأنهم كانوا يجلسون بطريقة عادية واستلم كل من المتهمين الورقة المطلوبة ثم أسقطها بجانب قدمه في ذات الوقت الذي تم للمخبرين القبض عليهما, وبمواجهة المتهمين بما تقدم أقرا باستلام الورقة ذات الخمسة جنيهات على وجه الهدية لقيامهما بإصلاح ذات البين بينهما وبين من يدعي............ الذي عقد عليها زواجها عرفيا - لاختلاف الدين بشهادتهما - ثم ترك العمل لديها حيث كان يعمل ترزيا بمحلها, وأوضحا أنه منذ عشرة أيام تقريبا سابقة على الضبط اختلف المتهم الثاني مع الزوج المشار إليه وتشاحنا فاعتدى عليه الزوج بالصفع فتوعده المعتدي عليه بإفشاء سر العقد العرفي, وأوضح المتهم الأول أن المجني عليها هى التي اتصلت به تليفونيا فلم تجده ثم طلبها هو الساعة 3 م حيث استفسرت منه عن سبب تخلفه عن الحضور في ميعاد الصباح واتفقا على ميعاد الساعة 6.30 مساء بأمريكين عماد الدين لكي تعطيه هدية بسبب الصلح حيث تم الضبط في حين أنكر المتهم الثاني علمه بتحديد ذلك الميعاد مقررا أنه صحب المتهم الأول بناء على طلبه إلى محل الأمريكين ثم علم من هناك اعتزام المجني عليها الحضور للتحدث في الصلح بشأن المشاحنة التي دارت بينه وبين زوجها مضيفا أنها اعتادت إعطاءه هدية كل سنة لمحافظته على ذلك السر فلما أعطته الخمسة جنيهات سألها عن السبب فأجابت بأنها تقصد شراء هدية فرفض تسلمها وعندئذ تم الضبط" ثم أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, لما كان ذلك وكان الحكم أثبت في حق الطاعنين أن كلا منهما تسلم من يد المجني عليها مبلغ خمسة جنيهات عالما أن لا حق له فيها وقد ضبط رجال البوليس المبلغ على إثر استلامها إياه وإنهما قد توصلا إلى ذلك بتهديد المجني عليها بالإساءة إليها والنيل من سمعتها وسمعة شقيقتها وسمعة المحل الذي تزاول عملها فيه, وكانت هذه الوسيلة كافية للتأثير عليها على النحو الذي استخلصته المحكمة, وكان مفاد ما أثبته الحكم من حضور الطاعنين معا إلى محل المجني عليها في أول الأمر ثم حضورهما معا إلى محل الأمريكين الذي اتفقا مع المجني عليها على اللقاء فيه لقبض المال هو انصراف نية الطاعنين إلى أخذ هذا المال غصبا, لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع هى صاحبة الحق في تقدير الوقائع ووزن الأدلة, كما لها أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات, وكان أساس الحكم بالإدانة هو اطمئنان ضميرها لها, وكان ما استندت إليه من أدلة له أصله الثابت في الأوراق وهى أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما اقتنعت به المحكمة, ولا يجوز بعد ذلك المجادلة في هذا الشأن أمام محكمة النقض, لما كان ذلك وكان الحكم قد تناول دفاع المتهمين وانتهى إلى اطراحه لعدم اطمئنانها إلى صحته, ولما كان يكفي لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم, وليس واجبا على المحكمة أن تتناول ما عرضه من أوجه الدفاع التي لم تر المحكمة مسايرته فيها. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعنان لا يكون إلا جدلا في واقعة الدعوى وفي بيناتها هو ما لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه لما سبق يكون الطعن المقدم من الطاعنين على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.