أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 192

جلسة 16 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(43)
الطعن رقم 1979 سنة 28 القضائية

(أ) نقض. أسباب جديدة. شرط الدفع ببطلان الإجراءات السابقة على المحاكمة أمام محكمة النقض.
وجوب إثارة هذا البطلان بداءة أمام محكمة الموضوع.
(ب) نقض. أسباب موضوعية. إثبات. شهادة. تقديرها. محكمة الموضوع.
عدم قبول المجادلة أمام محكمة النقض في تقدير محكمة الموضوع للأدلة - ومن بينها شهادة الصغير - عند عدم الادعاء بعدم قدرته على التمييز.
(ج) إثبات. شهادة. تقدير الشهادة المسموعة على سبيل الاستدلال.
جواز اعتماد الحكم على الشهادة المسموعة على سبيل الاستدلال.
(د) حكم. الخطأ في الإسناد. متى يعيب الحكم؟
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول أدلة مؤثرة في عقيدة المحكمة.
(هـ) دفاع. ما لا يعتبر إخلالا بحق الدفاع. وصف التهمة. ما لا يعتبر تغييرا لها. بيان كيفية ارتكاب الجريمة.
تصحيح بيان كيفية ارتكاب الجريمة لا يعد تغييرا لوصف التهمة. جواز حصوله دون لفت نظر الدفاع. مثال في جريمة خطف.
1 - إذا كان ما ينعاه المتهمون على الحكم هو دفع ببطلان إجراء من الإجراءات السابقة على المحاكمة, وكان لا يبين من محضر الجلسة أن المتهمين أو المدافعين عنهم أثاروا هذا الدفع أمام محكمة الجنايات فإنه لا يقبل منهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - لا تقبل المجادلة في تقدير محكمة الموضوع للأدلة - فإذا كان الطاعنون لا يدعون أن الطفل المخطوف الذي أخذت المحكمة بشهادته لم يكن يستطيع التمييز وإنما اقتصروا على القول بعدم الاطمئنان إلى أقواله لصغر سنه وجواز التأثير عليه, فإن ذلك القول منهم يكون غير مقبول.
3 - لا يخطر القانون سماع الشهادة التي تؤخذ على سبيل الاستدلال بلا يمين, بل للمحكمة متى اقتنعت بصحتها أن تأخذ بها وتعتمد عليها.
4 - الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
5 - إذا انتهى الحكم إلى وصف الطريقة التي تم بها الخطف بما لا يخرج عن الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة وهى التي كانت معروضة على بساط البحث وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي كانت مطروحة على المحكمة, فإن ذلك لا يعدو في حكم القانون تغييرا لوصف التهمة المحال بها المتهمون, بل هو مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون لفت نظر الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه - فإذا كانت النيابة العامة اتهمت المتهمين بخطف المجني عليه الذي لم يبلغ سنه ستة عشر سنة كاملة بالإكراه وحبسه في منزل مهجور بدون أمر أحد من الحكام المختصين وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بذلك وكان ذلك مصحوبا بالتهديد بالقتل والتعذيبات البدنية, فاستبعد الحكم واقعة حبس المجني عليه وتعذيبه وتهديده الواردة بقرار الإحالة بقولة إنه لا محل لإسنادها إلى المتهمين في خصوص الدعوى الحالية بوصف أنها جرائم مستقلة مكتفيا باعتبارها من عناصر الجريمة التي دان المتهمين بها - إذا كان ما تقدم فإن النعي على الحكم لإخلاله بحق الدفاع بقولة أن المحكمة لم تنبه المتهمين أو المدافعين عنهم إلى ما أجرته من تعديل في وصف التهمة وفي مواد الاتهام بأن دانتهم بالمادة 288 من قانون العقوبات بدلا من المواد 280 و282/ 1 و288 التي طلبت النيابة عقابهم بها يكون غير سديد.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: خطفوا بالاكراه الطفل فولي يوسف اسماعيل عيسى الذي لم يبلغ سنه ستة عشرة سنة كاملة بأن انتظروه بمكان الحادث حيث ذهب للعب وعقب وصوله إليه حمله المتهم الأول عبد الوهاب جاد جاد الرب رغما عنه وعصب المتهم الثاني حسين على فواز عينيه وأركبه دابة وسار به المتهمون الثلاثة في أماكن مجهولة وحبسوه في منزل مجهول بدون أمر الحكام المختصين وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بذلك وكان ذلك مصحوبا بالتهديد بالقتل والتعذيبات البدنية التي أحدثت به الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبي. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 280, 282/ 1, 288 من قانون العقوبات فقررت بذلك. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا عملا بالمادة 288 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين عبد الوهاب جاد جاد الرب وحسين على فواز وعبد المنعم جاد جاد الرب بالسجن خمس عشرة سنة.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن حاصل الوجهين الأول والثاني من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه بنى على إجراء باطل وشابه القصور والفساد في الاستدلال ذلك أن النيابة العامة لم تجر تحقيقا مع الطاعنين واكتفت عند ضبطهم باحالتهم - دون تحقيق - إلى غرفة الاتهام التي لم تقم بدورها بأي تحقيق بل اصدرت أمر حبس في حقهم غير محدد المدة على خلاف ما تقضي به المادة 143 من قانون الاجراءات الجنائية وذلك دون أن يحضر معهم مدافع, كما أسس الحكم قضاءه بإدانة الطاعنين على رواية المجني عليه وهو طفل في حداثة عمره ما يسهل معه تلقينه وروايته غير جديرة بالاقتناع بصحتها لما أثبته المحقق من عي الطفل المذكور وتفكك عباراته وصعوبة تفهمه مما حال دون الاسترسال في مناقشته فضلا عن تكذيب من استشهدهم من اطفال في جوهر روايته, واستند الحكم أيضا إلى شهادة والد المجني عليه في شأن ما قيل من اتفاقه مع الطاعنين على رد ولده لقاء 250 جنيه اقترض بعضه من محمد السيد أحمد ومحمد يمني في اليوم السابق على إجراء التحقيق في حين أن هذين الشاهدين قررا أنهما أقرضاه ما طلبه منذ أربعة أيام سابقة على التحقيق وقد أغفل الحكم دلالة هذه الحقيقة ولم يوائم بينها وبين ما استخلصه فضلا عن أنه ذهب إلى أن ذوي الطفل المخطوف - والده وعمه وخاله - إتصلوا بالمتهمين لإرجاع الطفل في حين أن والد الطفل قد قرر بأن المتهمين هم الذين سعوا إليه كما كذب الشاهد محمد السيد أحمد والد المجني عليه فيما أشهده عليه من أنه أبلغه بأن أقاربه المتهمين هم الفاعلون, هذا إلى ما شاب شهادة عمدة البلدة من تحامل على الطاعنين ورغبته في الايقاع بهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مردودة إلى أصلها في الأوراق مستمدة من أقوال المجني عليه فولي يوسف اسماعيل ووالده يوسف اسماعيل عيسى وأحمد اسماعيل عيسى وبدري حمدان موسى وعبد الحليم محمود ربيع ومن المعاينة والكشف الطبي الموقع على المجني عليه وما أثبتته التحريات ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها, لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعنون في الوجه الأول من طعنهم هو دفع ببطلان إجراء من الإجراءات السابقة على المحاكمة, وكان لا يبين من محضر الجلسة أن الطاعنين أو المدافعين عنهم أثاروا هذا الدفع أمام محكمة الجنايات فلا يقبل منهم إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض, وكان لمحكمة الموضوع الحرية في تكوين عقيدتها من عناصر الدعوى كافة إذ الأمر في ذلك مرجعه إلى اطمئنانها ولها دون غيرها تقدير الأدلة واستخلاص ما ترى أنها مؤدية إليه من غير معقب عليها مادام هذا الاستخلاص سائغا, وكان التناقض بين أقوال والد المجني عليه والشاهدين محمد السيد أحمد ومحمد يمني حول تاريخ واقعة الاقتراض منهما - بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت مؤدي هذه الأقوال بما لا تناقض فيه, وكان ما أورده الحكم عن سعي ذوي المجني عليه إلى الطاعنين لرد الطفل له أصله الثابت في الأوراق, وكان الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم بفرض وجوده ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك, وكان القانون لا يحظر سماع الشهادة التي تؤخذ على سبيل الاستدلال بلا يمين بل للمحكمة متى اقتنعت بصحتها أن تأخذ بها وتعتمد عليها وكان الطاعنون لا يدعون أن الطفل المخطوف الذي أخذت المحكمة بشهادته لم يكن يستطيع التمييز وإنما اقتصروا على القول بعدم إمكان الاطمئنان إلى أقواله لصغر سنه وجواز التأثير عليه فذلك منهم يكون مجادلة غير مقبولة في تقدير الأدلة وكان باقي ما يثيره الطاعنون في الوجه الثاني من طعنهم لا يعدو الجدل في موضوع الدعوى مما لا يثار أمام هذه المحكمة ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في الوجهين الأول والثاني لا يكون لهما محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم شابه إخلال بحق الدفاع ذلك أنه أهدر دفاعهم بما لا يفنده إذ اكتفى بالقول بأنهم لم يجرحوا الشهود بالتحقيقات في حين أن الطاعنين لم يسألوا بالتحقيق ولم يسمعوا أقوال الشهود إلا في الجلسة, كما أن المحكمة لم تنبه الطاعنين أو المدافعين عنهم إلى ما أجرته من تعديل في وصف التهمة وفي مواد الاتهام بأن دانتهم بالمادة 288 من قانون العقوبات دون المادتين 280, 282/ 2 الواردتين بالوصف الذي أحيلوا به مما يخل بحق الطاعنين في الدفاع ويبطل الإجراءات.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنون على الحكم من خطأ في الاسناد مردود بأنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد نسب على خلاف الثابت بالأوراق إلى الطاعنين أنهم لم يجرحوا الشهود بالتحقيقات التي لم يسألوا فيها ما دامت هذه الواقعة القانونية لم يكن لها اعتبار في إدانة الطاعنين ولا تعلق لها بجوهر الأسباب وما دام الحكم مقاما على أدلة مؤدية إلى ما رتبه عليها مما لا يصح أن يتخذ سبيلا للطعن في سلامة الحكم. لما كان ذلك, وكانت النيابة العامة اتهمت الطاعنين بخطف المجني عليه الذي لم يبلغ سنه ستة عشرة سنة كاملة بالاكراه وحبسه في منزل مجهول بدون أمر من الحكام المختصين وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بذلك وكان ذلك مصحوبا بالتهديد بالقتل والتعذيبات البدنية وطلبت عقابهم بالمواد 280, 282/ 1, 288 من قانون العقوبات فاستبعد الحكم واقعة حبس المجني عليه وتعذيبه وتهديده الواردة بقرار الإحالة بقولة أنه لا محل لإسنادها إلى الطاعنين في خصوص الدعوى الحالية بوصف أنها جرائم مستقلة مكتفيا باعتبارها من عناصر الجريمة التي دان الطاعنون بها وانتهى إلى وصف الطريقة التي تم بها الخطف بما لا يخرج عن الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الاحالة وهى التي كانت معروضة على بساط البحث وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد في حكم القانون تغييرا لوصف التهمة المحال بها الطاعنون بل هو مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون لفت نظر الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه, لما كان ما تقدم فإن هذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.