أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 581

جلسة 16 من مايو سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(110)
الطعن رقم 293 لسنة 31 القضائية

إجراءات المحاكمة. إثبات. تحقيق. نيابة عامة. اختصاص.
بطلان التحقيق التكميلى الذى تتولاه النيابة العامة بناء على ندب المحكمة إياها لإجرائه بعد أن دخلت الدعوى فى حوزتها. تعلق هذا البطلان بالنظام العام لمساسه بقواعد التنظيم القضائى. المادة 294 إجراءات جنائية - والمادة 339 مرافعات التى تقرر مبدأ عاما يسرى فى المواد الجنائية. بطلان الدليل المستمد من هذا التحقيق.
من المقرر أن القاضى الذى يفصل فى الدعوى يجب أن يكون قد اشترك فى تحقيقها بنفسه وسمع أوجه دفاع الخصوم فيها، وهو مبدأ مستقر عليه فى أصول المحاكمات، وقد نص عليه صراحة فى المادة 339 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذه المادة تقرر مبدأ عاما يسرى أيضا فى المواد الجنائية، وإذا تعذر تحقيق دليل أمام المحكمة فقد تكلفت المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص على أنه يجوز فى هذه الحال أن تندب المحكمة أحد أعضائها أو قاضيا آخر لتحقيقه، وليس لها أن تحيل الدعوى على سلطة التحقيق بعد أن دخلت فى حوزتها، لأنه بإحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم تكون ولاية السلطة المذكورة قد زالت وفرغ اختصاصها، ومن ثم يكون الدليل المستمد من التحقيق التكميلى الذى تقوم به النيابة العامة بناء على ندب المحكمة إياها فى أثناء سير المحاكمة باطلا، وهو بطلان متعلق بالنظام العام لمساسه بقواعد التنظيم القضائى التى تحدد نظام التقاضى وواجب المحكمة فى مباشرة جميع إجراءات الدعوى بنفسها، أو بندب أحد أعضائها أو قاضيا آخر فى حالة تعذر تحقيق الدليل أمامها، ومن ثم فلا يصحح هذا البطلان رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء المخالف للقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما جلبا جواهر مخدرة "حشيشا" إلى الإقليم المصرى قبل الحصول على ترخيص بذلك. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و 2 و 33 من القانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول أ المرفق. فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمواد الإتهام بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه مع مصادرة المادة المخدرة المضبوطة وذلك على اعتبار أن المتهمين فى الزمان والمكان سالفى الذكر أحرزا جواهر مخدرة "حشيشا" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة إحراز جوهر مخدر قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور فى التسبيب، وذلك بأن المدافع عنهما تمسك بإجراء معاينة وتجربة رؤية بمكان ضبط المخدر لبيان الأبعاد التى تناولتها شهادة الشهود والتحقق من إمكان رؤيتهم الطاعنين فى الأوضاع التى تعاقبت فيها حوادث الضبط فى مثل الوقت الذى تم فيه حيث كان الظلام مخيما والرؤية مستحيلة فى بعض الأبعاد والأوضاع، واستجابت المحكمة إلى هذا الطلب بأن ندبت النيابة العامة لإجرائه بحضور الشهود والطاعنين والدفاع، وقد قامت النيابة العامة بتنفيذ قرار المحكمة فى هذا الشأن وعلى رغم قصوره فإنها خرجت عن نطاقه بأن أجرت تقدير المسافات طبقا لتقديرها هى لا طبقا لتقدير الشهود، كما أجرت تجربة رؤية الجوال المضبوط على غير مماثلة لواقعة الحادث، وقد تمسك الدفاع بوجوب إعادة المعاينة سدا لما شابها من نقص، ولكن الحكم أطرح هذا الطلب بقوله إنه غير جدى بدعوى أن الدفاع كان حاضرا إجراء هذه المعاينة المعاينة وأن المحكمة استخلصت منها إمكان الرؤية وهو ما لا يصلح ردا، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على الطاعنين بوصف أنهما جلبا جواهر مخدرة "حشيشا" إلى الإقليم المصرى قبل الحصول على ترخيص بذلك، وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهما على محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و 2 و 33/ 1 و 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول المرفق، فقررت بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة، طلب المدافع عن الطاعن الأول فى ختام مرافعته بجلسة 11 من أكتوبر سنة 1959 إجراء المعاينة للتحقيق من وجود مخالفات حديد فى منطقة الضبط ولإثبات إمكان الرؤية ومداها وإمكان وقوع الحادث بالصورة وعلى الأبعاد التى ذكرت وقال الحاضر عن الطاعن الثانى إن الأمر يحتاج إلى المعاينة فقررت المحكمة "فتح باب المرافعة فى الدعوى لجلسة 7 من ديسمبر سنة 1959 وندبت النيابة للانتقال لمكان الحادث لمعاينته فى وقت يتفق وتاريخ حدوثه بحضور الشهود والمتهمين والدفاع لبيان ما يأتى - أولا - حالة الضوء فى مكان الحادث وأثر إضاءة الطريق المجاور للمياه فى ذلك - ثانيا - بيان المسافة التى يمكن للشهود فيها تمييز الأشخاص والأشياء - ثالثا - تحديد المسافة بين مكان الشهادة وبين الفانوس فى الوقت المقال بانتشال الجوال من جوار الفانوس وكذلك المسافة بين مكان العثور على الجوال المضبوط وبين مكان ضبط كل من المتهمين وذلك بإرشاد الشهود - رابعا - التحقيق مما إذا كان يوجد فى منطقة محل الحادث حديد أو لا". وبالجلسة الأخيرة أثار المدافع عن الطاعن الأول أوجه النقض التى لاحظها على المعاينة التى أجرتها النيابة العامة تنفيذا لقرار المحكمة وختم مرافعته طالبا إعادة المعاينة لإجرائها على ضوء ما بينه وانضم إليه المدافع عن الطاعن الثانى فيما أبداه من وجود نقص بالمعاينة وصمم على طلباته. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وفصل أدلتها عرض إلى ما أثاره الدفاع عن الطاعنين فى شأن معاينة مكان الحادث التى أجريت بناء على ندب المحكمة النيابة العامة لذلك وإلى ما تمسك به من إعادة إجراء المعاينة فقال "وقد جاء بدفاع الحاضرين مع المتهمين (الطاعنين) بالجلسة أن حالة الضوء فى مكان الحادث وقت وقوعه لم تكن تسمح للشهود سالفى الذكر برؤية واقعة انتشال المتهمين الجوال من عند الفانوس الأخضر وسيرهما به فى المياه وإلقائه فيها إلا أنه ظهر من معاينة مكان الحادث بمعرفة النيابة بحضور المتهمين والحاضرين معهما فى وقت يتفق ووقت وقوعه - ما تستخلص منه المحكمة إمكان رؤية ذلك وقد طلب الحاضران مع المتهمين إعادة إجراء المعاينة لتجربة إمكان الرؤية بالنسبة للشهود أنفسهم إلا أن طلبهما هذا مردود بأنهم كانا حاضرين وقت إجراء المعاينة التى تمت والتى استخلصت منها المحكمة إمكان هذه الرؤية كما تقدم... وترى المحكمة لهذا كله أن طلب إعادة إجراء المعاينة لتجربة إمكان الرؤية بالنسبة للشهود غير جدى ولا محل لإجابته بعد ما ظهر من المعاينة الأولى سالفى الذكر." وكان ما انتهى إليه الحكم من ذلك غير سديد، ذلك بأنه من المقرر أن القاضى الذى يفصل فى الدعوى يجب أن يكون قد اشترك فى تحقيقها بنفسه وسمع أوجه دفاع الخصوم فيها وهو مبدأ مستقر عليه فى أصول المحاكمات وقد نص عليه صراحة قانون المرافعات المدنية والتجارية فى المادة 339 منه التى يجرى نصها على "أنه لا يجوز أن يشترك فى المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلا" - وهذه المادة تقرر مبدأ عاما يسرى أيضا فى المواد الجنائية. وإذا تعذر تحقيق دليل أمام المحكمة فقد تكلفت المادة 294 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص على أنه يجوز فى هذه الحال أن تندب المحكمة أحد أعضائها أو قاضيا آخر لتحقيقه، وليس لها أن تحيل الدعوى على سلطة التحقيق بعد أن دخلت فى حوزتها لأنه بإحالة الدعوى من سلطة التحقيق على قضاة الحكم تكون ولاية السلطة المذكورة قد زالت وفرغ اختصاصها، ومن ثم يكون الدليل المستمد من التحقيق التكميلى الذى تقوم به النيابة العامة بناء على ندب المحكمة إياها فى أثناء سير المحاكمة باطلا، وهو بطلان متعلق بالنظام العام لمساسه بقواعد التنظيم القضائى التى تحدد نظام التقاضى وواجب المحكمة فى مباشرة جميع إجراءات الدعوى بنفسها - أو بندب أحد أعضائها أو قاضيا آخر فى حالة تعذر تحقيق الدليل أمامها - ومن ثم فلا يصحح هذا البطلان رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء المخالف للقانون. لما كان ذلك، فإن استناد المحكمة فى تكوين عقيدتها بإدانة الطاعنين إلى الدليل المستمد من معاينة النيابة العامة التى أجريت على وجه مخالف للقانون كما سلف البيان يكون باطلا، ولما كانت الأدلة فى المواد الجنائية متساندة بحيث إذا سقط دليل منها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت إليه المحكمة، فيكون التفاتها عن إجابة الدفاع عن الطاعنين إلى إجراء المعاينة والتجربة بمعرفتها - أو بالقليل بوساطة أحد أعضائها أو قاض آخر - بعد أن نوهت فى مدونات حكمها بتعلق هذا الطلب بالدعوى وأهميته فى كشف الحقيقة، مبطلا للحكم بما يستوجب نقضه وذلك بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعنان فى أوجه طعنهما.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة.