أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 198

جلسة 16 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(44)
الطعن رقم 1990 سنة 28 القضائية

(أ, ب, جـ) أسباب إباحة الجرائم. دفاع شرعي. شروط نشوء الحق. الخطر التصوري.
الخطر التصوري. كفايته لنشوء الحق عند اعتقاد المدافع حلول الخطر. م 246, م 247 ع.
تقدير حلول الخطر أمر اعتباري ينظر فيه إلى شخص المدافع وظروفه الخاصة التي أحاطت به في الحالة التي وجد فيها.
الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من حيث صلته بالتسبيب. ما لا يصلح ردا على هذا الدفع. أمثلة.
قول الحكم أن المجني عليه لم يكن يحمل عصا ولم يضرب المتهم بها لا يصلح سببا لنفي حالة الدفاع الشرعي أمام مطاردة المجني عليه وإلقائه أرضا ومحاولته اللحاق به رغم ما يحمله المتهم من سلاح.
قول الحكم أن الطرفين يتنازعان وضع اليد على الأرض لا يصلح ردا على تمسك المتهم بأنه إنما لجأ إلى استعمال القوة لرد المجني عليه عن أرضه التي دخلها عنوة وتقديمه حكما صادرا لصالح والده بإعادة وضع يده على الأرض. صدور أمر من البوليس للطرفين قبيل الحادث بعدم دخول الأرض غير مؤثر. وجوب بحث الحيازة الفعلية للأرض.
إثبات. اقناعية الدليل. وجوب ابتنائه على الجزم واليقين.
العبرة في المواد الجنائية هى بالحقائق الثابتة فعلا لا بالاحتمال والفروض.
1 - لا يوجب القانون بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء حقيقيا بل قد ينشأ ولو لم يسفر التعدي عن أية إصابات متى تم بصورة يخشى منها الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
2 - تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعي فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات - فإذا قال الحكم أن المجني عليه لم يكن يحمل عصا ولم يضرب المتهم بها, هذا القول, على إطلاقه لا يصلح سببا لنفي ما تمسك به المتهم من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه, أمام مطاردة المجني عليه له وإلقائه أرضا ومحاولته اللحاق به رغم ما يحمله المتهم من سلاح.
3 - إذا كان المتهم قد تسمك أمام المحكمة بأنه إنما لجأ إلى القوة لرد المجني عليه عن أرضه بعد أن دخلها عنوة لمنعه من الانتفاع منها وقدم حكما صادرا لصالح والده بإعادة وضع يده عليها, فلا يكفي للرد على هذا الدفاع قول الحكم أن الطرفين يتنازعان وضع اليد على الأرض, وكان لزاما على المحكمة أن تبحث فيمن له الحيازة الفعلية على الأرض المتنازع عليها, حتى إذا كانت للمتهم وكان المجني عليه هو الذي دخلها بقصد منع حيازة المتهم لها بالقوة فإنه يكون قد ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات, ويكون للمتهم الحق في استعمال القوة اللازمة طبقا للمادة 246 من قانون العقوبات - فإذا هى لم تفعل ذلك يكون حكمها خاطئا, ولا يغير من ذلك أن يكون قد صدر أمر من جهة البوليس للطرفين - قبيل الحادث - بعدم دخول الأرض, لأن هذا الأمر ليس من شأنه أن يغير مركز الخصوم في الدعوى, ولأن العبرة في المواد الجنائية هى بالحقائق الثابتة فعلا لا بالاحتمال والفروض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا - قتل خالد بركات أبو الوفا عمدا بأن أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وثانيا - أحرز سلاحا ناريا "بندقية خرطوش وذخيرته" بدون ترخيص من وزير الداخلية. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و5 و9/ 1 من القانون رقم 58 لسنة 1949. فقررت بذلك وقد أدعى عبد المجيد وعبد الهادي بركات أبو الوفا إخوة القتيل بحق مدني قدره مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضوريا عملا بالمادة 236 من قانون العقوبات عن التهمة الأولى والمادة 30 من القانون المذكور عن التهمة الثانية: أولا - بمعاقبة المتهم عبد الرحمن علي عبد الرحمن بالسجن لمدة خمس سنوات وبإلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحق المدني عبد المجيد وعبد الهادي بركات مبلغ مائة جنيه بصفة تعويض والمصروفات: وثانيا - بانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة للتهمة الثانية وببراءته منها وبمصادرة السلاح المضبوط. وذلك على اعتبار أن هذا المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر أطلق عمدا عيارا ناريا على المجني عليه خالد بركات ولم يكن يقصد بذلك قتلا ولكنه أفضى إلى موته.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... ألخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله, وفي بيان ذلك يقول أن المجني عليه دخل أرضا في حيازته ووضع أدوات الصيد فيها بقصد منع حيازته لها, ولما أراد الطاعن رفعها من الأرض منعه المجني عليه من ذلك, وأمسك به وألقاه ارضا ثم طارده محاولا الإعتداء عليه فأطلق الطاعن عليه عيارا في الهواء فلم يحفل المجني عليه بذلك فأطلق عليه عيارا آخر أصابه الإصابة التي أودت بحياته, وتمسك المدافع عنه بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وماله ولكن المحكمة ردت على ذلك بما لا يصلح ردا له واستدلت على نفي قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس بأن المجني عليه لم يكن يحمل عصا, كما استدلت على نفي حالة الدفاع الشرعي عن المال بمقولة أن الإدارة أخذت على والد الطاعن تعهدا بعدم دخول الأرض موضوع النزاع, في حين أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس أن يكون قد وقع إعتداء على النفس بالفعل بل يكفي أن يكون قد وقع فعل يخشى منه وقوع هذا الإعتداء ويكفي في هذا الفعل المستوجب للدفاع أن يكون مبنيا على أسباب معقولة تبرر ذلك, كما أن الحيازة الفعلية للأرض المتنازع عليها ثابتة للطاعن ووالده بموجب حكم قضائي ومن حقه أن يرد الإعتداء عنها باستعمال القوة اللازمة لرده.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن نزاعا قام بين المجني عليه والمتهم بشأن أحقية المجني عليه, في وضع جوابي لصيد الأسماك في أرض يتنازعان وضع اليد عليها فقد وضع المجني عليه الجوابي في الأرض فأراد المتهم رفعها من الأرض فمنعه المجني عليه من ذلك فعمد المتهم إلى إطلاق عيار ناري من بندقية يحملها على المجني عليه فأصابه في ساقه اليسرى وأدت الأصابة إلى وفاته". ويبين من مطالعة الأوراق أن الحاضر عن الطاعن دفع بقيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن عن النفس والمال وقال ما مؤداه أن المجني عليه هو البادئ بالعدوان على أرض الطاعن التي في حيازته بناء على حكم صادر من المحكمة المدنية لصالح والده بإعادة وضع يده على الأرض وأنه حاول منع المجني عليه من وضع الجوابي فيها فألقاه على الأرض وضربه بعصا وحاول الاحتماء بأحمد الشربيني فلم يفلح فأطلق على المجني عليه عيارا في الهواء فلم يرتجع عنه فأطلق عليه في حدود حقه الشرعي العيار الثاني الذي أصابه, وقد رد الحكم على هذا الدفاع بما يأتي: "(أولا) - أنه لم يثبت من شهادة شهود الإثبات الذين أخذت المحكمة بشهادتهما أن المجني عليه كان يحمل عصا من الشوم أو أنه ضرب المتهم بعصا (وثانيا)......... (وثالثا) يبين من إشارة عمدة الكردي على البلاغ المقدم إليه من عبد المجيد بركات شقيق المجني عليه بالحادث أن المتهم ليس بأحق من المجني عليه بحيازة الأرض وأن الأرض المتنازع عليها ليست خاصة له دون المجني عليه فقد ورد بالتأشيرة المذكورة ما نصه حضرة ضابط نقطة الكردي محول لحضرتكم هذا البلاغ وقد بلغنا حضرتكم بإشارة تليفونية بالحادث, مع العلم بأن هذه القطعة مأخوذ تعهد بعدم وجود عبد الحميد بركات المبلغ من عزبة مصطفى وعلي عبد الرحمن والد المتهم وأولاده في الجناية رقم 1056 لسنة 1949 بعدم دخول هؤلاء الأشخاص بهذه القطعة وعدم وجودهم فيها وكان المتهم ووالده واخوته قد تركوا مياه بهذه القطعة للمنفعة منها بصيد الاسماك ولما علمت بذلك حررت إفادة لحضرتكم منذ أربعة أيام طلبت فيها حضور المتهم ووالده والمبلغ لأخذ التعهد عليهم بعدم العمل في هذه القطعة نظرا لوجود حوادث وإخلال بالأمن من هؤلاء جميعا وبناء على ما تقدم فإن الأرض ليست أرض المتهم ووالده ولما كان ذلك فإنه لا يكون في حالة دفاع شرعي عن المال تبيح له إطلاق النار على المجني عليه". لما كان ذلك, وكان القانون لا يوجب بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء حقيقا بل قد ينشأ ولو لم يسفر التعدي عن أية إصابات متى تم بصورة يخشى منها, الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة, وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر إعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعي فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات, فقول الحكم أن المجني عليه لم يكن يحمل عصا ولم يضرب الطاعن بعصا, هذا القول على إطلاقه لا يصلح سببا لنفي ما تمسك به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه, أمام مطاردة المجني عليه له والقائه أرضا ومحاولته اللحاق به رغم ما يحمله الطاعن من سلاح ومن ثم يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون في هذه الناحية. وحيث إن القانون قد قرر في المادة 246 عقوبات حق الدفاع الشرعي عن المال لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم الواردة في باب إنتهاك حرمة ملك الغير, وكان المتهم قد تمسك أمام المحكمة أنه إنما لجأ إلى القوة لرد المجني عليه عن أرضه بعد أن دخلها عنوة لمنعه من الإنتفاع منها وقدم حكما صادرا لصالح والده بإعادة وضع يده عليها, فلا يكفي للرد على هذا الدفاع قول الحكم أن الطرفين يتنازعان وضع اليد على الأرض, وكان لزاما على المحكمة أن تبحث فيمن له الحيازة الفعلية على الأرض المتنازع عليها, حتى إذا كانت للمتهم وكان المجني عليه هو الذي دخلها بقصد منع حيازة المتهم لها بالقوة فإنه يكون قد ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات ويكون للمتهم الحق في استعمال القوة اللازمة طبقا للمادة 246 عقوبات, فإذا هى لم تفعل ذلك يكون حكمها خاطئا من هذه الناحية أيضا, ولا يغير من ذلك أن يكون قد صدر أمر من جهة البوليس للطرفين "قبيل الحادث" بعدم دخول الأرض, لأن هذا الأمر ليس من شأنه أن يغير مركز الخصوم في الدعوى, والعبرة في المواد الجنائية هى بالحقائق الثابتة فعلا لا بالاحتمال والفروض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن بوجهيه في محله ويتعين قبوله ونقض الحكم المطعون فيه.