أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 257

جلسة 2 من مارس سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل رئيس المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, ومحمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, وعادل يونس المستشارين.

(56)
الطعن رقم 2143 لسنة 28 القضائية

(أ, ب, ج) دعوى جنائية. تحريكها. حق التصدي. حالاته وأثره. المادة 11و 12 أ. ج.
إجراءات المحاكمة. بطلانها. حالات البطلان المتعلق بالنظام العام. من بينها قواعد إقامة الدعوى الجنائية. أثر مخالفتها. لا يصححها قبولها من المتهم أو المدافع عنه.
نقض. حالاته. الخطأ في القانون الاجرائي. مثال.
1 - الأصل هو الفصل بين سلطتي الإتهام والمحاكمة حرصا على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية, إلا أنه أجيز من باب الاستثناء لكل من محكمة الجنايات وللدوائر الجنائية بمحكمة النقض في حالة نظر الموضوع بناء على الطعن في المرة الثانية - لدواع من المصلحة العليا ولاعتبارات قدرها المشروع نفسه - وهى بصدد الدعوى المعروضه عليها أن تقيم الدعوى الجنائية على غير من أقيمت الدعوى عليهم أو عن وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها.
2 - لا يترتب على استعمال "حق التصدي للدعوى الجنائية" غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها, ويكون بعدئذ للجهة التي تجري التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها, فإذا رأت النيابة أو المستشار المندوب إحالة الدعوى إلى المحكمة فإن الإحالة يجب أن تكون إلى محكمة أخرى, ولا يجوز أن يشترك في الحكم فيها أحد المستشارين الذين قرروا إقامة الدعوى.
3 - إذا كانت الواقعة التي دين بها المتهمان هى غير الواقعة التي وردت بأمر الإحالة, وكانت محكمة الجنايات حين تصدت للواقعة المذكورة وحكمت فيها نفسها دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة للتحقيق - إن كان له محل - ودون أن تترك للنيابة حرية التصرف في التحقيقات التي تجرى بصدد تلك الواقعة قد أخطأت بمخالفتها صريح نص القانون, فلا يؤثر في ذلك القول بأن الدفاع عن المتهمين قبل المرافعة على أساس التهمة الجديدة ولم يحصل منه اعتراض على توجيهها بالجلسة, لأن ما أجرته المحكمة - على ما سلف ذكره - وقع مخالفا للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سامية تتصل بتوزيع العدالة على ما يقضي به القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من 1 - ابراهيم الدمرداش عبد اللطيف و2 - أحمد الدمرداش عبد اللطيف و3 - علي الدمرداش عبد اللطيف و4 - مصطفى الدمرداش عبد اللطيف و5 - أبو الفتح عز العرب عبد اللطيف و6 - عبد الحميد محمد عبد اللطيف و7 - عبد القوي الدمرداش و8 - عبد العزيز الدمرداش بأنهم: أولا - المتهمون الخمسة الأول: اشتركوا مع مجهول من بينهم بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في قتل "محمود السيد خطاب" عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا على قتله وأعدوا لذلك بلطا وسكاكين وفؤوس وتوجهوا إليه في المكان المعلوم وجوده به وانهالوا عليه ضربا فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وثانيا - المتهمون الخمسة الأول أيضا شرعوا في قتل السيد السيد خطاب عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك الأسلحة السابق ذكرها وتوجهوا إليه في مكان وجوده المعلوم لهم وانهالوا عليه بالضرب قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي, وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج. وثالثا - المتهمون الأول والرابع والسادس - شرعوا في قتل سليمان السيد خطاب عمدا ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك الأسلحة السابق ذكرها وتوجهوا إليه في المكان الذي يعلمون بوجوده فيه وانهالوا عليه طعنا قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي, وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج: ورابعا - المتهم الأول: شرع في قتل محمد سليمان عمدا مع سبق الإصرار - بأن بيت النية على قتله وأعد بلطة توجه بها إلى المكان الذي يعلم أنه موجودا به وانهال عليه طعنا قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج. وخامسا - المتهم الثالث: ضرب عمدا ومع سبق الإصرار السيد سليمان خطاب فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاجا أقل من عشرين يوما. وسادسا - المتهم الرابع: ضرب عمدا ومع سبق الإصرار البدري سليمان فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاجا أقل من عشرين يوما. وسابعا - المتهم السادس: ضرب عمدا هنا السيد خطاب فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاج اقل من عشرين يوما, وكان ذلك مع سبق الإصرار. وثامنا - المتهمان السابع والثامن (أ) أحرزا سلاحا ناريا بدون ترخيص. (ب) أحرزا ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر بدون ترخيص. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 40 و41 و45 و46 و230 و231 و232 و234/ 1 و242/ 1 و2 من قانون العقوبات والمواد 1 و5 و9/ 1 و10/ 2 من قانون 58 لسنة 1946 والجدول الملحق به بالنسبة للمتهمين 7 و8 فصدر الأمر بذلك. وادعى بحق مدني ورثة محمود السيد خطاب وهم 1 - سليمان السيد خطاب عن نفسه وبصفته وصيا على القصر سمير وملكه ومحمود (أولاده) و2 - فريده عبد الحميد القيعي (زوجته) و3 - مبروكه محمد خطاب (والدته) و4 - السيد السيد خطاب و5 - محمد سليمان خطاب وطلبوا القضاء لهم قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا مع المصاريف والأتعاب. وأمام محكمة جنايات طنطا توفى المتهم الثاني (أحمد الدمرداش عبد اللطيف) وقضى بانقضاء الدعوى العمومية بوفاته. وقد تنازل المدعون بالحق المدني عن دعواهم قبل ورثته مؤقتا, كما طلبت النيابة تعديل وصف التهمة على أساس أن جميع المتهمين مسئولون عن تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع في قتل كل من السيد السيد خطاب وسليمان السيد خطاب ومحمد سليمان مع سبق الإصرار باعتبار كل منهم فاعلا أصليا والمحكمة قضت حضوريا عملا بالمادتين 230, 231 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32 و17 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهمين الأول والثالث والرابع والخامس والسابع والثامن - أولا: بمعاقبة المتهم ابراهيم الدمرداش عبد اللطيف بالأشغال الشاقة المؤبدة وعلي الدمرداش عبد اللطيف ومصطفى الدمرداش وأبو الفتح عز العرب عبد اللطيف بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشر سنة وعبد القوي الدمرداش وعبد العزيز عبد اللطيف بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصروفاتها المدنية وعشرة جنيهات أتعاب محاماة. وثانيا - ببراءة عبد الحميد محمد عبد اللطيف مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعنان الخامس والسادس على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وبنى على بطلان في الإجراءات ذلك أنهما أحيلا إلى محكمة الجنايات بتهمة إحراز أسلحة نارية وذخائر مما ينطبق عليه القانون رقم 58 لسنة 1949 بشأن الأسلحة وذخائرها دون غيره, أما جنايات القتل مع سبق الإصرار والشروع فيه التي دينا بها, فقد تقدمت بها النيابة إلى المحكمة في اثناء سير الدعوى أمامها ووجهتها إلى المتهمين جميعا ومن بينهم الطاعنان, على اساس أنهما ضالعان معهم في ارتكابها, وقضت المحكمة في الدعوى على هذا الاعتبار مع مخالفة ذلك لنص المادة 307 من قانون الاجراءات الجنائية التي لا تجيز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة مما يعيب الحكم بالبطلان لخروج المحكمة عن ولايتها, ولا يصححه رضاء المتهمين لتعلق الأمر بالنظام العام مما يجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى, ومما يستوجب نقض الحكم ليس فقط بالنسبة إلى الطاعنين المذكورين بل بالنسبة إلى جميع الطاعنين للارتباط الملحوظ بين الوقائع التي اتهموا بارتكابها وتحقيقا لحسن سير العدالة.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية قبل الطاعنين على اعتبار أن الطاعنين الأربعة الأول مع متهمني آخرين اشتركوا مع مجهول من بينهم بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في قتل محمود السيد خطاب عمدا مع سبق الاصرار وشرعوا في قتل باقي المجني عليهم وضرب بعضهم, ونسبت إلى الطاعنين الخامس والسادس أنهما أحرزا سلاحا ناريا وذخائر مما تستعمل في الأسلحة بدون ترخيص, وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات بالوصف سالف البيان, فقررت بذلك, وفي اثناء سير الدعوى أمام محكمة الجنايات طلبت النيابة تعديل وصف التهمة على أساس أن المتهمين جميعا قتلوا المجني عليه الأول وشرعوا في قتل الباقين وضرب بعضهم حالة كونهم جميعا فاعلين أصليين, ومع سبق الاصرار, وانتهت المحكمة إلى إدانة الطاعنين جميعا بالوصف المعدل مطبقة في حق الطاعنين الخامس والسادس المواد 230 و231 و17 و32 من قانون العقوبات دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة لتحقيقها والتصرف فيها وفقا للقانون. لما كان ذلك, وكان الأصل هو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة حرصا على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية, إلا أنه أجيز من باب الاستثناء لكل من محكمة الجنايات وللدائرة الجنائية بمحكمة النقض - في حالة نظر الموضوع بناء على الطعن في المرة الثانية - لدواع من المصلحة العليا ولاعتبارات قدرها المشرع نفسه - وهى بصدد الدعوى المعروضة عليها أن تقيم الدعوى الجنائية على غير من أقيمت الدعوى عليهم أو عن وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها, ولا يترتب على استعمال هذا الحق الذي يطلق عليه عادة "حق التصدي للدعوى الجنائية" غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها, ويكون بعدئذ للجهة التي تجري التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها, فإذا ما رأت النيابة أو المستشار المندوب إحالة الدعوى إلى المحكمة فإن الإحالة يجب أن تكون إلى محكمة أخرى, ولا يجوز أن يشترك في الحكم فيها أحد المستشارين الذين قرروا إقامة الدعوى - لما كان ما تقدم وكانت الواقعة التي دين بها الطاعنان الخامس والسادس هى غير الواقعة التي وردت بأمر الإحالة, وكانت محكمة الجنايات حين تصدت للواقعة المذكورة وحكمت فيها بنفسها دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة للتحقيق - إن كان له محل - ودون أن تترك للنيابة حرية التصرف في التحقيقات التي تجرى بصدد تلك الواقعة, قد أخطأت بمخالفتها صريح نص القانون, ولا يؤثر في ذلك القول بأن الدفاع عن الطاعنين المذكورين قبل المرافعة على أساس التهمة الجديدة ولم يحصل منه اعتراض على توجيهها بالجلسة, لأن ما أجرته المحكمة على ما سلف ذكره وقع مخالفا للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سامية تتصل بتوزيع العدالة على ما يقضي به القانون.
وحيث إنه لما تقدم, يتعين قبول هذا الوجه دون حاجة إلى بحث وجوه الطعن الأخرى, ونقض الحكم بالنسبة إلى الطاعنين جميعا لحسن سير العدالة.