أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 267

جلسة 2 من مارس سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل المستشارين.

(58)
الطعن رقم 2149 لسنة 28 القضائية

(أ و ب) إثبات. خبير تسبيب معيب لرأيه. مثال.
حكم. عيوب التدليل. فساد الاستدلال.
تدليل فاسد على رؤية المجني عليه من أطلق النار عليه نتيجة فهم خاطئ لعبارة وردت بأقواله. وفهم التقرير الطبي عن مسار الأعيرة النارية بجسم المجني عليه على غير ما يؤدي إليه محصله.
1 - إن العبارة التي صدرت من المجني عليه لوكيل النيابة من أن المتهمين أطلقا لعيه النار من الخلف لا تفيد رؤيته لهما وهما يقترفان الجريمة, إذ أن إطلاق النار من الخلف في حد ذاته لا يؤدي إلى رؤية, لا سيما أن المجني عليه لم يستوضح في ذلك حتى يكون ما استخلصته المحكمة من عبارته التي أدلى بها لوكيل النيابة عقب إصابته مبنيا على اليقين لا على مجرد الاستنتاج.
2 - إذا كان الحكم قد رد على ما يثيره المتهمان من أن المجني عليه لم يكن يستطيع رؤية مطلق النار عليه لأن إصاباته جميعها كانت من الخلف وذلك في قوله "... إنه لو كان مسار الأعيرة جميعها بجسم المصاب بالنسبة للوضع الطبيعي له من الخلف إلى الأمام, لما قال الطبيب الشرعي أن مسارها من الخلف إلى الأمام "وفي مجموعها" ولا كتفي بقوله أن مسارها كان من الخلف إلى الأمام" وكان تقرير الطبيب الشرعي - كما أورده الحكم - لم يشر إلى أن بعض إصابات المجني عليه كانت من الأمام حتى يستطيع رؤية مطلق النار عليه, بل إن المستفاد من هذا التقرير أن إصابتي مؤخر أسفل أيسر الصدر حدثتا من عيارين أطلقا على المجني عليه من الخلف واستقر مقذوف أحدهما بالجسم بينما خرج الثاني من مقدم أيسر أعلى جدار البطن, وكانت عبارة هذا التقرير عن مسار الأعيرة لا تفيد المعنى الذي ذهب إليه الحكم, فإن ما استفاده الحكم من التقرير الطبي الشرعي من أن بعض إصابات المجني عليه كانت من الأمام يكون تدليلا غير سائغ على إدانة المتهمين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا عمدا مع سبق الاصرار والترصد بشارى محمد بدر بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك أسلحة نارية (مسدسا) وتربصا به في المكان الذي أيقنا بمروره فيه حتى إذا ما ظفرا به أطلقا عليه خمسة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأصابته أربعة منها وخلفت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بمقتضى المواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات. وادعى بدر محمد بدر (أخ القتيل) بحق مدني قبل المتهمين متضامين بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين محمود خضري سليمان ومحمد خضري سليمان بالأشغال الشاقة المؤبدة مع إلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني بدر محمد بدر مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات المدنية وخمسمائة قرش أتعاب للمحاماه بغير مصروفات جنائية.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في الاستدلال ذلك أنه استند في إدانتهما إلى ما أثبته وكيل النيابة المحقق في مذكرته التي ضمت لأوراق التحقيق من أنه سأل المجني عليه عمن أطلق عليه النار فأجابه بأن الطاعنين أطلقا عليه النار من الخلف, مع أن هذه العبارة الصادرة من المجني عليه لا تفيد رؤيته الطاعنين يطلقان النار عليه, وقال الدفاع عن الطاعنين أنه لما كانت إصابات المجني عليه جميعها من الخلف فإنه لم يكن ليستطيع رؤية من اعتدى عليه, وقد رد الحكم على ذلك بقوله إنه ثبت من تقرير الطبيب الشرعي وجود جرحين ناريين بمؤخر اسفل الصدر لم يصب بهما المجني عليه من الخلف, واستند في ذلك إلى أن الطبيب الشرعي ذكر في تقريره أن مسار الأعيرة بجسم المصاب كان من الخلف للأمام في مجموعها. وفضلا عن أن هذا الاستخلاص لا يتفق والثابت بالتقرير المذكور فإن لفظ "مجموعها" معناه جميعها, ومن ثم يكون الحكم قد أخطأ في الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعنان في طعنهما من أن ما قاله المجني عليه لوكيل النيابة من أن الطاعنين أطلقا عليه النار من الخلف لا يفيد رؤيته الطاعنين, ورد عليه في قوله "إن المحكمة تعول في اقتناعها بثبوت التهمة قبل المتهمين على ما أثبته وكيل النيابة الذي قام بتحقيق الحادث فور حصوله في مذكرته التي ضمها لأوراق التحقيق من أنه سأل المجني عليه عمن أطلق عليه النار, فقرر له بأن محمد خضري قرطم ومحمد خضري سليمان (الطاعنان) أطلقا النار عليه من الخلف وأن المحكمة ترى في هذه العبارة ما يدل على أن المجني عليه لم يذكر لوكيل النيابة إسمي المتهمين مؤسسا اتهامه على مجرد الظن أو مجرد الاتهام أو مجرد الاعتقاد بأنهما اللذان اعتديا عليه, وإنما ذكر له إسميهما لأنه شاهدهما وهما يعتديان عليه, ومن أجل ذلك قرر لوكيل النيابة أنهما أطلقا النار عليه من الخلف, وأن الذي تستخلصه المحكمة مما أثبته وكيل النيابة في مذكرته وما وصفت به حالة المجني عليه عند وصوله إلى المستشفى هو أن حالة الغيبوبة وفقد النطق لابد أنها لم تطرأ على المجني عليه إلا في وقت لاحق للوقت الذي أجاب فيه وكيل النيابة على ما سأله عنه, والتقرير الطبي الشرعي الاستشاري الذي تقدم به المتهمان للمحكمة, وإن كان قد خلص في نتيجته إلى أنه كان من المستحيل على المجني عليه أن يذكر أسماء ضاربيه عقب وصوله إلى المستشفى, إلا أنه لم يذكر أن ذلك كان مستحيلا في الوقت الذي أجاب فيه المجني عليه وكيل النيابة على ما سأله عنه, وإنما عبر عن رأيه في ذلك بأنه (ويستبعد أن يكون المصاب قد تكلم بتعقل) ولا شك أن المستبعد هو أمر محتمل لكنه ليس بمستحيل" ثم رد الحكم على ما يثيره الطاعنان من أن المجني عليه لم يكن ليستطيع رؤية مطلق النار لأن إصاباته جميعها كانت من الخلف وذلك في قوله "إنه فيما يتعلق بما ذكره الدفاع عن المتهمين خاصا بأن إصابات المجني عليه جميعها من الخلف وأنه من أجل ذلك لم يكن يستطيع رؤية من اعتدى عليه, فان المحكمة تراه مردودا بما هو وارد في تقرير الطبيب الشرعي الذي فحص جثة المجني عليه وقام بتشريحها من وجود جرحين ناريين بمؤخرة أسفل أيسر الصدر مقابل الضلوع السفلي اليسرى - الأنسي على بعد 5 سم إلى يسار خط منتصف الصدر والوحشي 7سم إلى اليسار من هذا الخط, ولا شك أن المجني عليه لم يصب بهذين الجرحين من الخلف, ولابد أن إصابة المجني عليه بهذين الجرحين هى التي أدت بالطبيب الشرعي إلى أن يذكر في ختام تقريره إمكان مسار هذه الأعيرة بجسم المصاب بالنسبة للوضع الطبيعي له من الخلف للأمام في مجموعها إذ لو كان مسار الأعيرة جميعها بجسم المصاب بالنسبة للوضع الطبيعي له من الخلف إلى الأمام لما قال الطبيب الشرعي أن مسارها من الخلف إلى الأمام وفي مجموعها, ولاكتفي بقوله إن مسارها كان من الخلف إلى الأمام" - لما كان ذلك وكانت العبارة التي صدرت من المجني عليه لوكيل النيابة من أن الطاعنين أطلقا عليه النار من الخلف لا تفيد رؤيته لهما وهما يقترفان الجريمة, إذ أن إطلاق النار من الخلف في حد ذاته لا يؤدي إلى رؤية, سيما وأن المجني عليه لم يستوضح في ذلك حتى يكون ما استخلصته المحكمة من عبارته التي أدلى بها لوكيل النيابة عقب إصابته مبنيا على اليقين لا على مجرد الاستنتاج, وكان تقرير الطبيب الشرعي كما أورده الحكم لم يشر إلى أن بعض إصابات المجني عليه كانت من الأمام حتى يستطيع رؤية مطلق النار عليه, بل إن المستفاد من هذا التقرير أن إصابتي مؤخر أسفل أيسر الصدر حدثتا من عيارين أطلقا على المجني عليه من الخلف واستقر مقذوف أحدهما بالجسم بينما خرج الثاني من مقدم أيسر أعلى جدار البطن, وعبارة هذا التقرير "أن مسار الأعيرة من الخلف إلى الأمام في مجموعها" - على ضوء ما سلف ذكره - لا تفيد المعنى الذي ذهب إليه الحكم, ومن ثم فإنه إذا ما استفاد من عبارة المجني عليه أنه شاهد الطاعنين يطلقان النار عليه, واستفاد من التقرير الطبي الشرعي أن بعض إصابات المجني عليه كانت من الأمام يكون قد أورد تدليلا غير سائغ على إدانة الطاعنين مما يعيبه ويوجب نقضه.