أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 696

جلسة 11 من أكتوبر سنة 1965

برئاسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفي رضوان، ومحمد محمد محفوظ ، ومحمود عز الدين سالم, ومحمد أبو الفضل حفني.

(133)
الطعن رقم 1601 لسنة 35 القضائية

تموين. "التوقف عن التجارة". دفاع "الاخلال بحق الدفاع". "ما يوفره". حكم ."تسبيبه. تسبيب معيب".
على التاجر إثبات قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، حتي يكون امتناعه بعيدا عن دائرة التجريم ، تعبير الشارع عن افساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة من أمثلة الأعذار قيام العجز الشخصي بالتاجر أو الخسارة التي تصيبه من الاستمرار في عمله، تقديم العذر الجدي إلى وزارة التموين وانتهاؤها إلى سلامته. التزامها بقبوله. الدفع به أمام المحكمة الموضوع. عليها النظر فيه وتحقيقه. إن صح وجب عليها تبرئة الممتنع. المادة 3 مكررا من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المضافة بالقانون 139 لسنة 1951 والمعدلة بالقانون 250 لسنة 1952.
الواضح من المقارنة بين نص المادة 3 مكررا من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين المضافة بمقتضي القانون رقم 139 لسنة 1951 ونصها الوارد بالقانون رقم 250 لسنة 1952 ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما أن الشارع قصد بمعاقبه الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أيا ما كانت الطائفة التي ينتمي إليها - والوكيل بالعمولة يصدق عليه وصف التاجر في صحيح القانون - وذلك توفيرا للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وقد كان يستلزم في الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلا للعقاب أن يكون مقصودا به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلا عن صعوبته لم تسند به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار، فأوجب في نص القانون 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلا لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو الخسارة التي تصيبه من الاستمرار في عمله ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا الوجه الشاذ الذي يضحي فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن افساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة، ومتي وجد أحدها بصورة جدية كان الامتناع عن الاتجار بعيدا عن دائرة التجريم . وإذا قدم العذر الجدي إلي وزارة التموين وانتهت إلي سلامته يتعين عليها قبوله، وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها نظر فيه وتحقيقه، حتي إذا صح لديها قيامه وجب عليه تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب، لما كان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بأنه قدم إلى جهة الاختصاص طلبا بالتوقف عن مزاولة التجارة لأن العمولة التي يقتضيها من تجارته لا تفي بمصروفاته، وأنه لم يتوقف تحقيقا لكسب مادي، ولكن المحكمة المطعون في حكمها لم تقطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه فلم تورده في حكمها ولم ترد عليه بما ينفيه، أو تتولي تحقيقه بلوغا لغاية الأمر فيه وهو دفاع جوهري إذ تندفع به التهمة المسندة إليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصر البيان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 من أكتوبر سنة 1964 بدائرة أبو طشت: توقف عن الاتجار على الوجه المعتاد في الدقيق بالجمعية بدون إذن من الجهة المختصة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و3 و20 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945. ومحكمة أبو طشت الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 27 من فبراير سنة 1965 عملا بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتغريمه مائة جنيه وقدرت كفالة اثنين من الجنيهات لإيقاف التنفيذ لعقوبة الحبس. فأستأنف المتهم هذا الحكم، ومحكمة قنا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 13 من يونيه سنة 1965 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض .. الخ


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي - في تقديري الأسباب المقدمين منه - على الحكم المطعون فيه أنه أيد الحكم الابتدائي ودانه بجريمة التوقف عن الاتجار على الوجه المعتاد في الدقيق بالجملة بدون إذن قد شابه قصور في البيان وفساد في الاستدلال كما أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه خلا من بيان الواقعة ومن إيراد الأدلة الصحيحة على قيام الجريمة في حقه إذ اقتصر في القول بتوافرها على مجرد تراخي الطاعن في الإخطار عن حركة البيع في مستودع الدقيق الذي يملكه، وعلى أنه قدم إلى جهة الاختصاص طلبا بقبول تنازله عن ممارسة تجارته، وليس في هذا ولا ذاك ما يفيد تحقق الجريمة المسندة إليه، ولم يورد الحكم أسانيد هذا الامتناع، أما استدلال الحكم بمحضر التحقيق المؤرخ 20/ 10/ 1964 دون بيان مضمونه، فتجهيل لأدلة الثبوت في الدعوى، هذا إلى أن الطاعن إنما هو صاحب مستودع يقوم بتوزيع الدقيق لحساب أحد المطاحن مقابل عمولة، وقد امتنع المطحن عن توريد الدقيق له لخلاف على العمولة ومصاريف النقل مما لا يد للطاعن فيه، ومجرد الوقف عن ممارسة تجارة ما على الوجه المعتاد لا عقاب عليه إلا إذا توافر لدي مقارفة القصد الجنائي عاما كان أو خاصا وهو ما لم يدلل الحكم على قيامه في حق الطاعن، بل إن مبررات ذلك التوقف قد ضمنها الطاعن طلب نزوله عن الاستمرار في إدارة المستودع الذي تقدم به كتابة إلى مفتش التموين بتاريخ 20/ 4/ 1964 فأشر عليه بالموافقة على قبوله للأعذار التي أبداها من ضآلة العمولة حتى أصبحت لا تفي بالتزاماته، وقد تمسك الطاعن بهذا الدفاع وقدم المستندات الدالة عليه، إلا أن الحكم المطعون فيه اتخذ من طلب التنازل دليلا على جريمة الامتناع وهو ما لا ينتجه مما يعيب استدلاله بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على الطاعن بوصف أنه في يوم 20/ 10/ 1964 بدائرة مركز أو طشت - توقف عن الاتجار بالجملة في الدقيق على الوجه المعتاد بدون إذن من الجهة المختصة وطلبت معاقبته بالمواد 1 و3 و20 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945. ومحكمة أول درجة قضت حضوريا - عملا بمواد الاتهام بادانة الطاعن فاستأنف، ومحكمة ثاني درجة قضت بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات. وقد اقتصر الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه في إثبات الجريمة والتدليل عليها بقوله "وبما أن واقعة الاتهام تخلص فيما أثبته السيد مفتش تموين أبو طشت من أن المتهم يدير مستودعا للدقيق بالجملة بناحية الزرايب، وقد تراخي في الإخطار عن حركة البيع بالمستودع المذكور. وبسؤاله في 20/ 10/ 1964 بعد استدعائه لسؤاله في ذلك الأمر قدم طلبا بالتنازل عن البيع - وبما أن التهمة ثابتة قبل المتهم ثبوتا مقنعا لادانته من المحضر المؤرخ 20/ 10/ 1964 سالف الذكر، ومن امتناع المتهم عن مزاولة بيع الدقيق قبل أن يحصل سبقا على اذن من الجهة الإدارية المختصة في التوقف عن ذلك البيع، ومن ثم يتعين عقابه بمواد الاتهام". وعرض الحكم المطعون فيه إلى ما دفع به الطاعن من أن المادة 3 مكررا المضافة بالقانون رقم 139 لسنة 1951 والمعاملة بالقانون رقم 250 لسنة 1952 - لا تسري في حقه . فأطرحه بقوله إنه صاحب مستودع دقيق بلدي بالجملة. لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب في كل حكم يصدر بالادانة أن يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدي تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان قاصرا. وكان القول بعدم اخطار الطاعن عن حركة الدقيق في متجره، وتقديمه طلبا بالتنازل عن البيع فيه، لا شأن له بتهمة التوقف عن الاتجار على الوجه المعتاد المسندة إليه ولا يصلح سندا للاستدلال على مقارفتها وكان الحكم فوق ذلك قد خلا من بيان مضمون المحضر المشار إليه فيه ووجه استدلاله به على الجريمة التي دان الطاعن بها حتى يكشف عن وجه استشهاده به، كي تتمكن محكمة النقض من إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقا صحيحا على الواقعة التي صار اثباتها في الحكم، فانه يكون قاصر البيان واجب النقض .
وحيث إن المادة 3 مكررا من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أضيفت إلي المرسوم المذكور بمقتضي القانون رقم 139 لسنة 1951 الصادر في 18 من سبتمبر سنة 1951 وجري نصها كالآتي "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد في السلع التي يحددها وزير التموين بقرار منه - قاصد بذلك عرقلة التموين". ثم استبدلت بالقانون رقم 250 لسنة 1952 الصادر في 21/ 10/ 1952 وأصبح نصها على النحو الآتي "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو تجرون في السلع التموينية التي يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يقفوا العمل في مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلى بترخيص من وزير التموين ويعطي هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة نصيبه من الاستمرار في عمله أو لأي عذر آخر يقبله وزير التموين ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه. ويكون قراره في حالة الرفض مسببا فإذا لم يصدر الوزير قرار مسببا بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصا". لما كان ذلك، وكان من الواضح من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما أن الشارع قصد بمعاقبه الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أيا ما كانت الطائفة التي ينتمي إليها - والوكيل بالعمولة يصدق عليه وصف التاجر في صحيح القانون - وذلك توفيرا للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلا للعقاب أن يكون مقصودا به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلا عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار، فأوجب في نص القانون رقم 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد. وضرب مثلا لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو الخسارة التي تصيبه من الاستمرار في عمله ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا الوجه الشاذ الذي يضحي فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة، ومتى وجد أحدها بصورة جدية كان الامتناع عن الاتجار بعيدا عن دائرة التجريم. وإذا قدم العذر الجدي إلي وزارة التموين - وانتهت إلي سلامته يتعين عليها قبوله، وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها نظر فيه وتحقيقه، حتى إذا صح لديها قيامه، وجب عليه تبرئة الممتنع، لآن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب. لما كان ما تقدم ، وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بأنه قدم إلى جهة الاختصاص طلبا بالتوقف عن مزاولة التجارة لأن العمولة التي يقتضيها من تجارته لا تفي بمصروفاته، وأنه لم يتوقف تحقيقا لكسب مادي، ولكن المحكمة المطعون في حكمها لم تقطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه فلم تورده في حكمها ولم ترد عليه بما ينفيه، أو تتولي تحقيقه بلوغا لغاية الأمر فيه وهو دفاع جوهري إذ تندفع به التهمة المسندة إليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصر البيان وكذلك في هذا الخصوص.
وحيث إنه لما تقدم يكون النعي في محله ويتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة.