أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 685

جلسة 13 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفى، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود اسماعيل المستشارين.

(132)
الطعن رقم 11 لسنة 31 القضائية

إثبات. "قرائن". حكم "تسبيبه".
المعلومات العامة. سطوع القمر فى ليلة الثامن من الشهر العربى: حقيقة لا يحتاج العلم بها إلى التقويم. قول الحكم إن القمر كان فى "التربيع الثانى". لا يترتب عليه البطلان - بفرض أن مصدره هو التقويم.
ما ذكرته المحكمة من أن القمر فى ليلة الثامن من شهر رمضان كان فى التربيع الثانى، لم ترد به غير ما أوضحته بعد هذه العبارة بقولها إن ضوءه كان ساطعا، وهذه الحقيقة لا تخفى باعتبارها من المعلومات العامة ولا يحتاج العلم بها إلى تقويم. فتكون عبارة التربيع الثانى - بفرض أن مصدرها هو التقويم المقول فى الطعن باطلاع المحكمة عليه فى غيبة المتهمين - غير مؤثرة بذاتها فى عقيدة المحكمة ولا يترتب عليها بطلان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا عمدا ومع سبق الإصرار والترصد المجنى عليه بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية محشوة بالرصاص وترصدوا له فى طريق عودته إلى منزله حتى إذا ما فاجأوه بإطلاق النار عليه قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و 231 و 232 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. وادعى... ... ... بصفته وكيلا عن والدته وابن القتيل بحق مدنى قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين جميعا متضامنين. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعى بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن - كما جاء بمذكرة الأسباب الأولى المؤرخة فى 2 من يناير سنة 1960 - هو الخطأ فى الاستدلال وفى الإسناد وبطلان الحكم المطعون فيه، ذلك بأن أقوال شهود الحادث كما وردت بتحقيقات النيابة تفيد أن الأعيرة أطلقت على المجنى عليه من الأمام، وهم إن لم يذكروا ذلك صراحة إلا أن أقوالهم تفيد هذا المعنى وقد جاء ببلاغ الحادث أن أخ القتيل وصف الإصابات بأنها فى الصدر ثم جرت مذكرة النيابة إلى الطبيب الشرعى على هذا النحو مع أن الثابت من تقرير الطبيب الشرعى أن إصابات المجنى عليه جاءته من الخلف، فلما أوضح الدفاع ذلك أمام قاضى المعارضات عند نظر الدعوى لأول مرة عمد الشهود إلى مواجهة هذا الخلاف بإيراد واقعة جديدة مؤداها أن المجنى عليه استدار قبل إطلاق النار عليه فجعل ظهره للجناة، وقد تحدث الدفاع عن هذا التلفيق فرد عليه الحكم بأن الشهود لم يبينوا فى التحقيق موقف الضارب من المضروب لأنهم لم يسألوا عن ذلك ولا يتصور أن يدلوا بشئ لم يسألوا عنه وأضاف أن أحدهم وهو محمد عثمان قرر منذ بداية التحقيق أن القتيل وقف يكلم ابنه وقت الحادث فلم تكن واقعة استدارته مستحدثة، ووجه الفساد فى هذا التدليل يرجع إلى أن الشهود ذكروا واقعة الاستدارة أمام المحكمة دون أن يسألوا عنها كما أن أقوال محمد عثمان فى التحقيق تخالف ما يصوره الحكم فهو لم يذكر أن المجنى عليه استدار ولم يكن إيراد الشهود لهذه الواقعة غير محاولة للرد على دفاع الطاعنين أمام قاضى المعارضات، ويضيف الطاعن أن الحكم رد على دفاع الطاعنين القائم على أن ضوء القمر لم يكن يسمح يتمييز الجناة بقوله "إن ليلة الحادث كانت ليلة الثامن من شهر رمضان فيكون القمر فى التربيع الشعاعى ويكون ضوؤه ساطعا وقت صلاة العشاء يمكن من الرؤية..." وقد دلت المحكمة بقولها إن القمر كان فى التربيع على أنها اطلعت على التقويم فى غيبة الطاعنين فاتخذت بذلك إجراء من إجراءات التحقيق فى غير حضورهم مما يبطل إجراءات المحاكمة، هذا إلى أن أقوال الشهود تدل على أن الحادث وقع بعد صلاة التراويح التى تبدأ بعد صلاة العشاء وتستغرق نحو ساعة فيكون القول بأن القمر كان ساطعا وقت صلاة العشاء غير منتج، هذا إلى أن قول الحكم بأن الطريق الذى وقع فيه الحادث يتجه من الشرق إلى الغرب مما يجعل القمر ساطعا فيه من وقت شروقه إلى ساعة غروبه هو قول غير مستساغ لأن القمر يفقد سطوعه عند غروبه فضلا عن أن اتجاه الطريق لا يفيد حتما أن ضوء القمر كان ساطعا فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما أثاره الدفاع خاصا بواقعة استدارة المجنى عليه وورودها متأخرة على لسان الشهود بقوله "إن هذا الدفاع مردود بأن مرجع ذلك إلى عدم سبق سؤالهم عن مكان الضارب من المضروب بمعرفة وكيل النيابة المحقق ولا يتصور أن يدلى الشاهد بإجابات عن أشياء لم يسأل عنها وبمجرد أن سئلوا عن ذلك قرروا أن القتيل استدار وقت إطلاق النار عليه ليكلم ابنه حسن بل إن الشاهد محمد عثمان قرر فى بدء التحقيق أن القتيل وقف يكلم ابنه وقت الحادث ومن ثم فليس فى قول الشهود أمام المحكمة أن المجنى عليه قد استدار ليكلم ابنه حسن بشئ جديد إذ أن أحدهم قد ذكره من فجر التحقيق..." لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لأوجه الطعن أن أقوال من عدا محمد عثمان من شهود الواقعة لم تتضمن ما يفيد أن الأعيرة أصابت المجنى عليه من الأمام كما جاء بوجه الطعن، وكان محمد عثمان قد شهد فى التحقيق بأن المجنى عليه الذى كان متجها إلى منزله وقف عند بداية الطريق المؤدى إليه ليخاطب ابنه حسن الذى كان يسير وراءه وقال "وهو كان وقف ييجى دقيقتين مسافة مانده على ابنه يس وجات العيارات قايمة على طول" وهذا الذى ذكره الشاهد سائغ فى تبرير ما فهمه الحكم من استدارة المجنى عليه قبيل إطلاق النار عليه من الجناة الذين كانوا عندئذ إلى الخلف - ولما كانت المعاينة التى أجراها الطبيب الشرعى بناء على انتداب المحكمة قد أفادت أن استدارة المجنى عليه على الوجه الذى بينه الشهود تجعل من الممكن حدوث إصابته بالصورة والوضع الذين قالوا به، وما دام أن واقعة استدارة المجنى عليه لم تكن مستحدثة كما يقول الطاعنون فإن الحكم لم يخطئ فيما انتهى إليه ويكون ما أثاره الطاعن فى هذا الخصوص هو مجرد جدل موضوعى لا يقبل منه أمام هذه المحكمة. ولما كان ما ذكرته المحكمة من أن القمر فى ليلة الثامن من شهر رمضان كان فى التربيع الثانى لم ترد به غير ما أوضحته بعد هذه العبارة بقولها إن ضوءه كان ساطعا، وهذه حقيقة لا تخفى باعتبارها من المعلومات العامة ولا يحتاج العلم بها إلى تقويم. فتكون عبارة التربيع الثانى - بفرض أن مصدرها هو التقويم - غير مؤثرة بذاتها فى عقيدة المحكمة ولا يترتب عليها بطلان. لما كان ما تقدم وكان شهود الواقعة قد أجمعوا بمحضر الجلسة على أن القمر كان ساطعا وقت وقوع الحادث وأنهم تمكنوا من رؤية المتهمين على ضوئه وهو ما اطمأنت إليه المحكمة وأيدته بما ذكرت من سطوع القمر وقت وقوع الحادث - ولما كان ما يثيره الطاعنون فى طعنهم فى هذا الخصوص هو محاولة للتشكيك فى إمكان الرؤية الذى اقتنعت به المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية، وكان الطعن لم يتضمن أن بالطريق الذى وقع به الحادث عوائق تمنع وصول ضوء القمر إليه، فإن الطعن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا يقبل أمام هذه المحكمة ويتعين لذلك رفض هذه الأوجه من الطعن.
وحيث إن مبنى الطعن كما جاء بمذكرة الأسباب الثانية المؤرخة فى 3 يناير سنة 1960 هو فساد الاستدلال والاضطراب والتناقض وخطأ الإسناد، وفى بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم قد أخطأ فى التدليل على توفر نية القتل لديهم بأن ذكر أنهم عمدوا إلى الأخذ بالثأر بعد أن قضت المحكمة ببراءة حسن ابن القتيل وشقيقه عبد الحميد من تهمة قتل والد الطاعنين الأول والثانى وعم الثالث فى حين أن الحكم لم يصدر إلا بعد وقوع هذا الحادث وقد دان حسن ابن القتيل وقضى ببراءة شقيقه فانتفت علة الواقعة القائمة على ثورة الطاعنين لبراءة خصومهم، ويضيف الطاعنون أن مكان الحادث الذى تحفه المنازل لا يسمح لضوء القمر بأن يكشف الجناة الذين كانوا يقفون إلى جوار حائط أحد المنازل وأن موقف المجنى عليه كما وصفه الحكم كان إلى داخل الحارة التى يقع بها منزله بنحو نصف متر وكان متجها بجذعه ووجه إلى ناحية الطريق الذى كان به الجناة بحيث تحجبه الحارة عن مرمى سلاحهم مما يدل على اضطراب المحكمة فى تصوير وقائع الحادث، كما أخذ بدليلين ينقض أحدهما الآخر فحصل من أقوال الشهود أن المجنى عليه تلفت بجذعه كله إلى الناحية الشرقية القبلية وأن الجناة اطلقوا عليه النار من مكان يقع أمام منزل على خليفة وهو موقع - كما يبين من معاينة الطبيب الشرعى - يواجه موقف المجنى عليه بحيث تصيبه الأعيرة من الأمام خلافا لما جاء بالتقرير الطبى الشرعى الذى أخذ به الحكم أيضا من أن الإصابة كانت من الخلف واليمين قليلا، وقد اضطرب الحكم كذلك إذ ذكر مرة أن المجنى عليه أصيب وهو خارج الحارة التى بها منزله وذكر مرة أخرى أنه دخلها وكان على مسافة نصف متر من بدايتها عندما أصيب مع أن الوضع الأخير يجعله محميا بالحوائط فلا يصاب، وأخيرا يذهبا الطاعنون إلى أن هناك خلافا بين الرسم والمعاينة اللذين أجراهما المحقق وبين الرسم والمعاينة اللذين أجراهما الطبيب الشرعى فى تحديد موقع منزل على خليفة الذى وقف عنده الجناة فهو فى المعاينة الأولى يقع إلى الجهة القبلية الغربية من مدخل الحارة التى كان بها المجنى عليه وهو فى المعاينة الثانية يقع أمام مدخل الحارة وإلى الجهة القبلية منه مباشرة ولهذا الخلاف أثره فى تحديد اتجاه الأعيرة، فإذا أجابت المحكمة على ما أبداه الدفاع فى هذا الشأن بأنها لا ترى أى خلاف بين الصورتين فإنها تكون قد أخطأت فى الإسناد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال تدليلا على توفر نية القتل "وحيث إن نية القتل العمد ثابتة قبل المتهمين من الضغينة الكامنة فى نفوسهم من الشروع فى قتل والد المتهمين الأول والثانى وعم المتهم الثالث واتهام حسن ابن القتيل وشقيقه عبد الحميد بارتكابه وقد برأتهما محكمة الجنايات فأثار هذا المتهمين وعولوا على الأخذ بالثأر لأنفسهم مما دعاهم إلى الانتقام من القتيل رأس عائلة المعتدين..." لما كان ذلك، وكانت عبارة الحكم تفيد أن الباعث على القتل يقوم بصفة أصلية على الضغينة الكامنة فى نفوس الطاعنين بسبب حادث قتل والد الأول والثانى وعم الثالث وهو ما لا نزاع فيه، ولما كان الحكم قد صدر فى قضية مقتل والد الطاعنين الأول والثانى فى 16/ 12/ 1956 كما يبين من صورته المقدمة بالجلسة فإن المحكمة يمكن أن تكون قد ألمت به أو بطرق منه عند الحكم فى الدعوى الحالية بجلسة 16/ 12/ 1959 وهى إذ أوردت عبارة "وقد برأتهما المحكمة " - تريد المتهمين - لم توردها بالصورة التى تفيد أنها رتبت وقوع القتل على الحكم بالبراءة بل أوردتها لتشير بها إلى ما تم فى تلك الدعوى. على أن الخطأ فى الباعث لا يعيب الحكم بفرض حصوله لأن الباعث ليس من أركان الجريمة ولأن التدليل على توفر نية القتل يستقيم فى هذه الدعوى بغير هذا السبب. لما كان ما تقدم، وكان ما أثاره الطاعن خاصا بالتشكيك فى إمكان الرؤية قد سبق الرد عليه، وهو لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا يقبل أمام هذه المحكمة. ولما كان ما وصفه الطاعنون بأنه اضطراب فى الحكم تناول تحديد موقف المجنى عليه عند إصابته من الجناة وموقفه من الطريق والخلاف المزعوم بين الدليلين الفنى والقولى على الوجه السابق بيانه، إنما هو فى الحقيقة محاولة للتدليل على كذب الشهود فى وصفهم لكيفية حصول الإصابات بالمجنى عليه، وهو جدل مردود بما أثبته الحكم استناد إلى معاينة الطبيب الشرعى وتقريره اللذين ثبت منهما بما له أصل من الأوراق ومن أقوال الشهود من إمكان حصول الإصابات على الوجه المقول به - لما كان ما تقدم وكان الحكم قد رد على دعوى وجود خلاف بين المعاينتين والرسمين بقوله "وحيث إن الدفاع أثار أيضا ما سماه خلافا بين المعاينتين الأولى والثانية والرسمين الأولى والثانى وأجهد نفسه فى تفسير لفظ "قبالة" الذى جاء بالمعاينة الأولى وهل يعنى هذا اللفظ الجهة المقابلة أم الجهة المجاورة وبالرجوع إلى المعاينة الأولى تبين منها أن الشاهد حسن أحمد محمد حسن أرشد المحقق إلى مكان وقوف المتهمين ووصف المحقق هذا المكان بأنه قبالة نهاية منزل على خليفة ثم خطط رسما كروكيا مبينا فيه اعلام مكان الحادث ووضع المتهمين فى الجهة القبلية من الطريق بجوار حائط منزل على خليفة وبذلك يكون المحقق قد فسر لفظ قبالة بهذا الرسم وبين قصده ووضع المتهمين فيه فى المكان الذى قصد أن يضعهم فيه فى المعاينة بعبارة "قبالة" وفى المعاينة الثانية استصحب المحقق الطبيب الشرعى طبقا لقرار المحكمة وطلب من الشاهد حامد أحمد محمد حسن ومن باقى الشهود كل على حدة أن يبين مكان المتهمين وقت إطلاق النار ومكان المجنى عليه فبينوا ذلك وحرر الطبيب الشرعى تقريره بنتيجة هذه المعاينة وجاء به أن موقف المتهمين حسب إرشاد الشهود كان مقابل منزل على خليفة وأرفق بالمعاينة رسما وضح فيه مكان وقوف المتهمين فكان هو نفس المكان الموضح فى الرسم الذى خططه المحقق عقب المعاينة الأولى فلم يحصل خلاف أو تناقض بين المعاينتين ولا بين الرسمين وقد مثل الطبيب الشرعى الحادث على الطبيعة وانتهى إلى أنه من الممكن أن تحدث إصابات القتيل أحمد محمد حسن بالتصوير والوضع الذى قال به الشهود من أنه أصيب عند لفتته فى المكان المبين بالرسم وكان المتهمون فى المكان الذى عينوه والمبين بالرسم...". لما كان ما رد به الحكم فيما سبق قد أوضح موقف الجناة - وهو ما يدور حوله البحث - بما لا خلاف فيه. ولما كان هذا الرد سائغا فى نفى وجود التناقض الذى يهدف الطاعنون بإثارته إلى إعادة الجدل فى أقوال الشهود التى اقتنعت بها المحكمة. لما كان كل ذلك فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.