أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 692

جلسة 13 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل،وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.

(133)
الطعن رقم 189 لسنة 31 القضائية

(أ) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه". نقض.
تعويل الحكم - بلا مبرر - على أقوال شاهد لم يسأل فى القضية. لا موجب لنقضه: متى كانت هذه الشهادة غير مؤثرة فى عقيدة المحكمة أو فى نتيجة الحكم. هى تزيد فى التسبيب.
(ب) إثبات. مأمور الضبط القضائى. دعوى جنائية. غش.
تعيين موظفين لهم صفة مأمورى الضبط القضائى فى جرائم الغش بمقتضى القانون لسنة 1941. إنما ورد ذلك على سبيل التنظيم. إمكان رفع الدعوى الجنائية وإدنة المتهم فيها بناء على محضر حرره غير هؤلاء الموظفين. عدم خضوع أحكام قانون الغش لقواعد إثبات خاصة به.
1 - إذا كان لا يبين أن شهادة الشاهد كان لها دخل فى تكوين عقيدة المحكمة أو تأثير فى النتيجة التى انتهت إليها باعتبارها عنصرا من العناصر التى بنت عليها الإدانة، وطالما أن استبعاد هذه الشهادة برمتها وإسقاطها من الحكم لا يكون له تأثير على منطق الحكم أو سلامة تدليله، فإن خطأ الحكم - حين عرض بلا مبرر لأقوال هذا الشاهد دون أن يكون لها أصل ثابت فى الأوراق لأنه لم يسأل فى القضية - لا يكون جدلا موجبا لنقضه لأنه يعتبر تزيدا لا تأثير له على سلامته.
2 - تعيين موظفين لهم صفة مأمورى الضبط القضائى فى جرائم الغش المعاقب عليها بمقتضى القانون رقم 48 لسنة 1941 ليس معناه عدم إمكان رفع الدعوى الجنائية على المتهم إذا لم يحصل ضبط الواقعة أو أخذ العينة بمعرفة أحد هؤلاء الموظفين، وطالما لا يوجد نص صريح يقضى بذلك فقد دل الشارع على أن المقصود هو تنظيم وتوحيد الإجراءات دون إخضاع أحكام هذا القانون، لقواعد إثبات خاصة به أو ترتيب أى بطلان على عدم اتباع تلك الإجراءات، ويصح الحكم بالإدانة بناء على أى دليل يقدم فى الدعوى وتقتنع المحكمة بصدقه ويكون مؤديا إلى ثبوت التهمة المسندة إلى المتهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه باع جبنا مغشوشا مع علمه بذلك. وطلبت عقابه طبقا لأحكام القانون رقم 48 لسنة 1941. والمحكمة الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الاتهام بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل والنفاذ والمصادرة ونشر الحكم بجريدة الأهرام على نفقته بلا مصاريف جنائية. فعارض وقضى فى معارضته بقبولها شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم بالنسبة لعقوبة الحبس وتأييد المصادرة بلا مصاريف. فاستأنفت النيابة هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا بإجماع الآراء بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف يما قضى به من براءة المتهم وبحبسه شهرا واحدا مع الشغل ونشر الحكم بجريدة الجمهورية على نفقته وتأييده فيما قضى به من مصادرة بلا مصاريف جنائية. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو قصور فى التسبيب وفساد فى الإستدلال وإخلال بحق الدفاع وخطأ فى الإسناد وبطلان فى الإجراءات، ذلك أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إدانة الطاعن تأسيسا على أنه قام بغش الجبن بنزع بعض الدسم وإضافة مواد صلبة مع أن التهمة التى نسبتها إليه النيابة العامة وأقامت الدعوى العمومية على أساسها هى أنه باع جبنا مغشوشا مع علمه بذلك وبذلك تكون صورة الجريمة التى عنيت المحكمة بالتدليل عليها تختلف عن صورة الجريمة كما وردت فى التهمة ولو أن الصورتين تشملهما الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، وكان لزاما على المحكمة أن تذكر الأدلة على بيع الطاعن للجبن المغشوش لا أن تتحدث عن قيامه بغش الجبن بانتقاص بعض مواده وإضافة مواد أخرى - كما أنه ليس فى أوراق القضية ما يدل على أن الطاعن نزع الدسم من الجبن وأضاف إليه مواد صلبة بل إن كان ما جاء فى تقرير التحليل هو أن نسبة الدسم إلى المواد الصلبة فى العينة فى 41.6% وهذه النسبة تقل عن النسبة المسموح بها قانونا ومقدارها 45% - والدسم لا ينزع من الجبن وإنما ينزع من اللبن الذى يصنع به الجبن والطاعن ليس بتاجر لبن، ومن المحتمل إذا كان الدسم قد نزع من اللبن أن يكون قد وقع ذلك ممن باعه وورده إلى الطاعن أو أن يكون الدسم قد تطاير جزء منه أثناء صنع الجبن بفعل الحرارة وزيادة درجتها أو نتيجة خطأ الناقل وإهماله أثناء التجهيز - وأنه يجب أن يقوم الدليل على أن المتهم أتى فعلا من الأفعال التى تحدث تغييرا فى اللبن بانتزاع شئ من الدسم أو بالإضافة إليه، وأن المحكمة قد أتت من عندها بواقعة إضافة مواد صلبة إلى الجبن وليس فى القضية ما يشير إلى ذلك، وقد طلب الطاعن أمام محكمة أول درجة إعادة تحليل عينه الجبن إذ أنه على ثقة من مطابقتها للمواصفات القانونية فقررت المحكمة المذكورة إعادة تحليل العينة الموجودة بالمستشفى فجاء رد المستشفى بأن العينة مفقودة، فقدم الطاعن العينة التى تحت يده وثبت من تقرير إعادة التحليل أن العينة المذكورة متغيرة الخواص الطبيعية ولا تصلح للتحليل - وقد دفع الطاعن بما يفيد عدم الثقة فى تقرير إعادة التحليل نظرا للرشوة التى أخذها منه بعض موظفى مصلحة المعامل بوزارة الصحة وكانت سببا فى تقديمهم للمحاكمة فى جناية الرشوة ولكن الحكم المطعون فيه اطرح هذا الدفاع على أساس أنه لا تأثير لجناية الرشوة على ما تم من إجراءات فى هذه القضية إذ لم تحدث جناية الرشوة إلا بعد أن تمت تلك الإجراءات ومن بينه إعادة التحليل بالإضافة إلى أن من قام بالتحليل طبيب آخر غير من اتهما فى جناية الرشوة - ولو عنيت المحكمة بتحقيق دفاع الطاعن وتمحيص الوقائع السابقة والتالية للرشوة لتبينت أن المساومة عليها مع الطاعن قد بدأت قبل إعادة التحليل كما أن المتهمين بالرشوة يعملان تحت رئاسة الطبيب الذى قام بالتحليل - وقد استند الحكم المطعون فيه إلى غير الثابت فى أوراق القضية بشأن سلامة التحليل باستناده إلى شهادة الدكتور فائق تادرس الجبلاوى بجلسة 22/ 3/ 1960 فى قضية أخرى هى القضية رقم 227 سنة 1960 جنح مستأنفة بنها التى لم يصدر قرار بضمها إلى القضية الحالية والتى شهد بها أنه يستحيل أن يترسب شئ من الدسم فى الزجاجة المحتوية على العينة - وقد أشارت المحكمة إلى شهادته بقولها إنها تطمئن إليها لأنها صادرة من ذوى خبرة وأن المتهم لم يطعن عليها بأى مطعن وأن الثابت أن الدكتور فائق الجبلاوى لم يسأل فى القضية موضوع الطعن وأنه لم تقم أية صلة قانونية بين القضيتين الأمر الذى لا يجوز معه الاستناد إلى أقواله كشاهد فى القضية الحالية - كما انتهى الحكم المطعون فيه على خلاف حكم محكمة أول درجة إلى رفض الدفع ببطلان محضر أخذ العينة المؤسس على أن من أخذ العينة ليس من رجال الضبطية القضائية مع أن نص المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1941 و 11 من القانون رقم 132 لسنة 1950 واضح الدلالة على أن هناك موظفين لهم بمقتضى قرار وزارى سلطة مأمورى الضبط القضائى فيما يتعلق بالجرائم التى تقع مخالفة لقانون الألبان وقد خول القانون لهؤلاء الموظفين وحدهم أخذ العينة لما يستلزمه ذلك من خبرة خاصة.
وحيث إنه يبين مما جاء بالحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى إدانة الطاعن بتهمة بيعه جبنا مغشوشا قام بتوريده إلى مستشفى الأمراض العقلية مع علمه بالغش، وقد اشتمل على بيان الأدلة التى استخلص منها ثبوت وقوع تلك الجريمة من الطاعن، وهى إقراره بصنع ذلك الجبن ومما ثبت فى محضر أخذ العينة وما جاء فى تقرير التحليل، ولا يبين مما أورده الحكم أن الطاعن أثار أى جدل بشأن ثبوت واقعة توريده الجبن محل التهمة المسندة إليه إلى مستشفى الأمراض العقلية بل إن مفاد قوله الذى أورده الحكم أنه مقر بأنه صانع ذلك الجبن الذى ورده للمستشفى وتمت بشأنه إجراءات الضبط والتحليل، والأدلة التى أوردها الحكم سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. وأن ما استخلصه الحكم من نتيجة التحليل التى أوردها من أن الطاعن قد نزع بعض الدسم وأضاف مواد صلبة بما يزيد عن الحد المقرر إلى الجبن الذى ورده للمستشفى، لا يفيد أن الحكم قد انتهى بذلك إلى إدانة الطاعن بتهمة غشه جبنا وأنها خلاف تهمة بيعه جبنا مغشوشا مع علمه بذلك وهى التهمة المرفوعة عنها الدعوى، بل إن الحكم قد اشتمل على واقعتى بيع الجبن المغشوش وقد انتهى إلى إدانة الطاعن بها وواقعة غش هذا الجبن، وجمع بين الواقعتين ودلل على ارتكاب الطاعن لكلتيهما تدليلا سائغا، وذلك لا يعيب الحكم المطعون فيه - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطعن المشار إليه بأسباب الطعن ورد عليه بقوله "إنه لا تأثير لجناية الرشوة على ما تم فى هذه القضية من إجراءات إذ أن الإجراءات التى تمت فى هذه القضية وقعت جميعها قبل حصول الرشوة إذ أخذت العينة فى 1/ 7/ 1957 وأجرى تحليلها فى 2/ 7/ 1957 وأعيد التحليل فى 10/ 6/ 1959 بينما جناية الرشوة حدثت فى 20/ 6/ 1959 هذا كما أن المتهمين فى جناية الرشوة هما فائق محمد فؤاد وحسن لبيب عياد بينما أن القائم بإجراء التحليل هو الدكتور فائق تادرس الجبلاوى ومن ثم فإن هذا الشق من الدفاع لا يفيد المتهم شيئا" - وما انتهى إليه الحكم فى هذا الصدد سائغ وكان فى تفنيد دفاع الطاعن ونفى قيام الصلة بين جناية الرشوة والإجراءات التى تمت فى هذه القضية وعدم تأثيرها عليها وهو ما يعد من الأمور الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب على ما تنتهى إليه فى شأنها مادامت قد أقامت قضاءها على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها. ولما كان الحكم قد عرض لطلب إعادة التحليل الذى تقدم به الطاعن ورد عليه فى قوله "إن طلب المتهم إعادة التحليل لم يكن له ما يبرره إذ ثبت من تقرير إعادة التحليل أن العينة أصبحت غير صالحة له كما أن المحلل الدكتور فائق تارس الجبلاوى قرر بجلسة 22/ 3/ 1960 فى القضية رقم 227 سنة 1960 جنح مستأنفة بنها أنه يستحيل أن يترسب شئ من الدسم فى الزجاجة المحتوية على العينة إذ أنه هو الذى يقوم بإفراغها - وتطمئن هذه المحكمة إلى هذه الأقوال لأنها صادرة من ذى خبرة ولم يطعن المتهم عليها بأى مطعن". ولما كان يبين من الإطلاع على محاضر جلسات محكمة أول وثانى درجة أن الدكتور فائق تادرس الجبلاوى لم يسأل فى هذه القضية - وكان يبين مما تقدم أن الحكم قد عول فى هذا الشأن على أقوال شاهد دون أن يكون لها أصل ثابت فى الأوراق، غير أنه طالما كان الثابت من الحكم أنه عرض لأقوال الشاهد المذكور التى أوردها وهو بصدد بيان أن طلب إعادة التحليل لم يكن له ما يبرره، وكانت المحكمة قد أجابت الطاعن إلى طلبه فى هذا الخصوص وقد ورد تقرير إعادة التحليل وأثبت الحكم نتيجة، وكان لا يبين من الحكم أن شهادة هذا الشاهد كان لها دخل فى تكوين عقيدة المحكمة أو تأثير فى النتيجة التى انتهت إليها باعتبارها عنصرا من العناصر التى بنت عليها الإدانة، وطالما أن استبعاد هذه الشهادة برمتها وإسقاطها من الحكم لا يكون له تأثير على منطق الحكم أو سلامة تدليله، فإن خطأ الحكم فى هذا الصدد لا يكون موجبا لنقضه لأنه يعتبر تزيدا لا تأثير له على سلامته. لما كان ما تقدم، وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن تعيين موظفين لهم صفة مأمورى الضبط القضائى فى جرائم الغش المعاقب عليها بمقتضى القانون رقم 48 لسنة 1941 ليس معناه عدم إمكان رفع الدعوى الجنائية على المتهم إذا لم يحصل ضبط الواقعة أو أخذ العينة بمعرفة أحد هؤلاء الموظفين، وأنه طالما لا يوجد نص صريح يقضى بذلك فقد دل الشارع على أن المقصود هو تنظيم وتوحيد الإجراءات دون إخضاع أحكام هذا القانون لقواعد إثبات خاصة به، أو ترتيب أى بطلان على عدم اتباع تلك الإجراءات، وأنه يصح الحكم بالإدانة بناء على أى دليل يقدم فى الدعوى وتقتنع المحكمة بصدقه ويكون مؤديا إلى ثبوت التهمة المسندة للمتهم، وكان ما ذهب إليه الحكم من ذلك سديدا وصحيحا فى القانون، فإن ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.