أحكام النقض - المكتب الفني- جنائى
العدد الثانى - السنة 12 - صـ 698

جلسة 13 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد، ومحمد عطيه اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى المستشارين.

(134)
الطعن رقم 370 لسنة 31 القضائية

(أ) إثبات. دفاع. حكم "تسبيبه".
تشكيك المتهم المحكمة فى شهادة الشهود، دون أن يطلب تحقيقا معينا فى هذا الصدد. اطمئنان المحكمة للشهادة. لا تثريب عليها. ولا قصور.
(ب) مأمور الضبط القضائى.
مدير ومأمورو السجون ووكلاؤهم وضباط مصلحة السجون. من مأمورى الضبط القضائى، كل فى دائرة اختصاصه. المادة 76 من القانون 396 لسنة 1956.
(جـ) رشوة.
أركانها. لا يؤثر فى قيامها أن تقع نتيجة تدبير سابق، أو أن يكون الراشى غير جاد فى عرضه - متى كان الموظف قد قبل العرض منتويا العبث بمقتضيات وظيفته.
( د) رشوة.
تمام الجريمة. بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف والقبول من جانب الراشى. تسليم مبلغ الرشوة بعد ذلك ليس إلا نتيجة للاتفاق.
1 - إذا كان الثابت من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع - حين أشار فى مرافعته إلى الخصومة القائمة بين ضباط السجن وبين المتهم - لم يكن يقصد من ذلك سوى التشكيك فى شهادتهم التى اطمأنت المحكمة إلى صدقها، دون أن يطلب إلى المحكمة تحقيقا معينا فى هذا الصدد، فإن ما يثيره من قصور الحكم فى الرد على دفاعه يكون على غير أساس.
2 - تنص المادة 76 من القانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون على أنه يكون لمديرى ومأمورى السجون ووكلائهم وضباط مصلحة السجون صفة مأمورى الضبط القضائى كل فى دائرة اختصاصه، مما مقتضاه أن يكون من واجبهم طبقا لنصوص المواد 21 و 24 و 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يقوموا بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها فى دائرة اختصاصهم وجمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق وأن يسمعوا أقوال من لهم معلومات فى الوقائع الجنائية وسؤال المتهمين فيها، كما أن من واجبهم أيضا أن يثبتوا جميع الإجراءات التى يقومون بها فى محاضر موقع عليها منهم.
3 - لا يؤثر فى قيام أركان جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة، وأن لا يكون الراشى جادا فيما عرضه على المرتشى، متى كان عرضه الرشوة جديا فى ظاهرة، وكان الموظف (المتهم) قد قبله على أنه جدى منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشى وغيره من المساجين.
4 - تتم جريمة الرشوة بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف والقبول من جانب الراشى، وما تسليم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجة لما تم الاتفاق عليه بينهما.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفا عموميا "ضابط بمصلحة السجون" طلب وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من المسجون... ... ... أن يدفع له مبلغا من النقود يتراوح بين الأربعين والخمسين جنيها شهريا يجمعه له من زملائه المسجونين مقابل التغاضى عن ضبط ما يرتكبه المسجونون الذين يشرف عليهم من مخالفات وأخذ منه مبلغ خمس جنيهات لهذا الغرض. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 103 و 104 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمادتى الإتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وبتغريمه ألفين من الجنيهات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو قصور الحكم المطعون فيه فى الرد على دفاع الطاعن الذى قام على أساس أن التهمة المسندة إليه مدبرة لقيام الخصومة بينه وبين ضباط السجن الذين قاموا بعمل الكمين لضبطه، وقد اعتمد الحكم أقوالهم على الرغم مما أبداه الدفاع من شواهد تؤيد تلفيق الإتهام واكتفى فى رده على هذا الدفاع الجوهرى بقوله إن المحكمة تطمئن إلى اعتراف الطاعن الذى أدلى به لمدير الليمان من أنه طلب الرشوة لنفسه وأخذها مما ينفى عن الواقعة كل شبهة للتدبير والاصطناع. وهذا الرد قاصر لسببين - أولهما - أنه مبنى على مصادرة على المطلوب إذ أن دفاع الطاعن قام على أساس الخصومة بينه وبين ضباط السجن ومن ثم فلا يكفى فى الرد على دفاعه الاستناد إلى أقوالهم فى إدانته واطراح دفاعه 0 وثانيهما - أن الحكم قد أثبت أن مدير الليمان هو الذى أحضر النقود وسلمها لضابط السجن الذى سلمها بدوره للمسجون حتى يهيأ الكمين لضبط الطاعن. وهذا الفعل من جانب الضابطين ينطوى على جريمة معاقب عليها ومن ثم فلا يصح الاستدلال بهذه الواقعة على إدانة الطاعن وكان يتعين على الحكم استبعادها لتعلق ذلك بالنظام العام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله " إنه كان عند نقل المتهم النقيب... ... ... للعمل بليمان طره منذ أوائل شهر فبراير من عام 1959 أن عين قائدا للعنبررقم4. ولما كان السجين مبروك سعد أحمد ملحقا بهذا العنبر وكان معروفا للمتهم منذ كان سجينا بسجن القاهرة فقد اتصل هذا الأخير به يسأله عن زملائه من نزلاء العنبر الذين يتجرون فيه تجارة محرمة بضاعتها الدخان والشاى والجواهر المخدرة. ويصارحه بأنه على استعداد لأن يساعدهم على تجارتهم فيها لو أنهم دفعوا له إتاوة شهرية تتراوح بين الثلاثين والخمسين جنيها ويكلفه بأن يتولى عنه جمع هذه الإتاوة منهم - فتظاهر السجين بنزوله على رغبة المتهم بينما راح ينقل خبرها للنقيب عبد اللطيف عبد الحميد رشدى الذى أفضى بسرها إلى مأمور الليمان الأول العقيد منير كيرلس المنقبادى ثم ذهبا يبلغان الأمر لمدير الليمان العميد الدسوقى محمد البشلاوى فكلفهما بأن يرفعا إليه تقريرهما بما أبلغاه به بعد أن يتحقق ثانيهما بنفسه من صدق السجين فيما حدث الأول عنه فلما رفعا إليه التقرير المطلوب تولى عرضه على اللواء مدير عام مصلحة السجون يوم 11 فبراير سنة 1959 الذى أشار بأن يعطى السجين السالف الذكر نقودا تحمل علامات معينة لتقديمها للمتهم على أنها الرشوة التى يطلبه لنفسه حتى إذا ما قبلها منه جرى ضبطه بعدئذ متلبسا بجريمته. فلما كان يوم 12 فبراير سنة 1959 استدعى مدير الليمان إليه النقيب عبد اللطيف أحمد رشدى والعقيد منير كيرلس المنقبادى فسلم أولهما مبلغ خمسة جنيهات من مختلف فئات الأوراق المالية وقيد أرقامها وعلاماتها المميزة بمحضره، وكلف النقيب المذكور بتوصيلها للسجين مبروك سعد أحمد لتقديمها للمتهم على أن يلحق بهما النقيب عبد اللطيف عبد الحميد رشدى فالعقيد منير كيرلس بعد تمام الجريمة فيعملان على إحضار المتهم لمكتب مدير الليمان. وجرت وقائع الدعوى وفق هذه الخطة الموضوعة واتصل السجين بالمتهم مقدما إليه الجنيهات الخمسة باعتبارها من حساب الرشوة التى كلفه بجمعها من أصحاب التجارة غير المشروعة بالعنبر ثم لحق بهما النقيب عبد اللطيف عبد الحميد رشدى فأشار إليه السجين من طرف خفى إلى أن المتهم قد تسلم مبلغ الرشوة وأودعه بنطلونه الأيمن وجاء فى أعقاب النقيب العقيد منير كيرلس المنقبادى بصحبة الرائد محمود سعيد العرابى وأبلغ أولهما المتهم بأن شخصا يطلب محادثته من تليفون مدير الليمان وتوسل بهذه الحيلة إلى إحضاره لمكتب هذا الأخير الذى دخله بصحبته العقيد والرائد والنقيب السالفى الذكر حيث ضبط معه مبلغ الرشوة التى طلبها وأخذها من السجين مبروك سعيد أحمد فى مقابل الإخلال بواجبات وظيفته". وقد استند الحكم فى إثبات هذه الوقائع إلى أقوال شهود الإثبات وما أقر به الطاعن فى محضر مدير الليمان من صحة الواقعة المسندة إليه، ثم أورد الحكم عدول الطاعن عن إقراره هذا فى تحقيق النيابة واطرح دفاعه فى هذا الشأن بقوله "إن المحكمة لا تطمئن لهذه الصورة الأخيرة التى أخرج المتهم دفاعه عليها ذلك أنه لو صح قوله لكان فيه ما يطمئنه إلى كذب ما حدثته نفسه به من وفاة ولده المريض فيزول عنه اضطرابه الذى علل به إلحاحه فى إنكار وجود الجنيهات الخمسة معه برغم تكرار مطالبته بها مرتين متتاليتين بل لبادر إلى إخراجها من جيبه مصرحا بظروف الواقعة حسبما رواها فى دفاعه أما إنكاره وجودها فى غير مبرر فلا يفيد إلا أنه أراد أن يتكتم سرها لوصولها إليه عن طريق غير مشروع وفضلا عما تقدم فإنه والظاهر من قوله إنه تعرض لنوع من التفتيش فلن يعقل لمن كان فى مثل تعليمه وتجربته أن يوقع على محضر التحقيق الذى أجرى معه يومئذ دون أن يراجعه ليتعرف على ما أثبت فيه متصلا بشخصه ومن ثم تطرح المحكمة أقوال المتهم بمحضر تحقيق النيابة وتأخذه بما أقر به فى المحضر الذى باشره مدير الليمان وما أبداه من أقوال شهود الدعوى التى بينت المحكمة مضامينها فيما تقدم والدالة على أن المتهم قد طلب لنفسه الرشوة وأخذها من السجين مبروك سعيد أحمد للإخلال بواجبات وظيفته..." ثم قال الحكم "إن الدفاع عن المتهم ذهب إلى أنه كان ضحية مؤامرة دبرها له شهود الدعوى بقصد الإيقاع به لأنه أتى - مذ كان ضابطا بسجن أبى زعبل - أعمالا ترتب عليها مجازاة مدير السجن وهذا التعليل مردود بما اطمأنت إليه المحكمة من اعتراف المتهم لمدير الليمان بأنه طلب الرشوة لنفسه وأخذها مما ينفى عن الواقعة كل شبهة لتدبير واصطناع." ولما كان الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه. وكان الحكم فوق ذلك قد عرض لدفاع الطاعن فاطرحه معتمدا فى ذلك على ضبط مبلغ الرشوة معه واعترافه بمحضر مدير الليمان وشهادة شهود الإثبات. كما أن الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع - حين أشار فى مرافعته إلى الخصومة القائمة بين ضباط السجن وبين الطاعن - لم يكن يقصد من ذلك سوى التشكيك فى شهادتهم التى اطمأنت المحكمة إلى صدقها... ولم يطلب الدفاع إلى محكمة تحقيقا معينا فى هذا الصدد، ولما كان ما يقول به الطاعن من بطلان الدليل المستمد من إعطاء مبلغ الرشوة للسجين لتقديمه للطاعن بمخالفته لما نص عليه القانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون، هذا القول مردود بما نصت عليه المادة 76 من القانون المشار إليه من أن يكون لمديرى ومأمورى السجن ووكلائهم وضباط مصلحة السجون صفة مأمورى الضبط القضائى كل فى دائرة اختصاصه. مما مقتضاه أن يكون من واجبهم طبقا لنصوص المواد 21 و 24 و 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يقوموا بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها فى دائرة اختصاصهم وجمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق وأن يسمعوا أقوال من لهم معلومات فى الوقائع الجنائية وسؤال المتهمين فيها... كما أن من واجبهم أيضا أن يثبتوا جميع الإجراءات التى يقومون بها فى محاضر موقع عليها منهم، لما كان ذلك وكان ما قام به ضباط السجن فى واقعة الدعوى لا يعدو كونه من قبيل جمع الاستدلالات والكشف عن جريمة الرشوة التى أبلغوا بها... وكان لا يؤثر فى قيام أركانها أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة وأن لا يكون الراشى جادا فيما عرضه على المرتشى متى كان عرضه الرشوة جديا فى ظاهره وكان الطاعن قد قبله على أنه جدى منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشى وغيره من المساجين. هذا فضلا عن أن جريمة الرشوة - طبقا لما أورده الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى - قد تمت بمجرد طلب الرشوة من جانب الطاعن والقبول من جانب السجين ولم يكن تسليم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجة لما تم الاتفاق عليه بينهما. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن فى وجه الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.