أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 10 - صـ 348

جلسة 23 من مارس سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه اسماعيل, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(78)
الطعن رقم 1363 لسنة 28 القضائية

(أ) جرائم النشر. أسباب الإباحة. حق نشر الإجراءات القضائية. مجال هذا الحق وحدوده. م 189, 190 ع.
اقتصاره على إجراءات المحاكمة العلنية والأحكام التي تصدر علنا دون إجراءات التحقيق الابتدائي أو الأولى أو الإداري. نشر مجريات التحقيقات الأخيرة هو على مسئولية من نشرها.
(ب) جرائم النشر. بعض صور حرية الفكر. حرية الصحافة.
هل للصحفي حق في حرية الرأي أوسع من حق غيره من الأفراد؟
(ج) قذف وسب. المسئولية والعقاب. القصد الجنائي. متى يتوافر؟
كفاية القصد العام.
إثبات القصد. افتراضه عندما تكون العبارات موضوع القذف شائنة بذاتها. حسن النية وأثره. لا ينفي القصد.
(د) قذف وسب. القصد الجنائي. حسن النية. متى يجب بحثه؟.
عندما يكون الطعن موجها إلى موظف عمومي.
دفاع. طلب ضم أوراق لإثبات صحة واقعة القذف الموجه إلى غير موظف. موقف أسباب الحكم بالنسبة لهذا الطلب.
رفضه. صحة ذلك قانونا.
(هـ) نقض. أسباب جديدة. دعوى مدنية. دفوع المدعي عليه. الدفع أمام محكمة النقض بانتفاء صفة المدعي المدني في المطالبة بالتعويض.
محكمة النقض لا تنظر إلا في صحة الإجراءات أمام محكمة الدرجة الثانية وفي عدم صحتها. لازم ذلك, وجوب إثارة هذا الدفع أمام المحكمة الأخيرة.
(و) مصاريف. رسوم قضائية. من هو صاحب الشأن في القول بعدم دفعها؟
المتهم لا ينوب في ذلك عن قلم الكتاب.
1 - دل الشارع بما نص عليه في المادتين 189, 190 من قانون العقوبات أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا, وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجري في الجلسات غير العلنية, ولا إلى ما يجري في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحد من علنيتها, كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة, ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائي ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية, لأن هذه كلها ليست علنية إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم - فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها أو يتخذ في شأنها من ضبط وحبس وتفتيش واتهام وإحالة على المحاكمة فإنما ينشر ذلك على مسئوليته, ويجوز محاسبته جنائيا عما يتضمنه النشر من قذف وسب وإهانة.
2 - حرية الصحفي هى جزء من حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص.
3 - لا يتطلب القانون في جريمة القذف قصدا خاصا, بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق من نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو احتقاره, ولا يؤثر في توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية, أي معتقدا صحة ما رمي به المجني عليه من وقائع القذف, وهذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف - شائنة بذاتها ومقذعة.
4 - متى تحقق القصد في جريمة القذف لا يكون هناك محل للخوض في مسألة سلامة النية إلا في حدود ما يكون الطعن موجها إلى موظف عمومي أو من في حكمه - فإذا لم يكن المدعيان بالحق المدني كذلك فلا يقبل من الطاعن الأول أي دليل يتقدم به لإثبات صحة ما قذف, وفي هذا ما يكفي لرفض إجابة طلب ضم الأوراق من الوجهة القانونية.
5 - الطعن بطريق النقض لا يمكن اعتباره إمتدادا للخصومة, بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عرض عليها من طلبات وأوجه دفاع - ومتى كان على محكمة النقض ألا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع, وكان المتهمان لم ينازعا أمامها في صفة المدعي بالحق المدني في الحكم له بالتعويض, فلن يقبل منهما لأول مرة أمام محكمة النقض المنازعة في صفة المدعي بالحق المدني.
6 - لا يقبل من المتهمين الاحتجاج بعدم دفع المدعي بالحق المدني الرسوم المستحقة على الاستئناف, إذ هذا من شأن قلم الكتاب وحده, وهما ليسا نائبين عنه.


الوقائع

رفع السيد عقيل ابراهيم عن نفسه وبصفته وليا شرعيا على ابنته القاصر وقتئذ الآنسة فاطمة السيد عقيل ابراهيم, الدعوى مباشرة أمام محكمة بولاق الجزئية - وقد قيدت بجدولها برقم 572 سنة 54 ضد: 1 - السيد/ علي الشرقاوي و2 - السيد/ حسين فهمي بعريضة أعلنت إليهما في 20 و21 يناير سنة 1954 اتهمهما فيها بأنهما في يوم 5 يناير سنة 1954 بدائرة قسم بولاق نشرا بجريدة الجمهورية في العدد 30 الصحيفة 11 تحت عنوان القصة التي بدأت خلف الستار الأزرق بمكتب التخديم اعتبرها الطالب قذفا في حقه وفي حق كريمته وطلب معاقبتهما بالمواد 188 و302 و303 و308 و171 و200 من قانون العقوبات مع إلزامهما متضامنين أن يدفعا له عن نفسه وبصفته المتقدمة واحدا وخمسين جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا اعتباريا للمتهم الأول وغيابيا للمتهم الثاني ببراءة المتهم الأول مما نسب إليه عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية وبحبس المتهم الثاني ستة شهور مع الشغل وتغريمه مائة جنيه وإلزامه بصفته رئيس تحرير الجمهورية بأن يدفع للمدعي بالحق المدني عن نفسه وبصفته وليا طبيعيا على ابنته القاصر فاطمة السيد عقيل واحدا وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وينشر الحكم بجريدة الجمهورية على نفقة المتهم المذكور ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس مدة ثلاثة سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا وأعفت المتهمين من المصاريف الجنائية وذلك تطبيقا لمواد الاتهام عدا المادتين 188 و200 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 55 و56 من المرسوم بقانون رقم 435 لسنة 1953 فعارض المحكوم عليه ولدى نظر المعارضة قال المدعي إنه يدعي مدنيا قبل الأستاذ جلال الدين الحمامصي بصفته نائب مدير عام الجريدة والأستاذ أحمد قاسم جوده بصفته رئيس تحرير الجريدة الحالي والسيد حسين فهمي بصفته الشخصية وطلب أن يحكم له قبلهم متضامنين بمبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف والأتعاب وقال الأستاذ محمد فائق الجوهري المحامي عن السيد/ أنور السادات أن الأخير هو المسئول أصلا عن الحقوق المدنية ولا داعي لإدخال أحمد قاسم جوده رئيس التحرير الحالي لأنه لا دخل له فيها وأنه لم يعاصر الواقعة, كذلك لا محل لإدخال الأستاذ جلال الدين الحمامصي مع وجود الأستاذ أنور السادات, والمحكمة بعد أن أنهت سماع الدعوى قضت بقبول المعارضة شكلا وفي الموضوع أولا برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه فيما قضى به في الدعوى الجنائية. وثانيا - في الدعوى المدنية بإلزام المعارض والمسئول عن الحقوق المدنية الأستاذ أنور السادات بصفته مدير عام جريدة الجمهورية متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني عن نفسه وبصفته وليا طبيعيا على ابنته القاصر فاطمة السيد عقيل مائة جنيه مصري على سبيل التعويض والمصاريف المناسبة وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأعفت المعارض من المصاريف الجنائية, فاستأنف المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية هذا الحكم وطلبا إلغاءه وبراءة الأول ورفض الدعوى المدنية قبلهما كما استأنفه المدعي مدنيا طالبا الحكم له بما طلبه من تعويض ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل من المستأنفين بمصاريف استئنافه المدنية. فطعن المتهم والمسئول مدنيا في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثالث من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب, ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول في تهمة القذف بطريق النشر قد جاري حكم محكمة أول درجة في القول بأن الحالة الوحيدة الذي يجيز فيها القانون إثبات صحة وقائع القذف هى الحالة التي نص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 302 من قانون العقوبات هى الخاصة بالطعن في أعمال الموظف عام أو شخص ذو صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة في حين أن القانون قد استثنى من العقاب على القذف أحوالا معينة أخرى تشمل بالنسبة للصحف نشر ما يجري في الجلسات العلنية للمحاكم وفي التحقيقات, والمواد 189 إلى 193 من قانون العقوبات لا تعاقب إلى على نشر ما يجري في الجلسات السرية للمحاكم أو ما يتقرر حظر نشره من المحاكمات في الجلسات العلنية بغير أمانة أو بسوء قصد, وأن الترخيص للصحف وتنظيم مزاولة مهنتها بقانون المطبوعات ثم بالقانون الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين يعني الاعتراف الشرعي للصحف بنشر الأخبار وهى لا تكون مسئولة عما ينشر فيها إلا إذا كان ما ينشره الصحفي مخالفا لما هو ثابت بالأوراق وأن ذلك كان بسوء قصد. وقد طلبا الطاعنين من المحكمة ضم التحقيقات بوقوع الخبر الذي نشر بالصحف وملف المدعي بالحقوق المدنية في مكتب الآداب لإثبات مطابقة ما نشر لما ورد في الأوراق الرسمية... إلا أن المحكمة رفضت إجابة هذا الطلب فأخل ذلك بحقهما في الدفاع.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن السيد عقيل عن نفسه وبصفته وليا شرعيا عن ابنته القاصر فاطمة السيد عقيل أقام دعوى بالطريق المباشر بصحيفة قال فيها أنه بتاريخ 5/ 1/ 1954 نشرت جريدة الجمهورية التي يرأس تحريرها المتهم الثاني (الطاعن الأول) بالعدد (30) صحيفة 11 تحت عنوان القصة التي بدأت خلف الستار الأزرق بمكتب التخديم ما يلي:
استتر السيد عقيل وقتا طويلا خلف لوحة كتب عليها صاحب مكتب تخديم ولما كان السيد يختفي عن عيون البوليس وراء هذه اللافتة التي يثبتها على محله بشارع محمد علي فإن نساء وفتيات كثيرات كن يجتمعن وراء ستار أزرق يضعه صاحب المحل بينهن وبين الطالبين للخادمات والطامعين في ليلة أو بعض ليلة مع جسد رخيص بثمن رخيص وقد حرص السيد عقيل على رخصة المحل حرصا كثيرا فاعتنى بعرضها في براويز وحماها من القدم والتلف بلوح من الزجاج البراق. وثبتها أيضا في مواجهة الداخلين وتحت رءوس الجالسين وكانت عيون رجال البوليس تصدم أول ما تصدم بهذا الترخيص وهم يذرعون الشوارع في جولتهم التفتيشية ويقفون أمامه حيارى لا يجرؤون على الدخول لتحطيم الرخصة التي اعترف بها القانون ولكن البوليس - بوليس الآداب طبعا - لم ييأس وظل يراقب ويتحرى حتى تمكن من دخول المحل باسم القانون إذ كان سلاحه أمرا من النيابة بضبط فاطمة ابنة صاحب المحل أثناء اختلائها مع الزبائن خلف الستار الأزرق الذي يشطر المحل شطرين وتمكن البوليس فعلا خلال يومين من صدور الأمر من القبض على فاطمة وهى في أحضان أحد الزبائن خلف الستار الأزرق وأخيرا قدم البوليس السيد عقيل للمحاكمة وأصدر أمرا بسحب الرخصة وغلق المحل..., وقال المدعي بالحق المدني أن هذا الخبر مكذوب ولا أساس له فإن ابنته وهى طالبة بالمدارس الثانوية الأميرية تتلقى التعليم وأمامها مستقبل باهر تحلم به وما كان لها في يوم من الأيام أن ضبطت مع آخرين في مكتب تخديم أبيها أو خلافه كما جاء بالخبر وقد صعق زملائها في الدراسة وجيرانها عند سماعهم وقراءتهم هذا الخبر المشئوم الذي أثر عليها تأثيرا عميقا..., كما أن هذا الخبر جاء كالصاعقة عليه إذ أنه رجل معروف - لدى جميع الأسر على اختلاف أنواعها وقد صدقه الكثيرون مما أثر في حالته الاقتصادية تأثيرا بليغا كما أثر على حالته الأدبية أكبر تأثير, وأن هذه العبارات تحتوي قذفا في حقه وحق ابنته بما يتضمن طعنا في الأعراض"... ثم استعرض واقعة الدعوى وخلص إلى القول بأن تهمة القذف في حق المدعيين بالحقوق المدنية ثابتة قبل الطاعن الأول وقضى عليه بالعقوبة والتعويض مع الطاعن الثاني بوصفه مديرا عاما للجريدة التي حصل فيها النشر ورد على طلب ضم ملف المدعي بالحق المدني بمكتب الآداب والتصريح بإعلان شهود نفي في قوله "وبما أن المعارض (الطاعن الأول) بسبيل التدليل على صحة الخبر موضوع التهمة طلب ملف المدعي المدني الموجود بمكتب حماية الآداب وطلب التصريح له بإعلان شهود نفي هم القائمقام عبد الوهاب حسني واليوزباشي علي رءوف واليوزباشي محمد أمين الضابط بمكتب الآداب, وبما أنه عن طلب المعارض سالف الذكر فإنه متعين الرفض ذلك أن المادة (302) تنص في فقرتها الثالثة على أنه لا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة وهى الخاصة بالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة والمدعيان بالحق المدني لا يتمتعان بأي من هذه الصفات المتقدمة ومن ثم فلا تقبل منه إقامة الدليل على صحة الخبر موضوع الإتهام" لما كان ذلك, وكانت المادة 189 من قانون العقوبات قد نصت على ما يأتي "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في الدعاوي المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية أو في الدعاوي المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو في الباب السابع من الكتاب الثالث ولا عقاب على مجرد نشر موضوع الشكوى أو على مجرد نشر الحكم. ومع ذلك ففي الدعاوي التي لا يجوز فيها إقامة الدليل على الأمور المدعي بها يعاقب على إعلان الشكوى أو على نشر الحكم بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ما لم يكن نشر الحكم أو الشكوى قد حصل بناء على طلب الشاكي أو بإذنه" كما نصت المادة (190) "في غير الدعاوي التي تقع في حكم المادة السابقة يجوز للمحاكم نظرا لنوع وقائع الدعوى أن تحظر في سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى الطرق المبينة في المادة 171 ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين" فقد دل الشارع بذلك أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجري في الجلسات غير العلانية ولا إلى ما يجري في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحد من علانيتها, كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائي ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية لأن هذه كلها ليست علانية إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها أو ما يتخذ في شأنها من ضبط وحبس وتفتيش واتهام وإحالة على المحاكم فإنما ينشر ذلك على مسئوليته ويجوز محاكمته جنائيا عما يتضمنه النشر من قذف وسب وإهانة, لما كان ذلك وكانت العبارات موضوع الإتهام تشتمل على نسبة أمور إلى المدعيين بالحقوق المدنية تتضمن طعنا في الاعراض لو كانت صادقة لأوجبت عقابهما واحتقارهما عند أهل وطنهما, وكانت حرية الصحفي هى جزء من حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص, وكان القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصدا خاصا بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف, وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو احتقاره, وهذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف - كما هو الحال في الدعوى - شأئنة بذاتها ومقذعة, ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك محل للخوض في مسألة سلامة النية إلا في صدد ما يكون الطعن موجها إلى موظف عمومي أو من في حكمه - والمدعيان بالحق المدني ليس كذلك - فلا يقبل من الطاعن الأول أي دليل يتقدم به لإثبات صحة ما قذف به وفي هذا ما يكفي لتبرير رفض إجابة طلب ضم الأوراق من الوجهة القانونية, لما كان ما تقدم فإن الحكم إذ قضى بإدانة الطاعن الأول يكون صحيحا في القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم شابه بطلان في الإجراءات إذ قضى بقبول استئناف المدعي بالحق المدني عن نفسه وبصفته وليا عن ابنته فاطمة في حين أن ابنته فاطمه كانت قد بلغت سن الرشد قبل رفع الاستئناف ولم يقم هو بدفع الرسم المقرر للاستئناف ولم يقدم أمرا بإعفائه منه يضاف إلى هذا ما وقع فيه من خلط بمحضر جلسة 14 فبراير سنة 1957 إذ أثبت كاتب الجلسة أن المتهم حضر ولم يحضر في وقت واحد كما أثبت حضور محامي الطاعنين عدا المدعي بالحق المدني.
وحيث إن الطعن بطريق النقض لا يمكن اعتباره إمتدادا للخصومة بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عرض عليها من طلبات وأوجه دفاع, ومتى كان على محكمة النقض ألا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع, وكان الطاعنان لم ينازعا أمامها في حق المدعي بالحق المدني والحكم له بالتعويض فلا يقبل منهما لأول مرة أمام محكمة النقض الطعن في صفة المدعي بالحق المدني, كما لا يقبل منهما الاحتجاج بعدم دفع المدعي بالحق المدني الرسوم المستحقة على الاستئناف, إذ هذا من شأن قلم الكتاب وحده وهما ليسا بنائبين عنه, ولا عبرة بما جاء بمحضر الجلسة من خطأ فإن ذلك لا يعدو أن يكون خطأ ماديا وظروف الحال دالة على ذلك - لما كان ذلك كله فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث أنه لما تقدم كله يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.