أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 769

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1961

برياسة السيد السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: توفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وأحمد أحمد الشامى، وحسين صفوت السركى المستشارين.

(148)
الطعن رقم 531 لسنة 31 القضائية

قتل عمد. سبق الإصرار. مسئولية جنائية. وصف التهمة.
(أ) قتل عمد مع سبق الاصرار. مساءلة المتهم وحده عن الجريمة سواء ارتكبها وحده أو مع غيره: صحيح.
(ب) قتل عمد مع سبق الإصرار. مسئولية الجانى عن الجريمة، قل نصيبه من الأفعال المكونة لها أو كثر.
(جـ) وصف التهمة. تعديله. متى لا يجب لفت نظر الدفاع؟ إذا كان التعديل لم يتناول التهمة ذاتها بل اقتصر على ما استخلصته المحكمة من وسيلة ارتكاب الجريمة خلافا لما جاء بأمر الإحالة. مثال فى قتل عمد.
1 - إذا كان الحكم قد أثبت توفر سبق الإصرار فى حق المتهم فقد وجبت مساءلته عن جريمة القتل العمد سواء ارتكبها وحده أو مع غيره، ويكون ما انتهى إليه الحكم فى حدود سلطته التقديرية من مساءلته وحده عن النتيجة صحيحا فى القانون.
2 - الأصل أن الجانى يسأل عن جريمة القتل التى يرتكبها مع غيره - متى توفر سبق الإصرار - وإن قل نصيبه من الأفعال المكونة لها، فلا يغير من أساس المسئولية فى حكم القانون أن يثبت أن الجانى قد قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال.
3 - لا يعيب الحكم أن نسب إلى الطاعن استعمال السكين خلافا لما جاء بأمر الإحالة - من أنه وآخر قتلا المجنى عليه بأن ألقيا عليه حجرا وطعنه المتهم الآخر بسكين - مادام أن الحكم لم يتناول التهمة التى رفعت بها الدعوى بالتعديل وهى تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، ومادام يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التى وقع بها الحادث أخذا من كافة ظروف الدعوى وأدلتها واستنادا إلى المنطق والعقل، إذ أن الطاعن لم يسأل فى النتيجة - وبغض النظر عن الوسيلة - إلا عن جريمة القتل العمد وهى الجريمة التى كانت معروضة على بساط البحث، ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذى تم فى هذه الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من الطاعن وآخر بأنهما قتلا المجنى عليه عمدا ومع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله وتوجها إلى مسكنه وألقيا عليه حجرا ثقيلا وطعنه المتهم الثانى عدة طعنات بسكين قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التى أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أنهما فى الزمان والمكان سالفى الذكر: سرقا ساعة المجنى عليه الموصوفة بالمحضر وما معه من نقود حالة كون المتهم الثانى يحمل سلاحا وهى الجناية المنطبقة على المادة 316 من قانون العقوبات. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين 230 و 231 من قانون العقوبات. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمادتى الإتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول وبالمادتين 304/ 1 و 381/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية بالنسبة للثانى بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالأشغال الشاقة المؤبدة وببراءة المتهم الثانى مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطاعن هو الخطأ فى القانون وفى الإسناد والفساد فى الاستدلال، ويقول الطاعن شرحا لهذه الأسباب إن الاعتراف المنسوب إليه كان نتيجة تعذيب وضرب ونفخ وإيذاء بآلة حادة "مسلة" وأن الحكم اكتفى فى رده على هذا الدفاع بالاستناد إلى تقرير الطبيب الشرعى وإلى مطابقة ما ورد فى الاعتراف لوقائع الدعوى وهو ما لا يكفى لأن التعذيب لم يكن بالإصابات التى تضمنها تقرير الطبيب الشرعى فقط وإنما كان بالوسائل الأخرى المشار إليها آنفا، كما أن الحكم لم يعن بتحقيق واقعة العثور على القبقاب ولا بملكية الطاعن له، هذا إلى أن الحكم قد أخطأ إذ حمل هذا الإعتراف وقائع لم ترد به فأدان الطاعن باعتباره هو وحده الذى اقترف جناية القتل مع أن مؤدى الاعتراف أن المتهم الثانى - الذى برأته المحكمة - قد أسهم فى ارتكابها بأن طعن المجنى عليه بالسكين فأحدث به الإصابات التى أودت بحياته. ويضيف الطاعن أن الحكم قد شابه التناقض فى كثير من الوقائع إذ بينما يقول إن سبب الجريمة هو إغراء المتهم الثانى للمتهم الأول بالمال ووعده إياه بأن يكون وكيل أعماله إذا به يقول فى موطن آخر إن القتل وقع لسبب لم يكشف عنه التحقيق. وكذلك بالنسبة إلى موقف المتهم الثانى فبينما يقرر الحكم أن المتهمين تعاونا فى حمل الحجر لثقله وألقياه على المجنى عليه وهو نائم إذا به ينسب ذلك كله للطاعن وحده. وبينما يبين وصف النيابة للتهمة أن المتهم الثانى هو الذى طعن المجنى عليه بالسكين إذا بالحكم يدين الطاعن بأنه هو الذى قتل المجنى عليه بالحجر وبالسكين معا. وكذلك أخطأ الحكم فى الاستدلال على القتل مما لا يدل عليه إذ اعتمد على الاعتراف والمعاينة وتقرير الطبيب الشرعى والشهود فى حين أن التقرير الطبى قد أثبت أن الوفاة نشأت من الإصابات التى أحدثها الطعن بالسكين ووصف التهمة نفسه لا ينسب ذلك للطاعن، وأما المعاينة فلا تدل على أن الطاعن هو الذى حمل الحجر وحده وألقاه على المجنى عليه وذلك لا يتأتى لنقل الحجر ولعدم إمكان ذلك لمن يحمل سكينا، وكان يكفى القاتل أن يستعمل السكين لقتل المجنى عليه وهو مستغرق فى نومه. وأما الشهود فكلهم عدا خفير المقابر يشهدون بأن الطاعن كان مع المجنى عليه بالمقهى ليلة الحادث ولم يشهدوا بصلة المتهم بجريمة القتل نفسها بل إن خفير المقابر قرر أن المجنى عليه أخذ منه مفاتيح المدفن الذى وقع فيه القتل ولم يكن معه أحد غيره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على
دعوى حصول الاعتراف تحت تأثير الإكراه بقوله "إن المتهم زعم أن رجال المباحث اعتدوا عليه بالضرب وثبت من تقرير الطبيب الشرعى أنه لم يشاهد به آثار الضرب بل وجد به آثار احتكاك الحجر بكتفه وآثار المقاومة بذراعه الأيسر وكان تاريخها يتفق وتاريخ الحادث مع أنه ضبط فى اليوم الثالث إثر عودته من الاسكندرية وكشف عليه فى اليوم التالى ولو صح قوله لكانت الإصابات حديثة - ثم من أين لرجال المباحث التنبؤ بتصوير الحادث فقد تأيد بمكان القبقاب وقد أرشد عنه بنفسه". وهذا الذى رد به الحكم سائغ فى دفع دعوى الإكراه مما يدخل فى حدود سلطة المحكمة التقديرية. وإذ كان ما ادعاه الطاعن فى طعنه عن وسائل الإكراه من حصوله بالنفخ وبالإيذاء بالمسلة لم يرد له ذكر بدفاعه الذى أبداه بالجلسة، فإنه لا تصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اطمأن إلى أن الطاعن هو الذى أرشد عن قبقابه فى المدفن الذى ألقاه بعد الحادث ليثبت وجوده بعيدا عن مكانه وكان الطاعن لم يطلب إجراء تحقيق فيما أثاره بهذا الخصوص فإنه لا يحق له أن ينعى على المحكمة أنها لم تتخذ إجراء لم يطلبه. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد أثبت توفر سبق الإصرار فى حق الطاعن فقد وجبت مساءلته عن جريمة القتل العمد سواء ارتكبها وحده أو مع غيره ويكون ما انتهى إليه الحكم فى حدود سلطته التقديرية من مساءلته وحده عن النتيجة صحيحا فى القانون، ولا يعيبه أن نسب إلى الطاعن استعمال السكين خلافا لما جاء بأمر الاحالة مادام الحكم لم يتناول التهمة التى رفعت بها الدعوى بالتعديل وهى تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار وما دام يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التى وقع بها الحادث أخذا من كافة ظروف الدعوى وأدلتها واستنادا إلى المنطق والعقل، على أن الطاعن لم يسأل فى النتيجة إلا عن جريمة القتل - بغض النظر عن الوسيلة - وهى الجريمة التى كانت معروضة على بساط البحث. ولما كان الأصل أن الجانى يسأل عن جريمة القتل التى يرتكبها مع غيره متى توفر سبق الإصرار - وإن قل نصيبه من الأفعال المادية المكونة له فإنه لا يغير من أساس المسئولية فى حكم القانون أن يثبت أن الجانى قد قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال وهو ما ثبت فى حق الطاعن، ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذى تم فى هذه الدعوى. لما كان كل ذلك، وكان لا وجه لما يثيره الطاعن من أن المحكمة قد حملت الاعتراف وقائع لم ترد به، وكانت قالة التناقض لا سند لها من أسباب الحكم. ولما كان تناقض الحكم فى بيان الباعث على ارتكاب الجريمة بفرض حصوله لا يعيبه لأن الباعث ليس من أركانها، وكان الطاعن لم يطلب تحقيق شئ مما يدعيه. ولما كان باقى ما أورده فى طعنه لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا يقبل منه أمام هذه المحكمة، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.