أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 797

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1961

برياسة السيد محمد عطيه اسماعيل المستشار، وبحضور السادة: محمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر حنين، ومختار مصطفى رضوان المستشارين.

(155)
الطعن رقم 1221 لسنة 30 القضائية

(أ) إثبات. حكم "تسبيبه". تزوير.
قول الخبير إنه لا يتيسر - لأسباب فنية - معرفة محدث الكشط والتغيير. اطمئنان المحكمة إلى ما قرره الشهود من أن المتهم هو محدثهما. لا قصور ولا تناقض.
(ب) إثبات. إقرار "تجزئته". تبديد.
التزام القاضى الجنائى قواعد الإثبات المدنية عند بحث جريمة التبديد. ذلك قاصر على إثبات عقد الأمانة دون واقعة الاختلاس التى تثبت بكافة الطرق. إقرار المتهم. جواز تجزئته بصدد إثبات واقعة الاختلاس.
(جـ) إثبات.
قاعدة عدم جواز الاثبات بالبينة فيما يجاوز نصابها. لا تتعلق بالنظام العام.
( د) دعوى مدنية. تعويض. إثبات.
التدليل على قيمة التعويض. من شأن المدعى وحده. عدم التزام المحكمة بتوجيهه أو تكليفه إلى إثبات دعواه.
(هـ) دعوى مدنية.
المادة 309 أ. ج. إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة. تقديرى للمحكمة الجنائية.
( و) حكم "بيانات التسبيب". استعمال ورقة مزورة.
بيان الواقعة المستوجبة للعقاب ونص القانون الذى حكم بموجبه. بيان جوهرى خلو الحكم منه. مثال فى جريمة استعمال ورقة مزورة.
1 - متى كان لا يوجد تناقض بين ما قرره الشاهدان من أن المتهم هو الذى أحدث الكشط والتغيير فى المستند وبين ما جاء فى تقرير قسم أبحاث التزوير من أنه لا يتيسر معرفة محدثهما لأسباب فنية، وكانت المحكمة قد اطمأنت فى حدود سلطتها الموضوعية إلى أقوال الشاهدين فى هذا الخصوص - فإن ما ينعاه المتهم على الحكم من القصور والتخاذل لا يكون لا محل له.
2 - من المقرر قانونا أن ما يتعين التزام قواعد الإثبات المدنية فيه عند بحث جريمة التبدبد هو عقد الأمانة فى ذاته، أما الاختلاس فهو واقعة مستقلة يصح للمحكمة الجنائية التدليل عليها بجميع طرق الإثبات دون أن تقف فى سبيلها القاعدة المدنية القاضية بعدم تجزئة الإقرار.
3 - قواعد الإثبات وما تقتضيه من عدم جواز سماع الشهود فيما يجاوز نصاب الشهادة هى قواعد غير متعلقة بالنظام العام ويتعين على صاحب المصلحة أن يتمسك بها أمام محكمة الموضوع.
4 - المحكمة - فى صدد بحثها الدعوى المدنية - غير ملزمة بتوجيه المدعى أو تكليفه إثبات دعواه أو تقديم المستندات الدالة عليها إذ أن الأمر فى ذلك كله موكول إليه ليدلل على التعويض الذى يطالب به بالكيفية التى يراها.
5 - المحكمة الجنائية غير ملزمة بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة إلا إذا قدرت فى نطاق اختصاصها الموضوعى المطلق أن تحديد التعويض يستلزم إجراء تحقيق خاص لا يتسع له وقتها - أما وقد قدرت أن هذا التحديد ميسور من واقع الأوراق المعروضة عليه، وكان المدعى لم يقدم مستندات أو أدلة تؤيد دعواه فى المطالبة بتعويض أكثر ولم يطلب إجراء تحقيق خاص أو إحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية لإجراء هذا التحقيق فيكون تقديرها فى هذا الشأن لا معقب عليه مادام سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت فى الأوراق.
6 - إذا كان الحكم المطعون فيه لم يبين الواقعة المستوجبة لمعاقبة المتهم أو يشير إلى نص القانون الذى حكم بموجبه، هو بيان جوهرى اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات وأوجبته المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه كان مشوبا بالبطلان بما يوجب نقضه - ولا يعصم الحكم من هذا العيب أنه أشار فى صدره إلى أن النيابة اتهمت الطاعن باستعمال الأوراق المزورة وطلبت معاقبته بالمادة 215 من قانون العقوبات طالما أنه لم يفصح عن أخذه بها ولم يبين واقعة الاستعمال التى اقترفها المتهم وعلى أى الأوراق انصبت.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من "الطاعنين" بأنهما: المتهم الأول (أولا) ارتكب تزويرا فى أوراق عرفية هى إقرارات التنازل عن ملكية أسهم بنك الجمهورية المبينة بالمحضر والمملوكة لعمال شركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى وكان ذلك بطريق الاصطناع ووضع إمضاءات مزورة نسب صدورها للعمال أصحاب الأسهم. (ثانيا) استعمل الأوراق المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها على الوجه المبين بالمحضر بأن باعها للمتنازل إليهم محمد جاب الله العطار وآخرين "مبينة أسماؤهم بالمحضر". (ثالثا) ارتكب تزويرا فى ورقة عرفية هى مستند الأسهم الخاصة بحبش على العربى وكان ذلك بطريق تغيير المحرر بأن كشط إسم المالك الأصلى وكتب بدلا منه السعيد على أبو دراع. (رابعا) استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن سلمه للسعيد عبد النبى أبو دراع على أنه المستفيد. (خامسا) بدد المبالغ المبينة بالمحضر والمملوكة للدكتور فوزى محمد السيد وآخرين والتى كانت قد سلمت إليه بصفته وكيلا فاختلسها لنفسه إضرارا بمالكيها. (سادسا) بدد مستندات الأسهم والأوراق الأخرى المبينة بالمحضر والمملوكة لميشيل اسكندر وآخرين بشركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى والتى كانت قد سلمت إليه بصفة كونه وكيلا فاختلسها لنفسه إضرارا بمالكيها. (سابعا) اؤتمن على أوراق ممضاة على بياض من إبراهيم السيد عمر وآخرين فخان الأمانة وكتب فوق التوقيعات تمسكات ترتب عليها حصول ضرر لأصحابها. والمتهم الثانى استعمل إقرارات التنازل المزورة المبينة بالمحضر مع علمه بتزويرها بأن قام بموجب هذه الأوراق بنقل ملكية أسهم المجنى عليهم إلى المتنازل إليهم فيها. وطلبت عقابهما بالمواد 215 و 340 و 341 من قانون العقوبات. وادعى بالحق المدنى كل من 1 - محمد جاب الله العطار قبل المتهم الأول والدكتور فوزى محمد السيد ممثلا لنقابة عمال ومستخدمى شركة مصر للغزل والنسج ومسئولا عن الحقوق المدنية وطلب القضاء له بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا ثم عدل طلب التعويض إلى مبلغ 3000 جنيه تعويضا. و 2 - ميشيل اسكندر قبل المتهم الأول والدكتور فوزى محمد السيد بصفته المذكورة بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. كما ادعى الدكتور فوزى محمد السيد بصفته الشخصية ضد المتهم الأول بمبلغ ألف جنيه تعويضا، وبصفته ممثلتا لنقابة عمال ومستخدمى شركة الغزل (مسئولا عن الحقوق المدنية) ضد المتهمين متضامنين بمبلغ سبعة آلاف جنيه. والمحكمة الجزئية قضت حضوريا بإدانة المتهم الأول ومعاقبته عن التهم المسندة إلبه وبإلزامه بالتعويض وببراءة المتهم الثانى مما نسب إليه. استأنف المحكوم عليه هذا الحكم كما استأنفته النيابة ضد المتهم الثانى (المحكوم ببراءته) كما استأنفه المدعيان بالحقوق المدنية. والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا (أولا) بقبول الاستئنافين شكلا (ثانيا) فى الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم الأول بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به عن التهمة السابعة وببراءته منها وبتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به عن التهمتين الخامسة والسادسة وبتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به عن المتهم الأربع الأولى والاكتفاء بحبس المتهم المذكور سنة واحدة مع الشغل (ثالثا) وفى الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم الثانى بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من براءته من التهمة المسندة إليه وبحبسه ستة أشهر مع الشغل وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم وذلك بإجماع الأراء (رابعا) وفى الدعوى المدنية المرفوعة من جاب الله العطار بتعديل الحكم المستأنف والزام المتهم الأول بالتضامن مع الدكتور فوزى محمد السيد بصفته ممثلا لنقابة عمال شركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى المسئولة عن الحقوق المدنية بأن يدفعا للمدعى المذكور بصفته مبلغ 948 جنيها والمصاريف المناسبة لهذا المبلغ عن الدرجتين. (خامسا) وفى الدعوى المدنية المرفوعة من ميشيل اسكندر بتعديل الحكم المستأنف إلى الزام المتهم الأول بالتضامن مع الدكتور فوزى محمد السيد بصفته سالفة الذكر بأن يدفعا للمدعى المذكور مبلغ 84 جنيها والمصاريف المدنية عن الدرجتين (سادسا) وفى الدعوى المدنية المرفوعة من الدكتور فوزى محمد السيد بتعديل الحكم المستأنف إلى الزام المتهم الأول بأن يدفع إلى المدعى المذكور مبلغ 300 جنيه والمصاريف المناسبة له عن الدرجتين. (سابعا) وفى الدعوى المدنية المرفوعة من الدكتور فوزى محمد السيد بصفته ممثلا لنقابة عمال ومستخدمى شركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى بتعديل الحكم المستأنف إلى الزام المتهمين الأول والثانى بالتضامن بينهما بأن يدفعا للمدعى المذكور بصفته مبلغ 948 جنيه والمصاريف المناسبة له عن الدرجتين. وعدم قبول الدعوى فيما عدا ذلك. فطعن كل من المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض كما طعن فيه أيضا كل من المدعين بالحقوق المدنية... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى من أوجه طعن الطاعن الأول هو القصور والتخاذل والإخلال بحق الدفاع، ويقول فى بيان ذلك إن الحكم دانه بتهمة التزوير مستندا إلى تقرير قسم أبحاث التزوير بمصلحة الطب الشرعى الذى انتهى إلى أن البيانات والتوقيعات فى إقرارات التنازل عن الأسهم مكتوبة بخطة مع أن جانبا من المجنى عليهم أقروا بتحرير البيانات بخطهم وقصروا ادعاءهم بالتزوير على التوقيعات وطلب الطاعن من أجل ذلك الترخيص له بتقديم تقرير استشارى فلم تجبه المحكمة إلى طلبه، وعندما عرض الحكم لتهمتى تزوير واستعمال مستند أسهم حبش على العربى بكتابة اسم العبد أبو دراع بدلا منه استند فى ثبوتهما إلى ما شهد به هذا الأخير وعمر سيد أحمد من أن الطاعن هو الذى حرر بيانات المستند مع أن تقرير قسم أبحاث التزوير لم يصل إلى تعيين محررها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما مجمله أن نقابة عمال شركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى اكتتبت بأسماء عمالها فى أسهم لبنك الجمهورية وتسلمت من الشركة استمارات الاكتتاب ورصدتها فى سجل خاص وعهدت بها إلى الطاعن بوصفه رئيس حسابات النقابة، وفى أكتوبر من عام 1955 تسلم البنك هذه الاستمارات وسجلها فى دفاتره ثم سلم شهادات التخصيص إلى الطاعن كما سلمه فى أكتوبر من عام 1958 سندات الأسهم لتوزيعها على أصحابها على أن يتم التوزيع بدار النقابة وبمعرفة الطاعن الذى تركزت العملية فيه وحده ضمانا لانتظامها وتحديد المسئولية فيها ولاحظت النقابة أن كثيرا من العمال أخذوا بسبب جهلهم وتحت ضغط الحاجة فى بيع أسهمهم بثمن بخس فأعلن رئيس النقابة أنها مستعدة لشراء الأسهم من العمال بسعر جنيهين للسهم الواحد، وبدأت بذلك فى داخل النقابة عملية تسويق ضخمة لأسهم بنك الجمهورية وتركزت كلها فى يد الطاعن وبدأت الشكاوى تقدم من العمال أصحاب الأسهم متضمنة أن الطاعن يماطل فى تسليمها لهم فأجرى تحقيق تكشف عن أن هذا الأخير قد زور مستند أسهم حبش على العربى كما زور إقرارات تنازل العمال عن ملكية أسهمهم بإثبات أسماء آخرين فيها وأنه استعمل الأوراق المزورة بتقديمها عند بيع الأسهم لآخرين كما أسفر التحقيق عن أنه اختلس لنفسه مبالغ تسلمها من بعض الأشخاص على سبيل الوكالة لشراء أسهم فاشترى لهم أسهما بعد تزوير أسماء أصحابها، ودلل الحكم على ثبوت هذه الوقائع فى حق الطاعن بشهادة الشهود من المجنى عليهم وغيرهم وبتقرير قسم أبحاث التزوير بمصلحة الطب الشرعى الذى أثبت أن البيانات والتوقيعات على إقرارات التنازل مكتوبة بخط الطاعن كما دلل على ثبوتها بإقراره فى التحقيق بتسلم بعض المبلغ والأوراق التى اتهم بتبديدها. وعرض الحكم لتهمتى تزوير واستعمال مستند أسهم حبش على العربى بكتابة إسم العبد أبو دراع بدلا منه فقال إنه يطمئن إلى ما شهد به هذا الأخير وعمر سيد أحمد من أن الطاعن هو الذى أحدث أمامها الكشط فى المستند وغير إسم مالكه الحقيقى وإن كان تقرير قسم أبحاث التزوير لم يصل بوجه قاطع ولأسباب فنية إلى أن محدث المطعون فيه استخلص واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر جرائم التزوير والاستعمال والتبديد التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها واطمأن فيما اطمأن من أدلة إلى تقرير قسم أبحاث التزوير المثبت أن إقرارات التنازل عن الأسهم مكتوبة صلبا وتوقيعا بخط الطاعن وبان من مطالعة محاضر الجلسات الابتدائية والاستئنافية أنه منح أكثر من فرصة لتقديم تقرير استشارى ولم يفعل - ولما كان لا يوجد تناقض بين ما قرره الشاهدان العبد أبو دراع وعمر سيد أحمد من أن الطاعن هو الذى أحدث الكشط والتغيير فى مستند أسهم حبش على العربى وبين ما جاء فى تقرير قسم أبحاث التزوير من أنه لا يتيسر معرفة محدثهما لأسباب فنية وكانت المحكمة قد اطمأنت فى حدود سلطتها الموضوعية إلى أقوال الشاهدين فى هذا الخصوص. لما كان ذلك، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذين الوجهين.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من أوجه الطعن هو مخالفة القانون، ويقول الطاعن فى بيان هذا الوجه إن الحكم دانه بتهمتى تبديد المبالغ والأوراق المملوكة للدكتور فوزى السيد وميشيل اسكندر وآخرين استنادا إلى شهادة الشهود وإلى إقرار الطاعن فى التحقيق بتسليم بعض المبالغ على الرغم من أن الأموال المقول بتبديدها تبلغ الآلاف من الجنيهات وتتجاوز نصاب الشهادة، ومع أن الطاعن مع إقراره بتسلم بعض الأموال أنكر أنه اختلسها بما لا يجوز معه قانونا تجزئة الإقرار لتعلقه بعقد مدنى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه استند فى ثبوت تهمتى التبديد فى حق الطاعن إلى أقوال المجنى عليهم وإلى أنه أقر فى التحقيق بتسلم مبالغ من الدكتور فوزى السيد ومحمد جاب الله العطار ونصرينى عبد النور وآخرين بصفته وكيلا عنهم لشراء الأسهم لهم قدم لهم عقود بيع أسهم ثبت أنها مزورة كما أقر فى التحقيق بتسلم سندات أسهم من ميشيل اسكندر ورزق محمد النشار وآخرين بصفته وكيلا عنهم لتقديمها لبنك الجمهورية وتسجيلها فيه لكنه بدد هذه المستندات وتصرف فى جانب منها بالبيع لآخرين. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانونا أن ما يتعين التزام قواعد الإثبات المدنية فيه عند بحث جريمة التبديد هو عقد الأمانة فى ذاته أما الاختلاس فهو واقعة مستقلة يصح للمحكمة الجنائية للتدليل عليها بجميع طرق الإثبات دون أن تقف فى سبيلها القاعدة المدنية القاضية بعدم تجزئة الإقرار. ولما كان الحكم قد استند فى ثبوت عقد الوكالة إلى شهادة الشهود وإلى إقرار الطاعن فى التحقيق ثم استخلص واقعة الاختلاس استخلاصا صحيحا وبأدلة سائغة فإن ما ذهب إليه الحكم فى هذا الخصوص يتفق وصحيح القانون. هذا فضلا عن أن قواعد الإثبات وما تقتضيه من عدم جواز سماع الشهود فيما يجاوز نصاب الشهادة هى قواعد غير متعلقة بالنظام العام ويتعين على صاحب المصلحة أن يتمسك بها أمام محكمة الموضوع وهو ما لم يفعله الطاعن كما يبين من مطالعة محاضر الجلسات. لما كان ذلك، فإنه لا محل لما يثيره الطاعن فى هذا الوجه ويكون طعنه برمته على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الثانى على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف الصادر ببراءته ودانه دون أن يبين التهمة التى دانه بها ونص القانون الذى حكم بموجبه مخالفا بذلك المادة 310 من قانون الإجراءت الجنائية.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم المستأنف الصادر ببراءة الطاعن ودانه مستندا إلى قرائن ساقها من انفراده بإثبات عملية التنازل فى البنك ومن مخالفته للأحوال المتبعة فى هذا الخصوص ومن صلته الشخصية بالطاعن الأول وانتهى إلى أن ما ارتكبه الطاعن الأول كان نتيجة تعاون وتواطؤ بينه وبين الطاعن الثانى ورأى من أجل ذلك أن التهمة ثابتة قبل هذا الأخير - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه لم يبين الواقعة المستوجبة لمعاقبته أو يشير إلى نص القانون الذى حكم بموجبه وهو بيان جوهرى اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات وأوجبته المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان لا يعصم الحكم من هذا العيب أنه أشار فى صدره إلى أن النيابة اتهمت الطاعن باستعمال الأوراق المزورة وطلبت معاقبته بالمادة 215 من قانون العقوبات طالما أنه لم يفصح عن أخذه بها ولم يبين واقعة الاستعمال التى اقترفها الطاعن وعلى أى الأوراق انصبت. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون فيما يختص بهذا الطاعن مشوبا بالبطلان بما يوجب نقضه دون حاجة إلى بحث الوجه الثانى من طعنه.
وحيث إن مبنى طعن الطاعن الثالث هو مخالفة القانون والقصور فى التسبيب، ذلك أنه طالب بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه وبناه على عنصرين الأول هو مبلغ 2021 جنيها تسلمه منه الطاعن الأول والعنصر الثانى هو باقى المبلغ الذى يمثل ما لحقه من ضرر لكن الحكم المطعون فيه اقتصر على القضاء له بمبلغ 836 جنيها - قال إنه قيمة 418 سهما ثبت تزويرها بواقع القيمة الإسمية وهى جنيهان لكل سهم مع أن القيمة الفعلية توازى ضعف القيمة الإسمية، وأغفل الحكم بحث العنصر الثانى من عناصر التعويض كما أن المحكمة لم تحقق مقدار التعويض الفعلى ولم تطالبه بتقديم المستندات المثبتة له وكان الأمر يستلزم إجراء تحقيق فى هذا الشأن يوجب إحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدعوى المدنية فقال إن الطاعن الأول أقر بأنه تسلم من الطاعن الثالث مبالغ متفرقة غير محددة وخالفه فى عدد الأسهم التى عهد إليه بشرائها لحسابه وأنه لا يوجد للعملية ضابط يمكن الاطمئنان إليه سواء فيما يختص بقيمة المبالغ أو عدد الأسهم وأن الطاعن الثالث لم يقدم دليلا على مبلغ التعويض الذى يطالب به سوى إشعار البنك بتسلم الطاعن منه مبلغ خمسمائة جنيه ورأت المحكمة أن الأساس الوحيد الذى يمكن تحديد التعويض بناء عليه هو عدد الأسهم التى ثبت تزويرها وهو 418 سهما والسعر الإسمى المتفق على شراء الأسهم به وهو جنيهان للسهم وبذا يكون التعويض الواجب الحكم به للطاعن الثالث هو 836 جنيها. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لأوجه الطعن أن هذا الذى استند إليه الحكم له أصل صحيح ثابت فى الأوراق وكانت المحكمة فى صدد بحثها للدعوى المدنية غير ملزمة بتوجيه المدعى أو تكليفه إثبات دعواه أو تقديم المستندات الدالة عليها إذ أن الأمر فى ذلك كله موكول إليه ليدلل على التعويض الذى يطالب به وبالكيفية التى يراها، كما أن المحكمة الجنائية غير ملزمة بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة إلا إذا قدرت فى نطاق اختصاصها الموضوعى المطلق أن تحديد التعويض يستلزم إجراء تحقيق خاص لا يتسع له وقتها، أما وقد قدرت أن هذ التحديد ميسور من واقع الأوراق المعروضة عليها وكان المدعى لم يقدم مستندات أو أدلة تؤيد دعواه فى المطالبة بتعويض أكثر ولم يطلب إجراء تحقيق خاص أو إحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية لإجراء هذا التحقيق فيكون تقديرها فى هذا الشأن لا معقب عليه مادام سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت فى الأوراق. لما كان كل ذلك، فإن هذا الطعن يكون غير قائم على أساس سليم جديرا بالرفض.
وحيث إن مبنى طعن الطاعن الرابع هو التخاذل ومخالفة للقانون، ويقول فى بيان ذلك إن الحكم المطعون فيه إذ قضى عليه بالتعويض باعتباره مسئولا عن الحقوق المدنية بنى قضاءه فى موضع منه على علاقة التبعية بينه بصفته ممثلا لنقابة العمال وبين الطاعن الأول بصفته رئيس حساباتها وبناه فى موضع آخر على المسئولية التقصيرية وأشار فى موضع ثالث إلى أنه "الطاعن الرابع" وكل الطاعن الأول فى بيع الأسهم وأشار فى موضع رابع إلى نشوء عقد وديعة بين المدعى المدنى والطاعن الأول، وفضلا عن وقوع الحكم فى هذا التخاذل فإن نقابة العمال ليست دار ودائع للأسهم، كما أنه بفرض قيام عقد الوكالة فإن ظروف الواقعة تدل على أن الطاعن الأول تجاوز حدودها، وأضاف الطاعن أن مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه هى مسئولية استثنائية لا يجوز التوسع فيها وأن الطاعن الأول إنما ارتكب جرائم التزوير والتبديد بدافع شخصى لم تهيئه له وظيفته بما لا تتحقق معه مسئولية الطاعن المدنية.
وحيث إنه لما كان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بنى قضاءه بمسئولية الطاعن الرابع عن التعويض على علاقة التبعية القائمة بينه بوصفه ممثلا للنقابة وبين الطاعن الأول بوصفه رئيس حساباتها وقال فى هذا الشأن إنه يكفى لمساءلة المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية وثيقة بين الخطأ والوظيفة بحيث يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان يفكر فى ارتكابه لولا الوظيفة ويستوى أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة التابع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة فى استعمالها ويستوى كذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر علم به أو لم يعلم، واستطرد الحكم قائلا إن الطاعن الرابع بوصفه رئيسا للنقابة قد عهد إلى الطاعن الأول بوصفه رئيس حساباتها بمباشرة عملية بيع أسهم العمال وهى العملية التى أتاحت له ارتكاب جرائم التزوير أساس طلب التعويض. لما كان ذلك، وكان هذا الذى قاله الحكم صحيحا فى القانون - وكان هذا الحكم لم يبن مسئولية الطاعن الرابع على تقصيره شخصيا أو على قيام عقد وكالة أو عقد وديعة كما يقول الطاعن، فإن طعنه يكون قائما على غير أساس جديرا بالرفض.