أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 415

جلسة 6 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل رئيس المحكمة, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, وعادل يونس المستشارين.

(90)
الطعن رقم 299 لسنة 29 القضائية

دعوى مدنية. المسئولية عن الأعمال الشخصية. الخطأ وأسباب إباحة الجرائم. عذر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي. حكمه. المادة 251 ع.
تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي يوجب مسئولية المتهم عن تعويض الضرر الناشئ عن جريمته.
متى ثبت أن المتهم قد تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي فإنه يكون مسئولا عن تعويض الضرر الناشئ عن جريمته ويكون الحكم عليه بالتعويض صحيحا في القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن مع آخر حكم ببراءته بأنهما: قتلا عمدا السيد محمد عزب بأن أطلق كل منهما صوبه عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين 234/ 1, 39/ 2 من قانون العقوبات. وقد ادعى محمد العزب أحمد بحق مدني قبل المتهمين وطلب القضاء له قبلهما متضامنين ووزارة الداخلية (المسئولة عن الحقوق المدنية) بمبلغ قرش صاغ واحد بصفة تعويض مؤقت. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا عملا بالمادتين 234/ 1, 251 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم (الطاعن) بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإلزامه متضامنا مع وزارة الداخلية باعتبارها مسئولة عن الحقوق المدنية بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في بيان نية القتل إذ قال إن الطاعن كان يقصد من إطلاق العيار الناري قتل المجني عليه مع أن الثابت من التحقيقات أنه كان يقصد من إطلاق هذا العيار الإرهاب عندما حضر أهالي بلدة المجني عليه متجمهرين قاصدين الإعتداء على أهالي العزبة التي يتولى الطاعن حراستها وهو باعتباره خفيرا نظاميا يقتضيه واجبه إطلاق النار لإرهاب المتجمهرين محافظة على الأمن ومنعا للجريمة قبل وقوعها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تحدث عن نية القتل في قوله "وحيث إن نية القتل متوفرة لدى المتهم محمد متولي محمد (الطاعن) من إطلاقه عيارا ناريا من بندقيته الأميرية على المجني عليه وهو على بعد ثلاثة أمتار منه وظهره إليه ومصوبا بندقيته نحو رأسه قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته على الأثر ولا عبرة بقبول ادعائه بأنه قد أطلق العيار الناري في الهواء بقصد الإرهاب أو أنه قد أخطأ في إطلاقه في الهواء فأصاب المجني عليه وذلك لأنه من الخفراء المدربين على إصابة الهدف وعلى طريقة استعمال الأسلحة النارية وحسن توجيهها إلى أعلى في حالة إطلاقها للتهديد فهو بإصابته المجني عليه على هذه المسافة ومن الخلف لا يكون قد أخطأ الهدف من إطلاقه العيار وإنما يكون قد قصد إزهاق روح المجني عليه وأهل بلده لمهاجمتهم العزبة التي يخفرها واعتدائهم على ذويها". ولما كان ما قاله الحكم من ذلك سائغا في استخلاص نية القتل لدى الطاعن وصحيحا في القانون فإن ما يثيره في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذا دان الطاعن على اعتبار أنه لم يكن في حالة دفاع شرعي مع أن الثابت من التحقيقات أنه أراد الدفاع عن نفسه وعن أهالي بلدته من المتجمهرين وهو بذلك كان يؤدي عملا من أعمال وظيفته.
وحيث إن الحكم تعرض لدفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي ورد عليه في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهم الثاني (الطاعن) قد دفع التهمة بطلب براءته على أساس أنه كان في حالة دفاع شرعي - بهجوم أهالي ناحية شوبك أكراشي على عزبة بدر التي يتولى حراستها وهم حاملون العصى والبلط بقصد التعدي بها على أهل العزبة مما اضطر معه لدفع هذا الإعتداء أن يطلق النار عليهم فأصيب أحدهم. وحيث إن حق الدفاع الشرعي عن النفس لا يجوز أن يبيح القتل عمدا إلا إذا كان مقصودا به دفع فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة. وحيث إن هجوم أهالي ناحية شوبك أكراشي حاملين العصى للتعدي بها على أفراد عزبة بدر التي يقوم بحراستها الخفير النظامي محمد متولي محمد (الطاعن) وإن كان يعد اعتداء على النفس يبيح حق الدفاع الشرعي برد هذا الإعتداء إلا أن ذلك لم يكن في حالة تبيح القتل عمدا وذلك لعدم حمل أحدهم لأسلحة نارية ولأن حالتهم وهم حاملين العصى لم تكن بدرجة يتخوف منها إحداث الموت أو جراح بالغة بأهالي العزبة. كما أنه كان يكفي لرد هذا الإعتداء إطلاق الأعيرة النارية في الفضاء إرهابا فإن لم تفلح فالضرب لأسفل عند الأقدام حتى لا يصيب مقتلا منهم - فإذا خالف المتهم ذلك وهو من الخفراء الذين يجب عليهم مراعاة ذلك فإنه يكون بقتله المجني لعيه قد جاوز حق الدفاع الشرعي المسموح به في هذه الحالة ويكون بذلك قد ارتكب جريمة قتل المجني عليه عمدا متجاوزا في ذلك حق الدفاع الشرعي في هذه الحالة, خصوصا وقد أطلق العيار على المجني عليه على بعد ثلاثة أمتار من فوهة البندقية وكان المجني عليه موليا ظهره إليه حسبما جاء بتقرير الصفة التشريحية, ومن ثم يتعين رفض اعتباره في حالة دفاع شرعي من النفس تبرر قتله المجني عليه عمدا واعتبار ما وقع منه تجاوزا لحدود الدفاع الشرعي في مثل هذه الحالة بنية سليمة تدعو إلى توقيع عقوبة الجنحة بدلا من عقوبة الجناية طبقا للمادة 251 من قانون العقوبات". ولما كان يبين مما أورده الحكم أن المحكمة رأت أن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي ثم وازنت بين الاعتداء الواقع وبين ما أتاه في سبيل هذا الدفاع وأنه قد تجاوز حدود ذلك الدفاع وأقامت حكمها على أسباب سائغة ومن ثم فلا يصح مجادلتها فيما انتهت إليه في حدود سلطتها التقديرية, ويكون ما جاء بهذا الوجه غير سديد.
وحيث إن محصل الوجه الثالث هو أن الحكم أخطأ فيما قضى به من إلزام الطاعن بالتعويض ما دام قد ثبت من التحقيقات أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن آخرين.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه مردود بأنه متى ثبت أن الطاعن قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإنه يكون مسئول عن تعويض الضرر الناشئ عن جريمته ويكون الحكم عليه بالتعويض صحيحا في القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور فقد دان الطاعن استنادا إلى أنه أطلق العيار الناري الذي أصاب المجني عليه دون أن يقوم دليل على أن المقذوف الذي أطلقه في الهواء هو الذي أصاب المجني عليه.
وحيث إن الحكم تعرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه ورد عليه في قوله "وحيث إن المتهم أنكر إطلاق العيار الناري من بندقيته وأصاب المجني عليه وقد كذبة في ذلك ما جاء في التقرير الطبي الشرعي من أن إصابة المجني عليه وهى من البندقية الأميرية التي يحملها الخفير النظامي ومن طلق أميري أطلق منها, ومما جاء في شهادته من استبعاد استعمال هذا الطلق من بندقية خرطوش كالمضبوطة والمنسوب للمتهم الأول استعمالها في الحادث". ولما كان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى, وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما قرره الطبيب الشرعي في تقريره وفي شهادته بالجلسة من أن إصابة المجني عليه إنما حدثت من عيار ناري أطلق من بندقية الطاعن, وأنها لم تحدث من بندقية المتهم الآخر المحكوم ببراءته فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلا في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما تستقل به محكمة الموضوع.
وحيث إنه من كل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.