أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 807

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1961

برياسة السيد السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وأديب نصر حنين المستشارين.

(156)
الطعن رقم 2392 لسنة 30 القضائية

(أ) إثبات. دفاع. حكم "تسبيبه".
الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام. لا يلزم الرد عليه استقلالا. كفاية الرد الضمنى.
(ب) سرقة بإكراه. حكم " تسبيبه".
ركن الاكراه فى السرقة. لا يلزم التحدث عنه استقلالا فى الحكم. مادامت مدوناته تكشف عن توافره.
(جـ) تعطيل المواصلات.
جريمة المادة 167 عقوبات. تعميم الحماية لكل وسائل النقل العامة. متى تتحقق الجريمة: بمجرد تعطيل وسيلة النقل العام بأية طريقة عمدية.
( د) عقوبة. نقض. "المصلحة فى الطعن". مثال.
إدانة المتهم فى جريمتى السرقة بإكراه وتعطيل المواصلات مع تطبيق المادة 32 عقوبات. الحكم عليه بعقوبة الجريمة الأولى الأشد. لا جدوى له من النعى بعدم توافر الجريمة الثانية.
(هـ) إثبات. تحقيق.
شهود. تعرف الشهود على المتهم ليس من إجراءات التحقيق التى يوجب لها القانون شكلا خاصا.
( و) إثبات. حكم "تسبيبه".
شهود. لا يلزم إيراد النص الكامل لأقوالهم. كفاية إيراد مضمونها.
( ز) إثبات.
قرائن. استعراف الكلب البوليسى. جواز الاستناد إليه كقرينة تعزز أدلة الثبوت.
(حـ) إجراءات المحاكمة. تحقيق. إثبات.
فقد بعض أوراق التحقيق. أثره. المعول عليه هو التحقيق الشفوى الذى تجريه المحكمة بنفسها. التحقيق الابتدائى. ماهيته. هو من عناصر الدعوى التى يتزود منها القاضى فحسب.
1 - الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام وما يترتب عليه من تعذر الاستعراف على المتهمين ليس من الدفوع الجوهرية التى يتعين على المحكمة أن ترد عليها استقلالا، بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادا من الأدلة التى استند إليها الحكم فى الإدانة.
2 - لا يلزم أن يتحدث الحكم عن ركن الإكراه فى السرقة استقلالا مادامت مدوناته تكشف عن توافر هذا الركن وترتب جريمة السرقة عليه.
3 - هدف الشارع من نص المادة 167 من قانون العقوبات - التى حلت محل المادة 145 من قانون سنة 1904 - إلى تعميم الحماية وشمولها لكل وسائل النقل العامة من مائية أو برية أو جوية. وتتحقق الجريمة بمجرد تعطيل وسيلة النقل العام بأية طريقة عمدية من شأنها أن تؤدى إلى التعطيل أو التعريض للخطر سواء أوقع اصطدام فعلى بالأشياء المستعملة فى هذا الغرض وترتب على ذلك التعطيل أو كان هذا التعطيل نتيجة إيقاف وسيلة النقل العام خوف الاصطدام بها.
4 - إذا كانت المحكمة قد دانت الطاعن بجنايتى السرقة بإكراه وتعريض وسائل النقل العامة البرية للخطر عمدا وتعطيل سيرها وطبقت عليه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة داخلة فى نطاق العقوبة المقررة لجناية السرقة باعتبارها الأشد، فلا جدوى له من النعى على الحكم فى صدد توافر الجريمة الأخرى.
5 - تعرف الشهود على المتهم ليس من إجراءات التحقيق التى يوجب القانون لها شكلا خاصا.
6 - لا يلزم قانونا إيراد النص الكامل لأقوال الشهود الذين اعتمد عليهم الحكم، بل يكفى أن يورد مضمونها - ولا يقبل النعى على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما ما أوردته منها وعولت عليه ما يعنى أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها.
7 - إذا كانت المحكمة قد استندت إلى استعراف الكلب البوليسى كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التى أوردتها ولم يعتبر هذا الاستعراف كدليل أساسى على ثبوت التهمة قبل المتهم، فإن استنادها إلى هذه القرينة لا يعيب الاستدلال.
8 - الأصل أن عماد الإثبات فى المواد الجنائية هو التحقيق الشفوى الذى تجريه المحكمة بنفسها وتوجهه الوجهة التى تراها موصلة للحقيقة، أما التحقيق الابتدائى فليس إلا تمهيدا لذلك التحقيق الشفوى ولا يعدو أن يكون من عناصر الدعوى التى يتزود منها القاضى فى تكوين عقيدته - فإذا كانت المحكمة قد حققت الدعوى بنفسها وكانت الأوراق الباقية فيها غناء عما قيل بفقده، فلا وجه للنعى على الحكم ببطلان الإجراءات تأسيسا على فقد بعض أوراق التحقيق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من الطاعنين وآخرين بأنهم (أولا) سرقوا النقود والأشياء الأخرى المبينة بالمحضر المجنى عليهم بطريق الإكراه الواقع عليهم وحالة كون بعضهم يحمل أسلحة نارية ظاهرة (بنادق) وذلك بأن اعترضوا طريق سيارتين يقودهما المجنى عليهما الأول والثانى بوضع جذع نخلة فى عرض الطريق العام الموصل بين بلدتى كفر حمزة وشبين القناطر وأطلق المتهم الأول عيارا ناريا ثم اعتدوا على المجنى عليهم بالضرب فأحدثوا الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى وتمكنوا بهذه الوسيلة من الإكراه من شل مقاومتهم وإتمام السرقة. (ثانيا) عرضوا للخطر عمدا سلامة وسائل النقل العامة " سيارات النقل" المارة بطريق كفر حمزة وشبين القناطر وعمدوا إلى تعطيل سيرها بوضع جذع نخلة فى عرض الطريق سالف الذكر وتمكنوا بذلك من إيقاف السيارات المارة فى الطريق وأطلقوا عليها عيارا ناريا لإيقافها. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 341/ 1 - 2 و 315/ 1 - 2 و 167 من قانون العقوبات.فقررت ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا لجميع المتهمين - عدا الرابع فغيابيا له - عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأربعة الأول بمعاقبتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين وببراءة المتهم الخامس. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثالث وإن قرر بالطعن فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثانى قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
أولا: تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الأول.
من حيث إن مبنى الطعن المقدم من هذا الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب حين اعتمد فى الإدانة على استعراف شاهدين فى التحقيق مع أنه استعراف مشكوك فيه لحصوله فى الظلام ولعدم استطاعة الشاهدين المذكورين التعرف على الطاعن أمام المحكمة وقد أضاف أحدهما أنه اضطرب وتاه وقت الحادث مما يشكك فى استعرافه أمام النيابة. كما شهد حسين مطاوع الشاهد الأول فى التحقيق بأنه وزملاءه لم يتعرفوا إلا على متهم واحد - وهو الذى توفى - وقد أثار المدافع عن الطاعن هذه المطاعن وتعذر التعرف على ضوء نور السيارة، ولكن الحكم التفت عن هذا الدفاع الهام الذى من شأنه توهين الدليل القائم قبل الطاعن وجاءت عبارته دالة على عدم جزم المحكمة فى شأن صحة الاعتراف وهو ما يخالف أصول تسبيب الأحكام التى يجب أن تبنى على اليقين دون الشك. هذا إلى أن الحكم لم يتحدث عن ركن الإكراه فى السرقة على استقلال وأخطأ إذ اعتبر مجرد وضع جذع شجرة فى الطريق من شأنه تعطيل وسائل النقل وتعريضها للخطر مع أن هناك طرقا أخرى مجاورة للمرور منها وكان فى مكنة السيارة المرور من فوق جذع الشجرة أو أن يرفعه سائقها، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى السرقة بإكراه ليلا وبحمل سلاح فى الطرق العمومية وتعريض وسائل النقل العامة البرية للخطر عمدا وتعطيل سيرها اللتين دين الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام وما يترتب عليه من تعذر الاستعراف على المتهمين ليس من الدفوع الجوهرية التى يتعين على المحكمة أن ترد عليها استقلالا بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادا من الأدلة التى استند إليها الحكم فى الإدانة. ولا يضير الحكم أن يركن فى تكوين معتقده إلى ما تضمنه الاستعراف الذى أجرى فى التحقيق طالما أنه وثق به واطمأن إليه. ولما كان لا يلزم أن يتحدث الحكم عن ركن الإكراه فى السرقة استقلالا مادامت مدوناته تكشف عن توافر هذا الركن وترتب جريمة السرقة عليه وهو ما دلل عليه الحكم تدليلا سائغا فى معرض تحصيله لظروف الواقعة، وانتهى إلى ثبوته فى حق الطاعن. على أنه لا جدوى للطاعن من النعى على الحكم فى هذا الخصوص طالما أن الحكم قد استظهر حصول السرقة فى الطرق العمومية من جناة متعددين يحملون سلاحا وهو ما يكفى لتبرير العقوبة المقضى بها ولو لم يقع إكراه من الفاعلين. لما كان ذلك، وكان الشاعر قد هدف من نص المادة 167 من قانون العقوبات - التى حلت محل المادة 145 من قانون سنة 1904 - تعميم الحماية وشمولها لكل وسائل النقل العامة من مائية أو برية أو جوية وتتحقق الجريمة بمجرد تعطيل وسيلة النقل العام بأية طريقة عمدية من شأنها أن تؤدى إلى تعطيل أو التعريض للخطر سواء أوقع اصطدام فعلى بالأشياء المستعملة فى هذا الغرض وترتب على ذلك التعطيل أو كان هذا التعطيل نتيجة إيقاف وسيلة النقل العام خوف الاصطدام بها - وهو ما أثبته الحكم فى حق الطاعن - ومع ذلك، فإنه لما كانت المحكمة قد دانت الطاعن بجنايتى السرقة بإكراه وتعريض وسائل النقل العامة البرية للخطر عمدا وتعطيل سيرها وطبقت عليه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة داخلة فى نطاق العقوبة المقررة لجناية السرقة باعتبارها الأشد فلا جدوى له من النعى على الحكم فى صدد عدم توافر الجريمة الأخرى. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا: تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثانى.
من حيث إن مبنى أوجه الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على بطلان فى الإجراءات ومخالفته للقانون كما شابه قصور فى التسبيب، ذلك بأنه اعتمد فى إدانة الطاعن على الاستعراف الذى تم بمعرفة النيابة فى مرحلة التحقيق على رغم بطلان هذا الإجراء لقتصار العرض على المشتبه فيهم دون سواهم وخلو محضره من بيان سن وأوصاف ومحال إقامة من شملهم العرض مما يجعله فى حكم العدم، كما أن الحكم لم يورد أقوال الشاهد على محمد العواد الذى استعرف على الطاعن بل أغفل عبارات منها لها أثرها القاطع فى تقويم هذه الشهادة من ذلك ما قاله الشاهد من عدم تحققه من الشخص الذى كانت معه العصا التى ضرب بها حمال السيارة - لطفى منصور - ومن أنه لا يتذكر غير شبهه مع أن الحمال قد تعرف على المعتدى عليه بالعصا - وهو الطاعن الأول - وحدد أوصافه بتحقيق النيابة وهو ما يناقض ما قرره الشاهد سالف الذكر من أن الطاعن هو الذى كانت معه العصا وضرب بها ذلك الحمال ولم يعرض الحكم لهذا التناقض. كما أسقط الحكم من أقوال الشاهد عدد الأشخاص الذين عرضوا عليه وهو حسب قوله 70 شخصا واستبدل الحكم بهذا العدد عبارة "أشخاص كثيرين" مع ما لتحديد العدد من أثر بالغ فى تقدير قيمة العرض ودلالته على كذب الشاهد لمخالفته الواضحة للعدد الثابت فى محضر العرض الذى اقتصر على المشتبه فيهم وحدهم وعددهم 11 فقط. كما اعتمد الحكم على استعراف الكلب البوليسى على رغم خلو الأوراق من محضر الاستعراف وما جاء فى تحقيق النيابة عنه إن هو إلا نتيجة هذا الإجراء لا حقيقة ما تم فى شأنه. وأياما كان، فاستعراف الكلب البوليسى فى حد ذاته عديم القيمة من حيث التدليل ولا يصح الركون عليه. هذا إلى أن الثابت من الأوراق أن بعض أوراق القضية فقدت ومن بينها المحضر المذكور ومحضر عرض آخر أشار إليه المحقق، مما يعيب الإجراءات وما ترتب عليها ويستوجب نقض الحكم.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن تقدير قوة الدليل فى الإثبات مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث ولا حرج عليها إن هى تزودت من عملية العرض التى تمت فى مرحلة التحقيق الابتدائى فى استمداد هذه العقيدة مادامت قد اطمأنت إليها. لما كان ذلك، وكان تعرف الشهود على المتهم ليس من إجراءات التحقيق التى يوجب القانون لها شكلا خاصا، وكانت المحكمة قد أخلت بأقوال الشهود فى هذا الخصوص مع علمها بكافة الظروف التى أحاطت بهذا الاستعراف فلا يجوز مصادرتها فى اعتقادها. وكان لا يلزم قانونا إيراد النص الكامل لأقوال الشهود الذين اعتمد عليهم الحكم بل يكفى أن يورد مضمونها ولا يقبل النعى على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعنى أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية فى تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد استخلص الإدانة من أقوال الشهود الذين اعتمد عليهم بما لا تناقض فيه، وكان لا يضير الحكم أن يصف عدد الأشخاص الذين عرضوا على الشاهد بالكثرة بدلا من أن يذكر العدد الذى قال به الشاهد وحددهم به طالما أن ما حصله الحكم من ذلك لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استندت إلى استعراف الكلب البوليسى كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التى أوردتها ولم تعتبر هذا الاستعراف كدليل أساسى على ثبوت التهمة قبل الطاعن، فإن استنادها إلى هذه القرينة لا يعيب الاستدلال. وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة البطلان فى الإجراءات تأسيسا على فقد بعض أوراق التحقيق مردودا بأنه فضلا عن أنه لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أيهما شيئا من ذلك، فإن الأصل أن عماد الإثبات فى المواد الجنائية هو التحقيق الشفوى الذى تجريه المحكمة بنفسها وتوجهه الوجهة التى تراها موصلة للحقيقة، أما التحقيق الإبتدائى فليس إلا تمهيدا لذلك التحقيق الشفوى ولا يعدو أن يكون من عناصر الدعوى التى يتزود منها القاضى فى تكوين عقيدته، ولما كانت المحكمة قد حققت الدعوى بنفسها وكانت الأوراق الباقية فيها غناء عما قيل بفقده، فلا وجه لهذا النعى ولا حرج على المحكمة إن هى اعتمدت على نتيجة الاستعراف التى يقول الطاعن فى طعنه إنها وردت فى محضر تحقيق النيابة - دون محضر الاستعراف ذاته مما لا يجادل الطاعن فى صحة ما أثبت عنه فى محضر تحقيق النيابة - طالما أن المحكمة قد وثقت به وارتاحت إليه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن على الصورة الواردة به لا يخرج فى حقيقته عن كونه جدلا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن أدلة الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها مما لا معقب عليها فيه، ويكون ما يثيره الطاعن فى غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.