أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 451

جلسة 20 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار، وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد، وفهيم يسى جندي، وعباس حلمي سلطان، وعادل يونس المستشارين.

(99)
الطعن رقم 489 لسنة 29 القضائية

(أ - ج) نقض. أوجهه. الفارق بين بطلان الحكم وانعدامه انعداما قانونيا.
استئناف. شرط التصدي المادة 419/ 1 أ. ج.
صحة انعقاد الخصومة يرفعها إلى المحكمة على وجه صحيح.
دعوى جنائية. تحريكها عن جرائم الموظفين. أثر مخالفة المادة 63/ 3 أ. ج المضافة بالقانون رقم 121 لسنة 1956.
انعدام العمل الإجرائي إنعداما قانونيا.
حكم. أثر النطق به. من تستنفذ المحكمة ولايتها في نظر الدعوى؟
عند توافر ولاية نظر الدعوى للمحكمة ابتداء.
أثر تخلف هذا الشرط.
إنعدام العمل الإجرائي إنعداما قانونيا. وجوب فصل المحكمة في الدعوى عند إعادة رفعها على الوجه الصحيح.
(د) استئناف المتهم. أثره. نقض. أوجهه. ما لا يعتبر خطأ في تطبيق القانون الإجرائي.
سلطة المحكمة الاستئنافية في تكييف واقعة الدعوى التي سبق طرحها أمام محكمة أول درجة التكييف القانوني الصحيح وبيان عناصر التهمة وتحديدها بشرط عدم إضافة فعل جديد أو تشديد العقوبة. مثال في إضافة أحد عناصر الخطأ.
(هـ) مسئولية جنائية. أسباب امتناعها. الحادث القهري شرطا توافر حالته.
ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه. صورة واقعة لا تتوافر بها هذه الحالة. مثال في قتل خطأ.
1 - الأصل أنه إذا حكمت محكمة أول درجة في الموضوع ورأت المحكمة الاستئنافية أن هناك بطلانا في الإجراءات أو في الحكم الابتدائي تصحح البطلان وتحكم في الدعوى عملا بالفقرة الأولى من المادة 419 من قانون الإجراءات الجنائية، على أنه يشترط لذلك أن تكون الدعوى داخلة تحت ولاية المحكمة ورفعت إليها على وجه صحيح - فإذا كانت الدعوى قد أقيمت على المتهم ممن لا يملك رفعها قانونا، وعلى خلاف ما تقضي به المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 121 لسنة 1956 فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوما قانونا ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها، فإن هى فعلت كان حكمها وما بني عليه من إجراءات معدوم الأثر، ولا تملك المحكمة الاستئنافية عند رفع الأمر إليها أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل فيه، بل يتعين عليها أن تقصر حكمها على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى باعتبار أن باب المحاكمة موصد دونها، إلا أن تتوفر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها.
2 - منع القاضي من نظر دعوى سبق له أن نظرها وفصل فيها محله أن يكون ذلك القاضي له ولاية النظر فيها ابتداء - فإذا نظرها مرة أخرى كان قضاؤه باطلا يفتح له القانون باب الطعن بالطريق العادي أو بطريق النقض.
3 - إذا كان عمل القاضي لغوا وباطلا بطلانا أصليا لأن الدعوى سعت إلى ساحته من غير طريقها القانوني فلا عبرة بباطل ما أتاه أو أجراه، وهو من بعد إذا اتصل بالدعوى اتصالا صحيحا مطابقا للقانون فله أن يفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة عندئذ هى إجراءات مبتدأة.
4 - الأصل أن الاستئناف - ولو كان مرفوعا من المتهم وحده - يعيد طرح الدعوى برمتها على محكمة الدرجة الثانية فيكون لها أن تعطي الوقائع التي سبق طرحها على القاضي الابتدائي وصفها القانوني الصحيح وأن تغير في تفصيلات التهمة وتبين عناصرها وتحددها وكل ما عليها هو ألا توجه أفعالا جديدة إلى المتهم ولا تشدد عليه العقوبة متى كان هو المستأنف وحده - فإذا كانت محكمة أول درجة قد قصرت بحثها في تناول ما وقع من المتهم من خطأ على قيادته السيارة بسرعة وعدم احتياطه ومراعاته اللوائح، ثم جاءت المحكمة الاستئنافية وأضافت إلى ذلك عنصرا آخر كان مطروحا على محكمة الدرجة الأولى وهو قيادته السيارة وهى غير مستوفاة شروط الأمن والمتانة فإنها لا تكون قد خالفت القانون.
5 - يشترط لتوافر حالة الحادث القهري ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه - فإذا اطمأنت المحكمة إلى توافر الخطأ في حق المتهم وعددت صور هذا الخطأ التي تكفي كل صورة منها لعدها خطأ قائما بذاته أتاه المتهم وترتب عليه مسئولية فاعله - ولو لم يقع منه خطأ آخر - فإن في ذلك ما ينتفي معه القول بحصول الواقعة عن حادث قهري.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تسبب في غير قصد ولا تعمد في قتل ابراهيم أحمد الجميعي وعبد الرازق أحمد رجب وفي إصابة عبد الحميد أحمد الكوراني وسعد زاهر الجبيلي بالإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي وكان ذلك ناشئا عن رعونته وعدم اتباعه اللوائح والقوانين بأن قاد سيارة غير مستوفية لشروط الأمن والمتانة بسرعة شديدة فاختل توازنها وفقد سيطرته على عجلة القيادة فارتطمت بشجرة على جانب الطريق وأدى هذا الارتطام إلى سقوط المجني عليهما الأول والثاني في ترعة الابراهيمية ووفاتهما وإصابة الآخرين، وطلبت عقابه بالمادتين 238 و244 من قانون العقوبات. ومحكمة الفشن الجزئية قضت حضوريا بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ بلا مصروفات جنائية وأقالت الشهود من الغرامة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة بني سويف الابتدائية قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، ثم أعيدت المحاكمة أمام محكمة جنح الفشن الجزئية وقضت فيها غيابيا بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ بلا مصروفات جنائية وأقالت الشهود من الغرامة. فعارض المحكوم عليه في هذا الحكم ولدى نظر الدعوى أمام المحكمة دفع المتهم بانعدام ولاية المحكمة لسابقة صدور حكم في موضوعها. والمحكمة المذكورة قضت بقبول المعارضة شكلا وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه بلا مصروفات جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة بني سويف الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال ذلك أنه بعد أن أصدرت محكمة أول درجة حكمها في موضوع الدعوى في 7 نوفمبر سنة 1957 على إثر رفع الدعوى الجنائية إليها بمعرفة النيابة العامة قبل استيفاء ما يتطلبه القانون من استئذان النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة عملا بالمادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 121 لسنة 1956 لحصول الجريمة التي دين بها الطاعن - وهو موظف في أثناء تأدية وظيفته وبسببها - ما كان يجوز إعادة طرح الدعوى على المحكمة المذكورة من جديد بعد أن ألغى حكمها سالف الذكر بالحكم الذي صدر من محكمة ثاني درجة في 30 ديسمبر سنة 1957 بناء على استئناف الطاعن وذلك نظرا إلى استنفاد محكمة أول درجة ولايتها بمجرد صدور حكمها الأول، وكان يتعين على محكمة الدرجة الثانية وهى بصدد الفصل في الموضوع أن تصحح البطلان وتمضي في الفصل في الدعوى - وقد أثار الطاعن أمام محكمة أول درجة عندما أعيد طرح الدعوى عليها من جديد - بعد استئذان رئيس النيابة العامة تصحيحا لإجراءات رفعها - الدفع بانعدام ولاية المحكمة المذكورة - لسابقة صدور حكم في موضوعها - ولكنها لم تقم وزنا لهذا الدفع ومضت في نظر الدعوى. فاستأنف الطاعن وتمسك بالدفع ذاته أمام المحكمة الاستئنافية ولكنها التفتت عنه كذلك واعتنقت أسباب الحكم المستأنف مما يعيب الحكم المطعون فيه لصدوره على خلاف نص الفقرة الثانية من المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقضي بأنه إذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون مما يقتضي عدم جواز إعادة النظر في الدعوى من جديد برفعها مرة أخرى على الطاعن أمام المحكمة التي استنفدت ولايتها بالفصل في الدعوى بحكم سابق - على أنه بفرض إعادة عرض الدعوى على محكمة أول درجة بعد تصحيح الإجراء الخاطئ، ما كان يجوز طرح القضية على الهيئة ذاتها التي سبق أن أصدرت الحكم المشوب بالبطلان في الإجراءات، ذلك أن سابقة فصل الهيئة المذكورة في الدعوى يعد مظهرا لرأيها فيها وكان ينبغي عرض القضية على دائرة أخرى مما يعيب الحكم الابتدائي ويمتد هذا العيب إلى الحكم المطعون فيه الذي أخذ بأسباب ذلك الحكم الباطل. هذا وقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن محكمة أول درجة حين نظرت الدعوى من جديد سمعت الشهود وأمرت باستدعاء المهندس الفني وذلك على خلاف المثبت بجلسات المحاكمة سواء التي تمت في غيبة الطاعن أو لدى نظر معارضته إذ لم يسمع في الحالين أحد.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن لاتهامه بارتكاب جنحة قتل وإصابة خطأ طبقا للمادتين 238 و244 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح الفشن الجزئية نظرت الدعوى وقضت فيها حضوريا بتاريخ 7 من نوفمبر سنة 1957 عملا بمادتي الاتهام بحبس الطاعن ستة شهور مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ، فاستأنف وقضت محكمة بني سويف الابتدائية كهيئة جنح مستأنفة حضوريا بتاريخ 30 من ديسمبر سنة 1957 بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيسا على أنها رفعت على الطاعن بوصفه موظفا عن جريمة عزى إليه ارتكابها في أثناء تأدية وظيفته وبسببها دون أن يأذن بذلك النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة طبقا للمادة 63 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 121 لسنة 1956. أعيد طرح الدعوى على محكمة جنح الفشن بإذن من رئيس النيابة العامة وبعد أن أتمت المحكمة المذكورة نظرا لدعوى قضت فيها غيابيا في 27 من مارس سنة 1958 عملا بمادتي الاتهام بحبس الطاعن ستة شهور مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ. فعارض في هذا الحكم وقضى في معارضته برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. فاستأنف الطاعن هذا الحكم، ومحكمة بني سويف الابتدائية نظرت الدعوى وقضت حضوريا فيها في 29 من ديسمبر سنة 1958 بالحكم المطعون فيه برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. ولما كان الأصل أنه إذا حكمت محكمة أول درجة في الموضوع ورأت المحكمة الاستئنافية أن هناك بطلانا في الإجراءات أو في الحكم الابتدائي تصحح البطلان وتحكم في الدعوى عملا بالفقرة الأولى من المادة 419 من قانون الإجراءات الجنائية، على أنه يشترط لذلك أن تكون الدعوى داخلة تحت ولاية المحكمة ورفعت إليها على وجه صحيح، فإذا كانت الدعوى قد أقيمت على الطاعن ممن لا يملك رفعها قانونا وعلى خلاف ما تقضي به المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 121 لسنة 1956 التي لا تجيز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوما قانونا ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها فإن هى فعلت كان حكمها وما بنى عليه من إجراءات معدوم الأثر، ولا تملك المحكمة الاستئنافية عند رفع الأمر إليها أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل فيه، بل يتعين عليها أن يقتصر حكمها على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى باعتبار أن باب المحاكمة موصد دونها، إلا أن تتوفر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها. لما كان ذلك، وكان منع القاضي من نظر دعوى سبق له أن نظرها وفصل فيها محله أن يكون ذلك القاضي له ولاية النظر فيها ابتداء، فإذا نظرها مرة أخرى كان قضاؤه فيها باطلا يفتح له القانون باب الطعن بالطريق العادي أو بطريق النقض، وواقع الأمر كما سلف البيان أن عمل القاضي إنما كان لغوا وباطلا بطلانا أصليا لأن الدعوى سعت إلى ساحته من غير طريقها القانوني فلا عبرة بباطل ما أتاه أو أجراه، وهو من بعد إذا اتصل بالدعوى إتصالا صحيحا مطابقا للقانون فله أن يفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة عندئذ هى إجراءات مبتدأة، أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه ذكر على خلاف الواقع أن محكمة أول درجة سمعت الشهود وأمرت باستدعاء المهندس الفني فلا يعدو أن يكون خطأ ماديا لا يعيبه، ولا جدوى للطاعن من إثارة هذا العيب بفرض وجوده ما دام أنه لا يبين من جلسات المحاكمة الابتدائية أو الاستئنافية أنه طلب سماع الشهود مما يعد نزولا منه عن طلب سماعهم طبقا للمادة 289 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور واخلال بحق الدفاع وفي ذلك يقول الطاعن إن الدعوى الجنائية رفعت عليه لاتهامه بارتكاب خطأين أولهما قيادة سيارة غير مستكملة شروط الأمن وثانيهما الاسراع في السير وقد دانته محكمة أول درجة بخطأ واحد هو الإسراع في القيادة ولم تأخذه بالخطأ الآخر فلما استأنف الطاعن وحده - دون النيابة العامة - أصبح المطروح على المحكمة الاستئنافية موضوع الحكم المستأنف الذي آخذه بخطأ الإسراع في السير دون غيره، فكان من المتعين على المحكمة الاستئنافية إما أن تؤيد الحكم المذكور أو أن تعدله لمصلحة رافع الاستئناف عملا بالفقرة الثالثة من المادة 417 من قانون الاجراءات الجنائية، ولكنها دانته بالخطأين معا مما يسئ إلى الطاعن ويخالف قاعدة تقيد المحكمة الاستئنافية بموضوع الحكم المستأنف، كذلك أخذ الطاعن على الحكم عيبا آخر هو أن المحكمة حين تعرضت للرد على ما أثاره الطاعن أمام محكمة أول درجة من تمسكه بالإعفاء المقرر بالمادة 63 من قانون العقوبات لأنه كان يقوم بتنفيذ أوامر رؤسائه عندما تولى قيادة السيارة وهى غير مستكملة شروط الأمن ذهبت في تفسير هذه الأوامر إلى أنها جاءت محددة ومقصورة على مصاحبته للسيارة وسائقها باعتباره ملاحظا لبعد المسافة ولأنه يعلم بعيوب السيارة وهو ما لا ينصرف إلى قيادة الطاعن السيارة، مع أن من صميم أعمال الملاحظ أن يقود السيارة للتجربة أو للاطمئنان إلى سلامتها في أثناء الرحلة المكلف بها من رؤسائه. وهذا هو التفسير الصحيح للأمر الصادر إليه والذي يؤدي الأخذ به إلى تبرير الخطأ الذي يقع في أثناء تنفيذه لتوافر حالة القوة القاهرة بكامل عناصرها نتيجة عطب السيارة، وقد تمسك الطاعن بوجوده في تلك الحالة إذ فقد سيطرته على السيارة بسبب ما بها من عيوب واستند في تأييد دفعه إلى ما قرره المهندس الفني للسيارات أمام المحكمة من وجود "غربلة" بمقدمتها تؤدي إلى خلل عجلة القيادة وإفلات الزمام من السائق وإلى ما قدمه من دليل رسمي يؤكد وجود هذا العيب بالسيارة في يوم سابق على وقوع الحادث وتسببها في إصابة شخصين وقد حفظ التحقيق استنادا إلى وقوع قوة قاهرة، ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع بما يفنده بل اكتفى باطراحه بدعوى وقوع أخطاء متلاحقة من الطاعن عددها الحكم المستأنف في حصول القيادة بغير إذن وبسرعة ومخالفة اللوائح وانتهى إلى أن هذه الأخطاء هى سبب الحادث وهو رد قاصر يعيب الحكم كما أغفل الحكم الرد على الحقيقة المستمدة من استحالة السير بالسيارة بسرعة زائدة عن الحد المسموح به قانونا بسبب حالتها وحاجتها إلى الاصلاح الأمر المؤيد بتقرير المهندس الفني الذي أشار إليه الحكم الذي أكد أن سرعة السيارة لا يمكن أن تزيد عن ستين كيلو مترا في الساعة وكان من المتعين على الحكم أن يتناول هذه الواقعة الجوهرية بالرد مما يعيبه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها أصل ثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ورد على دفاع الطاعن فقال "وحيث إن المتهم... ارتكز في دفاعه إلى الدفاع السابق إبداؤه أمام محكمة أول درجة وأضاف إليه ما يأتي: أولا: إن الحكم المستأنف لم يأخذ بالعنصر الأول من عناصر الخطأ وهو قيادة سيارة غير مستوفية لشروط الأمن والمتانة وطالما أن النيابة لم تستأنف هذا الحكم فقد قبلته ومن ثم لا يجوز للمحكمة الاستئنافية أن تبحث هذا العنصر. ثانيا: إنه بفرض التسليم بجواز تعرض المحكمة الاستئنافية لهذا العنصر فإن المتهم قاد السيارة بأمر من رئيسه. ثالثا: لا يوجد خطأ من جانب المتهم، وأن الحادث يرجع إلى القوة القاهرة. وحيث إنه من المقرر قانونا أن الاستئناف المرفوع من المتهم عن الحكم الصادر بإدانته ينقل الدعوى برمتها بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة أول درجة إلى المحكمة الاستئنافية لتعيد النظر فيها بكامل حريتها في تقدير عناصرها غير مقيدة بشئ إلا فيما يختص بمقدار العقوبة إذا لم يكن ثمة استئناف من النيابة وللمحكمة الاستئنافية إذن أن تستند في تأييد الحكم إلى الأدلة التي كانت مطروحة على محكمة الدرجة الأولى ولم تر الأخذ بها، ومن ثم لا يقبل من الدفاع عن المتهم القول بعدم جواز بحث أحد عناصر الخطأ المنسوبة إلى المتهم ما دامت محكمة الدرجة الأولى لم تأخذ بهذا العنصر، وطالما أن النيابة لم تستأنف الحكم الابتدائي... وحيث إن الثابت من الاطلاع على كتاب المراقبة الاقليمية بالمنيا المؤرخ 15/ 4/ 1956 الموجه لوكيل وزارة الشئون البلدية والقروية المودع بملف السيارة المنضم أن هذه السيارة كانت في حاجة إلى (عمرة) كاملة للإصلاح ومن ثم يكون المتهم قد أخطأ بأن قادها حالة كونها غير مستوفية لشروط الأمن والمتانة، ولا يقدح في ذلك ما ذهب إليه الدفاع من أنه قاد هذه السيارة تنفيذا لأمر رئيسه فذلك مردود بأن الثابت من كتاب المراقبة الإقليمية بالمنيا رقم 2 - 15 - 9 المؤرخ 7/ 6/ 1956 لوكيل وزارة الشئون البلدية والقروية المودع بملف السيارة أن اسم المتهم أضيف إلى أمر الشغل زيادة إلى الاطمئنان على وصول السيارة إلى المخازن لطول المسافة ولإلمامه التام بعيوبها، ومن ثم يكون الأمر الصادر للمتهم حدد اختصاصه على وجه معين ولم يكلفه بقيادة هذه السيارة ومن ثم لا يجوز له التحدي بالقول بأنه قادها بناء على أمر صدر إليه من رئيسه، وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن الحكم المستأنف أثبت توافر الخطأ قبل المتهم بصورتين هما السرعة وعدم مراعاة التعليمات واتباع اللوائح، وهذا الحكم في محله للأسباب التي بنى عليها والتي تقرها هذه المحكمة وتتخذها أسبابا لها. وحيث إن القوة القاهرة هى العامل الذي يسلب الشخص إرادته فيرغمه على إتيان عمل لم يرده ولم يكن يملك له دفعا. وحيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى أن المتهم قاد السيارة غير مستوفية لشروط الأمن ودون تكليف من أحد رؤسائه بقيادتها، كما أنه قادها مسرعا ومخالفا اللوائح والتعليمات الأمر الذي يبين منه بوضوح أن الحادث ما وقع إلا نتيجة لهذه الأخطاء المتلاحقة من المتهم، ومن ثم لا يكون هناك أي عامل قد سلبه إرادته وأدى إلى وقوع الحادث ويتعين لذلك الالتفات عن دفاعه المبني على إسناد الحادث إلى القوة القاهرة". ثم تناول الحكم رابطة السببية بين هذا الخطأ وما ترتب عليه من ضرر أورده تقرير الطبيب الشرعي بالنسبة إلى وفاة المجني عليهما الأولين وإصابة الباقين وخلص إلى ثبوت التهمة في حق الطاعن وتأييد الحكم المستأنف، لما كان ذلك، وكان الأصل أن الاستئناف - ولو كان مرفوعا من المتهم وحده - يعيد طرح الدعوى برمتها على محكمة الدرجة الثانية فيكون لها أن تعطي الوقائع التي سبق طرحها على القاضي الابتدائي وصفها القانوني الصحيح وأن تغير في تفصيلات التهمة وتبين عناصرها وتحددها وكل ما عليها هو ألا توجه أفعالا جديدة إلى المتهم ولا تشدد عليه العقوبة - متى كان هو المستأنف وحده - فإذا كانت محكمة أول درجة قد قصرت بحثها في تناول ما وقع من الطاعن من خطأ على قيادته السيارة بسرعة وعدم احتياط وعدم مراعاته اللوائح، ثم جاءت المحكمة الاستئنافية وأضافت إلى ذلك عنصرا آخر كان مطروحا على محكمة الدرجة الأولى وهو قيادته السيارة وهى غير مستوفاة شروط الأمن والمتانة - فإنها لا تكون قد خالفت القانون. ولما كان ما استخلصه الحكم من الأمر الصادر إلى الطاعن من رؤسائه بمرافقة السيارة يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها - فيكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن هو في حقيقته جدل في سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى وعناصرها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وكان ما أورده الحكم من ثبوت وقوع خطأ من الطاعن يتمثل في قيادة سيارة غير مستوفاة شروط الأمن مع علمه بعيوبها وسيره بها بسرعة ومخالفته اللوائح والتعليمات التي صدرت إليه وحصول الحادث نتيجة هذا الخطأ، ينتفي معه القول بحصول الواقعة عن حادث قهري، ذلك أنه يشترط لتوافر هذه الحالة ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه، وقد اطمأنت المحكمة إلى توافر الخطأ في حق الطاعن وعددت صور هذا الخطأ والتي تكفي كل صورة منها لعدها خطأ قائما بذاته تترتب عليه مسئولية فاعله - ولو لم يقع منه خطأ آخر - فلا يجدي الطاعن المجادلة في هذا الذي انتهى إليه الحكم، وكان الحكم قد أسس قضاءه في أن الطاعن كان يقود السيارة بسرعة كبيرة على الأدلة السائغة التي أوردها والتي لها أصل في التحقيقات فلا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها واطمئنانها. لما كان ما تقدم كله، فإن ما يثيره الطاعن في هذه الأوجه من طعنه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.