أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الأول - السنة 16 - صـ 743

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.

(141)
الطعن رقم 1900 لسنة 32 القضائية

(ا) دعوى جنائية. "رفعها". نقد. جمارك.
صور القيود التى ترد على حق النيابة فى رفع الدعوى الجنئاية: (الشكوى) وقصد بها حماية صالح المجنى عليه الشخص - و(الطلب) وهو يصدر من هيئة عامة بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنيا عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا. انصراف الطلب إلى الجريمة ذاتها. وانطواؤه على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها. تحديد شخص المتهم لا يعتبر بيانا جوهريا فى الطلب - و(الاذن) وأريد به حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التى قد يكون فى رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال. تحديد شخص المتهم بيان جوهرى فى الاذن.
مؤدى نص المادة 9 من القانون 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل - أن الجرائم المنوه عنها فيها إنما تتعلق بعمليات نقد لا تتصل بأشخاص معينين وأن القيد الوارد بها ينصب على الجريمة ذاتها ولا ينصرف إلى شخص مرتكبها. تكيف القيد الوارد بتلك المادة بأنه طلب. ليس فيه خروج على صراحة النص فى تعبيره بأنه "إذن". ما دام هذا التكييف هو الذى يتفق وحكم القواعد العامة.
(ب) قانون. لائحة تنفيذية. نقد. عقوبة. جمارك.
للسلطة التنفيذية أن تتولى أعمالا تشريعية عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو اعفاء من تنفيذها، استمدادها هذه السلطة من المبادئ الدستورية المتواضع عليها، صدور قرار وزير المالية رقم 75 لسنة 1948 مستندا في الأصل إلى الأذن العام الذي تضمنه الدستور. الإذن الوارد بالقانون 48 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد لا يعدو أن يكون ترديدا للإذن العام سالف الذكر. ما تضمنه القرار المذكور من شروط خاصة بالزام المستورد بتقديم شهادة الجمرك القيمية الدالة على ورود البضائع التي استوردها إلى مصر بالعملة الأجنبية من أجل استيرادها بعد متمما لحكم المادة الأولي من القانون 80 لسنة 1947. تخلف تحقيق هذه الشروط. وجوب توقيع عقوبة الجنحة المنصوص عليها في المادة 9 من القانون سالف البيان.
(ج) نقد. شهادة جمركية قيمية. جمارك.
العبرة - بصدد تطبيق أحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل والقرار المنفذ له بشأن استخراج شهادات الجمرك القيمية - هي بوصول البضائع إلى جمرك مصر لا إلى الجهة التى استوردت البضاعة من أجلها.
(د) شهادة جمركية قيمية. نقد.
إيجاب القانون تقديم شهادة جمركية قيمية مستقلة مقابل كل مبلغ يفرج عنه بموجب استمارة دون التعويل على ما إذا كانت البضاعة التى أفرج من أجل استيرادها عن العملة قد وردت فى رسالة واحدة أو فى وسائل متفرقة. علة ذلك؟
1 - أفصح المشرع - بما أورده فى المذكرة الإيضاحية لمشروع الحكومة عن قانون الإجراءات الجنائية عن قصده من تقييد حق النيابة فى رفع الدعوى الجنائية على صور ثلاث - الشكوى - وقصد بها حماية صالح المجنى عليه الشخصى - والطلب - وهو يصدر من هيئة عامة بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنيا عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا - والإذن - وقد أريد حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التى قد يكون فى رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال. كما أن الطلب ينصرف إلى الجريمة ذاتها فينطوى على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها - أما مباشرة الإجراءات قبل شخص معين واسناد التهمة إليه ورفع الدعوى عليه فهى إجراءات تالية ولا اتصال لها بالطلب الصادر عن الجريمة. ويترتب تفريعا على ما تقدم أن تحديد شخص المتهم بيان جوهرى فى الإذن، أما الطلب فإنه يكفى لمصحته اشتماله على البيانات التى تحدد الجريمة ذاتها التى صدر من أجلها تحديدا كافيا دون اعتبار لشخص من يسفر التحقيق عن اسنادها إليه ورفع الدعوى عنها قبله. ولما كانت المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل تنص على أنه "لا يجوز رفع الدعوى بالنسبة للجرائم المتقدم ذكرها أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو ممن يندبه لذلك" ومؤدى هذا النص أن الجرائم المنوه عنها فيها إنما تتعلق بعمليات نقد لا تتصل بأشخاص معينين وأن القيد الوارد بها ينصب على الجريمة ذاتها ولا ينصرف إلى شخص مرتكبها. ومما يؤيد هذا التفسير أن المشرع لا يلتزم أحيانا التعبير الفني الدقيق فيما يورده عن قيود رفع الدعوى إذ استعمل فى القانون رقم 3 لسنة 1903 على سبيل المثال عبارة "شكوى من مدير عموم الجمارك أو من يقوم مقامه" مع أنه مما لا جدال فيه أنه قصد الطلب لا الشكوى، وبذلك فلا محل للقول بأن تكييف القيد الخاص بجرائم النقد بأنه طلب فيه خروج على صراحة النص فى تعبيره بأنه إذن ما دام التكييف الأول هو الذى يتفق وحكم القواعد العامة، وبذلك فإنه يكفى لصحة الطلب الصادر عن واقعة الدعوى اشتماله على البيانات المحددة للجريمة دون أن يلزم أصلا تعيين من صدر باتخاذ الإجراءات قبله ودون أن يؤثر فى صحته عدم النص فيه على المسئول عن الجريمة التى صدر من أجلها وهل هو المتهم أو الشركة لأن هذا البيان غير جوهرى فى الطلب. ولما كان المتهم لا ينازع في صدور الطلب - أو الإذن كما عبرت عنه المادة التاسعة - عن الجريمة ذاتها التى أسندت إليه، وكان الثابت باقراره فى محضر الشرطة أنه عضو مجلس الإدارة المسئول عن الشركة وبالتالى ممن عددتهم المادة الثالثة عشر من القانون رقم 80 لسنة 1947 فان ما يثيره المتهم بدعوى بطلان الإجراءات يكون على غير أساس متعينا رفضه.
2 - من المقرر أن للسلطة التنفيذية أن تتولى أعمالا تشريعية عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. وهذه السلطة مستمدة من المبادئ الدستورية المتواضع عليها، وقد عنى دستور سنة 1923 الملغى الذى صدر قرار وزير المالية رقم 75 لسنة 1948 فى ظله بتقنين هذا المبدأ فى المادة 37 منه. فيكون هذا القرار مستندا فى الأصل إلى الإذن العام الذى تضمنه الدستور ولا يعدو الإذن الوارد بالقانون رقم 80 لسنة 1947 أن يكون ترديدا للاذن العام المستمد من النص الدستورى سالف الذكر. وليس معنى هذا الإذن نزول السلطة التشريعية عن سلطتها فى سن القوانين إلى السلطة التنفيذية، ب هو دعوى لهذه السلطة لاستعمال حقها فى وضع القواعد التفصيلية اللازمة لتنفيذ القوانين دون أن تزيد عليها شيئا جديدا أو أن تعدل فيها أو أن تعطل تنفيذها أو أن تعفى هذا التنفيذ، وهو حق تملكه السلطة التنفيذية بحكم المبادئ الدستورية. ولما كانت المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 قد حظرت تحويل النقد من مصر أو إليها إلا بالشروط والاوضاع التى تحدد بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه بذلك وكان ما تضمه القرار الوزارى 75 لسنة 1948 من شروط خاصة بالزام المستورد بتقديم شهادة الجمرك القيمية الدالة على ورود البضائع التى استوردها إلى مصر بالعملة الأجنبية التى أفرج عنها من أجل استيرادها وذلك فى خلال الأجل المحدد يعد متمما لحكم المادة الأولى من القانون سالف البيان ومفصلا للأوضاع التى يجب أن تتم عليها عملية التعامل فى النقد الأجنبى والتى يشترط لصحتها تحقيق الشرط الموقف الذى رتبه القانون وهو تنفيذ الشروط والأوضاع التى ناط بها وزير المالية والتى تضمنها القرار الوزارى رقم 75 لسنة 1948 بحيث إذا تخلف تحقق هذه الشروط فقد التعامل سنده القانوني واستوجب العقوبة المنصوص عليها فى المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 أما ما قاله المتهم من أن المادة الأولى من القانون رقم 80 سنة 1947 لا تسرى إلا على الإجراءات السابقة والمعاصرة للتحويل دون ما يلى ذلك من إجراءات، فمردود بأنه تنافر والغاية التى تغياها الشارع من الحفاظ على ما لدى البلاد من عمله صعبه وإحكام الرقابة على النقد الأجنبي إذ أن كف هذه الرقابة بمجرد الافراج عن العمله الأجنبية المخصصة للاستيراد قبل التحقق من استعمالها فى الغرض الذى أفرج عنها من أجله، فيه تفويت لمراد الشارع وإهدار للقيود الموضوعة لمحاربة تهريب النقد. كما أن قوله بقصر العقاب على العمليات التى تتم فى الخفاء لا سند له من القانون إزاء عموم نصه. ومن ثم فانه يتعين اعتبار الواقعة جنحة جريا على ما استقر عليه قضاء محكمة النقض فى هذا الصدد.
3 - الدفع من المتهم بأن البضاعة التى أفرج عن العملة الأجنبية من أجل استيرادها كانت مطلوبة لحكومة غزة التى لا تخضع لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 وهى لم تخطره بوصول تلك البضاعة إلا بعد انقضاء الميعاد القانونى - مردود بأن العبرة هى بوصول البضائع إلى جمرك مصر لا إلى الجهة التى استوردت البضاعة من أجلها. ولما كان المتهم مقرا بأن البضاعة التى أفرج عن العملة الأجنبية من أجل استيرادها قد وردت إلى الجمرك المصرى أولا، وكانت مصلحة الجمارك بالجمهورية هى الجهة المختصة بتلقى طلبات الحصول على الشهادة القيمية دون تلك الجهة طبقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 75 سنة 1948، وكان المتهم معترفا بعدم تقديم الطلب فى الميعاد المقرر. فإن ما يثيره فى هذا الصدد يكون على غير أساس، ولا يجديه التنصل من تبعة عدم قيامه بواجبه المقرر فى القانون بما يدعيه من تأخر الحاكم الإدارى لإقليم غزة فى الرد على مكاتبات الشركة له بطلب موافاتها بما يفيد استلام البضاعة لأن ذلك لا يعفيه أصلا من الالتزام بتقديم تلك الشهادة فى الميعاد المقرر من وقت وصولها إلى جمرك مصر.
4 - يوجب القانون تقديم شهادة جمركية قيمية مستقلة مقابل كل مبلغ يفرج عنه بموجب استمارة دون التعويل على ما إذا كانت البضاعة التى أفرج من أجل استيرادها من العملة قد وردت فى رسالة واحدة أو فى رسائل متفرقة، إذ أن المقصود بالمراقبة ليس ورود البضائع فى ذاته بقدر ما هو تتبع عمليات النقد الأجنبى المفرج عنه بكل استمارة على حدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 4 فبراير سنة 1956 بدائرة امبابة: لم يقدم إلى المصرف الذى يتعامل معه "بنك الجمهورية" ما يثب استخراج شهادة جمرك قيمية مبينا فيها أن البضائع التى أفرج من أجل استيرادها عن عملة أجنبية قد وردت إلى مصر فى ميعاد لا يتجاوز ستة شهور من تاريخ الاعتماد المفتوح لتغطية قيمة الواردات إلى مصر أو من تاريخ دفع ثمنها. وطلبت عقابه بالمادتين 1 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 والقرار رقم 75 لسنة 1948 والقانون رقم 127 لسنة 1950 والقانون رقم 331 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة إمبابة الجزئية دفع الحاضر مع المتهم: (أولا) ببطلان الإجراءات (ثانيا) باعتبار الواقعة مخالفة. (ثالثا) بعدم سريان القانون رقم 80 لسنة 1947 على الواقعة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 21 من ديسمبر سنة 1957 عملا بالمواد 1 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقوانين أرقام 127 لسنة 1950 و 231 لسنة 1952 و111 لسنة 1953 و57 لسنة 1957 والمادة 1 من قرار وزير المالية رقم 75 لسنة 1948 (أولا) برفض الدفع ببطلان الإجراءات والدفع باعتبار الواقعة مخالفة والدفع بعدم سريان القانون رقم 80 لسنة 1947 على الواقعة (ثانيا) تغريم المتهم 2757 ج و156 م وتغريمه قيمة المبلغ الذى رفعت الدعوى الجنائية لسببه وقدره 1378 ج و578 م كغرامة إضافية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة الجيزة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 10 من فبراير سنة 1958 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف واعتبار الواقعة مخالفة والقضاء بانقضاء الدعوى العمومية بمضى المدة وبراءة المتهم مما نسب إليه. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض وبتاريخ 20 من أبريل سنة 1959 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الجيزة الابتدائية للفصل فيها مجددا من هيئة استئنافية أخرى. وأمام محكمة الجيزة الابتدائية بهيئة مجددة تمسك الحاضر مع المتهم بالدفوع السابق إبداؤها ثم قضت فيها حضوريا بتاريخ 13 فبراير سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفض الدفع ببطلان الإجراءات واعتبار الواقعة جنحة ورفض الاستئناف موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وبتاريخ 22 من يناير سنة 1963 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع الخ.


المحكمة

من حيث إن الاستئناف سبق الحكم بقبوله شكلا.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد المتهم بوصف أنه فى يوم 4 فبراير سنة 1956 بامبابة لم يقدم إلى المصرف الذى يتعامل معه "بنك الجمهورية" ما يثبت استخراج شهادة جمركية قيمية مبينا فيها أن البضائع التى أفرج من أجل استيرادها عن عملة أجنبية قد وردت فى ميعاد لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ استعمال الاعتماد المفتوح لتغطية قيمة الواردات فى مصر أو من تاريخ دفع ثمنها. وطلبت عقابه بالمواد 1 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 والقرار رقم 75 لسنة 1948 والقانون رقم 157 لسنة 1950 والقانون رقم 231 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953.
وحيث إن واقعة الدعوى تتحصل فى أن مدير عام النقد وجه فى 25 يوليه سنة 1957 مذكرة إلى النيابة العامة تتضمن أن شركة شمال شرق أفريقيا التجارية لم تقدم خلال المدة القانونية شهادة الجمرك القيمية الدالة على أن البضاعة التى أفرج من أجل استيرادها بموجب الاستمارة أ 52856 المؤرخة فى أول فبراير سنة 1956 عن عملة أجنبية بلغت 22226 مارك ألمانى تعادل 2757 جنيها و155 مليما، قد وردت إلى مصر - على الرغم من استعمالها الاعتماد المفتوح فى حدود مبلغ 16113 مارك أى ما يعادل 1378 جنيها و 578 مليما فى 4/ 2/ 1956 وإذن للنيابة فى السير فى الاجراءات ورفع الدعوى العمومية. وقد سئل المتهم فى محضر الشرطة المؤرخ فى 18 سبتمبر سنة 1957 بصفته عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة شمال أفريقيا التجارية - كما ذكر فى أقواله - فأقر بعدم تقديم الشهادة القيمية فى الميعاد وأنه مسئول عما حدث وتعهد بإرسال الشهادة المطلوبة إلى البنك فى خلال اسبوعين من تاريخ هذا المحضر. ثم أحالته النيابة إلى المحاكمة وإذ مثل أمام المحكمة دفع تلك التهمة بما يأتى: (أولا) بطلان اجراءات محاكمته تأسيسا على أن الإذن بالسير فى الاجراءات ورفع الدعوى طبقا للمادتين 9 من قانون الاجراءات الجنائية و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 لم يصدر ضده المخالفة لنصهما بل صدر ضد شركة شمال شرق أفريقيا التجارية وهى شخص اعتبارى مستقل عنه وغير قابل للمحاكمة. (ثانيا): أن الواقعة المسندة إليه هى مخالفة تأسيسا على أن قرار وزير المالية رقم 75 لسنة 1948 الذى استلزم تقديم الشهادة القيمية فى الموعد الذى حدده، إنما هو لائحة تنفيذية وقد خلت من النص على توقيع أية عقوبة لمخالفة أحكامها. ومن ثم فإن هذه الجريمة تخضع للعقوبة المنصوص عليها فى المادة 395 من قانون العقوبات لا بعقوبة الجنحة المنصوص عليها فى القانون رقم 80 لسنة 1947. (ثالثا): أن البضاعة التى أفرج عن تلك العملة الاجنبية من أجل استيرادها كانت مطلوبة لحكومة غزة التى لا تخضع لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1947. وهى لم تخطره بوصول تلك البضاعة إلا بعد انقضاء الميعاد القانونى. كما أن الموظف المختص بالشركة بتقديم تلك الشهادة كان مريضا وغادر البلاد دون ا، يخطر من حل محله بموضوع تلك الشهادة. وبذلك فإنه مع التسليم بعدم تقديم تلك الشهادة فى الميعاد فقد كان ذلك راجعا إلى هذا العذر القهرى سالف الذكر. (رابعا): أن الواقعة موضوع الاستمارة أ رقم 52856 التى رفعت الدعوى الحالية عنها هى بذاتها موضوع الاستمارة رقم 52859 التى رفعت عنها الدعوى 4437 سنة 57 امبابه لأن البضاعة التى استوردت فى الدعويين هى رسالة واحدة وردت باستمارتين منفصلتين.
وحيث إنه عن الدفع الأول فإنه فى بيان التكييف القانونى السليم للقيد المنصوص عليه فى الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل. بتعين التنويه ابتداء بأن المذكرة الإيضاحية لمشروع الحكومة عن قانون الإجراءات الجنائية تكفلت بتحديد فيصل التفرقة بين الشكوى والإذن والطلب بالنظر إلى الطبيعة القانونية لكل منهما فقالت "يعلق القانون رفع الدعوى الجنائية على شكوى من المجنى عليه فى الجرائم التى تمس مصلحته أكثر مما تمس مصلحة الجماعة وتارة يعلق القانون رفع الدعوى الجنائية على طلب يقدم من جهات معينة فى الجرائم التى تقع ضد هيئة من الهيئات النظامية أو مصلحة عامة أو جهة أجنبية. وتارة أخرى يعلق القانون رفع الدعوى على صدور إذن فى الجرائم التى تقع من أحد أعضاء بعض الهيئات النظامية لأن فى رفعها بدون هذا الإذن مساسا بما لهذه الهيئات من استقلال" وبذلك يكون المشرع قد أفصح عن قصده من تقييد حق النيابة فى رفع الدعوى الجنائية على تلك الصور الثلاث. فأما الشكوى وقصد بها حماية صالح المجنى عليه الشخصى. وأما الطلب فهو يصدر من هيئة عامة بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنيا عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا. وأما الإذن فقد أريد حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التى قد يكون فى رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال. كما ن الطلب ينصرف إلى الجريمة ذاتها فينطوى على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها - أما مباشرة الإجراءات قبل شخص معين وإسناد التهمة إليه ورفع الدعوى عليه فهى إجراءات تالية ولا اتصال لها بالطلب الصادر عن الجريمة. ويترتب تفريعا على ما تقدم أن تحديد شخص المتهم بيان جوهرى فى الإذن. أما الطلب فإنه يكفى لمصحته اشتماله على البيانات التى تحدد الجريمة ذاتها التى صدر من أجلها تحديدا كافيا دون اعتبار لشخص من يسفر التحقيق عن إسنادها إليه ورفع الدعوى عنها قبله.
وحيث إنه بتطبيق القواعد المتقدمة على واقعة الدعوى يبين أن المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل تنص على أنه "لا يجوز رفع الدعوى بالنسبة للجرائم المتقدم ذكرها أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو من يندبه لذلك" ومؤدى هذا النص أن الجرائم المنوه عنها فيها إنما تتعلق بعمليات نقد لا تتصل بأشخاص معينين وأن القيد الوارد بها ينصب على الجريمة ذاتها ولا ينصر ف إلى شخص مرتكبها. ومما يؤيد هذا التفسير أن المشرع لا يلتزم أحيانا التعبير الفني الدقيق فيما يورده عن قيود رفع الدعوى. إذ استعمل فى القانون رقم 3 سنة 1903 على سبيل المثال عبارة "شكوى من مدير عموم الجمارك أو من يقوم مقامه" مع أنه لا جدال فيه أنه قصد الطلب لا الشكوى وبذلك فلا محل للقول بأن تكييف القيد الخاص بجرائم النقد بأنه طلب فيه خروج على صراحة النص فى تعبيره بأنه إذن ما دام التكييف الأول هو الذى يتفق وحكم القواعد العامة وبذلك فإنه يكفى لصحة الطلب الصادر عن واقعة الدعوى اشتماله على البيانات المحددة للجريمة دون أن يلزم أصلا تعيين من صدر باتخاذ الإجراءات قبله ودون أن يؤثر فى صحته عدم النص فيه على المسئول عن الجريمة التى صدر من أجلها وهل هو المتهم أو الشركة لأن هذا البيان غير جوهرى فى الطلب. لما كان ذلك، وكان المتهم لا ينازع في صدور الطلب - أو الإذن كما عبرت عنه المادة التاسعة - عن الجريمة ذاتها التى أسندت إليه. وكان الثابت باقراره فى محضر الشرطة المؤرخ 18/ 9/ 1957 أنه عضو مجلس الإدارة المسئول عن شركة شمال شرق أفريقيا التجارية وبالتالى ممن عددتهم المادة الثالثة عشر من القانون رقم 80 لسنة 1947، فان ما يثيره المتهم بدعوى بطلان الإجراءات يكون على غير أساس متعينا رفضه.
وحيث إنه عن الدفع بأن الواقعة مخالفة وليست جنحة فإنه بين من الاطلاع على القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1950 والمرسوم بقانون رقم 331 لسنة 1952 والقانون رقم 111 لسنة 1957 وعلى المذكرة التفسيرية المرافقة له: "أن الشارع رأى الإفادة من نص اتفاقية "بريتون وودز" الذى يبيح استمرار القيود فى فترة الانتقال ونظرا لأن مصر بعد أنتهاء العمل باتفاقية العملة الصعبة فى 15 يوليه سنة 1947 واضطرارها إلى الاعتماد على نفسها فى الحصول على ما يلزمها من عملات أجنبية، لذلك وجب أن تكون الرقابة على النقد الأجنبى أو فى شمولا وأدق أحكاما مما ينص عليه التشريع القائم قبل إهدار القانون المذكور .. كما رؤى النص على تخويل وزير المالية سلطة اتخاذ التدابير والقواعد التى تلزم من آن لآخر. لإحكام الرقابة سدا للنقص القائم إذ ذاك وقد جعل القانون سلطة الوزير فى هذا الشأن واسعة إلى حد كبير ليتسنى مواجهة الظروف التى تتغير من وقت لآخر باتخاذ تدابير تلائمها وأوضاع تتمشى مع كل تغيير يطرأ على الحالة الاقتصادية والمالية وجعل القانون هذه السلطة من اختصاص وزير المالية دون مجلس الوزراء اقتصادا للوقت وتسهيلا للاجراءات". وتمشيا مع هذا النظر جاء نص المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 بعد تعديله بالقانون رقم 157 لسنة 1950 فحظر التعامل فى أوراق النقد الأجنبى أو تحويل النقد من مصر أو إليها .. إلا بالشروط والأوضاع التى تحدد بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه فى ذلك، وأصدر وزير المالية القرار رقم 75 لسنة 1948 بتاريخ 5 نوفمبر 1948 استنادا إلى القانون رقم 80 لسنة 1947 وإلى القرار الوزاري رقم 51 لسنة 1947 بالشروط والأوضاع الخاصة بتنفيذ القانون المذكور المعدل بالقرار رقم 73 لسنة 1947 وأوجب فى مادته الأولى "على المستوردين أن يقدموا إلى المصارف التى يتعاملون معها شهادة الجمرك القيمية عن الواردات مبينا فيها أن البضائع التى أفرج عن عملة أجنبية من أجل استيرادها قد وردت إلى مصر بالتطبيق للقواعد التى أقرتها اللجنة العليا لمراقبة عمليات النقد الأجنبى المنشأة بالقرار الوزارى رقم 49 لسنة 1947. وتنفيذا للمادة الثامنة من القانون رقم 8 لسنة 1947 يجب أن تقدم تلك الشهادة إلى المصارف المشار إليها فى ميعاد لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ استعمال الاعتمادات المفتوحة لتغطية قيمة الواردات إلى مصر أو من تاريخ دفع قيمتها. ويجب أن يقدم طلب الحصول على شهادة الجمرك القيمية إلى مصلحة الجمارك قبل انقضاء الميعاد المتقدم بشهر على الأقل". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للسلطة التنفيذية أن تتولى أعمالا تشريعية عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. وهذه السلطة مستمدة من المبادئ الدستورية المتواضع عليها، وقد عنى دستور سنة 1923 الملغى الذى صدر القرار الوزير رقم 75 لسنة 1948 فى ظله بتقنين هذا المبدأ فى المادة 37 منه. فيكون هذا القرار مستندا فى الأصل إلى الإذن العام الذى تضمنه الدستور ولا يعدو الإذن الوارد بالقانون رقم 80 لسنة 1947 أن يكون ترديدا للاذن العام المستمد من النص الدستورى سالف الذكر. وليس معنى هذا الإذن نزول السلطة التشريعية عن سلطتها فى سن القوانين إلى السلطة التنفيذية، ب هو دعوى لهذه السلطة لاستعمال حقها فى وضع القواعد التفصيلية اللازمة لتنفيذ القوانين دون أن تزيد عليها شيئا جديدا أو أن تعدل فيها أو أن تعطل تنفيذها أو أن تعفى من هذا التنفيذ، وهو حق تملكه السلطة التنفيذية بحكم المبادئ الدستورية. ولما كانت المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 قد حظرت تحويل النقد من مصر أو إليها إلا بالشروط والأوضاع التى تحدد بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه بذلك. وكان ما تضمنه القرار الوزارى 75 لسنة 1948 من شروط خاصة بالزام المستورد بتقديم شهادة الجمرك القيمية الدالة على ورود البضائع التى استوردها إلى مصر بالعملة الأجنبية التى أفرج عنها من أجل استيرادها وذلك فى خلال الأجل المحدد يعد متمما لحكم المادة الأولى من القانون سالف البيان ومفصلا للأوضاع التى يجب أن تتم عليها عملية التعامل فى النقد الأجنبى والتى يشترط لصحتها تحقيق الشرط الموقف الذى رتبه القانون وهو تنفيذ الشروط والأوضاع التى ناط بها وزير المالية والتى تضمنها القرار الوزارى رقم 75 لسنة 1948 بحيث إذا تخلف تحقق هذه الشروط فقد التعامل سنده القانوني واستوجب العقوبة المنصوص عليها فى المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947. أما ما قاله المتهم من أن المادة الأولى من القانون رقم 80 سنة 1947 لا تسرى على الإجراءات السابقة والمعاصرة للتحويل دون ما يلى ذلك من إجراءات، فمردود بأنه يتنافر والغاية التى تغياها الشارع من الحفاظ على ما لدى البلاد من عمله صعبه وإحكام الرقابة على النقد الأجنبي إذ كف هذه الرقابة بمجرد الإفراج عن العملة الأجنبية المخصصة للاستيراد قبل التحقق من استعمالها فى الغرض الذى أفرج عنها من أجله، فيه تفويت لمراد الشارع وإهدار للقيود الموضوعة لمحاربة تهريب النقد. كما أن قوله بقصر العقاب على العمليات التى تتم فى الخفاء لا سند له من القانون إزاء عموم نصه. لما كان ما تقدم، فانه يتعين اعتبار الواقعة جنحة جريا على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة فى هذا الصدد، ومن ثم يكون الدفع باعتبارها مخالفة فى غير محله ويتعين رفضه.
وحيث إنه عن الدفع الثالث فإن تأخر حكومة غزة بإخطار المتهم بوصول البضاعة مردود بأن العبرة هى بوصول البضائع إلى جمرك مصر لا إلى الجهة التى استوردت البضاعة من أجلها. لما كان ذلك، وكان المتهم مقر بأن البضاعة التى أفرج عن العملة الأجنبية من أجل استيرادها قد وردت إلى الجمرك المصرى أولا - وكانت مصحلة الجمارك بالجمهورية هى الجهة المختصة بتلقى طلبات الحصول على الشهادة القيمية دون تلك الجهة طبقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 75 لسنة 1948. وكان المتهم معترفا بعدم تقديم الطلب فى الميعاد المقرر، فإن ما يثيره فى هذا الصدد يكون على غير أساس ولا يجديه التنصل من تبعة عدم قيامه بواجبه المقرر فى القانون بما يدعيه من تأخر الحاكم الإدارى لإقليم غزة فى الرد على مكاتبات الشركة له بطلب موافاتها بما يفيد استلام البضاعة لأن ذلك لا يعفيه أصلا من الالتزام بتقديم تلك الشهادة فى الميعاد المقرر من وقت وصولها إلى جمرك مصر. كما لا يعول على ما زعمه المتهم من أن سبب التأخير فى تقديم تلك الشهادة يرجع إلى أن الموظف المختص بتقديمها كان مريضا ثم غادر البلاد دون أن يخطر من حل محله بتقديمها إذ أنه لم يقدم دليلا على ذلك وقد أفسحت له المحكمة مجال إثبات هذا الزعم دون جدوى، ومن ثم فإن ما يثيره فى هذا الوجه من دفاعه يكون فى غير محله ويتعين رفضه.
وحيث إنه عن الدفع الأخير والقول بوحدة الواقعتين موضوع الاستمارتين 52856 و52859 فانه يبين من الأوراق والمستندات المقدمة من المتهم أن الاعتماد المفتوح بموجب الاستمارة الأولى هو بمبلغ 32226 مارك ألمانى وبموجب الاستمارة الثانية هو مبلغ 920.83 مارك ألمانى وأن الشركة استوردت لحساب حاكم اقليم غزة بموجبها ثلاث سيارات سلمت إليه فى 27/ 2/ 1956 ثم أربع عشرة سيارة أخرى سلمت إليه فى 12/ 8/ 1957. لما كان ذلك، وكان القانون يوجب تقديم شهادة قيمية مستقلة مقابل كل مبلغ يفرج عنه بموجب كل من هاتين الاستمارتين دون التعويل على ما إذا كانت البضاعة التى أفرج من أجل استيرادها من العملة قد وردت فى رسالة واحدة أو فى رسائل متفرقة، إذ أن المقصود بالمراقبة ليس ورود البضائع فى ذاته بقدر ما هو تتبع عمليات النقد الأجنبى المفرج عنه بكل استمارة على حدة، ومن ثم تكون هاتان الوقعتان مستقلتين ويكون هذا الدفع على غير أساس من القانون متعينا رفضه. لما كان ذلك، وكان المتهم معترفا فى محضر ضبط الواقعة بوقوع الجريمة المسندة إليه وبمسئوليته عنها فانه يكون قد ثبت فى حقه مما تقدم جميعه أنه فى الزمان والمكان سالفى الذكر لم يقدم إلى المصرف الذى يتعامل معه "بنك الجمهورية" ما يثبت استخراج شهادة جمركية قيمية مثبتا فيها أن البضائع التى أفرج من أجل استيرادها عن عملة أجنبية قد وردت في ميعاد لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ استعمال الاعتماد المفتوح لتغطية قيمة الواردات فى مصر أو من تاريخ دفع القيمة وعقابه ينطبق على المواد 1 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 والقرار رقم 75 لسنة 1948 والقانون رقم 157 لسنة 1950، 331 لسنة 1952 المعدل برقم 111 لسنة 1953.
ومن ثم يكون الحكم المستأنف فى محله للأسباب السالفة الذكر ويتعين تأييده مع إعفاء المتهم من المصروفات الجنائية.