أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 473

جلسة 21 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمد عطيه اسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، وعادل يونس المستشارين.

(103)
الطعن رقم 133 لسنة 29 القضائية

(أ) إثبات. إقناعية الدليل ولازمها.
عدم تقيد القاضي الجنائي في تكوين عقيدته بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني. جواز إطراحه دليل نفي ولو تضمنته ورقة رسمية عند عدم الاطمئنان إلى صحته.
(ب) إثبات. المحررات.
حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها محله الإجراءات المدنية والتجارية فحسب.
جواز التفات المحكمة عن تاريخ شهادة ميلاد ابنة القتيل عند اقتناعها بأن هذا التاريخ مخالف للواقع.
1 - العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي تتم في الدعوى بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبة القاضي بالأخذ بدليل دون دليل، أو بالتقيد في تكوين عقيدته بالأحكام المقررة بالقانون لإثبات الحقوق والتخالص منها في المواد المدنية والتجارية - فمتى اقتنع القاضي - من الأدلة المطروحة أمامه - بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى عليه، وجب عليه أن يدينه وينزل به العقاب، بمعنى أن يكون في حل من عدم الأخذ بدليل النفي به ولو تضمنته ورقة رسمية - ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته، ويصح في العقل أن يكون مخالفا للحقيقة.
2 - ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها محله الإجراءات المدنية والتجارية فحسب، حيث عينت الأدلة ووضعت لها الأحكام وألزم القاضي بأن يجري في قضائه على مقتضاها، فلا تثريب على المحكمة إذا هى لم تأخذ بتاريخ شهادة ميلاد "ابنة القتيل" لاقتناعها من الأدلة التي أوردتها بأن هذا التاريخ مخالف للواقع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل تفيدة حفظي فراج عمدا ومع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها - وأعد لذلك آلة من شأنها القتل "سكينا" واستدرجها إلى فاطمة محمود وسيلي (المتهمة الثانية التي توفيت) بمنزله وما أن ظفر بها حتى انهال عليها طعنا بالسكين قاصدا قتلها فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها، وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهم إلى محكمة جنايات المنيا لمعاقبته بالمواد 230 و232 من قانون العقوبات. وبجلسة 20/ 2/ 1954 أمرت الغرفة حضوريا بإحالته إليها لمعاقبته بالمواد سالفة الذكر. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا عملا بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة يوسف عبد الرحمن محمود بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن، هو الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب - وفي بيان ذلك يقول الطاعن - إن الحكم المطعون فيه - دانه بجريمة قتل المجني عليها مع سبق الإصرار - دون أن يقوم دليل قاطع على أن الجثة التي عثر عليها بعيدا عن البلدة التي وقع فيها الحادث بعد خمسة أيام من تاريخ حدوثه - وكانت في حالة تعفن شديد وملامحها مشوهة - هى جثة المجني عليها - وليس يصح في الأذهان القول إن والدة المجني عليها تعرفت عليها - من قرط وجد بأذنها وسوار في يدها - هذا وقد جاء بتقرير الطبيب الشرعي أن الجثة لامرأة ظهرت عليها أعراض الحمل المتقدم وفي الأشهر الأخيرة منه، في الوقت الذي ثبت فيه أن المجني عليها وضعت بتاريخ 6 من أبريل سنة 1953 بنتا اسمها محاسن من مطلقها محمد جاب الرب ولا يعقل أن امرأة تلد في أبريل سنة 1953 - تكون حاملا في أشهرها الأخيرة في تاريخ الحادث (12 من يونية سنة 1953) ولا يصحح من فساد هذا الاستدلال ما قاله الحكم من أن العادة جرت في بلاد الريف على الإبطاء في قيد المواليد، إذ أن هذا لا يتفق مع الثابت في دفتر المواليد، وما جاء على لسان والدة المجني عليها من أن المولودة قيدت في دفتر المواليد في بحر شهر من ولادتها - هذا ولم يشهد أحد برؤية الطاعن وهو يقارف الجناية - وكل ما استند إليه الحكم في إدانته هو قول المتهمة الثانية - فاطمة محمود سليمان - وقد عدلت عنها وقالت إنها أدلت بما أدلت به تحت تأثير ضابط المباحث وإملائه - ثم إن الحكم لم يستظهر نية القتل لدى الطاعن - ولا يكفي في جريمة القتل القول إن الطاعن استعمل سلاحا حادا في الاعتداء على القتل، أو أن تكون الإصابات متعددة بل يجب أن يقوم الدليل على أن الطاعن كان ينوي إزهاق روح المجني عليها - وأنه تعمد إصابة المجني عليها في مقتل منها. هذا وذاك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المجني عليها تفيدة حفظي فراج وشهرتها نعيمة تمت إلى المتهم بصلة القربي فهى ابنة عمه وكانت متزوجة من محمد جاد الرب ثم طلقت منه وكانت حاملا ووضعت أنثى توفيت في 9 مايو سنة 1933 وكان عمرها حوالي ستة أشهر ثم علم المتهم (الطاعن) أن المجني عليها حملت ثانية بعد طلاقها من زوجها، ولما كان هذا الخبر يلحق به العار وقد تأكد له صحته من مظهر المجني عليها فقد بيت النية على قتلها وهداه تفكيره إلى التودد إليها حتى تطمئن إليه وانتهز فرصة تقدمها إلى مستشفى ملوي للعمل به وكان هذا يقتضي منها المبيت بجوار المستشفي لأن بلدتها (منشاة المغالقة) تبعد عن ملوي وليس في مقدورها الانتقال يوميا - مما دعاها إلى التعرف بفاطمة محمود سليمان التي تعمل في المستشفى وصارت تبيت عندها، وقد تعرف المتهم على فاطمة - وتودد إليها وصار يزورها في منزلها بملوي حيث تبيت المجني عليها وكان يقضي بعض الليالي معهما حتى وضعت المجني عليها حملها الذي أخفته عن أهلها، وهنا اختمرت لدى المتهم فكرة قتلها وأعد لها الخطة بالاستعانة بفاطمة محمود سليمان لتستدرجها ليلة الحادث إلى منزل آخر له ببلدته - منشاة المغالقة - وهى نفس بلدة المجني عليها وباتوا جميعا في المنزل وما أن استغرقت المجني عليها في النوم حتى قتلها المتهم بسكين كان قد أعدها لذلك ثم أخفى جثتها إلى أن عثر عليها في ترعة السنجة بتاريخ 15 يونية سنة 1953" واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى اعتراف المتهمة فاطمة محمود سليمان في تحقيقات النيابة (وقد توفيت أثناء سير الدعوى) وأقوال عامر حفظي فراج وأحمد فوزي محمود وأنور عبد الجواد حمزاوي وإنصاف ووافيات حفظي وزينب سليمان عبد الله - والدة المجني عليها - في التحقيقات وبالجلسة وتقرير الصفة التشريحية - ثم عرض الحكم لهذا الذي يثيره الطاعن في الوجه الأول من طعنه فقال "وقد قررت والدة المجني عليها أن ابنتها قتلت بعد أن وضعت ابنتها محاسن بسبعة شهور وأنها تعرفت على جثة القتيل رغم ما بها من تشوهات من فخذيها وساقيها ومن شعرها ذي اللون الأسود ومن فردة قرط في أذنها وغويشة من الباغة في يدها كما قرر محمد جاد الرب زوج القتيلة أن ابنته محاسن من القتيلة توفيت قبل مقتل والدتها بأربعين يوما وكان عمرها من خمسة إلى ستة أشهر وأكد أنها لم تقيدها في دفتر المواليد يوم ولادتها وأنه يقطع أنها عاشت حوالي ستة شهور... وحيث إن الدفاع عن المتهم وهو في سبيل دفع التهمة عنه شكك في الجثة على أنها ليست لتفيدة حفظي فراج الغائبة بدليل أن تفيدة المذكورة وضعت ابنتها في 6/ 4/ 1953 ولا يعقل أن تكون في يوم وفاتها الحاصل في 12/ 6/ 1953 حاملا في ستة أشهر، وهذا الدفاع مردود بما قرره كل من زينب سليمان عبد الله ومحمد جاد الرب (والدة وزوج المجني عليها) من أن البنت محاسن توفيت بعد ستة أشهر من ولادتها، ولا يستدل في هذا المقام بتاريخ القيد في دفتر المواليد لأن العرف جرى في الريف على عدم قيد المواليد في وقت الولادة ويؤيد هذا النظر أن الأم - وهى من يلحقها العار من فعل ابنتها - ولو كانت تعلم حقيقة أنها حامل لما قررت أقوالها المذكورة، كما أن عدول فاطمة محمود سليمان إلى الإنكار أمام قاضي المعارضة في أمر حبسها لن يفيد المتهم بعد أن أتت روايتها أمام النيابة متماسكة متساندة، وقد تأيدت بأقوال كل من أخ المجني عليها وسائق السيارة وعسكري المرور على النحو السابق تفصيله". لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي تتم في الدعوى بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبة القاضي بالأخذ بدليل دون دليل أو بالتقيد في تكوين عقيدته بالأحكام المقررة بالقانون لإثبات الحقوق والتخالص منها في المواد المدنية والتجارية، فمتى اقتنع القاضي من الأدلة المطروحة أمامه بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى عليه وجب عليه أن يدينه وينزل به العقاب، بمعنى أنه يكون في حل من عدم الأخذ بدليل النفي - ولو تضمنته ورقة رسمية - ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون مخالفا للحقيقة - أما ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله في الإجراءات المدنية والتجارية فحسب حيث عينت الأدلة ووضعت لها الأحكام وألزم القاضي بأن يجري في قضائه على مقتضاها، وعلى ذلك فلا تثريب على المحكمة إذ هى لم تأخذ بتاريخ شهادة ميلاد الطفلة محاسن - ابنة القتيل - لاقتناعها من الأدلة التي أوردتها بأن هذا التاريخ مخالف للواقع - ولما كان الحكم قد أثبت أن فاطمة محمود سليمان لم تعترف فقط أمام ضابط البوليس بل اعترفت أيضا في تحقيق النيابة مما يفيد أنها لم تكن متأثرة وقتئذ بذلك الإكراه المزعوم، وذلك يكفي للرد على ما يثيره الطاعن من أن اعتراف المتهمة الأخرى كان وليد إكراه - ثم عرض الحكم لنية القتل لدى الطاعن في قوله "وحيث إن نية القتل لدى المتهم متوافرة من استعماله سكينا في قتل المجني عليها ومن تعدد الإصابات وتوجيهها إلى مقتل (العنق والبطن) كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية" - وما قاله الحكم من ذلك سائغ في استخلاص نية القتل لدى الطاعن وصحيح في القانون، أما باقي ما يثيره الطاعن في طعنه - فهو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يقتضي من المحكمة ردا صريحا بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفادا من الحكم بالإدانة - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن الطعن برمته لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.