أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 487

جلسة 27 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، ومحمد عطيه اسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

(106)
الطعن رقم 561 لسنة 29 القضائية

استدلال.
الطرق الجائزة في جمع الاستدلالات.
صحة الإجراءات التي يتخذها البوليس في سبيل الكشف عن الجرائم عند عدم تدخل رجاله لخلقها بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على ارتكابها. مثال في جريمة خطف.
من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به رجاله في هذا السبيل يعدّ صحيحا طالما أنهم لم يتدخلوا في خلق الجريمة بطريق الغش والخداع أو التحريض على مقارفتها، فلا يصح أن يعاب على البوليس ما اتخذه من إجراءات - عقب التبليغ - من عرضه على والد الطفل المخطوف تسليمه إلى المبلغ تحت مراقبة البوليس وملاحظته ووضع خطة الضبط.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: خطف من غير تحيل ولا إكراه الطفل شعبان عبده الإتربي الذي لم يبلغ سنه ستة عشر سنة كاملة. ومحكمة جنايات بورسعيد قضت حضوريا - عملا بالمادة 289/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم أحمد السيد قاسم بالسجن لمدة سبع سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبني أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه الغموض والقصور وانطوى على خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال، ذلك أن الواقعة كما أوردها الحكم لا يعاقب عليها القانون لعدم توافر فعل الخطف وهو الركن المادي للجريمة، إذ سلم الحكم بأن والد الطفل سلمه اختيارا بناء على طلب البوليس إلى آخر، وسلم هذا الأخير الطفل إلى الطاعن مما لا يعد معه أنه خطفه بنفسه أو بواسطة غيره. كما خلا الحكم من بيان أركان جريمة الخطف التي دان الطاعن بها وبيان الواقعة وظروفها وسرد أدلتها إثباتا ونفيا، بأن لم يشر إلى كيفية إبرام الاتفاق بين المبلغ محمدي أحمد علي والطاعن على عملية الخطف ومكان هذا الاتفاق وزمانه، وما تم من إجراءات من تاريخ التبليغ حتى تاريخ الضبط. وأغفل الحكم واقعة مديونية والد الغلام للطاعن وما تتم عليه من مظنة التلفيق للخلاص من الدين دون أن تكون سببا للخطف، ولم يبين مدى صلة المبلغ بوالد الطفل وهما يسكنان حيا واحدا، وصلته برجال البوليس وكونه من ذوي السوابق المتعطلين، كما لم يورد شيئا عن مدى اتصال الطاعن بالطفل طالما أن الذي حمله إلى السيارة وأجلسه فيها هو المبلغ، ولا يستساغ أن يستنتج من ترك الطفل بالسيارة التي جد فيها الطاعن إتمام التسليم، وكان من المتعين على الحكم أن يبين ظروف وجود الغلام في السيارة ودخوله إليها وحصول التسليم فعلا لحساب الطاعن، كما سكت الحكم عن الرد على دفاع الطاعن بشأن إنكاره التهمة وقوله بوجود ضغينة كبرى بينه وبين والد المجني عليه بسبب الاتجار في مخلفات الجيش وتدليله على كذب الواقعة بعدم دفع المبلغ والمقول بالاتفاق على دفعه وعدم ضبط أي مال معه وقت ضبطه، وكان يتعين على الحكم أن يرد على هذا الدفاع الجوهري المتضمن إنكار واقعة الخطف بما في ذلك عناصرها القانونية. هذا إلى أن الحكم أخطأ في الإسناد حين أثبت على لسان المخبر أحمد أحمد الدنون أنه في أثناء مراقبته حضور المبلغ محمدي أحمد علي ومعه الطفل لتسليمه إلى الطاعن، شاهد محمدي يسلم الطفل إلى الطاعن الذي حمله على كتفه ثم حضرت السيارة الأتوبيس المتجهة إلى القاهرة فركبها محمدي والطاعن حاملا الطفل، في حين أنه بالرجوع إلى التحقيقات يبين أن واقعة حمل الطاعن للطفل وركوبه السيارة على هذه الصورة لا أصل لها، إذ أنه قرر أن الطاعن حين قابل محمدي سلم عليه وأراد أن يأخذ الطفل فبكى هذا الأخير ولم يقبل ذلك، ثم ركبوا الأتوبيس وكان محمدي يحمل الطفل في هذه الأثناء. كما دلل الحكم على صحة واقعة تسليم محمدي الطفل إلى الطاعن بشهادة المخبرين ابراهيم عبد القادر وأحمد أحمد الدنون، مع أنه بالرجوع إلى أقوالهما يبين أنهما لم يكونا في مكان واحد حتى يشهدا الواقعة كما أوردها الحكم، فقد كان أحمد أحمد الدنون في الزراعة، بينما كان يقف زميله في الطريق. كما أورد الحكم شطرا من شهادة محمدي أحمد علي وهو الذي يدور حول واقعة استلام الطفل، وأغفل ما تقدم تلك الواقعة وما تلاها مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المتهم أحمد السيد قاسم عرض على محمدي أحمد علي أن يخطف أحد أولاد عبده السيد محمد الشهير بالإتربي مقابل دفع مبلغ 25 جنيها له فتظاهر محمدي أحمد علي بقبول العرض واتصل باليوزباشي عبد الرحمن مطر معاون المباحث الجنائية بالإسماعيلية وعرض عليه الأمر، وقد أفهمه الأخير بقبول تنفيذ ما عرضه عليه المتهم ومسايرته في ذلك حتى يتم القبض عليه متلبسا بجريمته وقد حرر معاون المباحث بذلك محضرا عرضه على النيابة العامة... وقد عرض معاون المباحث على عبده السيد محمد - والد الطفل - تسليم طفله إلى محمدي أحمد علي تحت مراقبة البوليس وملاحظته، فقبل والد الطفل ذلك، كما قام القائمقام حسين رفعت مفتش المباحث الجنائية بوزارة الداخلية بوضع خطة ضبط المتهم متلبسا بجريمته، وقد سلم عبده الإتربي طفله شعبان إلى محمد أحمد علي تحت مراقبة الكونستابل يعقوب معوض جرجس، ثم ركب محمدي أحمد علي ومعه الطفل سيارة أتوبيس ونزل منها في موقف الواصفية حيث كان المتهم في انتظاره حسب اتفاقهما، وقام محمدي أحمد علي بتسليم الطفل إلى المتهم وذلك تحت ملاحظة المخبرين ابراهيم عبد القادر محمود وأحمد أحمد الدنون، ثم ركب المتهم حاملا الطفل ومعه محمدي أحمد علي سيارة الأتوبيس القادمة من الإسماعيلية للقاهرة والتي كان يركب فيها القائمقام حسين رفعت مفتش المباحث الجنائية ومعه الكونستابل سيد شاهين وعبد الفتاح السيد وصرف المتهم تذكرة له للقاهرة وأخرى لمحمدي أحمد علي إلى أبي صوير وطالب الأخير المتهم بدفع مبلغ الخمسة والعشرين جنيها المتفق عليها فدفع له مبلغ 50 قرشا فقط وطلب إمهاله في سداد المبلغ جميعه إلى اليوم التالي حتى عودته من القاهرة، ثم نزل محمدي أحمد علي وحده في محطة أبي صوير وسارت السيارة حاملة المتهم ومعه الطفل حتى طلب القائمقام حسين رفعت مفتش المباحث من الكمساري إيقاف السيارة في محطة المحسمة حيث قبض بنفسه وبمعاونة الكونستابلين سيد شاهين وعبد الفتاح السيد على المتهم ومعه الطفل وقد اعترف المتهم لمفتش المباحث باتفاقه مع "محمدي أحمد علي" على خطف الطفل وأخذه رهينة لعدم سداد والد الطفل دين في ذمته له وأنه كان متجها بالطفل إلى القاهرة لإخفائه مع أولاده في القلعة بشارع القادرية طرف صهره وأنه كان سيعيده سليما عند ما يسترد دينه، ثم أود الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال محمد أحمد علي وباقي شهود الإثبات، وهى أدلة سائغة مقبولة ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها، وعرض إلى دفاع المتهم فذكر أنه أنكر ما نسب إليه ولم يعوّل الحكم على هذا الإنكار إزاء قيام أدلة الثبوت التي أوردها وتوافرها ضده - لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بشأن واقعة الخطف تتحقق به هذه الجريمة كما هى معرفة به في القانون، إذ يكفي لقيامها انتزاع الطفل المخطوف من بيئتة وقطع صلته بأهله، وكان ما اتخذه البوليس من إجراءات عقب التبليغ من عرضه على والد الطفل تسليمه إلى المبلغ تحت مراقبة البوليس وملاحظته ووضع خطة الضبط - لا يصح أن يعاب عليه، ذلك أن مهمة البوليس الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به رجاله في هذا السبيل يعد صحيحا طالما أنهم لم يتدخلوا في خلق الجريمة بطريق الغش والخداع أو التحريض على مقارفتها - لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعوّل على أقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولها في هذا السبيل أن تأخذ بشطر من أقوال الشاهد وأن تطرح باقيها، إذ الأمر في هذا الشأن مرجعه إلى اطمئنانها إلى الدليل الذي تأخذ به دون ما تعرض عنه. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه أخطأ في الإسناد، فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد نسب على خلاف الثابت في الأوراق إلى المخبر أحمد أحمد الدنون أنه شاهد الطاعن يحمل الطفل بعد ما استلمه من محمدي أحمد علي وركب به السيارة على هذه الصورة ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة - بفرض خطئها - أي اعتبار في إدانة الطاعن ولم يكن لها أثر في منطق الحكم أو فيما انتهى إليه من نتيجة. لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة غير ملزمة بأن تتعقب بالرد جميع ما يقوله المتهم من الدفاع الموضوعي، وحسبما أن تثبت عليه التهمة التي أدانته بها بأدلة سائغة، مما مفاده أنها لم تأخذ بدفاعه، ومتى كان الحكم قد أورد الأدلة المثبتة للتهمة على المتهم، فكل جدل يثيره في هذا الصدد - سواء من ناحية صلة المبلغ بوالد الطفل أو مديونية الأخير للطاعن أو تلفيق التهمة - لا يستأهل ردا مستقلا ولا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.