أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 21 - صـ 1239

جلسة 21 من ديسمبر سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوى، وعضوية السادة المستشارين/ أنور خلف، ومصطفى الأسيوطى، ومحمد ماهر حسن، وحسن المغربى.

(300)
الطعن رقم 1478 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) إثبات. "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". "إجراءاته".
( أ ) مجرد تخوف الشاهد وخشيته من رجال الشرطة لوجودهم أثناء التحقيق لا يصح اتخاذه ذريعة لإزالة الأثر القانونى المترتب على تلك الأقوال.
(ب) حضور ضابط الشرطة أثناء التحقيق الذى تجريه النيابة لا يعيب إجراءاته.
(ج) مأمورو الضبط القضائى. "اختصاصهم". اختصاص.
بدء الواقعة فى دائرة اختصاص مأمور الضبط القضائى. امتداد هذا الاختصاص إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها وإن اختلفت الجهات التى يقيمون فيها.
(د) تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". مأمورو الضبط القضائى. "اختصاصهم". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قيام النيابة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضى قعود مأمورى الضبط القضائى عن القيام بواجباتهم المفروضة عليهم بمقتضى المادة 24 إجراءات.
(هـ، و، ز) إثبات. "شهود. خبرة".حكم. "تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
(هـ) تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفنى. غير لازم.
(و) وزن أقوال الشهود. أمر موكول إلى محكمة الموضوع. أخذها بشهادة شاهد يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(ز) للمحكمة الاعتماد فى اقتناعها على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وإطراح ما عداها.
1 - إن مجرد تخوف الشاهد وخشيته من رجال الشرطة لوجودهم أثناء سؤاله بالتحقيق لا يصح اتخاذه ذريعة لإزالة الأثر القانونى المترتب على تلك الأقوال متى اطمأنت المحكمة إلى صدقها ومطابقتها للواقع.
2 - من المقرر أن ضابط الشرطة أثناء التحقيق الذى تجريه النيابة لا يعيب إجراءاته ولا يزيل الأثر القانونى المترتب على ما ثبت فيه متى أطمأنت المحكمة إلى صدقه ومطابقته للواقع.
3 - من المقرر أنه متى بدأت الواقعة فى دائرة اختصاص مأمور الضبط القضائى فوجب أن يمتد هذا الاختصاص بداهة إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها وإن اختلفت الجهات التى يقيمون فيها(1).
4 - قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - لا يقتضى قعود مأمورى الضبط القضائى عن القيام إلى جانبها فى الوقت ذاته بواجباتهم التى فرض الشارع عليهم أداءاها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكل ما فى الأمر أن المحاضر الواجب على أولئك المأمورين تحريرها بما يصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها ويكون للمحكمة أن تستند فى حكمها إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقى أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة.
5 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على المواءمة والتوفيق.
6 - وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
7 - للمحكمة فى سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها، وفى عدم إيراد الحكم تفصيلات معينة من أقوال الشهود ما يفيد إطراحها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر حكم ببراءته بأنهما فى يوم 2 يوليو سنة 1966 بدائرة مركز المحمودية محافظة البحيرة: قتلا محمد محمد جنيدى عمداً مع سبق الإصرار بأن انتويا قتله وصمما على ذلك واعدا لذلك سلاحاً نارياً بندقية خرطوش وذخيرة ولما ظفرا به أطلق عليه أولهما عيارين ناريين قاصدين من ذلك قتله فأصيب بالإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات. فقرر بذلك وادعى مدنياً طريف محمد جنيدى أخ المجنى عليه قبل المتهم بمبلغ 250ج على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 بالنسبة للأول والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى على سبيل التعويض مائتين وخمسين جنيهاً ومصروفات الدعوى المدنية. (ثانياً): ببراءة المتهم الثانى مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض. وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات دمنهور لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات دمنهور قضت من جديد حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ مائتين وخمسين جنيها على سبيل التعويض ومصروفات الدعوى المدنية. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض "للمرة الثانية"... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد اعتراه البطلان وشابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه عول ضمن ما عول عليه من أدلة على أقوال الشاهد...... بمحضر الشرطة وتحقيقات النيابة وأطرح بأسباب غير سائغة بطلان إجراءات استجوابه لأن أقواله صدرت منه لرجال الشركة بعد أن تولت النيابة التحقيق وكانت بحضورهم عندما تولت سماعه بما يجعلها وليدة إكراه، هذا إلى عدم رده على دفعه ببطلان الإجراءات التى قام بها رجال الشرطة من تفتيش مسكن الطاعن وضبط أشخاص آخرين وإحضار شهود لأنها تمت خارج اختصاصهم المكانى وأثناء تولى النيابة التحقيق وبدون إذن منها، فضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه اجتزأ أقوال الشهود فأخذ منها بالقائم فى حق الطاعن واستبعد الخاص بزميله وموقف الجانى من المجنى عليه رغم تعارض هذه الأقوال مع تقرير الصفة التشريحية دون أن يعنى بإزالة ما بينهما من تناقض بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التى دان الطاعن بها وساق على ثبوتهما فى حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومنهم ...... وضابط الشرطة وما ثبت من تقرير الصفة التشريحة وتقرير فحص السلاح المضبوط وما دلت عليه المعاينة وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن ببطلان أقوال الشاهد ...... بالتحقيقات لصدورها تحت تأثير الإكراه المدعى به بالإقرار المقدم منه ورد عليه وفنده بما مفاده أنه اصطنع لخدمة موقف الطاعن فى الدعوى وأن ما ورد به لم يتأيد بأى دليل فى التحقيقات وانتهى تأسيساً على ذلك إلى أن هذا الإقرار لا يغير من سلامة شهادته فى التحقيقات. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها وأن مجرد تخوف الشاهد وخشيته من رجال الشرطة لوجودهم أثناء سؤاله بالتحقيق لا يصح اتخاذه ذريعة لإزالة الأثر القانونى المترتب على تلك الأقوال متى اطمأنت المحكمة إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولها فى سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم تفصيلات معينة من أقوال الشهود ما يفيد إطراحها. وإذ كان البين من الحكم أن المحكمة قد خلصت فى استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من أقوال الشاهد.... بالتحقيقات وإلى صدورها عنه اختياراً وبنت عليها قضاءها من بين عناصر الإثبات التى بنتها فلا معقب عليها فى ذلك، ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا محل له لأنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً وكان قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يقتضى قعود مأمورى الضبط القضائى عن القيام إلى جانبها فى الوقت ذاته بواجباتهم التى فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية وكل ما فى الأمر أن المحاضر الواجب على أولئك المأمورين تحريرها بما يصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها ويكون للمحكمة أن تستند فى حكمها إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقى أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة هذا إلى أنه من المقرر أن حضور ضابط الشرطة أثناء التحقيق الذى تجريه النيابة لا يعيب إجراءاته ولا يزيل الأثر القانونى المترتب على ما ثبت فيه متى اطمأنت المحكمة إلى صدقة ومطابقته للواقع، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديداً، أما القول بتجاوز مأمور الضبط اختصاصه المكانى فمردود - بفرض صحته - بأنه متى بدأت الواقعة فى دائرة اختصاصه فوجب أن يمتد هذا الاختصاص بداهة إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها وإن اختلفت الجهات التى يقيمون بها. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن فى شأن التناقض بين الدليلين الفنى والقولى ورد عليه وفنده بقوله "إن أقوال الشهود جميعها فى تصوير الحادث قد تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى إذ كان المتهم على يسار المجنى عليه ولا يفصل ماسورة البندقية عن جسم المجنى عليه إلا سنتيمترات معدودة وقد جاء فى التقرير الطبى أن المقذوف أصاب المجنى عليه فى اتجاه من اليسار إلى اليمين وعلى مسافة لا تتجاوز النصف متر لوجود آثار اختراق بارود فى وضع أفقى إذ الثابت من الأوراق أن المتهم صوب فوهة البندقية نحو صدغ المجنى عليه فلا غرابة أن يكون الإطلاق فى وضع أفقى". لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع فى أن ما نقله الحكم عن الشهود والتقرير الطبى له معينه الصحيح فى الأوراق وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق وكان ما دونه الحكم يتلاءم بما قال به الشهود وما جاء بالتقرير الطبى الشرعى من أن الطاعن كان على يسار المجنى عليه ولا يفصل ماسورة البندقية عن جسم الأخير إلا سنتيتمرات معدودة وأن المقذوف أصاب صدغ المجنى عليه فى اتجاه من اليسار إلى اليمين وفى وضع أفقى فإن النعى بالتناقض بين الدليلين الفنى والقولى يكون لا سند له وفى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.


(1) راجع نقض جنائى السنة 20 صـ 207.