أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 506

جلسة 28 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل رئيس المحكمة, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(111)
الطعن رقم 168 سنة 29 القضائية

(أ) دعوى مدنية. المسئولية عن عمل الغير. مسئولية المتبوع عن التابع. علاقة التبعية. متى تتحقق؟ المادة 174 من القانون المدني.
خضوع المدارس الحرة والمدارس الخاصة لإشراف وزارة التربية والتعليم وتفتيشها في الحدود الواردة بقوانين تنظيمها يحقق علاقة التبعية. المادة الأولى من القانون رقم 38 لسنة 1948 المعدل بالقانون رقم 469 لسنة 1953 والمادة الأولى من القانون رقم 583 لسنة 1955 - في شأن تنظيم المدارس الحرة - والمادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1958 - في شأن تنظيم المدارس الخاصة.
(ب) دعوى مدنية. المسئولية عن عمل الغير. مسئولية من تجب عليه الرقابة عمن هم في رقابته. أساسها. المادة 173 من القانون المدني.
وقوع الضرر ممن تشمله الرقابة يقيم ضد متولي الرقابة قرينة قانونية غير قاطعة في تقصيره.
آثار المسئولية. الإثبات. عبؤه. متى تنتفي مسئولية متولي الرقابة؟
وجوب إثبات متولي الرقابة أنه قام بما عليه من واجب الرقابة أو أن الحادث ما كان يمكن تلافيه مهما كانت شدة الرقابة. مثال.
1 - تنص المادة الأولى من القانون رقم 38 لسنة 1948 - بشأن تنظيم المدارس الحرة - المعدل بالقانون رقم 469 لسنة 1953 - والمنطبق على واقعة الدعوى - على أن تكون المدارس الحرة خاضعة لرقابة وزارة المعارض العمومية وتفتيشها في الحدود الواردة بهذا القانون, مما تتحقق به علاقة التبعية طبقا للمادة 174 من القانون المدني, وهو ما نصت عليه أيضا المادة الأولى من القانون رقم 583 لسنة 1955 الذي صدر بعد ذلك - في شأن تنظيم المدارس الحرة -, وكذلك المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1958 - في شأن تنظيم المدارس الخاصة -, فتكون وزارة التربية والتعليم مسئولة عن الضرر الذي يحدث نتيجة خطأ تابعيها بإحدى هذه المدارس.
2 - وقوع الضرر ممن تشمله الرقابة قرينة على تقصير متولي الرقابة, وإلى هذا يشير الشارع في مذكرته الإيضاحية عن المادة "241" المقابلة للمادة "173" من القانون المدني الجديد من أن مسئولية المكلف بالرقابة هى مسئولية أصلية أساسها خطأ مفترض ولا تنتفي المسئولية إلا إذا أثبت متولي الرقابة أنه قام بما عليه من واجب الرقابة أو أن الحادث ما كان يمكن تلافيه مهما كانت شدة الرقابة, فليس للطاعنة, أو لناظر المدرسة التي يتبعها التمسك بأن الحادثة - التي هى محل المساءلة - كانت نتيجة ظرف فجائي للخلاص من المسئولية ما دام أن القيام بواجب الرقابة المفروضة عليه لم يقم عليه دليل من الحكم الذي أثبت أن الحادث وقع في فترة تغيير الحصص, وأنه لم يكن بالفصل أحد لمراقبة الطلبة في ذلك الوقت.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة سليمان عثمان دبوس بأنه: تسبب من غير قصد ولا تعمد في إصابة عبد الغني حافظ ابراهيم, وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه بأن لوح بجسم حاد دون حيطة فاصطدم بعين المجني عليه وأحدث إصابته. وطلبت عقابه بالمادة 244 من قانون العقوبات. وادعى حافظ ابراهيم بصفته الولي الطبيعي للمجني عليه (عبد الغني حافظ ابراهيم) بحق مدني قبل كل من: 1 - والدة المتهم بصفتها وليا طبيعيا على ابنها سليمان عثمان دبوس و2 - عبد الخالق محمد ناظر مدرسة المواساة الاعدادية و3 - السيد وزير التربية والتعليم, وطلب أن يحكم عليهم متضامنين بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية. وأمام محكمة الوايلي الجزئية قدم الحاضر عن السيد وزير التربية والتعليم مذكرة طلب فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية ضد السيد وزير التربية لرفعها من غير ذي صفة, وطلب احتياطيا رفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها بالمصاريف المدنية ومقابل الأتعاب. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات (أولا) بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وأمرت بوقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائيا بلا مصاريف جنائية. و(ثانيا) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية ضد السيد وزير التربية والتعليم لرفعها من غير ذي صفة وبقبولها ضده. و(ثالثا) برفض الدعوى المدنية ضد والد المتهم صفته مسئولا عن إهمال إبنه (المتهم). و(رابعا) بإلزام والدة المتهم عثمان عبد العزيز دبوس بصفتها ولي أمر المتهم وممثلته في الدعوى المدنية وعبد الخالق محمد (ناظر المدرسة) والسيد وزير التربية والتعليم بصفته بأن يدفعوا متضامنين للمدعي بالحق المدني مبلغ 500 خمسمائة جنيه مصري والمصاريف المدنية المناسبة ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات في الدعوى المدنية. فاستأنف كل من المتهم والمدعي بالحق المدني ومحامي الحكومة هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية المصاريف المدنية الاستئنافية المناسبة وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. فطعنت وزارة التربية والتعليم بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول هو القصور في البيان, ذلك بأن الطاعنة دفعت في مذكرتها المقدمة إلى محكمة أول درجة بجلسة 28 فبراير سنة 1957 بعدم قبول الدعوى المدنية المقامة ضدها لرفعها على غير ذي صفة, وأسست دفعها هذا على أن مدرسة المواساة الاعدادية التي وقع فيها الحادث مدرسة حرة وليست أميرية, وأن علاقة الوزارة بها تقتصر على منحها الإعانات المالية وليس لها إشراف فعلي وإداري عليها, وبذلك تنعدم علاقة التبعية التي تقوم على السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه, ومن ثم لا تنطبق المادة 174 من القانون المدني التي تقضي بمسئولية المتبوع عن أعمال تابعة. إلا أن محكمة أول درجة المؤيد حكمها بالحكم المطعون فيه رفضت هذا الدفع وأسست مسئولية الطاعنة على المادة المتقدمة مفترضة قيان علاقة التبعية دون ذكر مبررات لها ودون الرد على دفاع الطاعنة في هذا الصدد, ومن ثم يكون حكمها قاصرا قصورا يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن أورد واقعة الدعوى وأثبت التهمة قبل المتهم تعرض إلى الدعوى المدنية فقال "وحيث إن المحكمة ترى أن مسئولية متولي الرقابة تتحقق بشرطين, الأول أن يتولى شخص الرقابة على شخص آخر, والثاني صدور عمل غير مشروع ممن هو تحت الرقابة. والمحكمة ترى أن الإلزام بالرقابة قد يكون مصدره القانون أو الاتفاق, والأب يتولى الرقابة على إبنه قانونا, وقد تنتقل هذه الرقابة إلى الأم كما هو الحال في الدعوى الحالية وفقا للمستندات المقدمة من والد المتهم, ثم إن هذه الرقابة تنتقل إلى المدرسة وقت وجود المتهم في المدرسة كما هو الحال في الدعوى الحالية, ومن ثم فواجب الرقابة انتقل إلى المدرسة وإلى رقيب المدرسة وهو ناظرها. وإذا كانت المدرسة من مدارس الدولة كانت الدولة مسئولة عن الرئيس الناظر مسئولية المتبوع عن التابع. والمحكمة ترى أن المتهم تحت رقابة المدرسة وإن بلغ الخامسة عشر من عمره لأنه في مرحلة التعليم. ومن ناحية الشرط الثاني ترى المحكمة أن المتهم صدر منه عمل غير مشروع ترتب عليه ضرر بالمجني عليه, ومن ثم يكون رئيس المدرسة - الناظر - وبالتالي السيد وزير التربية والتعليم مسئولين عن تعويض هذا الضرر وفقا لقاعدتي واجب الرقابة بالنسبة للناظر, ومسئولية المتبوع عن التابع بالنسبة للسيد وزير التربية والتعليم. ومن ثم يتعين الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى ضد السيد وزير التربية والتعليم, إذ الدعوى المدنية قائمة على أساس سليم من القانون عملا بالمادتين 173 من القانون المدني بالنسبة للناظر و174 مدني بالنسبة لوزير التربية والتعليم, ويتعين لذلك الحكم بإلزامهما متضامنين بتعويض المجني عليه عما أصابه من ضرر من جراء الحادث" - ولما كانت المادة 174 من القانون المدني تنص على أن المتبوع يكون مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها, وقوام علاقة المتبوع بالتابع بمقتضى هذه المادة هو ما للمتبوع على التابع من سلطة في توجيهه ورقابته, فكلما تحققت هذه السلطة قامت تلك العلاقة - لما كان ذلك, وكانت المادة الأولى من القانون رقم 38 لسنة 1948 بشأن تنظيم المدارس الحرة المعدل بالقانون رقم 469 لسنة 1953 والمنطبق على واقعة الدعوى تنص على أن تكون المدارس الحرة خاضعة لرقابة وزارة المعارف العمومية وتفتيشها في الحدود الواردة بهذا القانون, مما تتحق به علاقة التبعية طبقا للمادة 174 من القانون المدني, وهو ما نصت عليه أيضا المادة الأولى من القانون رقم 583 لسنة 1955 الذي صدر بعد ذلك في شأن تنظيم المدارس الحرة, وكذلك المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1958 في شأن تنظيم المدارس الخاصة. فإن وزارة التربية والتعليم تكون مسئولة عن الضرر الذي يحدث نتيجة خطأ تابعيها بإحدى هذه المدارس, ويكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثاني هو أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون, فقد دفعت الطاعنة في مذكرتها السالفة الذكر بانتفاء رابطة السببية بين ركن الخطأ المفترض وقوعه من متولي الرقابة وبين الضرر, ذلك بأن الحادث الذي وقع للمجني عليه ما كان يمكن تلافيه مهما كانت الرقابة شديدة لأنه حصل مفاجأة وبسرعة غير متوقعة أثناء فترة ما بين الحصص. واستندت الطاعنة في دفاعها هذا إلى الفقرة الثالثة من المادة 173 مدني التي تنص على أن المكلف بالرقابة يستطيع أن يتخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة وأثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية, إلا أن الحكم أقام قضاءه على المادة المذكورة بالنسبة إلى الناظر دون إلتفات إلى دفاع الطاعنة والرد عليه.
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة 173 من القانون المدني تنص على أن المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية. ولما كان وقوع الضرر ممن تشمله الرقابة قرينة على تقصير متولي الرقابة, وإلى هذا يشير الشارع في مذكرته الإيضاحية عن المادة 241 المقابلة للمادة 173 من القانون المدني الجديد من أن مسئولية المكلف بالرقابة هى مسئولية أصلية أساسها خطأ مفترض, ولا تنتفي المسئولية إلا إذا أثبت متولي الرقابة أنه قام بما عليه من واجب الرقابة, أو أن الحادث ما كان يمكن تلافيه مهما كانت شدة الرقابة - لما كان ذلك - فإنه ليس للطاعنة أو لناظر المدرسة التي يتبعها التمسك بأن الحادثة - التي هى محل المساءلة - كانت نتيجة ظرف فجائي للخلاص من المسئولية, ما دام أن القيام بواجب الرقابة المفروضة عليه لم يقم عليه دليل من الحكم الذي أثبت أن الحادث وقع في فترة تغيير الحصص وأنه لم يكن بالفصل أحد لمراقبة الطلبة في ذلك الوقت, ومن ثم يكون ما جاء بهذا الوجه غير سديد.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.