أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 528

جلسة 12 من مايو سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, والسيد أحمد عفيفي, وعباس حلمي سلطان, ورشاد القدسي المستشارين.

(116)
الطعن رقم 588 لسنة 29 القضائية

(أ, ب) إثبات. حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته. لازمها.
واجب المحكمة في فحص الدليل قبل الأخذ به يمتنع معه القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه.
إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد فيما عدا الأحوال المستثناه قانونا.
تلبس. تقدير حالته. محكمة الموضوع.
تقدير دلائل التلبس مسألة موضوعية.
1 - العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هى باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها, فإذا كانت قد تعرضت - بما هو واجب عليها من تطبيق القانون على الوجه الصحيح - إلى بحث مأخذ الدليل والنظر في قبوله في الإثبات أمامها - وهى في ذلك لا تتقيد بوجهات نظر الخصوم أنفسهم - فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت في ذلك حدود سلطتها, لأن واجبها في فحص الدليل قبل الأخذ به يمتنع معه القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه.
2 - تقدير توافر حالة التلبس والدلائل التي تؤدي إليه هو - على ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - تقدير من صميم اختصاص قاضي محكمة الموضوع فلا يصح النعي على المحكمة - وهى بسبيل ممارسة حقها في التقدير - بأنها تجاوزت سلطتها, إذ في ذلك ما يجر في النهاية إلى توقيع العقاب على برئ, وهو أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة, مما يتحتم معه إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد - فيما عدا الأحوال المستثناه قانونا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أحرز جواهر مخدرة "حشيشا" بقصد تعاطيها في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و34 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول رقم أ الملحق به. فقررت بذلك, ومحكمة جنايات بورسعيد قضت غيابيا عملا بالمادتين 304, 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة محمد السيد ابراهيم مما أسند إليه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت الطاعنة (النيابة العامة) في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن النيابة العام تنعي في طعنها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون, ذلك أنه قضى ببطلان القبض والتفتيش وبراءة المطعون ضده من تلقاء نفس المحكمة وفي غيبة هذا الأخير مع أن هذا الأمر لا يتعلق بالنظام العام. كما أنها اطرحت أقوال شاهدي الإثبات لتناقضهما في بيان ما إذا كانت رائحة الحشيش قد انبعثت من الجوزة التي كان يمسك بها المطعون ضده قبل القبض أو بعده, مع أن هذا التناقض لو صح لا يتعدى أثره مجرد التشكك وتوافر حالة التلبس التي لا تملك المحكمة التعرض لنفيها من تلقاء نفسها دون التأثير في صحة واقعة ضبط المخدر.
وحيث إن واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه تتحصل في أن رجلي البوليس السري محمد عوض سليمان ومحمد الغريب عيسى أبلغا نقطة بوليس محمد علي بأنهما شاهدا المتهم (المطعون ضد) يقف في الطريق العام أمام إحدى المقاهي وبيده حجر جوزة ثم يقطع شيئا ويضعه على الحجر فتوجها نحوه وانتزع أولهما الحجر من المتهم وعثر به على قطعة من الحشيش, وقرر المتهم لهما أن مجهولا أعطاه قطعة الحشيش هذه ليضعها على حجر الجوزة, وأنكر التهمة في تحقيق النيابة - واستند الحكم في قضائه بالبراءة إلى قوله "ومن حيث إن أقوال هذين الشاهدين تناقضت مع بعضها, إذ أنه بينما يقرر الشاهد الأول في النيابة والجلسة أنه اشتم رائحة الحشيش عندما قبض على المتهم وانتزع منه الحجر, قرر الثاني أنهما اشتما الرائحة عندما قصد إلى مكان المتهم, ويضيف أنهما شاهدا الحشيش على الحجر عند إعداد المتهم للنار بالحجر مما يحمل المحكمة على عدم الاطمئنان إلى أقوالهما والاتجاه إلى أنهما قصدا خلق حالة التلبس بالجريمة, ومن ثم يكون القبض وما تلاه من إجراءات وقع باطلا, ومن ثم لا يصح الأخذ بالدليل المستمد من هذا الإجراء الباطل خاصة وأن المتهم أنكر ما أسند إليه".
وحيث إنه لما كانت قواعد التفتيش ليست كلها من طبيعة واحدة فلا يمكن بالبداهة وضع مبادئ تنظيم قاعدة عامة تشمل قواعد التفتيش وإجراءاته, وكانت العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هى باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها, فإذا كانت قد تعرضت - بما هو واجب عليها من تطبيق القانون على الوجه الصحيح - إلى بحث مأخذ الدليل والنظر في قبوله في الإثبات أمامها - وهى في ذلك لا تتقيد بوجهات نظر الخصوم أنفسهم - فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت في ذلك حدود سلطتها, لأن واجبها في فحص الدليل قبل الأخذ به يمتنع معه القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه - ولما كان تقدير توافر حالة التلبس والدلائل التي تؤدي إليه هو تقدير من صميم اختصاص قاضي محكمة الموضوع - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - فلا يصح النعي على المحكمة - وهى بسبيل ممارسة حقها في التقدير - بأنها تجاوزت سلطتها, إذ في ذلك ما يجر في النهاية إلى توقيع العقاب على برئ - وهو أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة - مما يتحتم معه إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد فيما عدا الأحوال المستثناة قانونا - لما كان ذلك, وكانت محكمة الموضوع قد انتهت في حدود سلطتها التقديرية - إلى أن المتهم لم يكن في حالة تلبس يجيز لرجلي البوليس السري القبض عليه وتفتيشه, فإن حكمها يكون سليما وما تثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.