أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 888

جلسة 7 من نوفمبر سنة 1961

برياسة السيد السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: محمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر حنين، ومختار مصطفى رضوان المستشارين.

(177)
الطعن رقم 398 لسنة 31 القضائية

إثبات. "قرائن قانونية". قوة الشئ المقضى. دعوى جنائية. تبديد. تزوير واستعمال.
تقدير الدليل فى دعوى، لا يحوز قوة الشئ المقضى فى دعوى أخرى. تصدى المحكمة، وهى بصدد تحقيق الدعوى المرفوعة أمامها، لواقعة ما - ولو كونت جريمة. لا يقيد المحكمة الثانية التى ترفع إليها الدعوى عن الجريمة موضوع تلك الواقعة.
مثال. تبديد. الحكم ببراءة المتهم لثبوت تزوير السند موضوع عقد الأمانة. رفع الدعوى بالتزوير والاستعمال على مقدم ذلك السند. اختلاف الدعويين فى السبب والخصوم. محكمة التزوير غير مقيدة بحكم البراءة فيما يختص بواقعة التزوير.
تقدير الدليل فى دعوى لا يحوز قوة الشئ المقضى فى دعوى أخرى، إذ أن للمحكمة فى المواد الجنائية أن تتصدى - وهى تحقق الدعوى المرفوعة إليها وتحدد مسئولية المتهم فيها - إلى أية واقعة أخرى، ولو كونت جريمة وتقول كلمتها فيها فى خصوص ما تتعلق به الدعوى المقامة أمامها، ويكون قولها صحيحا فى هذا الخصوص، دون أن يكون ملزما للمحكمة التى ترفع أمامها الدعوى بالتهمة موضوع تلك الواقعة.
فإذا كان المدعى بالحقوق المدنية قد قضى ببراءته من تهمة تبديد مبلغ قيل بأنه تسلمه من الطاعن على سبيل الأمانة، استنادا إلى ثبوت تزوير السند المقدم كدليل على تسلمه المبلغ، فأقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية على الطاعن بتهمة تزوير هذا السند واستعماله، وأدانه الحكم المطعون فيه عن هاتين التهمتين مستندا إلى ما أثبته تقرير قسم أبحاث التزوير فى دعوى التبديد، مستندا كذلك إلى أن الحكم بالبراءة فى تلك الدعوى قد حاز قوة الشئ المقضى فيما يختص بواقعة التزوير وأصبح مانعا من العود إلى مناقشتها عند بحث تهمتى التزوير والاستعمال - إذا كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد وقع فى خطأ قانونى، ذلك أن قوة الشئ المحكوم فيه مشروطة باتحاد الموضوع والسبب والخصوم فى الدعويين، وهى فى دعوى التبديد المشار إليها تختلف فى السبب و الخصوم عن دعوى التزوير موضوع المحاكمة، كما أن السند الكتابى فى الدعوى الأولى لا يخرج عن كونه دليلا فيها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا - ارتكب تزويرا فى سند دين نسبه إلى المجنى عليه وذلك بأن قلد إمضاءه. ثانيا - استعمل السند المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره. وطلبت عقابه بالمادة 215 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجنى عليه بحق مدنى قبل المتهم بمبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 1 من قانون العقوبات بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة 300 قرش لوقف التنفيذ، وذلك عن التهمتين المسندتين إليه بلا مصاريف جنائية وفى الدعوى المدنية بإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى ثلاثين جنيها على سبيل التعويض النهائى مع المصاريف المدنية. استأنف المتهم هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى فيما ينعاه على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فى القانون، ذلك أنه كان قد حكم نهائيا فى الدعوى رقم 3291 سنة 1957 جنح الدرب الأحمر ببراءة مدعى التزوير من تهمة تبديد مبلغ مقول بتسليمه إليه على سبيل الأمانة بمقتضى سند تأسيسا على أن هذا السند مزور، وذهب الحكم المطعون فيه إلى أن ذلك الحكم قد حاز قوة الشئ المقضى فيما يختص بتزوير السند وصار مانعا من إعادة النظر فى واقعة التزوير عند بحث تهمتى تزوير السند ذاته واستعماله المسندتين إلى الطاعن - وهذا الذى ذهب إليه الحكم المطعون فيه ينطوى على خطأ فى القانون، ذلك أنه وإن كان السند الذى اتخذ دليلا على تهمة التبديد هو بذاته أساس تهمتى التزوير والاستعمال إلا أن الدعويين تختلفان سببا وخصوما.
وحيث إن واقعة الدعوى هى أن المدعى بالحقوق المدنية كان قد اتهم فى الجنحة رقم 3291 سنة 1957 الدرب الأحمر بتبديد مبلغ قيل بأنه تسلمه من الطاعن على سبيل الأمانة وقضى فى 15 من ديسمبر سنة 1958 ببراءته استناد إلى ثبوت تزوير السند المقدم كدليل على تسلم المبلغ فأقامت النيابة الدعوى الجنائية على الطاعن بتهمتى تزوير هذا السند واستعماله، وقد أيد الحكم المطعون فيه الحكم الابتدائى القاضى بإدانة الطاعن وإلزامه التعويض مستندا إلى ما أثبته تقرير قسم أبحاث التزوير بمصلحة الطب الشرعى المقدم فى دعوى التبديد من تزوير السند ومستندا كذلك إلى أن الحكم بالبراءة فى دعوى التبديد قد حاز قوة الشئ المقضى فيما يختص بواقعة التزوير وأصبح مانعا من العود إلى مناقشتها عند بحث تهمتى التزوير والاستعمال المسندتين إلى الطاعن. لما كان ذلك، وكانت قوة الشئ المحكوم فيه مشروطة باتحاد الموضوع والسبب والخصوم فى الدعويين وكانت دعوى التبديد تختلف فى السبب والخصوم عن دعويى التزوير والاستعمال - موضوع المحاكمة - وكان السند الكتابى فى الدعوى الأولى لا يخرج عن كونه دليلا فيها، وكان تقدير الدليل فى دعوى لا يحوز قوة الشئ المقضى فى دعوى أخرى إذ أن للمحكمة فى المواد الجنائية أن تتصدى - وهى تحقق الدعوى المرفوعة إليها وتحدد مسئولية المتهم فيها - إلى أية واقعة أخرى، ولو كونت جريمة وتقول كلمتها فيها فى خصوص ما تتعلق به الدعوى المقامة أمامها، ويكون قولها صحيحا فى هذا الخصوص، دون أن يكون ملزما للمحكمة التى ترفع أمامها الدعوى بالتهمة موضوع تلك الواقعة. ولما كانت أسباب الإدانة متساندة يشد بعضها بعضا وكان الحكم المطعون فيه قد استند فى إدانة الطاعن إلى أمرين الأول تقرير الخبير فى دعوى التبديد والثانى ما توهمته المحكمة خطأ من أنها مقيدة بقوة الشئ المقضى، ولولا هذا الخطأ لكان من المحتمل ألا تقف فى تحقيق واقعة تزوير السند عند الحد الذى انتهت إليه المحكمة فى دعوى التبديد ولأمكن أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى. لما كان كل ذلك، فإن الحكم يكون قد وقع فى خطأ قانونى كان له أثر فى النتيجة التى انتهى إليها الأمر الذى يعيبه ويوجب نقضه وإعادة الدعوى إلى محكمة الموضوع للفصل فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين.