أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 787

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمود عباس العمراوي.

(149)
الطعن رقم 33 لسنة 35 القضائية

(أ، ب، ج) قذف. سب. إهانة. صحافة. قصد جنائي. جريمة. محكمة الموضوع.
(أ) تحقق القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والاهانة متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بذاتها.
وجوب البحث في جرائم النشر عن مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها.
اشتمال المقال على عبارات غرضها المصلحة العامة وأخرى القصد منها التشهير. على محكمة الموضوع الموازنة بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة في نفس الناشر.
(ب) تعرف حقيقة ألفاظ السب والقذف أو الإهانة. مسألة موضوعية.
(ج) النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته. مثال.
1- القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والاهانة لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بذاتها - وقد استقر القضاء على أنه في جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها، فإذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة في نفس الناشر.
2- الأصل أن المرجع في تعرف حقيق ألفاظ السب والقذف أو الإهانة هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة.
3- النقد المباح هو ابداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته. وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. ذلك أن النقد كان عن واقعة عامة وهو سياسة توفير الأدوية والعقاقير الطبية في البلد وهو أمر عام يهم الجمهور. ولما كانت عبارة المقال تتلاءم وظروف الحال وهدفها الصالح العام ولم يثبت أن الطاعن قصد التشهير بشخص معين. فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة بولاق الجزئية ضد المطعون ضدهم بوصف أنهم بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1958 بدائرة قيم بولاق: نشروا مقالاً بجريدة الأخبار حرره المطعون ضده الأول نقد فيه سياسة وزارة الصحة فيما يتعلق باستيراد الأدوية، ونعى فيه على كبار موظفيها ومن بينهم مدير الأدوية بالوزارة أنهم يتوصلون إلى السفر للخارج بحجة استيراد الأدوية ولما كان هذا المقال قد انطوى على القذف في حق الطاعن لأنه كان يعمل وقت نشره مديراً للأدوية بوزارة الصحة وقد نسب إليه فيه وقائع لو صحت لاستوجبت مساءلته جنائياً وتأديبياً. وطلب عقابهم بالمواد 171 و302 و303 من قانون العقوبات وإلزامهم أن يدفعوا له مبلغ ألفي جنيه مع المصاريف والأتعاب. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة جنايات القاهرة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت فيها بتاريخ 4 من يناير سنة 1964 حضورياً بالنسبة إلى المتهم الثاني وغيابياً بالنسبة إلى الأول والثالث ببراءة المتهمين مما نسب إليهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم وإلزام رافعها مصروفاتها ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المدعى بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعى بالحقوق المدنية أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم ورفض دعواه المدنية قبلهم في التهمة التي أسندها إليهم في دعواه المباشرة من أن المقال الذي نشره المطعون ضده الأول بصحيفة الأخبار تضمن إهانته والقذف في حقه باعتباره موظفاً عاماً. هذا الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه استند في القضاء ببراءة المطعون ضدهم إلى أن الأول منهم كان حسن النية مع أنه بفرض اعتقاده صحة ما جاء في مقاله فإنه وقد انطوت عباراته على القذف في حقه فإن القصد الجنائي يكون متوافراً ويكون الحكم قد خلط بين هذا القصد العام وبين حسن النية. كذلك فإنه اعتبر المقال موضوع الاتهام من قبيل النقد المباح في حين أن شرط اعتباره كذلك هو أن يثبت كاتب المقال صحة ما جاء في مقاله وظاهر من الوقائع التي اشتمل عليها المقال أنها مكذوبة من أساسها إذا نسب إلى الطاعن أنه احتال بوسائل غير مشروعة على السفر إلى الخارج لمجرد النزهة ولم يقم بواجبه نحو توفير الدواء اللازم للمستشفيات لمدة كافية حتى يتمكن من تحقيق غرضه وأنه عندما سافر في بعثة سابقة استورد أدوية بعضها تالف وبعضها غير صالح للاستعمال البشري. ولم يكن المطعون ضده الأول متوخياً الصالح العام في نشره هذا المقال بل كان مأجوراً من وكلاء الأدوية لأن استيرادها من جانب الحكومة قد فوت عليهم ما كانوا يجنونه من أرباح طائلة كانت تهرب إلى الخارج وتؤدى إلى رفع أسعار الأدوية. وهذا كله مما لا يسوغ معه للمطعون ضدهم الاحتماء بحق النقد المباح أو حسن النية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد واقعة الدعوى فيما محصله أن المطعون ضده الأول بصفته رئيس تحرير صحيفة الأخبار التي يملكها المطعون ضدهما الثاني والثالث نشر مقالاً انتقد فيه سياسة وزارة الصحة فيما يتعلق باستيراد الأدوية اعتبره الطاعن منطوياً على قذف وسب في حقه. وأن هذا المقال تضمن النعي على مدير مخازن الأدوية ( الطاعن ) أنه رفع مذكرة إلى وزير الصحة يقول فيها إن مخازن الوزارة فارغة تماماً من أصناف الأدوية وأنها لا تستطيع السير لمدة ثمانية أشهر التي حددتها شركات الأدوية للقيام بالتزامها بالتوريد واقترح بإيفاد بعثه حكومية لشراء هذه الأدوية خلال ثلاثة أشهر وأن الوزير نظر بعين الاهتمام والجد إلى هذه المذكرة المرفوعة من موظف مسئول ووافق على إيفاد البعثة وأن شركات التوريد اعترضت وقدم اقتراحات أخرى رأي في المدير أن في تقديمها تفويت فرص السفر إلى الخارج وأنه سبق أن سافر إلى الخارج لشراء أدوية ثبت من التحليل أنها غير صالحة وأنه رغم ذلك يريد السفر إلى الخارج في بعثة أخرى وبعد أن تكلم الحكم عن دور الصحافة في المجتمع من تزويد القراء بالأنباء التي تهم المصلحة العامة وحملهم عن هذا الطريق على تبادل الرأي فيما يهم المصلحة العامة وأنه إذا كان الصحفي يستهدف هذه الأغراض فإن ذلك يعطيه حقاً في أن يؤذي المصلحة الفردية في سبيل المصلحة العامة ما دام أنه لا ينبغي قضاء مآرب ذاتية أو أغراض شخصية لأن المصلحة العامة تربو على أية مصلحة فردية وانتهى الحكم إلى "أنه يبدو من سياق المقال أن المتهم الأول (المطعون ضده الأول) قد ضمنه نقداً لسياسة استيراد الأدوية واستهجانه لتلك السياسة القائمة على مجرد إرسال بعض الموظفين إلى الخارج بحجة العمل على تفريج أزمة الأدوية دون أن يؤدي ذلك إلى نتيجة فعاله وأنه إنما يطالب باتخاذ سياسة أكثر فعالية في معالجة أمر يهم أفراد الشعب جميعاً... وأنه واضح من سياق المقال أن المتهم الأول (المطعون ضده الأول) لم يكن يقصد من الألفاظ والعبارات التي أوردها بهذا المقال - السب أو القذف في حق المدعي بالحق المدني وإنما كان يقصد نقد سياسة رأي أنها بحالتها هذه لا يمكن أن يكون من شأنها توفير الدواء ووضع حل حاسم وسريع لتلك الأزمة... وأنه ما دام أن هذا النقض كله كان موجهاً للمصلحة العامة ولم يكن يقصد منه مجرد التشهير لعدم وجود ما يدعوه إلى ذلك، يكون ما ورد في هذا المقال هو من قبيل النقد المباح" ولما كان القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بذاتها. وقد استقر القضاء على أنه في جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها فإذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة في نفس الناشر. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المرجع في تعرف حقيق ألفاظ السب والقذف أو الإهانة هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة. ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى أن العبارات المنشورة في المقال الذي حرره المطعون ضده الأول لا يقصد منها سب الطاعن أو القذف في حقه أو إهانته والتشهير به وأنها من قبيل النقض المباح، وكان النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. ذلك أن النقد كان عن واقعة عامة وهو سياسة توفير الأدوية والعقاقير الطبية في البلد وهو أمر عام يهم الجمهور - ولما كان الطاعن قد أورد في تقرير طعنه تحت رقم رابعا "أن البعثة التي سافرت على أوروبا وكان الدكتور نجيب عبد الله أحد أعضائها سافرت في 11 سبتمبر سنة 1956 وكانت البعثة مكونة من عشرة أعضاء من الوزارات المختلفة فإا كان ثمت خطأ وقع في مشترياتها فالمسئولية في ذلك لا تقع على الدكتور نجيب عبد الله وحده طالما أنه واحد من عشرة أعضاء.." ومؤدى ما جاء بتقرير طعنه هذا ما قد يؤول إلى تسليمه بقيام أخطاء في عملية الشراء مما يوفر قيام النقد المباح. لما كان ذلك، وكانت عبارة المقال تتلاءم وظروف الحال وهدفها الصالح العام ولم يثبت أن الطاعن قصد التشهير بشخص معين فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.