أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 550

جلسة 19 من مايو سنة 1959

برياسة السيد محمود إبراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(122)
الطعن رقم 169 لسنة 29 القضائية

نقض. أوجهه. ما لا يعد خطأ في تطبيق قانون العقوبات. مثال.
بلاغ كاذب. م 305. ع. عناصر الواقعة الإجرامية. البلاغ. ماهيته.
يستوي في التبليغ التقدم خصيصا للادلاء به أو الإدلاء به في أثناء تحقيق أجرى مع المبلغ فيما ليس له علاقة بموضوع البلاغ. مثال.
لا يتطلب القانون في البلاغ الكاذب إلا أن يكون التبليغ من تلقاء نفس المبلغ, يستوي في ذلك أن يكون قد تقدم خصيصا للإدلاء به, أو أن يكون قد أدلى به في أثناء تحقيق أجرى معه في أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ - فإذا كان يبين من الأوراق أن المتهم ذكر ذكرا مفصلا الوقائع التي أوردها الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه, وأنه وإن كان قد قدم بلاغه الأصلي متظلما من نقله من عمله إلى عمل آخر لم يرقه, إلا أنه أدلى في هذا التحقيق بأمور ثبت كذبها أسندها إلى المدعي بالحقوق المدنية, وهى مما يستوجب عقابه ولا علاقة لها بموضوع بلاغه - ولم يكن عندما مثل أمام المحقق متهما يدافع عن نفسه, وإنما كان متظلما يشرح ظلامته, فإن ما انتهى إليه الحكم من إدانة المتهم بجريمة البلاغ الكاذب يكون صحيحا من ناحية القانون.


الوقائع

رفع محمد فؤاد سعيد "المدعي بالحقوق المدنية" دعواه مباشرة ضد كل من 1 - محمود نجيب متولي - 2 - محمد حسن سعد - 3 - السيد أحمد صالح سلامه. أمام محكمة الجيزة الجزئية. متهما إياهم بأنهم: المتهم الأول - أولا: قذف علنا في حق المدعي بالحق المدني وهو موظف عمومي بأن أسند إليه في شكوى قدمها لمصلحة المساحة واقعة مكذوبة تضمنت طعنا في العرض وخدشا لسمعة العائلات, إذ زعم أن زوجة المدعي لها علاقة وجدانية بالسيد ابراهيم سامي عزام. وثانيا - أبلغ كذبا ومع سوء القصد الحكام الإداريين في حق المدعي بأن قدم شكوى إلى مصلحة المساحة إن صح ما جاء بها يستوجب عقابه قانونا بأن ادعى أنه أدخل في ذمته أموالا... الخ. ما جاء في الشكوى وطالب معاقبته بالمواد 171, 301, 303, 305, 308 من قانون العقوبات. كما طلب الحكم بإلزامه متضامنا مع باقي المتهمين بأن يدفعوا له قرشا صاغا واحدا على سبيل التعويض المؤقت, والمصروفات والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة, وبأن المتهم الثاني أبلغ كذبا ومع سوء القصد الحكام الإداريين بمصلحة المساحة في حق المدعي بأن قدم ضده شكوى زعم فيها أن المدعي راش وقدم رشوة لرئيسه كي يوافق على استمرار ندبه, وطلب معاقبته بالمواد 171, 303, 305 من قانون العقوبات, وبأن المتهم الثالث اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق التحريض والاتفاق على ارتكاب الجرائم سالفة الذكر. فوقعت بناء على ذلك التحريض والاتفاق, وطلب معاقبته بالمادتين 40 فقرة 1, 2, 41 من قانون العقوبات. وأمام تلك المحكمة دفع المتهمان الأول والثاني بعدم قبول الدعوى العمومية وبالتالي الدعوى المدنية, لأن المدعي بالحق المدني لم يقدم شكواه في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ علمه بالجريمة, والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 55, 56 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني. أولا: رفض الدفعين بعدم قبول الدعوى العمومية. وثانيا: ببراءة المتهم الأول من التهمة الأولى المسنده إليه بلا مصروفات جنائية. وثالثا: بحبس المتهم الأول شهرا مع الشغل وتغريمه 20 جنيه (عشرين جنيها) وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من صيرورة الحكم نهائيا بلا مصروفات جنائية وذلك عن التهمة الثانية. رابعا: بحبس المتهم الثاني شهرا مع الشغل وتغريمه عشرين جنيها - وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من صيرورة الحكم نهائيا بلا مصروفات جنائية. خامسا: ببراءة المتهم الثالث مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية المقامة عليه مع إلزام رافعها بالمصروفات ومائتي (200) قرش أتعابا للمحاماه للمتهم الثالث بلا مصروفات جنائية. سادسا: بإلزام المتهمين الأول والثاني بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني قرشا صاغا على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى المدنية و200 قرش أتعابا للمحاماه. فاستأنف المتهمان المحكوم عليهما هذا الحكم ومحكمة الجيزة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو الخطأ في القانون والقصور, ذلك أنه يشترط أن يكون البلاغ الكاذب قد صدر بمحض إرادة المبلغ واختياره ومن تلقاء نفسه وأن يقدم البلاغ ضد شخص أو أشخاص معينين وإلا انتفت الجريمة. وقد أوضح الدفاع عن الطاعن أنه أدلى بأقواله مضطرا وتحت تأثير المحقق, وأنه لم يذكر اسم المدعي بالحق المدني في بلاغه إلى مدير مصلحة المساحة, بل اقتصر على التظلم من نقله إلى عمل آخر بالمصلحة, وأن أقواله في التحقيق جاءت عامة ولم تعن المحكمة بالرد على هذا الدفاع مما يشوب الحكم بالقصور فضلا عن الخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه تحدث عن جريمة البلاغ الكاذب المسند إلى المتهم الثاني (الطاعن الثاني) بقوله - "إن المتهم الثاني قدم شكوى إلى مدير عام مصلحة المساحة مؤرخة 19/ 1/ 1954 ضمنها أنه مضطهد في عمله, وأن سبب اضطهاده أن غيره محبوب أو يقدم رشوة أو محاباة لأغراض شخصية, كما قدم شكوى أخرى ضمنها أيضا اضطهاده في العمل. وبسؤال المتهم الثاني تفصيلا في هاتين الشكويين قرر أن كلا من سامي عزام ومحمود محسن يعملون على رشوة موظفي المصلحة...... وأضاف المتهم الثاني بأن المدعي المدني (محمد فؤاد سعيد - ومحمد حسن كساب) أعضاء بالبعثة وأنهما كانا يقومان بأعمال لحساب الأهالي ويحصلان على أجور على ذلك وانتهت النيابة الإدارية في مذكراتها إلى أن اتهامات المتهم الثاني غير صحيحة" ثم أشار الحكم في موضع آخر إلى تفصيل الأمور التي اسندها الطاعن إلى المدعي بالحق المدني في التحقيق الإداري الذي اطلعت عليه محكمة أول درجة على ما هو ثابت في الحكم ودونت نتيجة اطلاعها في قولها "إن الطاعن نسب إعطاء رشوة إلى المهندس عزام ليسكت عما ارتكبه المدعي بالحق المدني من مخالفات أثناء وجوده ضمن البعثة التي كانت بالأراضي الحجازية, ومن قيامه بأعمال لحساب بعض الأمراء السعوديين والأهالي وحصوله على مبالغ منهم وخلافه مع الآخرين لعدم اتفاق ما قام به من أعمال على ما اتفق عليه, وهذه الواقعة وحدها تكون جريمة يعاقب عليها القانون ولم يستطع إثباتها بل كذبه فيها كل من سئل من الشهود في التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية......" ولما كان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها أن الطاعن ذكر ذكرا مفصلا الوقائع التي أوردها الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه, وأنه وإن كان قدم بلاغه الأصلي متظلما من نقله من عمله إلى عمل آخر لم يرقه, إلا أنه أدلى في هذا التحقيق بأمور ثبت كذبها أسندها إلى المدعي بالحقوق المدنية - وهى لا علاقة لها بموضوع شكواه - ولم يكن عندما مثل أمام المحقق متهما يدافع عن نفسه, وإنما كان يشرح ظلامته, لما كان ذلك وكان الطاعن عند سؤاله في التحقيق الإداري ذكر ضمن أقواله أن الآثار التي نتجت من الرشوة متعددة مختلفة وهى ظاهرة وأنه يرجعها إلى استغلال بعض الاعتمادات, فلما سأله المحقق عن كيفية الاستغلال أخذ من تلقاء نفسه يتحدث عما وقع من بعض أعضاء البعثة واتهم المدعي بالحق المدني - وغيره - بأمور تستوجب عقابه, وهو ما يدل على أن الطاعن لم يكن مدفوعا لقول ما قاله في التحقيق تحت ضغط المحقق كما صوره الطاعن في طعنه, وإنما كان ذلك بمحض اختياره وإرادته, ومما يؤكد ذلك أنه يبين من الاطلاع على المفردات أيضا أن الطاعن عقب التحقيق الإداري الذي اتهم فيه المدعي بالحقوق المدنية بالرشوة والذي أقفل محضره في 17/ 2/ 1954, بعد أن أنهى هذا التحقيق قدم شكوى بتوقيعه تاريخها 9 من مايو سنة 1954 إلى السيد مدير مصلحة المساحة يطلب استيفاء التحقيق الخاص ببعثة توسيع الحرمين الشريفين, وهى البعثة التي كان المدعي بالحقوق المدنية مشتركا فيها. لما كان ذلك فإن ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب يكون صحيحا من ناحية القانون, ولما كان مفاد ما أثبته الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه أن المحكمة كانت متنبهة إلى فحوى الشكويين المؤرختين 19/ 1/ 1954 و14/ 12/ 1953 وأن الطاعن كان يشكو من اضطهاده في عمله, وإنما هى حاسبته على ما ورد على لسانه في التحقيق مما اعتبرته المحكمة بلاغا كاذبا, لما كان ذلك وكان القانون لا يتطلب في البلاغ الكاذب إلا أن يكون التبليغ من تلقاء نفس المبلغ يستوي في ذلك أن يكون قد تقدم خصيصا للإدلاء به, أو أن يكون قد أدلى به في أثناء تحقيق أجرى معه في أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ, لما كان ما تقدم, فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له أساس ويتعين رفضه موضوعا.