أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 905

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1961

برياسة السيد السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى المستشارين.

(182)
الطعن رقم 524 لسنة 31 القضائية

أسباب الإباحة. الدفاع الشرعى.
(أ) تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ومقتضياته. هى بما يراه المدافع فى الظروف المحيطة به. بشرط أن يكون تقديره مبنيا على أسباب تبرره. مثال لا تتوافر به هذه الحالة. انتزاع المتهم المطواة من المجنى عليه وموالاة طعنه بها. هو اعتداء معاقب عليه.
(ب) تجاوز حدود الدفاع الشرعى. بحثه: لا يكون إلا بعد نشوء الحق ذاته.
1 - الأصل أن العبرة فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ومقتضياته هى بما يراه المدافع فى الظروف المحيطة به، بشرط أن يكون تقديره مبنيا على أسباب مقبولة تبرره، فإذا كان الثابت أن المتهم قد تمكن من انتزاع المطواة من يد المجنى عليه فصار أعزل من السلاح لا يستطيع به اعتداء، فإن ما وقع منه بعد انتزاعه السلاح من موالاة طعن المجنى عليه إنما هو اعتداء معاقب عليه ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا.
2 - البحث فى تجاوز حدود حق الدفاع الشرعى لا يكون إلا بعد أن ينشأ الحق فى ذاته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه قتل المجنى عليه عمدا بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. وادعى ابن القتيل بحق مدنى قدره قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1 و 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها بمصاريفها. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قضى ببراءة المطعون ضده استنادا إلى أنه كان فى حالة دفاع شرعى عن النفس مع أنه فى واقع الأمر كان معتديا واقعا تحت طائلة العقاب.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ أقام قضاءه بالبراءة على أساس توفر حالة الدفاع الشرعى لدى المطعون ضده اعتمد على أن المجنى عليه بعد أن راود المطعون ضده عن نفسه فامتنع عليه، حال دون خروجه من مسكنه مهددا إياه بمطواة أخرجها من بين ملابسه، فعمد المطعون ضده إلى الدفاع عن نفسه بأن اختطف المطواة من يد المجنى عليه وانهال عليه طعنا بها ليوقف هجومه عليه وليتقى ما داخل نفسه من خوف ورهبة وهو فى وحشة وظلام يلابسان المكان ولا يدرى معها مكانه من قوة خصمه ووحشيته وقصده من ذلك دفع الأذى عن نفسه والحفاظ على شرفه. لما كان ذلك، وكان الأصل أن العبرة فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ومقتضياته هى بما يراه المدافع فى الظروف المحيطة به بشرط أن يكون تقديره مبنيا على أسباب مقبولة تبرره. ولما كان يبين من المفردات التى ضمت تحقيقا لوجه الطعن أن المطعون ضده صرح بأنه لوى ذراع المجنى عليه وانتزع المطواة منه فدل بذلك على مبلغ قوته من المجنى عليه، كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن بالمجنى عليه خمسا وعشرين إصابة قطعية وطعنية بالوجه والعنق والبطن. لما كان ما تقدم، وكان الحكم لم يثبت أن المجنى عليه حاول ابتداء إعمال المطواة التى هدد المطعون ضده بها بعد أن أغراه بالمال ليمنعه من الخروج أو أنه وقع منه بعد انتزاع المطواة من يده فعل يخشى منه حصول اعتداء أو استمرار فى اعتداء. وكان حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه إنما شرع لرد العدوان. ولما كان المطعون ضده قد تمكن من انتزاع المطواة من يد المجنى عليه فصار أعزل من السلاح لا يستطيع به اعتداء، فإن ما وقع من المطعون ضده بعد انتزاعه السلاح من موالاة طعن المجنى عليه به إنما هو اعتداء معاقب عليه ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا. ولما كان البحث فى تجاوز حدود هذا الحق لا يكون إلا بعد أن ينشأ الحق فى ذاته وهو منتف فى واقعة الدعوى، وكان ما ذهب إليه المحكمة من القول بقيام حالة الدفاع الشرعى وإن كان فى الأصل من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها إلا أنه يشترط فى ذلك أن يكون تقديرها سائغا متفقا وصحيح القانون وهو ما لم يتوفر فى خصوص هذه الواقعة، ومن ثم فإن الحكم يكون معيبا متعينا نقضه والإحالة.