أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 595

جلسة أول يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(132)
الطعن رقم 698 لسنة 29 القضائية

نقض. أوجهه. ما لا يعتبر خطأ في تطبيق أحكام قانون العقوبات. مثال. خيانة أمانة. تكييف العقد. صورة واقعة تتوافر بها الجريمة المنصوص عليها في المادة 341 ع.
استبقاء المتهم المبلغ الذي تسلمه من المجني عليه لتأثيث منزل الزوجية نيابة عنه وعدم رده عند مطالبته بذلك. تكييف العقد بأنه تبرع لحساب الزوجة أو أنه من نوع خاص في غير محله.
إذا كانت الواقعة - التي أورد الحكم أدلة ثبوتها في حق المتهم - هى أنه تسلم نقودا من المجني عليه ليقوم نيابة عنه بشراء منقولات منزل الزوجية فلم يفعل واستبقى المبلغ في ذمته ولم يرده حين طالبه به من سلمه إليه, فإن هذه الواقعة تتوافر فيها جميع العناصر القانونية لجريمة الإختلاس المنصوص عليها في المادة 341 من قانون العقوبات, أما ما ذهب إليه المتهم من نفي صفة الوكالة عنه وقوله "إن أقصى ما يتصور في تكييف هذا العقد أنه تبرع لحساب الزوجة أو أنه عقد من نوع خاص" فجدل بعيد عن حقيقة طبيعة العقد الذي تم بين الطرفين وعن تكييفه القانوني الصحيح الذي انتهى إليه الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه اختلس المبلغ المبين بالمحضر والمملوك لمحمد مختار عبد الفتاح وكان قد سلم إليه على سبيل الأمانة لشراء جهاز - لابنته المجني عليها - بمناسبة زواجها منه فبدده لنفسه إضرارا به. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح محرم بك الجزئية قضت غيابيا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ بلا مصروفات. فعارض المحكوم عليه, وفي أثناء نظر معارضته ادعى محمد مختار عبد الفتاح بحق مدني قبل المتهم بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. والمحكمة قضت بتأييد الحكم المعارض فيه وإلزام المتهم بأن يدفع للمدعي بالحق المدني (محمد مختار عبد الفتاح) مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية و100 قرش مقابل أتعاب المحاماه. فاستأنف المتهم الحكم الأخير. ومحكمة اسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف, وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم بلا مصاريف جنائية وذلك عملا بالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات.
فطعن الوكيل عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون من ثلاثة أوجه (أولا) في الاختصاص إذ قضت محكمة الاسكندرية بإدانة الطاعن عن جريمة التبديد المسندة إليه مع أن المجني عليه ادعى بأنه سلم المبلغ موضوع التهمة للطاعن في القاهرة, ومن المعروف أن الاختصاص يتحدد بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة, أو الذي يقيم فيه المتهم, أو الذي يقبض عليه فيه, وكان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى من تلقاء نفسها لأن الاختصاص المكاني من النظام العام. (ثانيا) سقوط الدعوى العمومية بمضي المدة, ذلك أن الطاعن أثث منزل الزوجية قبل دخوله بزوجه, وولد له ولد على فراش الزوجية في 15/ 4/ 1949 وتركت زوجته منزل الزوجية في أول مارس سنة 1952 ولم توجه إليه أية إجراءات إلا في سنة 1955 وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ مغادرة الزوجة لمنزل الزوجية, وبذلك تكون الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع واستند في قضائه إلى أن فعل الاختلاس قد وقع في 31/ 8/ 1954 وهو تاريخ إرسال خطاب من المجني عليه للطاعن يسجل عليه فيه عدم نفاذ الاتفاق الذي أبرم بينهما لشراء منقولات منزل الزوجية, وهو استخلاص يخالف ما اتفق عليه الطرفان من شراء جهاز منزل الزوجية, في ميعاد غايته دخول الطاعن بزوجته, وتكون نية الطاعن قد ظهرت في شأن ذلك الاتفاق منذ سبتمبر سنة 1948 وهو تاريخ دخوله بزوجته, وعلى أكثر تقدير بميلاد إبنهما في 15/ 4/ 1949, ويجب اعتبار وقوع الجريمة من ذلك التاريخ, وقد ناقضت المحكمة نفسها بعد ذلك وقالت إن المنقولات التي اشتراها الطاعن في تواريخ مختلفة منذ النصف الأول من سنة 1948 كانت لحساب البنسيون الذي يملكه وبذلك قطعت المحكمة بأن فعل الاختلاس قد تم في سنة 1948. (ثالثا) أخطأت المحكمة في تكييف العقد واعتبرته عقد وكالة والحال أن الطاعن كان أصيلا لا وكيلا في هذا الاتفاق الذي هدف إلى إسقاط عبء اعداد منزل الزوجية عن والد الزوجة اكتفاء بما يقدمه الزوج من منقولات نظير ما قبضه من المال الذي حسب فيه ما دفع من مهر, وعقد الوكالة ينصرف آثاره إلى الموكل رأسا في حين أن جهاز الزوجة عمل تنصرف آثاره إلى الطاعن وزوجته معا, وهو تبرع لحساب الزوجة, ويعتبر عقدا من نوع خاص يخرج عن نطاق المادة 341 من قانون العقوبات.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجني عليه سلم الطاعن مبلغ ستمائة جنيه بمناسبة زواجه من ابنة الأول لشراء جهاز المنزل بمعرفته وذلك بموجب إقرار كتابي مؤرخ 10 من مايو سنة 1948, ولكنه لم يقم بذلك وبدد المبلغ واستند الحكم في إدانته للطاعن إلى أدلة استمدها من أقوال المجني عليه والاقرار الكتابي المأخوذ عليه لما كان ذلك, وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن قد دفع بعدم الاختصاص المحلي أمام محكمة الموضوع, وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في أسبابه لا يستفاد منه ما تنتفي معه موجبات اختصاص المحكمة بنظر الدعوى مكانا, ومن ثم فيكون الوجه الأول من الطعن في غير محله, فضلا عن أن هذا الدفع يتطلب تحقيقا موضوعيا فلا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة لأول مرة.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع بانقضاء الدعوى العمومية بمضي المدة فقد عرض الحكم الصادر في المعارضة والمؤيد لأسبابه لهذا الدفع بقوله "إنه عن الوجه الأول فجريمة التبديد وقتية تتم وتنقضي بمجرد اختلاس الشئ ويعتبر اليوم التالي لحدوثها هو مبدأ سريان مدة سقوط الدعوى العمومية, ومن ثم فيكون اعتبار المتهم تاريخ الاتفاق وهو 10 مايو سنة 1948 مبدأ موعد السقوط غير صحيح وترى المحكمة أن تاريخ وقوع الجريمة هو 31/ 8/ 1954 الذي أرسل فيه المجني عليه إلى المتهم الكتاب الموصي عليه يطلب استرداد المبلغ وتوقف المتهم عن رده ولم تتقادم الجريمة من ذلك التاريخ الأخير, لأن شكوى المجني عليه حصلت في 17/ 5/ 1955" وهذا الذي قاله الحكم صحيح في القانون, ذلك أنه متى ثبت للمحكمة - من ظرف الدعوى وقرائنها - أن الاختلاس قد وقع بالفعل في تاريخ معين فإن الجريمة تكون قد وقعت في هذا التاريخ ويجب اعتباره مبدأ لمدة انقضاء الدعوى, ومتى كانت المحكمة قد استظهرت من ظروف الدعوى وملابساتها أن نية الطاعن في تملك المبلغ موضوع التهمة لم تظهر إلا في تاريخ الخطاب الذي أرسله إليه المجني عليه في 31/ 8/ 1954 يطالبه فيه برد المبلغ فامتنع عن رده, واعتبرت هذا التاريخ مبدأ تحسب منه مدة السقوط فلا تثريب عليها, ولا محل للمحاجة بتاريخ دخول الطاعن بزوجته, أو بتاريخ ميلاد ابنه - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه حين تحدث عن المنقولات التي اشتراها الطاعن لتأثيث البنسيون الذي أخذ في إعداده لم يورد ما يفيد أن الطاعن استعمل المبلغ الذي تسلمه في هذا الغرض, بل أن الظاهر من الحكم المطعون فيه أن تلك المنقولات اشتريت أصلا للبنسيون المذكور, واستدل لذلك بأسباب سائغة ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الشأن.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بشأن تكييف الاتفاق الكتابي المحرر بتاريخ 10 من مايو سنة 1948 المبرم بينه وبين المجني عليه فقد عرض له الحكم الصادر في المعارضة والذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه ورد عليه بقوله "ومن حيث إنه عن الوجه الثاني فالثابت من مراجعة اتفاق 10 من مايو سنة 1948 أنه تضمن توكيلا ضمنيا من المجني عليه إلى المتهم يفيد استلام الأخير من الأول مبلغ 600 جنيه لتأثيث المنزل بمناسبة زواجه من ابنته ولم يقم المتهم بشراء الأثاث أو رد المبلغ, ومن ثم فيكون مبددا - لأنه تسلم المبلغ بصفته وكيلا عنه لاستعماله في الغرض الذي اتفق كلاهما عليه - فيد المتهم تعتبر يد أمين, فإذا أضاف المبلغ إلى ملكه فقد خان الأمانة وتنطبق عليه مادة الإتهام الوارد بها عقد الوكالة" وهو رد سديد. لما كان ذلك, وكانت الواقعة التي أورد الحكم الأدلة على ثبوتها في حق الطاعن هى أنه تسلم مبلغ الستمائة جنيه من المجني عليه ليقوم نيابة عنه بشراء منقولات منزل الزوجية فلم يفعل واستبقى المبلغ في ذمته ولم يرده حين طالبه به من سلمه إليه, فإن هذه الواقعة تتوافر فيها جميع العناصر القانونية لجريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 341 من قانون العقوبات, أما ما ذهب إليه الطاعن من نفي صفة الوكالة عنه وقوله إن أقصى ما يتصور في تكييف هذا العقد أنه تبرع لحساب الزوجة, أو أنه عقد من نوع خاص فجدل بعيد عن حقيقة طبيعة العقد الذي تم بين الطرفين وعن تكييفه القانوني الصحيح الذي انتهى إليه الحكم.
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه كذلك فساد الاستدلال بقوله "إن الحكم المطعون فيه قد سلم بأن الطاعن اشترى المنقولات التي أثث بها منزل الزوجية فعلا, ثم عاد الحكم يقول إن هذا الشراء قد تم لحساب "البنسيون" مستندا في ذلك إلى ما استخلصه من الفواتير والحال أن الطاعن كان قد أعد هذا البنسيون في تاريخ سابق على الزواج وقد قرر المجني عليه أن الطاعن دخل بزوجته في المسكن المخصص له بالبنسيون الذي يملكه, وكون المنقولات المشتراه مستعملة أو جاءت عن طريق المزاد لا يتنافى مع ما ورد بالعقد لأنه لم يشترط أن يكون جهازا جديدا.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفاع فذكر "إن المحكمة لا تعوّل على ما قدمه الدفاع من مستندات للتدليل على شرائه جهاز الزوجة ولا على المعاينة التي أجريت على هذه المنقولات تعزيزا لهذه المستندات لما تبينته من أن ما تمت معاينته من منقولات هى بذاتها ما ورد بفواتير الشراء المقدمة ولما تبينته من هذه الفواتير أن أبرز هذه المنقولات لم يكن شراؤه بقصد تأثيث منزل الزوجية وفق ما اتفق عليه بين المتهم ووالد الزوجة, إذ أن هذه المنقولات مستعملة ومن مزادات, وليس من المستساغ أن تكون هذه المنقولات لزوجه دفع لها نقدا مبلغ 600 جنيه لهذا الغرض, بل إنها اشتريت لتأثيث البنسيون الذي كان المتهم آخذا في إعداده" واستدل الحكم على ذلك أيضا بأن فاتورة من هذه الفواتير قد تضمنت شراء غرفتي نوم مستعملين ولم يقل المتهم أن كليهما للزوجة, بل احتسب واحدة منها فقط, ولو كان الشراء أصلا للزوجة لا حتسب لها المتهم هاتين الغرفتين - لما كان ذلك, وكان ما استخلصه الحكم من أدلة الدعوى وظروفها على أن المنقولات قد اشتريت أصلا لإعداد البنسيون وليس لتجهيز منزل الزوجية - للاعتبارات المعقولة التي أوردها - هو استخلاص سليم واستدلال لا فساد فيه, وكان الأمر في ذلك متعلقا بتقدير أدلة الدعوى الذي لا تجوز المجادلة فيه أمام هذه المحكمة - متى كان هذا التقدير مستندا إلى أساس قويم - لما كان ذلك وكان ما جاء في الوجه الأخير من الطعن بشأن مدة التقادم وتكييف الاتفاق المؤرخ 10 من مايو سنة 1948 قد سبق الرد عليه فيما تقدم من أسباب, لما كان ذلك جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.