أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 612

جلسة 2 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(135)
الطعن رقم 567 لسنة 29 القضائية

(أ) نقض. أوجهه. ما لا يعد خطأ في تطبيق أحكام قانون العقوبات. مثال.
شهادة الزور. عناصر الواقعة الإجرامية. الشهادة.
شهادة التسامع والشهرة لا ترتفع إلى مرتبة الشهادة التي فرض القانون العقاب على الكذب فيها. علة ذلك.
(ب) شهادة الزور. المسئولية والعقاب. القصد الجنائي. ماهيته.
قصد الكذب وتعمد قلب الحقيقة في مجلس القضاء بسوء نية. الشهادة بما تنطق به شواهد الحال والمستندات لا توفر هذا القصد.
1 - الأصل أن الشهادة التي يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هى التي تكون لها في ذاتها وقوة الاقتناع لابتنائها على عيان الشاهد ويقينه من جهة ولقابليتها للتمحيص والتحقق من صحتها من جهة أخرى, أما الشهادة التي لا ترجع إلا إلى مجرد التسامع والشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المقصود في القانون لتعذر التحقق من صحتها, ولا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامع من اعتبار في بعض الحالات الاستثنائية فإن هذا ليس من شأنه أن يغير طبيعة ما قبل على سبيل الرواية ولا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التي فرض القانون العقاب على الكذب فيها - فإذا كانت الأقوال التي أدلى بها الشاهدان - على ما هو ثابت بالحكم - ليست إلا إنباء بما اتصل بعلمهما, أو نقل لهما فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة شهادة الزور.
2 - يشترط القانون لمسئولية الشاهد زورا جنائية قصده إلى الكذب وتعمده قلب الحقيقة, بحيث يكون ما يقوله محض افتراء في مجلس القضاء وبسوء نية - فإذا كان الحكم قد نفي هذا الوصف عن شهادة الشاهدين وأثبت أنهما إنما شهدا بما تنطق به شواهد الحال وظاهر المستندات فإن المحكمة إذ قضت ببراءة الشاهدين من جريمة شهادة الزور لم تخطئ في تطبيق القانون.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني دعواه مباشرة أمام محكمة قسم ثان الجيزة الجزئية على كل من فؤاد صبحي محمد ابراهيم صبحي و2 - محمد أمين فؤاد ابراهيم بأنهما: شهدا زورا في القضيتين رقمي 39 و44 سنة 1956 أحوال شخصية ببندر الجيزة وذلك بأن أدليا بمعلومات غير صحيحة وذلك إضرارا به فقد شهدا بمحضر جلسة 2 أبريل سنة 1956 بأن المدعي بالحق المدني يتقاضى مرتبا قدره 45 جنيها شهريا ويؤدي دروسا إضافية تقدر بمبلغ 20 جنيها وأن له أطيانا زراعية وأسهما بإحدى الشركات - وطلب معاقبتهما بالمادة 297 من قانون العقوبات - كما طلب أن يحكم له عليهما بمبلغ 51 جنيها تعويضا. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها المصروفات. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم. وأمام محكمة الجيزة الابتدائية بهيئة استئنافية دفع المتهم ببطلان الحكم المستأنف لعدم ختمه في خلال ثلاثين يوما وبعد أن أتمت المحكمة المذكورة نظره قضت حضوريا. أولا - بقبوله شكلا. وثانيا - بقبول الدفع ببطلان الحكم المستأنف وبطلانه. وثالثا - وفي الموضوع ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي المدني بالمصاريف المدنية الاستئنافية بلا مصاريف جنائية. فطعن الوكيل عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهمين من تهمة شهادة الزور لم يتحدث عن الركن المادي للجريمة وهو تغيير الحقيقة في موضوع الشهادة رغم أنه أورد القاعدة القانونية, ولم يبين واقعة الدعوى والأسباب التي أقام عليها قضاءه بالبراءة بل اكتفى بالإشارة إليها دون بيان مؤداها, هذا إلى أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون حين قضى بالبراءة استنادا إلى عدم توافر القصد الجنائي لدى المتهمين وأن ما شهدا به إنما بنى على شواهد يخطئ الإنسان أحيانا في تقديرها وأن مرجع الشهادة هو التسامع والشهرة, في حين أن أقوال المتهمين أمام المحكمة كانت مبنية على الجزم واليقين وكان المقصود بها الإضرار بالطاعن ولم تكن نتيجة تسامع أو تواتر.
وحيث إن الواقعة تتحصل في أن الطاعن أقام دعواه المباشرة ضد المتهمين بأنهما شهدا زورا أمام محكمة الأحوال الشخصية لصالح زوجته في الدعويين رقم 39 و214 لسنة 1956 شرعي الجيزة بأن أبديا معلومات غير صحيحة عن حالته المالية وحكم ابتدائيا بالبراءة. فاستأنف الطاعن. وقضى استئنافيا بقبول الدفع ببطلان الحكم المستأنف وفي الموضوع ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي بالحقوق المدنية بالمصروفات, وجاء في أسباب الحكم المستأنف ما يأتي: "ومن حيث إنه في خصوص الشهادة المنسوب صدورها من المتهمين والمثار أمرها بهذه الدعوى فإنه والقاعدة أن من أركان شهادة الزور أن تكون حاصلة على أمر مادي واقع تحت الحس, فإذا كان موضوع الشهادة غير ذلك بأن استلزم تقريرها من الشاهد ضم مقدمات بعضها إلى بعض, ثم استخلاص نتيجة منها - فلا تعتبر الشهادة شهادة زور بل تعتبر تقديرا وحكما ولا يقع قائلها تحت طائلة العقاب - ولو أخطأ في حكمه أو تعمد ذلك الخطأ في تقديره - كما أنه يتعين لاعتبار الشهادة شهادة زور أن يتعمد الإنسان قلب الحقائق أو إخفاءها عن قصد وسوء نية واحتمال الضرر للغير, ولما كانت هذه المحكمة ترى في خصوص ما أدلى به الشاهدان أمام المحكمة أنهما لم يرميا إلى قلب الحقائق أو إخفائها عن قصد وسوء نية وإنما قررا بما كانت تنطبق به شواهد الحال في المستندات حسب ظاهر حالها فإنه بذلك ينتفي لديهما سوء القصد ونية الاضرار به ولا يقدح في ذلك قيام العلاقة بينهما وبين المشهود لصالحها إذ الوقائع التي أدليا بها كثيرا ما تكون محل اختلاف وتباين حسبما يترامى إلى علم كل منهما وقوامها شواهد قد يخطئ الشخص في تقديرها..." ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحا في القانون, ذلك أن الأصل أن الشهادة التي يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هى التي تكون لها في ذاتها قوة الاقتناع لابتنائها على عيان الشاهد ويقينه من جهة, ولقابليتها للتمحيص والتحقق من صحتها من جهة أخرى, أما الشهادة التي لا ترجع إلا إلى مجرد التسامع والشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المقصود في القانون لتعذر التحقق من صحتها, ولا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامع من اعتبار في بعض الحالات الاستثنائية فإن هذا ليس من شأنه أن يغير طبيعة ما قيل على سبيل الرواية ولا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التي قصد القانون العقاب على الكذب فيها - لما كان ذلك, وكانت الأقوال التي أدلى بها الشاهدان - على ما يبين من إطلاع المحكمة على محاضر جلسات الدعويين الشرعيتين, وعلى ما هو ثابت بالحكم ليست إلا إنباء بما اتصل بعلمهما أو نقل لهما, وكان القانون يشترط لمسئولية الشاهد زورا جنائيا قصده إلى الكذب وتعمده قلب الحقيقة بحيث يكون ما يقوله محض افتراء في مجلس القضاء وبسوء نية, وكان الحكم قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين وأثبت أنهما إنما شهدا بما تنطق به شواهد الحال وظاهر المستندات, لما كان ذلك فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة شهادة الزور, وتكون المحكمة إذ حكمت ببراءة المطعون ضدهما لم تخطئ في تطبيق القانون, كما أنها ليست ملزمة وهى تقضي بالبراءة أن تتحدث عن كل دليل من أدلة الاتهام, لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن لا يكون سديدا.
وحيث أنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.