أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 808

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وجمال المرصفاوي، وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.

(153)
الطعن رقم 1071 لسنة 35 القضائية

(أ، ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات . "خبرة". قتل عمد.
(أ) على المحكمة متى واجهت مسألة فنية بحته أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها.
(ب) على المحكمة عند تعرضها لتنفيذ رأي الخبير الفني أن تستند إلى أسباب فنية تحمله. لا يسوغ لها الاستناد إلى أقوال الشهود في اطراح الرأي النفي الذي أبداه الطبيب الشرعي.
(ج) تعويل الحكم في قضائه بإدانة المتهم إلى الدليلين الفني والقولي معاً ما بينهما من تعارض دون أن يرفعه بأسباب سائغة. قصور وتناقض في التسبيب يعيبه.
1- من المقرر أنه متى واجهت المحكمة مسألة فنية بحته فإن عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها. ولما كان الحكم قد ذهب إلى أن عدم استقرار المقذوف بجسم المجني عليها يحول دون تحديد نوع السلاح المستعمل دون أن يبين سنده في هذا الرأي أو يعرض إلى تأثير وضع الجرح الناري والملابس المقابلة له ومسافة الإطلاق في ترجيح نوع السلاح المستعمل وما إذا كان من الأسلحة ذات السرعة العالية أو المتوسطة مما كان يقتضى من المحكمة - حتى يستقيم قضاؤها - أن تحققه عن طريق المختص فنياً وهو الطبيب الشرعي. ومن ناحية أخرى فإن عدم العثور على مشط المسدس المضبوط لا يحول دون معرفة نوع مقذوفاته ما دام قد تحقق طرازه ونوع ماسورته.
2- من المقرر أنه متى تعرضت المحكمة لتنفيذ رأي الخبير الفني فإنه يتعين عليها أن تستند في تفنيده إلى أسباب فنية تحمله. ومن ثم فإنه ما كان يسوغ للمحكمة أن تستند إلى أقوال الشهود في اطراح الرأي الفني الذي أبداه الطبيب الشرعي.
3- لما كان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليلين القولى والفني معاً على ما بينهما من تعارض دون أن يرفعه بأسباب سائغة، فإنه يكون مشوباً بالقصور والتناقض في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 7/ 12/ 1960 بدائرة مركز البدرشين محافظة الجيزة: قتل عيدة عطية جاب الله محمد بأن أطلق عليها عياراً نارياً من مسدسه المرخص قاصدين من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجريمة بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفى الذكر شرع في قتل نظيرة عبد الرحمن رزق الله عمداً بأن أطلق عليها عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو تدارك المجني عليها بالعلاج الأمر المنطبق على المواد 45 و46 و234/ 1 عقوبات. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف والمواد المبينة بقرار الاتهام. فقررت الغرفة ذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الجيزة دفع الحاضر مع المتهم بأنه كان في حالة دفاع شرعي. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 14 يونيه سنة 1964 عملاً بالمادتين 234/ 1 - 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين. وقد ردت على الدفع بأنه في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية القتل العمد المقترن بجناية شروع في قتل قد شابه قصور وتناقض في التسبيب ذلك بأن المدافع عنه أثار الخلاف القائم بين أقوال شهود الإثبات من إصابة المجني عليهما من الأعيرة النارية التي أطلقها الطاعن من مسدسه وبين ما أورده تقرير الصفة التشريحية من إصابة المجني عليها الأولى من عيار ناري ذي سرعة عالية إلا أن الحكم قضى بإدانته وعول في قضائه على هذين الدليلين معاً على الرغم من تناقضهما ورد على دفاعه في هذا الشأن بأسباب لا تبرر إطراحه مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "أنه في صباح يوم 7/ 12/ 1960 كان المتهم محمد محمد عبد اللطيف الشهير بحنفي - الطاعن - برفقة والده ووالدته وأخواته وقد استقلوا جميعاً سيارة أجرة من بلدتهم منا الأمير مركز البدرشين مديرية الجيزة للتوجه بها إلى مصلحة الشهر العقاري بالجيزة ليقوم والده بإجراءات نقل ملكية أرضه للمتهم وأخواته وقبل أن تتحرك بهم السيارة حضر محمد عبد اللطيف الأخ الأكبر للمتهم والذي لم يكن والده قد خصه بنصيب في هذا التوزيع واعترض على تصرف والده وانزله من السيارة ليمنعه من السفر فتشاحن المتهم وأخواته مع أخيهم الأكبر الذي انضم إليه أبناؤه وتطور التشاحن إلى مشاجرة وتمكن الأهالي من إعادة الأب وأبنائه وبناته الذين كانوا في صحبته إلى المنزل فاهتاجت نفس المتهم الذي كان قد حرض والده على نقل الملكية له ولأخواته وكان حريصاً على إتمام هذا الإجراء وصمم على الانتقام من أخيه الأكبر وأولاده الذين أحبطوا مسعاه ومنعوا والده من الذهاب إلى مصلحة الشهر العقاري وفي ثورة غضب خرج من منزله وبيده مسدس مرخص له بحمله وأطلق منه عن عمد أعيرة نارية صوب أخيه عبده وأولاده الذين كانوا على بعد منه قاصداً من ذلك قتلهم فأخطأهم وأصاب عيار عيدة عطية جاب الله فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجريمة بجناية أخرى هي إصابة نظيرة عبد الرحمن رزق الله بعيار ناري أطلقه المتهم عليها عمداً تنفيذاً لقصده الإجرامي فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم هو تدارك المجني عليها بالعلاج وبعد أن ارتكب المتهم جريمته ألقى بالمسدس في حقل وفر هارباً". وأورد على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن المعاينة وتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي الموقع على المجني عليها الثانية وتقرير فحص المسدس المضبوط. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن دفع بتناقض أقوال شهود الإثبات مع ما أثبته الطبيب الشرعي في تقريره من احتمال إصابة المجني عليها من سلاح ناري ذي سرعة عالية وهو ما لا يتفق والمسدس المضبوط الذي قرر الشهود أن الطاعن أطلقه فأصاب المجني عليها، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شهود الإثبات بما مؤداه أن الطاعن أطلق عدة أعيرة نارية من مسدسه وأن المجني عليهما أصيبتا من مقذوفين منها. ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها الأولى عيدة عطية جاب الله أصيبت بجرح ناري بأعلا مقدم يسار الصدر نفذ إلى تجويف الصدر مخترقاً الضلع الرابع الأيسر ثم الرئة اليمنى وخرج مخترقاً الضلع الثاني وأن إصابتها نتيجة إطلاق عيار ناري معمر بمقذوف واحد يتعذر القطع بنوعه أو السلاح المستعمل ولو أنه من الجائز أن يكون النوع ذي السرعة العالية. ونقل تقرير فحص المسدس المضبوط أنه عبارة عن طبنجة أتوماتيكية ماركة ستار رقم 13821 ماسورتها مششخنة بقطر 9 مللي وبدون مشط خالية من مظاهر العطب والتلف واتضح من فحص المسحة المأخوذة من ماسورتها أنها أعطت نتيجة إيجابية للنترات مما يشير إلى إطلاقها في وقت يتعذر تحديده. كما يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطبيب الشرعي وإن خلص في تقريره عن فحص المسدس المضبوط إلى أنه صالح للاستعمال ومن المحتمل إطلاقه في وقت قد يتفق وتاريخ الحادث إلا أنه لم يوضح رأيه في مدى احتمال إصابة المجني عليها الأولى من مقذوفات هذا المسدس إذ خلت مذكرة النيابة العامة المرسلة إليه - وقد أشار إليها في صدر تقريره - من إبداء الرأي في هذا الأمر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد واءم بين أقوال الشهود وبين ما أثبته تقرير الصفة التشريحية من جواز إصابة القتيلة من سلاح ذي سرعة عالية بقوله: "ومن حيث إن قول الدفاع أن ما قرره الطبيب الشرعي بالنسبة للطلقات لا يتفق وطلقات المسدس المضبوط فإن ذلك لا يرجح أن المجني عليهما لم يصيبا بطلقات المسدس المضبوط خصوصاً وأن الطلقات لم تستقر بجسمي المجني عليهما. ولم يعثر على ظرف الرصاص الخاص بالمسدس هذا فضلاً عن أن جميع الشهود أجمعوا أن المجني عليهما أصيبتا من طلقات مسدس المتهم" ومفاد ما تقدم أن المحكمة أطرحت دفاع الطاعن في شأن تعارض الدليل الفني مع الدليل القولي استناداً إلى تعذر تحديد نوع السلاح لعدم استقرار المقذوف في الجسم وإلى عدم العثور على مشط المسدس المضبوط ثم إلى إجماع الشهود على إصابة المجني عليهما من المسدس الذي أطلقه الطاعن. وما أورده الحكم على النحو المتقدم لا يصلح رداً على دفاع الطاعن في هذا الشأن ذلك بأن من المقرر أنه متى واجهت المحكمة مسألة فنية بحت فإن عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها. ولما كان الحكم قد ذهب إلى عدم استقرار المقذوف بجسم المجني عليها يحول دون تحديد نوع السلاح المستعمل دون أن يبين سنده في هذا الرأي أو يعرض إلى تأثير وضع الجرح الناري والملابس المقابلة له ومسافة الإطلاق في ترجيح نوع السلاح المستعمل وما إذا كان من الأسلحة ذوات السرعة العالية أو المتوسطة مما كان يقتضى من المحكمة - حتى يستقيم قضاؤها - أن تحققه عن طريق المختص فنياً وهو الطبيب الشرعي. ومن ناحية أخرى، فإن عدم العثور على مشط المسدس المضبوط لا يحول دون معرفة نوع مقذوفاته ما دام قد تحقق طرازه ونوع ماسورته. ثم إنه ما كان يسوغ للمحكمة أن تستند إلى أقوال الشهود في إطراح الرأي الذي أبداه الطبيب الشرعي، ذلك بأنه من المقرر أنه متى تعرضت المحكمة لتفنيد رأي الخبير الفني فإنه يتعين عليها أن تستند في تفنيده إلى أسباب فنية تحمله، ومن ثم فقد بقى التعارض - بعد ذلك - قائماً بين الدليلين الفني والدليل القولي لما يرفع. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على هذين الدليلين معاً على ما بينهما من تعارض دون أن يرفعه بأسباب سائغة، فإنه يكون مشوباً بالقصور والتناقض في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة دون حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه.