أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 942

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1961

برياسة السيد السيد أحمد عفيفى المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى المستشارين.

(194)
الطعن رقم 2313 لسنة 31 القضائية

مسئولية جنائية. موانع العقاب. إثبات "خبرة". دفاع. حكم "تسبيبه".
(أ) المادة 62/ 1 عقوبات. الحالة المرضية المعروفة باسم "الشخصية السيكوباتية". لا تعتبر جنونا أو عاهة فى العقل.
(ب) تقدير حالة المتهم التى يترتب عليها الإعفاء من المسئولية. من سلطة قاضى الموضوع. طلب ندب خبير لفحص حالة المتهم العقلية. عدم التزام المحكمة بإجابته. شرط ذلك. أن تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
(ج) الاستفزاز. ليس عذرا معفيا من العقاب. هو ظرف قضائى مخفف.
1 - المصاب بالحالة المعروفة باسم "الشخصية السيكوباتية" وإن عدّ من الناحية العلمية مريضا نفسيا - إلا أنه لا يعتبر فى عرف القانون مصابا بجنون أو عاهة فى العقل مما يصح معه اعتباره فاقدا الشعور أو الاختيار فى عمله.
2 - من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من ندب خبير لتقدير حالة المتهم العقلية، مادامت قد استبانت سلامة عقله من موقفه فى التحقيق ومن حالته النفسية ومن إجاباته على ما وجهته إليه من الأسئلة، ذلك أن تقدير حالة المتهم التى يترتب عليها الإعفاء من المسئولية الجنائية أمر يتعلق بوقائع الدعوى يفصل فيه قاضى الموضوع بما لا معقب عليه طالما أنه يقيمه على أسباب سائغة.
3 - الأصل أن الاستفزاز لا يعد فى صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب. بل هو لا يعدو أن يكون ظرفا قضائيا مخففا يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل زوجته عمدا ومع سبق الإصرار بأن عقد العزم على قتلها وأعد لذلك آلة حادة "سكينا" نصلها 16 سم وجذبها من غرفة نومها إلى ردهة مسكنها حتى يتسنى له التمكن من الإجهاز عليها وانهال عليها طعنا بالسكين ثم خنقها بمنشفة قاصدا من ذلك جميعه قتلها فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها. وطلبت من غرفة الإتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230 و 231 من قانون العقوبات. فقررت ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور وتناقض فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع بأنه كان فاقد الشهور حين ارتكب فعلته بعد إذا استبد به الغضب وسيطر عليه وانتابه حالة هستيرية بسبب الإهانات المتلاحقة التى وجهتها إليه زوجته المجنى عليها فأخذ يطعنها بغير وعى حتى ماتت إذ أن حالة الاستفزاز التى قامت بينه وبين القتيلة هى من الحالات التى تعفى من العقاب وفقا لنص المادة 62/ 2 من قانون العقوبات لما تنتجه من جنون أو عاهة فى العقل وهو ما يرشح لها مرض الطاعن الذى أصيب به فى صغره وأدى به إلى سرعة الانفعال، وطلبا الدفاع إحالة الطاعن إلى أهل الفن ليبدوا رأيهم فى حالته ولكن المحكمة التفتت عن هذا الطلب استنادا إلى ما قرره كل من العريف فهيم قطب النجار والملازم على حسن محمود من أنه كان طبيعيا ويتكلم بهدوء وقت الإبلاغ وأن حالته ظلت كذلك عندما سئل بمعرفة النيابة وأمام المحكمة وأن المصاب بالحالة المرضية المعروفة "بالسيكوباتية" لا يعتبر فى عرف القانون مجنونا وأن هذه الحالة لم تكن قائمة بالطاعن. وما ذهب إليه الحكم من ذلك فضلا عن إخلاله بحق الطاعن فى الدفاع فإنه جاء قاصرا لعدم بيانه سنده فيما انتهى إليه من استبعاد وجود حالة المرض العقلى بالطاعن. هذا فضلا عن أن اطراح الحكم لحالة الاستفزاز تأسيسا على ما استخلصه من أقوال الشاهدين سالفى الذكر ومسلك الطاعن وقت سؤاله قد انطوى على فساد فى الاستدلال، إذ العبرة فى تقدير هذه الحالة هى بوقت الحادث لا بعد ارتكابه. كما أن الحكم بعد إذ نفى أن الطاعن كان فى ثورة الغضب وفى حالة انفعال عاد وذكر عند إنزاله العقاب به أنه كان على هذه الحال مما يصمه بالتناقض ويعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التى دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من اعترافه فى جميع مراحل التحقيق وبالجلسة ومن أقوال شهود الإثبات الذين حصل مؤدى شهادتهم ومن تقرير الصفة التشريحية ومن وصف الطبيب الشرعى للسلاح المستعمل فى الحادث وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. وبعد أن استظهر الحكم نية القتل بما ينتجها استبعد عن الطاعن ظرف سبق الإصرار ثم عرض إلى دفاعه ومحاولته التشكيك فى قواه العقلية القائم على أن الصورة التى قارف بها جنايته لا تنتج إلا عن حالة هستيرية حادة وأنه مصاب بالحالة المعروفة باسم "السيكوباتية" مما يجعله غير مسئول عما اقترف ورد عليه فى قوله "وحيث إنه فى خصوص قوى المتهم "الطاعن" العقلية فالثابت من أقوال العريف فهيم قطب النجار والملازم على حسن محمود أنه كان طبيعيا يتكلم وقت الإبلاغ وظلت حالته كذلك عندما سئل بمعرفة النيابة وأمام المحكمة. وقد استقر القضاء عى أن الجنون والعاهة فى العقل اللذين أشارت إليهما المادة 62/ 1 عقوبات دون غيرهما ورتبت عليهما الإعفاء من العقاب هما اللذان يجعلان الجانى وقت ارتكاب الجريمة فاقد الشعور والاختيار - أما المصاب بالحالة المرضية المعروفة باسم "السيكوباتية" فإنه لا يعتبر فى عرف القانون مجنونا. وهذا فضلا عن عدم وجود هذه الحالة بالمتهم". لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيحا فى القانون، ذلك بأن المصاب بالحالة المرضية المعروفة باسم "الشخصية السيكوباتية" وإن عد من الناحية العلمية مريضا مرضا نفسيا إلا أنه لا يعتبر فى عرف القانون مصابا بجنون أو عاهة فى العقل بما يصح معه اعتباره فاقدا للشعور أو الاختيار فى عمله. ولما كان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافعين عن الطاعن وصفا حالته "بأنه مريض بالسيكوباتية وأنه فقد شعوره نتيجة الاستفزاز الذى ناله من موقف المجنى عليها إزاءه وإهانتها إياه وأن هذا الاستفزاز يستشف منه سببا من أسباب تخفيف المسئولية إن لم يكن إعدامها وأنه أراد رد ما لحقه من إهانة وهو فى حالة اندفاع نفسانى شديد جعله لا يتحكم فى أمره وصمم الدفاع على وصف حالته بمرض "السيكوباتية" ولو أنه أضاف أنه يعتقد أن ضربه على رأسه وهو صغير مما يجعلها تتورم من حين لآخر هو السبب فيما يعتريه من نوبات وطلب التثبت من ذلك علميا". وكان يبدو مما سبق أن الطاعن إنما أقام دفاعه فى هذا الخصوص بصفة أساسية على أنه مصاب بحالة "سيكوباتية". ومع ذلك فإن تقدير حالة المتهم التى يترتب عليها الإعفاء من المسئولية الجناية أمر يتعلق بوقائع الدعوى يفصل فيه قاضى الموضوع بما لا معقب عليه طالما أنه يقيمه على أسباب سائغة - كما حدث فى واقعة الدعوى. وبفرض أن ما أثاره الدفاع عن الطاعن من طلب التثبت عمليا من حالة الطاعن المرضية ينطوى على طلب الاستعانة بخبير فإنه من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من ندب خبير لتقدير حالة المتهم العقلية. مادامت قد استبانت سلامة عقله من موقفه فى التحقيق ومن حالته النفسية ومن إجابته على ما وجهته إليه من الأسئلة. لما كان ذلك، وكان لا يقدح فى سلامة الحكم أن يتزيد فيذكر أنه لا توجد بالطاعن الحالة المرضية المعروفة "بالسيكوباتية" دون أن يفصح عن سنده فى ذلك إذ أنه لا جدوى للطاعن من النعى على الحكم فى هذا الخصوص لأنه بفرض ثبوت وجود هذه الحالة لديه فإنها لا أثر لها من حيث إعفائه من العقاب على ما سلف القول. لما كان لا تناقض فيما ذهب إليه الحكم من نفى فقد الطاعن لشعوره واختياره وقت مقارفته الحادث ومساءلته عنه وأخذه فى الوقت نفسه - عند إنزاله العقاب به - بما أقر به من أنه كان مدفوعا إلى ركوب ذلك المركب الخشن بتوالى إهانات المجنى عليها له، ذلك بأن الأصل أن الاستفزاز لا يعد فى صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب بل هو لا يعدو أن يكون ظرفا قضائيا مخففا يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.