أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 639

جلسة 9 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, وعادل يونس, ورشاد القدسي المستشارين.

(143)
الطعن رقم 659 لسنة 29 القضائية

قانون. تفسيره. متى لا يلجأ إليه؟
عند وضوح النص.
وسائل التفسير. الأعمال التحضيرية. دورها في التفسير.
عدم جواز تغليب الأعمال التحضيرية على عبارة النص.
قطن. تداول الأقطان الزهر الناتجة من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني. القانون رقم 449 لسنة 54. جريمة المادة الثانية من القانون. العقوبة.
هى المقررة بالمادة الخامسة من القانون دون المادة السادسة منه. علة ذلك. مظاهر خطأ المذكرة الإيضاحية للقانون.
القاضي مطالب أولا: لرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص, فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها مما يرد في الأعمال التحضيرية - ومن بينها المذكرات التفسيرية المرافقة للقانون - وتغليبها على عبارة النص لخروج ذلك عن مراد الشارع, ولما كانت المادة الخامسة من القانون رقم 449 لسنة 54 - في شأن تداول الأقطان الزهر الناتجة من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني - قد جعلت الجزاء على مخالفة حكم المادة الثانية من القانون توقيع عقوبتي الحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد على مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ومصادرة الأقطان موضوع المخالفة, فإنه كان من المتعين على المحكمة أن تطبق هذا النص على الواقعة المطروحة - بعد أن ثبتت لديها من العناصر التي أوردتها - وألا تجري عليها حكم المادة السادسة التي تعاقب على مخالفة أحكام المادتين 3 و4 اللتين لا تنطبقان على الواقعة, ولا عبرة بما جاء بالمذكرة الإيضاحية من قول يخالف النص الصريح فإنه فضلا عن مخالفة ذلك لقواعد التفسير, فإنه يبين من مطالعة المذكرة الإيضاحية سالفة الذكر أن الشارع خرج عن مقترحاتها في شأن العقوبة الواجبة التطبيق عند مخالفة أحكام المادتين الأولى والثانية من القانون بأن جعل مدة الحبس لا تجاوز ثلاثة أشهر بدلا مما جاء في المذكرة من قصره على مدة لا تجاوز شهرا واحدا, ويبدو أن واقع الأمر هو حدوث خطأ مادي في هذه المذكرة حين تحدثت عن جزاء مخالفة المادتين الثالثة والرابعة بأن ذكرت المادة الثانية بدلا من المادة الثالثة المقصودة, وهو ما تداركه الشارع في نص المادة السادسة من القانون, وليس أدل على وقوع هذا الخطأ من أن المذكرة سبق أن تناولت جزاء المادة الثانية وأشارت إليه مع الجزاء المقرر للمادة الأولى فلم يكن سائغا تكرار ذكر المادة الثانية مع المادة الرابعة, وهو خلط يجب أن يتنزه عنه الشارع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه نقل كيس القطن الزهر الناتج من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني المنتقاة من داخل هذه المناطق خارج حدود البلدة دون أن تكون مميزة وطلبت عقابه بالمادتين 2 و6 من القانون رقم 449 لسنة 1954. ومحكمة مغاغة الجزئية قضت غيابيا عملا بمادتي الاتهام بتغريم المتهم 200 قرش, فاستأنفت النيابة هذا الحكم ومحكمة المنيا الابتدائية قضت غيابيا بتأييد الحكم المستأنف.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن النيابة العامة تبني طعنها على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حين دان المطعون ضده بجريمة نقل كيس قطن زهر ناتج من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني المنتقاة في داخل هذه المناطق لخارج حدود البلدة دون أن تكون مميزة وأوقع عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون رقم 449 لسنة 1954 في شأن تداول الأقطان الزهر الناتجة من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني دون العقوبة الواردة بالمادة الخامسة من القانون المذكور الواجبة التطبيق في حالة مخالفة أحكام المادة الثانية التي طبقها الحكم على واقعة الدعوى, وذلك تأسيسا على أن المذكرة الإيضاحية للقانون صريحة في جعل جزاء مخالفة أحكام المادة الثانية الغرامة بواقع جنيهين عن كل قنطار أو كسوره طبقا لما أوردته المادة السادسة, وهذا الذي ذهب إليه الحكم يخالف صريح نص المادة الخامسة التي جعلت جزاء مخالفة أحكام المادتين الأولى والثانية الحبس لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد على مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ومصادرة الأقطان موضوع المخالفة, ولا يجوز الرجوع إلى المذكرة الإيضاحية والأخذ بمضمونها إلا عند غموض النص أو إبهامه وهو ما لا يتحقق إزاء صراحة نص المادة المذكورة.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على المطعون ضده لأنه في يوم 23 من أكتوبر سنة 1957 بدائرة مركز مغاغة نقل كيس القطن الزهر الناتج من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني المنتقاة في داخل هذه المناطق لخارج حدود البلدة دون أن تكون مميزة. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمادتين 2 و6 من القانون رقم 449 لسنة 1954 فقضت محكمة جنح مغاغة الجزئية غيابيا في 19/ 12/ 1954 بتغريمه 200 قرش. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم للخطأ في تطبيق القانون, ولدى نظر الدعوى أمام محكمة المنيا الابتدائية طلبت النيابة العامة في مواجهة المطعون ضده إلغاء الحكم المستأنف ومعاقبته طبقا للمادتين 2 و5 من القانون رقم 449 لسنة 1954 وقضت المحكمة المذكورة غيابيا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف, فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بعد إعلانه إلى المطعون ضده وفوات ميعاد المعارضة فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة على ثبوتها في حق المطعون ضده عرض إلى التطبيق القانوني فقال "وحيث إنه بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون يتضح أن المشرع أراد أن يعاقب على مخالفة المادة 3 بالحبس والغرامة أو بإحداهما والمصادرة - وليس على مخالفة المادة 2 كما ورد بالقانون نفسه - فإنه أراد أن يعاقب على مخالفة المادة 2 بالغرامة فقط وليس على مخالفة المادة 3 كما ورد بالقانون, وهذا الذي وضح من المذكرة الإيضاحية هو المتفق مع المنطق السليم إذ لا يعقل أن يعاقب القانون على نقل القطن الزهر داخل منطقة التعميم بالحبس والغرامة والمصادرة في حين يعاقب على خلط الأقطان الناتجة من مناطق تعميم التقاوي المنتقاة بغيرها من الأقطان الناتجة من مناطق أخرى خارج مناطق التعميم - وهى جريمة أخطر من الأولى - بغرامة قدرها 200 قرش عن كل قنطار...... الأمر الذي يقطع بأن المشرع قد وقع في خطأ مادي حينما نص في المادة الخامسة من القانون رقم 449 لسنة 1954 على أن مخالفة المادة 2 يعاقب مرتكبها بالحبس والغرامة أو بإحداهما والمصادرة, في حين أنه كان يقصد توقيع تلك العقوبة على مخالفة المادة 3, كذلك كان الخطأ أيضا - حين نص في مادته السادسة على أن مخالفة المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالغرامة فقط في حين أنه كان يقصد توقيع تلك العقوبة على مخالفة المادة 2" وانتهى الحكم إلى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من تغريم المطعون ضده 200 قرش إعمالا لنص المادتين 2 و6 من القانون رقم 449 لسنة 1954. لما كان ذلك وكان الأصل أن القاضي ليس ممنوعا من الرجوع إلى الوثائق التشريعية والأعمال التحضيرية لتحديد المعنى الصحيح للألفاظ التي ورد بها النص القانوني حسبما قصده واضع القانون, إلا أن القاضي مطالب أولا بالرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص, فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها مما ورد في الأعمال التحضيرية - ومن بينها المذكرات التفسيرية المرافقة للقانون - وتغليبها على عبارة النص لخروج ذلك عن مراد الشارع, ولما كانت المادة 2 من القانون رقم 449 لسنة 1954 تحظر نقل الأقطان الزهر الناتجة من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني المنتقاة في داخل هذه المناطق خارج حدود البلدة ما لم تكن أكياسها مميزة "مسركة" بواسطة موظفي وزارة الزراعة بالعلامات التي يعينها وزير الزراعة بقرار يصدره, وكانت المادة الخامسة قد جعلت جزاء مخالفة هذا الحكم توقيع عقوبتي الحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 5 جنيهات ولا تزيد على 200 جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ومصادرة الأقطان موضوع المخالفة, لما كان ما تقدم, فإنه كان من المتعين على المحكمة أن تطبق هذا النص على الواقعة المطروحة - بعد أن ثبتت لديها من العناصر التي أوردتها - وألا تجري عليها المادة السادسة التي تعاقب على مخالفة أحكام المادتين 3 و4 اللتين لا ينطبقان على الواقعة, ولا عبرة بما جاء بالمذكرة الإيضاحية من قول يخالف النص الصريح, فإنه فضلا عن مخالفة ذلك القواعد التفسير فإنه يبين من مطالعة المذكرة الإيضاحية سالفة الذكر أن الشارع خرج عن مقترحاتها في شأن العقوبة الواجبة التطبيق عند مخالفة أحكام المادتين الأولى والثانية من القانون, بأن جعل مدة الحبس لا تجاوز ثلاثة أشهر بدلا مما جاء في المذكرة من قصره على مدة لا تجاوز شهرا واحدا, كما يبدو أن واقع الأمر هو حدوث خطأ مادي في هذه المذكرة الإيضاحية حين تحدثت عن جزاء مخالفة المادتين 3 و4 بأن كتبت المادة 2 بدلا من المادة 3 المقصودة, وهو ما تداركه الشارع في نص المادة 6 من القانون, وليس أدل على وقوع هذا الخطأ من أن المذكرة سبق أن تناولت جزاء المادة الثانية وأشارت إليه مع الجزاء المقرر للمادة الأولى, فلم يكن سائغا تكرار ذكر المادة الثانية مع المادة الرابعة, وهو خلط يجب أن يتنزه الشارع عنه, لما كان ما تقدم, وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن أن القطن موضوع الجريمة قد تم ضبطه, فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه طبقا للمادتين 2 و5 من القانون رقم 449 لسنة 1954 في شأن تداول الأقطان الزهر الناتجة من مناطق تعميم تقاوي القطن الأشموني, بجعل الغرامة خمسة جنيهات والمصادرة.