أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 820

جلسة 8 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمد أبو الفضل حفني.

(156)
الطعن رقم 1075 لسنة 35 القضائية

دفاع . "الإخلال بحق الدفاع" . "ما يوفره". وصف التهمة. شروع في قتل. عاهة مستديمة.
تغيير المحكمة  التهمة من شروع في قتل إلى ضرب نشأت عنه عاهة مستديمة. ليس مجرد تغيير في وصف الأفعال المسندة إلى المتهم. هو تعديل في التهمة نفسها. لا تملك المحكمة إجراؤه إلا في أثناء المحاكمة وقبل الحكم في الدعوى. مثال.
إن تغيير المحكمة التهمة من شروع في قتل إلى ضرب نشأت عنه عاهة مستديمة ليس مجرد تغيير في وصف الأفعال المسندة إلى الطاعن في أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه في حكمها بغير سبق تعديل في التهمة عملاً بنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية، وإنما هو تعديل في التهمة نفسها لا تملك المحكمة إجراءه إلا في أثناء المحاكمة وقبل الحكم في الدعوى لأنه لا يقتصر على مجرد استبعاد واقعة فرعية هي نية القتل، بل يجاوز ذلك إلى إسناد واقعة جديدة إلى الطاعن لم تكن موجودة في أمر الإحالة، وهي الواقعة المكونة للعاهة والتي قد يثير الطاعن جدلاً في شأنها. ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه عدم لفت المحكمة نظر الدفاع إلى ما أجرته من تعديل هو بعينه الإخلال بحق الدفاع المنهي عنه في القانون، وما ساقه الحكم تبريراً لهذا الإجراء لا يصلح سنداً لتبريره، ذلك بأن طلب المدافع أخذ المتهم بالقدر المتيقن كان منه بعد نفيه نية القتل عنه كما يدل على ذلك سياق مرافعته، ولا يدل بذاته على أنه طلب اعتبار الواقعة ضرباً أحدث عاهة، ولم يبد في جلسة المحاكمة سواء من النيابة أو من الدفاع ما يدل صراحة أو ضمنا على الالتفات إلى ما استقرت عليه المحكمة أو انتهت إليه في المداولة من تعديل للتهمة، وخصوصاً أن تهمة الشروع في القتل - كما وجهت إلى الطاعن - قد خلت من أية إشارة إلى العاهة، ولا يغنى عن ذلك ورود وصفها في التقرير الطبي أو في شهادة الطبيب الشرعي في جلسة المحاكمة، والدفاع بعد غير ملزم بواجب الالتفات حيث تقعد المحكمة عن واجبها في لفت نظره. ولما كان القانون لا يخول المحكمة أن تعاقب المتهم على أساس واقعة - شملتها التحقيقات - لم تكن مرفوعة بها الدعوى عليه، دون أن تلفت الدفاع عنه إلى ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بنى على إجراء باطل مما يعيبه ويوجب نقضه[(1)].


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 13 أكتوبر سنة 1962 بدائرة مركز دسوق محافظة كفر الشيخ: شرع في قتل محمد زين الدين بيومي أبو راس عمداً بأن طعنه بآلة حادة "سكين" قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وقد ادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم وطلب القضاء له بمبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضورياً بتاريخ 18 من مارس سنة 1964 عملا بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ مائتي جنيه والمصروفات المدنية المناسبة. وذلك على اعتبار أن المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر أحدث بمحمد زين الدين بيومى أبو راس جروحاً نشأ عن إحداها عاهة مستديمة بأن ضربه بسكين في رأسه وجسمه فأحد به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جراء إحداها وهي إصابة الرأس عاهة مستديمة هي فقد عظمي بالجدارية اليمني في مساحة تقدر بحوالي 4.5 × 1.5 سم لا ينتظر ملؤه بالعظام في المستقبل مما يجعل المخ خالياً من حمايته الطبيعية ويعرض المجني عليه لإصابات بسيطة والتغيرات الجوية والتي ما كانت تؤثر عليه لو كان المخ محمياً بالعظام كما أنها تعرضه مستقبلاً لمضاعفات خطيرة كالتهاب سحايا المخ والصرع والجنون وخلافه مما يعتبر عاهة مستديمة لا يمكن تقدير مداها نظراً لما قد يطرأ عليها من مضاعفات في المستقبل إلا أنه تقريباً للأذهان من الممكن تقدير العاهة بحوالي 10 - 12%. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الإخلال بحقه في الدفاع، ذلك لأن المحكمة عدلت التهمة من جناية شروع في قتل عمد، إلى جناية إحداث عاهة مستديمة دون لفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل ليترافع على أساسه في التهمة الجديدة، وقد أحست محكمة الموضوع أن الصواب قد جانبها بما أوردته في أسباب حكمها اعتذارا عن عدم لفت نظر الدفاع، وما ساقته في هذا الخصوص لا يصلح سندا لما تردت فيه من إخلال، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون واجب النقض.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك بأن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن بوصف أنه ارتكب جريمة الشروع في قتل المجني عليه عمداً وانتهى الحكم إلى إدانة الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه المذكور وبرر ذلك بقوله: "وحيث إنه متى كان ذلك فإنه يتعين مساءلة المتهم (الطاعن) عن جناية إحداث عاهة مستديمة، وتشير المحكمة هنا أنها ما كانت في حاجة إلى توجيه هذه التهمة على سبيل التحديد للمتهم بالجلسة، ولفت نظر الدفاع للمرافعة على هذا الأساس ذلك لأن الطبيب الشرعي أورد في تقريره أنه سيتخلف بالمجني عليه من جراء إصابة الرأس عاهة مستديمة ثم أكد بالجلسة قيام هذه العاهة ووصفها وحدد مداها ونسبتها المئوية، وقد انتهى الدفاع في ختام مرافعته إلى طلب أخذ المتهم بالقدر المتيقن في حقه - ومؤدى هذا أنه يطلب مساءلة المتهم عن إحداثه العاهة دون مساءلته عن تهمة الشروع في القتل". وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم غير سديد في القانون ذلك بأن التغيير الذي أجرته المحكمة في التهمة من شروع في قتل إلى ضرب نشأت عنه عاهة مستديمة ليس مجرد تغيير في وصف الأفعال المسندة إلى الطاعن في أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه في حكمها بغير سبق تعديل في التهمة عملاً بنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية، وإنما هو تعديل في التهمة نفسها لا تملك المحكمة إجراؤه إلا في أثناء المحاكمة وقبل الحكم في الدعوى لأنه لا يقتصر على مجرد استبعاد واقعة فرعية هي نية القتل، بل يجاوز ذلك إلى إسناد واقعة جديدة إلى الطاعن لم تكن موجودة في أمر الإحالة، وهي الواقعة المكونة للعاهة والتي قد يثير الطاعن جدلاً في شأنها. ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من عدم لفت المحكمة نظر الدفاع إلى ما أجرته من تعديل هو بعينه الإخلال بحق الدفاع المنهي عنه في القانون، وما ساقه الحكم تبريراً لهذا الإجراء ، لا يصلح سنداً لتبريره، ذلك بأن طلب المدافع أخذ المتهم بالقدر المتيقن كان منه بعد نفيه نية القتل عنه - كما يدل على ذلك سياق مرافعته، ولا يدل بذاته على أنه طلب اعتبار الواقعة ضرباً أحدث عاهة، ولم يبد في جلسة المحاكمة سواء من النيابة أو من الدفاع ما يدل صراحة أو ضمنا على الالتفات إلى ما استقرت عليه المحكمة أو انتهت إليه في المداولة من تعديل للتهمة، وخصوصاً أن تهمة الشروع في القتل - كما وجهت إلى الطاعن - قد خلت من أية إشارة إلى العاهة، ولا يغنى عن ذلك ورود وصفها في التقرير الطبي أو في شهادة الطبيب الشرعي في جلسة المحاكمة، والدفاع بعد غير ملزم بواجب الالتفات حيث تقعد المحكمة عن واجبها في لفت نظره. لما كان ما تقدم، وكان القانون لا يخول المحكمة أن تعاقب المتهم على أساس واقعة - شملتها التحقيقات - لم تكن مرفوعة بها الدعوى عليه، دون أن تلفت الدفاع عنه إلى ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بنى على إجراء باطل، مما يعيبه ويوجب نقضه، من غير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.


[(1)] يراجع الطعن رقم 1649 لسنة 31 ق س 13 جلسة 5/ 3/ 1962 قاعدة 53 ص 201.