أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 644

جلسة 22 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, وعادل يونس, ورشاد القدسي المستشارين.

(144)
الطعن رقم 773 لسنة 29 القضائية

(أ) تحقيق. تفتيش المنازل. الشروط الموضوعية لصحته. اختصاص النيابة؟ تنفيذ الإذن بالتفتيش. حكم ضوابط التدليل. تولد الدليل عن إجراء صحيح. مثال.
مشاركة الزوجة لزوجها في حيازة المنزل الذي تساكنه فيه. صحة الإذن الصادر من النيابة بتفتيشه وصحة تنفيذه في هذا المنزل. صحة الاستدلال بالدليل الذي أسفر عنه هذا التفتيش.
(ب) دعاره. عناصر الواقعة الإجرامية. ركن الإعتياد. متى يشترط توافره؟ ومتى لا يشترط ذلك؟
اشتراطه في جريمة إدارة بيت للدعارة وممارستها دون جريمة استغلال بغاء الأنثى. المواد 1 و8 و6 ب و9/ 3 من ق 68 لسنة 1951.
أثر ذلك.
انتفاء التعارض بين نفي الحكم وقوع جريمتي المادة 8 و9/ 3 لعدم ثبوت ركن الاعتياد وبين القول بثبوت جريمة المادة 6/ ب من القانون رقم 68 لسنة 1951.
1 - للزوجة التي تساكن زوجها صفة أصيلة في الإقامة في منزله لأنه في حيازتها, وهى تمثله في هذه الحيازة وتنوب عنه, بل تشاركه فيه, وبهذا يكون الإذن بالتفتيش قد صدر سليما من ناحية القانون وجرى تنفيذه على الوجه الصحيح, مما يجعل ما أسفر عنه هذا التفتيش دليلا يصح الاستناد إليه في الإدانة.
2 - لا تعارض بين نفي الحكم وقوع جريمتي إدارة بيت للدعارة وممارستها - وهما من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بثبوت ركن الاعتياد - وبين ما انتهى إليه الحكم من ثبوت جريمة استغلال الطاعنة بغاء المتهمة الثانية, وهى جريمة لم يستلزم الشارع فيها توافر هذا الركن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - ......... (الطاعنة) و2 - ......... بأنهما. الأولى - أولا - فتحت وأدارت محلا للدعارة. ثانيا - حرضت المتهمة الثانية على ارتكاب الدعارة. ثالثا - استغلت بغاء المتهمة الثانية. الثانية: اعتادت ممارسة الدعارة. وطلبت عقابهما بالمواد 1/ 1 و6/ 2 و8 و9/ 3 و13 ق 68 لسنة 1951 مع توقيع أقصى العقوبة. ولدى نظر الدعوى دفعت المتهمتان ببطلان التفتيش لعدم جديته, ولأن الإذن لم يصدر عن المتهمة الأولى كما دفعتا ببطلان التحريز وبطلان محضره. ومحكمة الدرب الأحمر الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات للارتباط والمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية. أولا - ببراءة المتهمة الأولى (الطاعنة) من التهمة الأولى المسندة إليها وحبسها سنة واحدة مع الشغل وكفالة 10 جنيهات لوقف التنفيذ وتغريمها 100 جنيه عن التهمتين الثانية والثالثة ووضعها تحت مراقبة البوليس مدة مساوية لمدة العقوبة. ثانيا - براءة المتهمة الثانية من التهمة المسندة إليها. ثالثا - أعفت المتهمتين من المصروفات الجنائية. فاستأنفت المتهمة الأولى هذا الحكم. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس وحدها لمدة ثلاث سنوات بلا مصروفات تطبيقا للمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في أسبابه, ذلك أن الطاعنة دفعت ببطلان التفتيش لعدم جدية التحريات التي بنى عليها, ولأنها لم تكن هى المقصودة به سواء من حيث الإسم أو محل الإقامة لصدوره باسم من تدعي "أم فوزيه" وهو يختلف عن اسمها واسم شهرتها وهو "أم لوزه", ولوجود مسكن آخر بجوار مسكنها يحمل الرقم ذاته بالحارة المجاورة تقيم به من تدعي "أم فوزية" المأذون بتفتيشها, كما أن المسكن في حيازة زوجها الذي لم يؤذن بتفتيشه, وقد وقع التفتيش في حجرته الخاصة, وجاء رفض الحكم لهذا الدفع قاصرا على القول بجدية التحريات دون تدعيم هذا الرأي بما ينتجه, واستند في القول بأن الطاعنة هى المقصودة بإذن التفتيش إلى ما نسبه إلى المتهمة الثانية من إقرارها باسم الشهرة الذي ورد بإذن التفتيش مع افتقار هذا القول إلى سند من الأوراق ومخالفته للشهادة الإدارية المقدمة في الدعوى, وذهب الحكم إلى أنه لا تأثير لكون حيازة المسكن للزوج أو الزوجة على سلامة التفتيش متى تم صحيحا, وهو ما يخالف الفهم الصحيح للقانون الذي لا يهدف إلى حماية المكان في ذاته بل إلى احترام حقوق الحائز له.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمتي التحريض على الدعارة واستغلال البغاء اللتين دان الطاعنة بهما, وأورد على ثبوتهما في حقها أدلة مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. وعرض إلى ما تنعاه الطاعنة على الحكم بشأن قصوره في الرد على ما دفعت به من بطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات فقال: "إن ما ذكرته محكمة أول درجة من سلطان النيابة في تقديرها لجدية التحريات إنما كانت تهدف به إلى أنها تؤيد جدية تلك التحريات مما سردته من وقائع, وتؤيد هذه المحكمة وجهة نظر محكمة أول درجة في هذا الصدد باعتبار أن التحريات التي سبقت الإذن تحريات سليمة جادة بغض النظر عما أسفر عنه التفتيش ولا محل لما يقول به الدفاع من أن المحكمة قد تخلت عن إشرافها على مبررات الإذن طالما أنها وكدت هذه الجدية واعتمدتها". ورد على الدفع بأن الطاعنة لم تكن المقصودة بإذن التفتيش بقوله: "إن المنزل المأذون بتفتيشه هو ذات المنزل الذي تم تفتيشه, فقد أقرت المتهمة بتحقيقات النيابة أنها تشتهر (بأم فوزية وأم لوزة), فلا محل إذن للنعي على التفتيش بأنه كان المقصود به أم فوزية وهى سيدة أخرى, بل إن...... المتهمة الثانية التي ضبطت بالمنزل قررت بتحقيقات النيابة بأن المستأنفة (الطاعنة) هى ابنة عمتها وتدعي أم فوزية". كما تعرض الحكم الابتدائي للشهادة الإدارية المقدمة في الدعوى والتي تضمنت وجود منزل آخر يحمل رقم منزل الطاعنة نفسه وهو رقم 11 ويقع......... وتقطنه من تدعي فاطمة محمد عبد ربه الشهيرة بأم فوزية, ورد عليه في قوله "إنه لا أهمية لمعرفة إسم المتهمة الأولى (الطاعنة) بالكامل ما دامت شخصيتها ومحل سكنها الذي قامت التحريات عليه قد تحدد تحديدا كافيا..." ثم عرض الحكم إلى ما أثارته الطاعنة بشأن حيازة زوجها للمنزل المأذون بتفتيشه فقال: "إن إذن التفتيش صدر عن مكان يعينه فسواء كان في حيازة الزوج, أم الزوجة فليس ذلك بذي أثر على التفتيش متى قام صحيحا" لما كان ذلك, وكان ما رد به الحكم على الدفع ببطلان إذن التفتيش سائغا وصحيحا في القانون, إذ من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع, فمتى كانت هذه المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بنى عليها أمر التفتيش وكفايتها لتبرير إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فلا معقب عليها في ذلك, وكان الحكم قد استظهر للأسباب السائغة التي أوردها أن الشخص الذي حصل تفتيش منزله هو في الواقع بذاته المقصود بأمر التفتيش, فلا يجدي الطاعنة محاولتها في هذا الصدد, وكان ما أورده الحكم في معرض رده على ما تنعاه الطاعنة على إجراء التفتيش في منزل زوجها دون أن يوجه إليه الإذن, صحيحا في القانون, ذلك أن للزوجة التي تساكن زوجها صفة أصيلة في الإقامة في منزله, لأنه في حيازتها وهى تمثله في هذه الحيازة, وتنوب عنه, بل تشاركه فيه, وبهذا يكون الإذن قد صدر سليما من ناحية القانون وجرى تنفيذه على الوجه الصحيح مما يجعل ما أسفر عنه هذا التفتيش دليلا يصح الاستناد إليه في الإدانه. لما كان ما تقدم فإن هذا الوجه يكون في غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في البيان, ذلك أنه قضى بتبرئة الطاعنة من تهمة إدارة منزلها للدعارة لعدم توافر ركن العادة. وتبرئة المتهمة الثانية لعدم ثبوت ممارستها الدعارة, وعدم توافر العادة بالنسبة إليها كذلك. ودان الطاعنة بتهمة استغلال بغاء المتهمة الثانية, مع أن هذه التهمة تقتضي ثبوت بغاء المرأة محل الاستغلال, الأمر الذي نفاه الحكم, هذا فضلا عن قصور الحكم عن بيان أركان هذه الجريمة كذلك فان الحكم خلا من بيان واقعة التحريض بالنسبة إلى جريمة التحريض على الدعارة.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلص إلى عدم توافر أركان جريمة إدارة المنزل للدعارة في حق الطاعنة, وعدم توافر أركان جريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة في حق المتهمة الثانية وعرض إلى جريمتي التحريض على الدعارة واستغلال البغاء في قوله: "ومن حيث إنه عن التهمتين الثانية والثالثة المسندتين للمتهمة الأولى (الطاعنة) وهى أنها حرضت المتهمة الثانية على ارتكاب الدعارة وساعدتها وسهلت لها ذلك, كذلك استغلت بغاءها - فهما ثابتتان قبلها ثبوتا كافيا من التحقيقات, ومنها ما قرره الشاهد............... من أن المتهمة الأولى قدمت له المتهمة الثانية لارتكاب الفاحشة معها لقاء مبلغ جنيه, وما قررته المتهمة الثانية بمحضر ضبط الواقعة من أن قريبتها المتهمة الأولى هى التي قدمتها للشاهد المذكور - ولا تعول المحكمة على إنكارها بعد ذلك - وكذا ثابتة مما شهد به السيد اليوزباشي اسماعيل محرم في التحقيقات وبالجلسة من أنه شاهد واقعة ارتكاب الشاهد............... الفاحشة مع المتهمة الثانية عندما دفع باب الحجرة التي وجدها مغلقة. وثابتة أيضا مما أسفر عنه التحليل من وجود حيوانات منوية في ملابس المتهمة وقطعة القماش التي عثر عليها على السرير..." واستطرد الحكم المطعون فيه إلى القول بأن "القضاء ببراءة...... (المتهمة الثانية) من تهمة ممارسة البغاء أساسه انتفاء ركن العادة, ولا تناقض بين ثبوت تهمة التحريض لمرة واحدة - هى واقعة الاتهام - وبين انتفاء التكرار", لما كان ذلك, وكان استخلاص المحكمة لواقعة الدعوى استخلاصا سائغا, ويستند إلى أصله الثابت في الأوراق, ولا تعارض بين نفي الحكم وقوع جريمتي إدارة بيت للدعارة وممارستها - وهما من جرائم العادة - التي لا تقوم إلا بثبوت الاعتياد - وبين ما انتهى إليه الحكم من ثبوت جريمة استغلال بغاء المتهمة الثانية للأدلة السائغة التي أوردها, وهى جريمة لم يستلزم الشارع فيها توافر ركن الاعتياد, أما فيما يختص بجريمة التحريض على الدعارة فإن الحكم قد أورد عناصر هذه الجريمة وأدلة ثبوتها بما لا قصور فيه. لما كان ما تقدم فان هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك أن المدافع عن الطاعنة تمسك أمام المحكمة وفي المذكرة المقدمة منه بطلب سماع الشاهد..............., المقول بأنه ضبط وهو يرتكب الفحشاء في منزل الطاعنة والتفتت المحكمة عن إجابته إلى هذا الطلب على رغم أهميته مما يعيب الحكم.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة ثاني درجة أن الدفاع عن الطاعنة لم يطلب سماع الشاهد المذكور, وأشار في مرافعته إلى أنه طلب سماعه أمام محكمة أول درجة في العنوان المثبت في الدعوى ولم يستدل على هذا العنوان, وخلص من ذلك إلى أنه شخص صوري لا وجود له دون أن يصر على سماعه, كما يبين أن المحكمة بعد أن سمعت مرافعة الدفاع عن الطاعنة أمرت بإرجاء النطق بالحكم إلى جلسة تالية مع الترخيص للدفاع في تقديم مذكرات بدفاعه في الأجل الذي حددته. لما كان ذلك, وكان الدفاع عن الطاعنة لم يتمسك بسماع هذا الشاهد مما يعد نزولا ضمنيا عن طلب سماعه ويبيح للمحكمة الاستغناء عن ذلك تطبيقا للحق المخول لها بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية بعد التعديل المدخل عليها بالقانون رقم 113 لسنة 1957, فضلا عن أنه من المقرر أنه ما دامت المحكمة قد سمعت مرافعة الدفاع وأمرت بإقفال بابها وحجزت القضية للحكم, فهى بعد غير ملزمة بإجابة طلب فتح باب المرافعة - إن كان ثمة طلب بهذا المعنى قد ضمنه الدفاع مذكرته لتحقيق دفاع لم يطلب تحقيقه بالجلسة - فإذا كانت المحكمة قد التفتت عن هذا الطلب ولم ترد عليه فإن دلالة ذلك أنها في حدود سلطتها لم تر محلا لإجابته وتكون دعوى الإخلال بحق الدفاع لا أساس لها.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على فساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد, ذلك أن الطاعنة جرحت شهادة الضابط الذي أجرى الضبط, وقدمت تأييدا لذلك حافظة بمستنداتها, وطلبت استبعاد تحقيقات البوليس لما بينها وبين الضابط من خصومة, ولرفضها التوقيع على ما نسب إليها بها زورا, ولأن المتهمة الثانية أكرهت على أن تبصم على المحضر مع أنها ملمة بالقراءة والكتابة, ووقعت بإمضائها على محضر تحقيق النيابة وأقر الضابط أن المتهمة المذكورة كانت في حالة إعياء وغيبوبة وهبوط, ومع ذلك فقد استخلصت المحكمة من هذه الحالة صحة ما نسب إلى الطاعنة والمتهمة الثانية, وأخطأت المحكمة في الإسناد فيما قدمت له عن هذه الواقعة مما يعيب حكمها ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى ما أثارته الطاعن في وجه طعنها بقوله "إن حالة...... عقب الضبط وتوقيعها بالبصمة لا يشير إلى أن ضبطها في حالة تلبس كان من شأنه أن يؤثر على أعصابها أو مرضها, وليس من شأن ذلك أن يقلل من قيمة الاستدلال بأقوالها أو ما أثبته الضابط من وقائع الضبط, وإن انفراد الضابط بواقعة الضبط دون إشراك المخبرين معه لا يضعف من الثقة فيه وبما أثبته, طالما أن المحكمة تأخذ من مجموع ظروف التحقيق صحة الواقعة". لما كان ذلك, وكان ما أورده الحكم يؤدي إلى ما رتبه عليه, وكان ما تثيره الطاعنة مما يدخل في سلطة المحكمة في تقدير عناصر الدعوى وأدلتها بما لا معقب عليها فيه, فإن هذا الوجه يكون في حقيقته مجادلة في موضوع الدعوى مما لا يقبل أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.