أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 827

جلسة 9 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وجمال المرصفاوي، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(158)
الطعن رقم 718 لسنة 35 القضائية

(أ) إثبات. نظام عام. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
الحديث الذي يجرى في محل مفتوح للكافة ودون ثمة إعتداء على الحرمات. تسجيله. النعي على الدليل المستمد منه بعدم مشروعيته. لا محل له.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير وسائل الإكراه". إكراه.
تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس الشخص. استقلال قاضي الموضوع بالفصل فيها.
(ج) إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
قرار المحكمة الذي تصدره في تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. قرار تحضيري. لا يتولد عنه حقوق للخصوم يوجب حتما العمل على تنفيذه.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهود" محكمة الموضوع.
وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع.
1- لا مجال للطاعن لإثارة النعي المتصل بالدليل المستمد من التسجيل لعدم مشروعيته. طالما أن الحديث جرى في محل مفتوح للكافة دون ثمة إعتداء على الحرمات.
2- من المقرر أن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس الشخص من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع ودون تعقيب عليه من محكمة النقض.
3- قرار المحكمة الذي تصدره في تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتما العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. ولما كان الطاعن لم يطلب من جانبه سماع الشهود فإنه لا يحق له النعي على ذلك المسلك من المحكمة.
4- وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المدعي بالحق المدني أقام دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الموسكى الجزئية ضد الطاعن بوصف أنه في يوم 15 مايو سنة 1962 بدائرة قسم الموسكى أصدر له شيكاً لا يقابله رصيد على بنك القاهرة فرع الأزهر قيمته عشرة جنيهات وكان ذلك بسوء نية مع علمه بعدم وجود رصيد يقابله - وطلب عقابه بالمادتين 336، 337 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 4 فبراير سنة 1963 عملاً بمادتي الاتهام: (أولاً) بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة 10 ج لوقف النفاذ. و(ثانياً) إلزام المتهم بأن يؤدى إلى المدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمته مصاريف الدعوى المدنية ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 26 ديسمبر سنة 1964 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن محصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه قد شابه فساد في الاستدلال وأخل بحق الطاعن في الدفاع فضلاً عن قصوره في التسبيب وخطئه في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم عول في إدانته على دليل غير مشروع هي أقوال نسبت إليه بعد أن جرى تسجيلها على شريط - خلسة وبطريق الغش - بغير علم الطاعن في جلسة غير بريئة استدرج إليها وأنه إزاء ما هو معلوم من أن الأصوات تتشابه وأن شريط التسجيل عرضة دائماً للعبث به وهو أمر جرى في الدعوى فقد تمسك المدافع عنه في الجلسة ببطلان هذا الدليل لمنافاته للآداب العامة واعترض على سماع المحكمة للشريط غير أنها مضت تسمعه وتنسب إليه أنه أذن بهذا الإجراء. هذا إلى أن مما يتصل بهذا النعي على الحكم هو ما يرميه به الطاعن من الإخلال بحقه في الدفاع حين أعرض ولم يرد على طلب تحقيق ما قال به من أنه عاقر الخمر مع الشهود في جلسة التسجيل إذ أن ما يصدر عن مخمور في مجال هزل لا يستوى وما يصدر منه في مجال الجد وهو مدرك لقوله وحين عدلت المحكمة عن سماع الشهود دون أن يبرر الحكم هذا العدول وأما المقصود الذي يرى الطاعن أنه ران على الحكم فمرجعه أنه برر تصديق شهود الإثبات وأطرح أقوال شاهد النفي بأسباب مجملة غير سائغة وأنه أثبت صحة توقيع الطاعن على الشيك - مخالفاً في ذلك رأي أهل الخبرة دون أن يعلل سلامة مذهبه، وأخيراً فإن الطاعن يرى خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون ماثلاً في أنه كان قد طلب من المحكمة إثبات تنازل المدعي بالحقوق المدنية - المجني عليه - عن دعواه استناداً إلى أن الصلح الذي جرى بينهما - والمقدم عقده إلى المحكمة - قد تضمن هذا التنازل، غير أنها رفضت هذا الطلب تأسيساً على ما رأته من أن المدعي المذكور قد أكره على توقيع عقد الصلح بسبب اتهام الطاعن له بتزوير توقيعه على الشيك دون أن تلتفت إلى أن الطعن بالتزوير هو وسيلة قانونية مشروعة لا يتحقق معها معنى الخطر المحدق الواجب توافره في الاكراه المفسد للرضا وبذلك يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه - أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى وفق ما تضمنته الصحيفة التي رفعها بها المجني عليه - بالطريق المباشر وما كان من طعن الطاعن بالتزوير على الإمضاء المنسوب إليه بالشيك، عرض لدفاع المجني عليه - المدعى بالحقوق المدنية - فأورده بما مؤداه أن الطاعن حرر له أربعين شيكاً أحدها الشيك موضوع الدعوى - وأن الطاعن حين قرر قسم أبحاث التزييف والتزوير في دعوى أخرى أقيمت عن واحد آخر من تلك الشيكات بأن الإمضاء مزور، وجه للمدعى بالحقوق المدنية جنحة مباشرة يتهمه فيها بالتزوير وتحت تأثير هذا الاتهام جرى صلح بينهما كان من بين ما تضمنه هو التنازل عن الدعوى الحالية ثم كان أن تمكن الشاهدان ممدوحه عبد الحميد صالح وحسني محمد خليل - إزاء هذا الذي جرى من تسجيل صوت الطاعن على شريط وهو يفضى لهما بأنه حين وقع الشيكات أمسك بالقلم بطريقة غير عادية فخرجت الامضاء عن مألوف إمضائه وغدت في حكم الإمضاء المزور ومثل لهما الطاعن تلك الطريقة بالتوقيع على ورقة قدمها المدعى بالحقوق المدنية للمحكمة، ثم أورد الحكم بعد ذلك دفاع الطاعن وحصل أقوال الشاهدين ممدوحه عبد الحميد صالح وحسني محمد خليل وباقي شهود الدعوى وما كان من سماع المحكمة للشريط المسجل وخلص إلى ثبوت تعمد الطاعن تغيير إمضائه عند تحرير الشيكات المرفوعة هذه الدعوى عن واحد منها بوصف أن الطاعن أصدره بغير رصيد وذلك بما اطمأن إليه الحكم من أقوال الشاهدين سالفي الذكر وأولاهما هي صاحبة المحل التجاري الذي جرى فيه الحديث وتسجيله - ومن عدم إنكار الطاعن للتوقيع المنسوب له على الورقة المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية فضلاً عما استخلصه الحكم مما شهد به باقي الشهود إثباتاً ونفياً إلى أن أورد في تصوير ما كان من أمر الطاعن في مجريات الواقعة - ما نصه: "وحيث إنه على هذا الأساس قد استقر لدى المحكمة أنه رغبة من المتهم - الطاعن - في الكيد لأحمد عطية والمدعي بالحق المدني وضغطاً منه لإعادته إلى عمله وتوقياً لمطالبته بقيمة ما يدينه به الأول عمد إلى تغيير خطه وإمضائه عند تحريره الشيكات التي اتفق على تحريره لها سداداً لهذا الدين باسم المدعي بالحق المدني حتى إذا ما اتضح أن أحدها لا يقابله رصيد وأقام المدعي بالحق المدني جنحة مباشرة قبل المتهم أمام محكمة الجمالية سارع الأخير بالطعن على إمضائه بالتزوير وهو موثق من مخالفة هذا الإمضاء للإمضاء الذي تستكتبه له المحكمة وفعلاً ورد تقرير قسم ابحاث التزوير والتزييف مصداقاً لحدسه وحينئذ ضرب ضربته فوجه الاتهام بالتزوير إلى المدعي بالحق المدني الذي وجد نفسه وهو المتطوع حفظاً لمال مخدومه والذي لم يرتكبه إثما - وقد تهدد بالسجن وتهددت عائلته بالضياع وشاركه مشاعره مخدومه الدائن الأصلي أحمد عطية وتحت ضغط اتهام المدعي بالحق المدني بالتزوير على غير حق وحررا محضر الصلح المؤرخ سنة 30/ 10/ 1962" وبعد أن أشار الحكم إلى ما استقر لديه عن صورة الواقعة من كل ما سلف راح يضيف تأييداً آخر هو ما أسفر عنه الاستماع إلى جهاز التسجيل. لما كان ذلك، وكان كل ما يثيره الطاعن من أن النعي المتصل بالدليل المستمد من التسجيل لعدم مشروعيته مردوداً بأن المحكمة قد خلصت بما لا يدع مجالاً لذي شك إلى تكوين عقيدتها في الدعوى بما استقر لديها من شهادة الشهود والقرائن وأقوال الطاعن نفسه أما ما استطرد إليه الحكم بعد أن استوفى دليله - من حديث عن واقعة تسجيل المناقشة التي دارت بين الطاعن والشهود الذين سمعتهم المحكمة واطمأنت إلى روايتهم فإنه لا مجال لإثارة مثل هذا الدفع بصدد أحاديث جرت في محل مفتوح للكافة ودون ثمة اعتداء على الحرمات. لما كان ذلك، وكان تعييب الحكم لعدوله عن سماع الشهود دون تبرير لهذا العدول مردود بأنه لما كان قرار المحكمة الذي تصدره في تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. وكان الطاعن لم يطلب من جانبه سماع الشهود فإنه لا يحق له النعي على ذلك المسلك من الحكم وأما رمى الحكم بالقصور بقالة أنه برر تصديق شهود الإثبات وأطرح أقوال شاهد النفي بأسباب مجملة غير سائغة فإنه فضلاً عما هو مقرر من أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه فإن كل ما أورده الحكم في هذا الصدد على ما يبين من مدوناته مقبول وسائغ. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في تبرير إطراحه رأي الخبير فيما خلص إليه من مخالفة توقيع الطاعن على الورقة المقدمة للمحكمة من المدعى بالحقوق المدنية لتوقيعه على الشيك - قوله.. "إن المتهم وقت التوقيع على الشيك كان لديه متسع من الوقت بحيث عمد إلى أن يكون توقيعه عليه مغايراً لتوقيعه الحقيقي من حيث الدرجة والمميزات والخواص الخطية أما التوقعين المقدمين من المدعي بالحق المدني فقد صدرا من المتهم بمناسبة تمثيل طريقة التوقيع المصطنعة في وقت قصير لم يستطع فيه جعلهما مغايرتين لتوقيعه الحقيقي من حيث الدرجة والمميزات والخواص الخطية" ولما كان هذا الذي ساقه الحكم مما يسوغ به مخالفة رأي الخبير فإن النعي عليه يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان تعييب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون حين اعتبر الطعن بالتزوير خطراً محدقاً يتوافر به الإكراه مردودا بأن الحكم عندما عرض للدفع بعدم قبول الدعوى المؤسس على عقد الصلح ورفض هذا الدفع عول في ذلك على قوله "... ولا جدال في أن الوسيلة التي لجأ إليها المتهم الطاعن ليبدو إمضاؤه على الشيك محل الدعوى مخالفاً لإمضائه وخطه وسيلة غير مشروعة في ذاته وتعتبر هي الأساس لطعنه بالتزوير وهو وإن كان في ذاته كإجراء من إجراءات الخصومة وسيلة للنضال مشروعة إلا أنه وقد أعد له على هذا النحو يصبح إجراء غير مشروع فضلاً عن أن الغاية منه وهو تسليط سيف الاتهام على المدعي بالحق المدني على غير الحقيقة غير مشروعة بذاتها مما يجعل هذا الإجراء يتوافر فيه العنصر الموضوعي للإكراه.." لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع دون تعقيب عليه من محكمة النقض، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم صحيحاً في القانون ويتوافر به إكراه المدعي بالحقوق المدنية على إبرام عقد الصلح في ظروف الحال التي استخلصها الحكم استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى فإن النعي عليه يكون غير سديد.
وحيث إنه لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.