أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 651

جلسة 22 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي, وعباس حلمي سلطان, ورشاد القدسي المستشارين.

(145)
الطعن رقم 777 سنة 29 القضائية

(أ) استدلال. ندب مأمور الضبط القضائي للتحقيق. آثار الندب. متى تترتب؟
عند قيام المندوب بتنفيذ أمر الندب.
أمر حفظ صادر في غير تحقيق من النيابة ودون مباشرة التحقيق من المأمور المنتدب منها لإجراته. خصائصه.
هو إجراء إداري لا تلتزم به النيابة.
دعوى جنائية. ما لا يمنع تحريكها بالطريق المباشر.
الحفظ الاداري الذي لم يسبقه تحقيق في إحدى صورتيه.
(ب) خيانة الأمانة. إثبات العقد.
جواز إثبات عقد الوديعة بالبينة عند قيام المانع الأدبي. المادة 403 من القانون المدني.
محكمة الموضوع. نقض. المصلحة في الطعن. انتفاؤها. أسباب موضوعية.
تقدير قيام المانع الأدبي أو عدم قيامه - بناء على أسباب مؤدية - هو أمر موضوعي.
انتفاء مصلحة المتهم في التحدي بعدم توافر مبدأ الثبوت بالكتابة عند قيام المانع الأدبي.
1 - الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إداريا الذي لم يسبقه تحقيق قضائي لا يكون ملزما لها, بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية - فإذا كان الثابت أن الضابط الذي افتتح المحضر الأول لم يباشر تحقيقا فيه, وأن المحضر الآخر الذي حرره "ملازم أول" لم يباشره بناء على انتداب من النيابة العامة, بل سار فيه بناء على بلاغ شفوي من زوجة المجني عليه - وهو بلاغ مستقل بذاته منفصل عن البلاغ الكتابي الذي قدمه المجني عليه للنيابة والتي ندبت أحد الضباط لتحقيقه - ثم أعيدت الأوراق جميعها إلى النيابة فأمر وكيل النيابة بحفظ الشكوى إداريا فإن هذا الأمر لا يكون حجة على المجني عليه المضرور من الجريمة, ويكون من حقه الالتجاء إلى رفع الدعوى بالطريق المباشر.
2 - تبيح المادة 403 من القانون المدني الإثبات بالبينة في حالة وجود مانع أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي, وقيام هذا المانع أو عدم قيامه يدخل في نطاق الوقائع, فتقديره متروك لقاضي الموضوع تبعا لوقائع كل دعوى وملابستها, ومتى أقام قضاءه بذلك - كما هو الحال في الدعوى - على أسباب مؤدية إليه فلا تجوز المناقشة في ذلك أمام محكمة النقض, ولا مصلحة للمتهم بعد ذلك فيما يثيره حول عدم توافر مبدأ الثبوت بالكتابة, لأن في قيام المانع الأدبي وحده ما يكفي لجواز الإثبات بالبينة.


الوقائع

أقام جورج جبريل (المجني عليه) هذه الدعوى مباشرة ضد إلياس نجا عبود (المتهم) بعريضة يتهمه فيها بأنه تسلم منه بيانو بصفة أمانة لحين طلبه, ولما أن طلبه زعم المتهم على غير الحقيقة أنه يداينه في مبلغ 15 جنيها وأنه اشترى البيانو بمبلغ 20 جنيها ودفع له مبلغ الخمسة جنيهات الباقية, وقد ساق المتهم هذا القول للهرب من جريمة التبديد وركن المدعي بالحق المدني إلى ما جاء بالشكوى رقم 859 سنة 1957 إداري قسم المنصورة وطلب عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات كما ادعى عليه مدنيا, وطلب القضاء له عليه بمبلغ قرش صاغ واحد بصفة تعويض مؤقت - وقيدت هذه الجنحة بجدول محكمة المنصورة برقم 2006 سنة 1957. ولدى نظر الدعوى دفع المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة بالنسبة للبيانو, كما دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لسابقة حفظها من النيابة, وحكمت محكمة المنصورة الجزئية حضوريا. أولا - برفض الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة. ثانيا - وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي بالحق المدني بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة أنه سلم المتهم البيانو موضوع هذه الدعوى على سبيل الوديعة - وللمتهم النفي بذات الطرق, وحددت للتحقيق جلسة 5/ 12/ 1957, على أن يتم في ذات الجلسة وصرحت للطرفين بإعلان شهودهما, وأبقت الفصل في المصروفات وعلى النيابة إعلان من لم يحضر الحكم بمنطوقه, والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة 304 أ. ج بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وكفالة 100 قرش لإيقاف التنفيذ, وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع الزامه بالمصروفات المدنية ومبلغ 100 قرش أتعاب محاماه بلا مصروفات جنائية, وقد ردت على الدفع الثاني بأنه في غير محله. فاستأنف المتهم, ومحكمة المنصورة قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف نفاذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم, وألزمت المتهم المصروفات المدنية الاستئنافية و200 قرش أتعاب المحاماه بلا مصروفات جنائية, فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المدعي بالحق المدني سبق أن تقدم بشكواه إلى النيابة متهما إياه بتبديد البيانو موضوع الجنحة المباشرة, فانتدبت النيابة أحد الضباط لتحقيقها فحققها, ثم أعيدت الأوراق للنيابة فأمرت بقيدها بدفتر الشكاوي الإدارية وحفظها, وهذا الأمر منها هو في حقيقته أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى صدر منها بوصفها سلطة تحقيق مما يمتنع معه على المدعي بالحق المدني الالتجاء إلى الطريق المباشر, وقد دفع أمام المحكمة بعدم قبول الدعوى المدنية تأسيسا على ذلك, ولكن الحكم المطعون رفض هذا الدفع بقوله: "إن تحقيقا لم يحصل في الشكوى" مع مخالفة ذلك لما هو ثابت في الأوراق, كما دفع بعدم جواز سماع البينة, إذ أن البيانو تتجاوز قيمته العشرة جنيهات, فقضى برفض هذا الدفع أيضا استنادا إلى قيام مانع أدبي بين الطاعن والمجني عليه يحول دون حصول هذا الأخير على كتابة - وهى صداقتهما وصلة الجوار التي تربطهما - في حين أن الوديعة التي سلم البيانو بمقتضاها لم تكن وديعة اضطرارية - والصداقة والجوار لا يعتبران من الموانع الأدبية - هذا وقد ذهب حكم محكمة أول درجة المؤيد استئنافيا بالحكم المطعون فيه في رفض هذا الدفع إلى القول أن الطاعن أقر في الشكوى بتسليمه البيانو لا على سبيل الوديعة بل على سبيل الشراء, وأن هذا الإقرار المركب يجوز تجزئته واعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة في حين أن الإقرار المركب لا يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا انصب على العلاقة القانونية المدعاة.
وحيث إن واقعة الدعوى هى أن المجني عليه جورج جبريل قدم بتاريخ 4/ 3/ 1957 بلاغا للنيابة ضد المتهم الطاعن يذكر فيه أنه سلمه البيانو المملوك له لحفظه لديه لضيق مسكنه ثم طالبه برده فامتنع, فأشر وكيل النيابة في ذات التاريخ بإحالة البلاغ إلى قسم ثاني المنصورة, وندب أحد الضباط لتحقيقه, ولكن الضابط المحقق لم يباشر أي تحقيق بل اكتفى بإثبات أن الشاكي يقيم في قسم أول المنصورة, وأحال الأوراق إلى تلك الجهة فتولى الباشجاويش محمد عطيه السباعي جمع الاستدلالات وسأل المجني عليه وشاهديه والمتهم وشاهده, وبتاريخ 6/ 4/ 1957 تقدمت زوجة المجني عليه للقسم وأبلغت شفويا عن ذات الواقعة وقام الملازم أول صلاح حافظ بأخذ معلوماتها ثم أرفق محضره بالمحضر الآخر الذي تولاه الجاويش محمد السباعي وأرسلت جميع الأوراق إلى النيابة فقررت بتاريخ 13/ 5/ 1957 حفظ الأوراق إداريا - مادة مطالبة بمنقول - فأقام المجني عليه دعوى الجنحة المباشرة ضد المتهم الطاعن فدفع المتهم الدعوى بدفعين أولا: الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية وبالتالي عدم قبول الدعوى الجنائية لأن القرار الصادر من النيابة وإن وصف بأنه قرار حفظ إداري, فإنه في حقيقته معناه أمر بألا وجه لإقامة الدعوى صدر منها بوصفها سلطة تحقيق مما يمتنع على المدعي بالحق المدني الالتجاء إلى الطريق المباشر. ثانيا: عدم جواز سماع شهادة الشهود لأن البيانو المدعي بتبديده تتجاوز قيمته العشرة جنيهات, فقضت محكمة المنصورة الجزئية حضوريا بحبس المتهم - الطاعن - شهرا واحدا مع الشغل, وبأن يدفع للمدعي المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه بالمصروفات المدنية, فاستأنف, وقضى بتأييد الحكم المستأنف مع وقف تنفيذ العقوبة وإلزامه بالمصروفات المدنية الاستئنافية, وقد استند الحكم المطعون فيه في رفض الدفع بعدم قبول الدعوى إلى قوله: "إنه بان من الاطلاع على الشكوى الإدارية أن النيابة انتدبت أحد الضباط للتحقيق وأن هذا الندب لم ينفذ بل تولى التحقيق الباشجاويش محمد عطيه السباعي, وأما المحضر الذي حرره الملازم أول صلاح حافظ عامر فقد باشره بناء على بلاغ زوجة المجني عليه الشفهي غير مستند في ذلك إلى قرار الندب, وبالتالي فإن تحقيقا ما - لم يتم بناء على هذا الندب..." وأن أمر الحفظ المانع من العود إلى الدعوى العمومية هو ذلك الذي يسبقه تحقيق تجريه النيابة بنفسها, أو يقوم به أحد رجال الضبطية القضائية بناء على انتداب منها, وهو ما لم يتوافر في هذه الدعوى, ومن ثم فإن قضاء الحكم المستأنف برفض الدفع الأول جاء في محله" وما أورده الحكم من ذلك سديد في القانون, فما دام الثابت أن الضابط الذي فتح المحضر الأول لم يباشر تحقيقا فيه وأن المحضر الآخر الذي حرره الملازم أول صلاح حافظ عامر لم يباشره بناء على انتداب من النيابة العامة, بل سار فيه بناء على بلاغ شفوي من زوجة المجني عليه, وهو بلاغ مستقل بذاته منفصل عن البلاغ الكتابي الذي قدمه المجني عليه للنيابة, ثم أعيدت الأوراق جميعها إلى النيابة فأمر وكيل النيابة بحفظ الشكوى إداريا, فإن هذا الأمر الذي لم يسبقه تحقيق قضائي لا يكون ملزما لها بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية, وبالتالي لا يكون حجة على المجني عليه المضرور من الجريمة, ويكون من حقه الالتجاء إلى رفع الدعوى بالطريق المباشر, ثم إن الحكم المطعون فيه عرض لما دفع به الطاعن من عدم جواز الإثبات بالبينة في قوله "وحيث إنه بان للمحكمة من وقائع الدعوى أن المتهم تربطه بالمجني عليه صلة صداقة وجوار منعتهما من التعامل بالكتابة, ولا أدل على ذلك من أن المتهم نفسه أقر بإقراض المجني عليه 15 جنيها ثم دفع له مبلغ خمسة جنيهات ثم زعم أنه اشترى البيانو وكل أولئك دون أن يحصل على كتابة بشئ من ذلك, وفضلا عما سلف فإن عرف الناس قد جرى على عدم الحصول على كتابة اذا أودع أي منهم شيئا من متاعه عند جاره وصديقه اذا ضاق عليه مسكنه - الأمر الذي يؤكد قيام المانع الأدبي بين المتهم والمجني عليه, والذي يجوز للأخير معه إثبات عقد الأمانة بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة - كما أن المحكمة ترى في أقوال المتهم أمام البوليس وأمام محكمة أول درجة ما يجعل الحق المدني المدعي به قريب الاحتمال, وهو ما يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز للمجني عليه الإثبات بالطريق المشار إليه فيما سلف..." لما كان ذلك وكانت المادة 403 من القانون المدني تبيح الإثبات بالبينة في حالة وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي, وقيام هذا المانع أو عدم قيامه يدخل في نطاق الوقائع, فتقديره متروك لقاضي الموضوع تبعا لوقائع كل دعوى وملابساتها, فمتى أقام قضاءه بذلك - كما هو الحال في الدعوى - على أسباب مؤدية إليه فلا يجوز المناقشة في ذلك أمام محكمة النقض, ولا مصلحة للطاعن بعد ذلك فيما يثيره حول عدم توافر مبدأ الثبوت بالكتابة, لأن في قيام المانع الأدبي وحده ما يكفي لجواز الإثبات بالبينة, لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر جريمة التبديد التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.