أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 974

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، ومحمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر حنين المستشارين.

(202)
الطعن رقم 793 لسنة 31 القضائية

دفاع. إثبات "خبرة" حكم "تسبيبه".
قدرة المجنى عليه على الكلام أو فقده النطق عقب إصابته. مسألة فنية. طلب الدفاع مناقشة الطبيب الشرعى فى هذا الشأن. رفضه بأسباب غير مؤدية. قصور وإخلال بحق الدفاع. مثال.
إذا كانت المحكمة قد رفضت ما طلبه الدفاع من استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته فى قدرة المجنى عليه على الكلام أو فقده النطق عقب إصابته. واعتمدت فى ردها على خلو التقرير الطبى الايتدائى من أن المجنى عليه كان فاقد النطق وعلى رواية منقولة عن العمدة من أنه سأل المجنى عليه فأجابه - مع طعن الدفاع على مقدرة هذا الأخير على الكلام وأن ما قاله العمدة غير صحيح - فإن حكمها يكون معيبا لإخلاله بحق الدفاع، ذلك أن عدم إشارة طبيب المستشفى فى تقريره إلى أن المصاب كان فاقد النطق لا يفيد حتما أنه كان يستطيع الكلام، فى حين أنه كان من الممكن تحقيق هذا الدفاع والوصول إلى غاية الأمر فيه عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعى، إذ المقام مقام إدانة يجب أن تبنى على اليقين، والدفاع الذى تمسك به المتهم دفاع جوهرى قد يترتب عليه لو صح تأثر مركزه من التهمة المسندة إليه. [(1)]


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحدث بالمجنى عليه الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى تخلف من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد عظمى بيسار العظم الجبهى لا ينتظر ملؤه بالعظام بل ينسج ليفى مما يجعل المخ مقابله أكثر تعرضا للتغييرات الجوية والصدمات البسيطة التى ما كانت تؤثر فيه لو كان محميا بالعظام وتجعله عرضة لمضاعفات خطيرة محتملة كالالتهاب السحائى وخراج المخ ونوبات الصرع والجنون مما يقلل من قدرة المجنى عليه وكفاءته على العمل ودرجة جلده واحتماله. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وادعى المجنى عليه مدنيا طالبا الحكم له على المتهم بمبلغ 300 جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى ثلاثمائة جنيه والمصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب، ذلك أن الدفاع دفع أمام المحكمة بأن المجنى عليه لم يكن فى استطاعته النطق والتكلم عقب الاعتداء عليه لأن إصابته جاءت على مقدمة الجدارية اليسرى فوق مركز الكلام فأحدثت كسرا منخسفا ضاغنا على جوهر المخ يوقع المجنى عليه حتما فى غيبوبة. وتمسك تحقيقا لدفاعه بطلب استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته فى هذا الخصوص وذلك لتنفنيد أقوال العمدة من أنه سأل المجنى عليه وأجابه باسم ضاربه، وقد نسب الطاعن للعمدة توجيه الإتهام وتحريض المجنى عليه - ولكن المحكمة لم تجب هذا الطلب قولا منها بأن إصابة المجنى عليه لم تفقده وعيه عقب حدوثها وأنها لو أفقدته النطق لأشار إلى ذلك طبيب المستشفى الذى فحصه، وهو قول من جانب المحكمة لا يصلح ردا على دفاع الطاعن ولا سببا لعدم إجابته إلى طلب مناقشة الطبيب الشرعى لأنه ليس من المحتم أن يثبت الطبيب الكشاف فى تقريره أن المجنى عليه كان فاقد النطق، كما لا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير فى مسألة فنية.
وحيث إنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن أبدى للمحكمة أن المجنى عليه لم يتكلم عقب إصابته التى حدثت به فى مقدمة الجدارية اليسرى فوق مركز الكلام فى المخ وتخلف عنها كسر منخسف يضغط على المخ فيصعب الكلام خصوصا أن حالته دون المتوسط، وأصر على سؤال الطبيب الشرعى فى هذا الخصوص. كما قرر الدفاع بأن العمدة - وهو الذى شهد بأنه سأل المجنى عليه عقب إصابته عن ضاربه فأجابه بأنه هو الطاعن - ضالع فى توجيه الإتهام سيما وقد تأخر فى التبليغ من الساعة الثامنة حتى الساعة الحادية عشرة. وقد عرضت المحكمة لهذا الطلب وردت عليه فى قولها "ولا ترى المحكمة محلا لإجابة الدفاع عن المتهم المذكور لمطلبه وهو استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته فى هل كان فى استطاعة المجنى عليه المصاب أن يتكلم بعد الإصابة أم أنها فقدته النطق تأسيسا على أنها قد وقعت على مراكز المخ العليا إذ أنه قد ثبت من أقوال عبد الرحمن درويش على عمدة الناحية أنه توجه عقب الحادث لمنزل المجنى عليه وسأله بنفسه عمن أصابه فأجابه بأن المتهم "محروس ابراهيم ريحان" ضربه بعصا على رأسه وأن "سيد أحمد جاد ريحان" ضربه بعصا على كتفه. فضلا عن ذلك فإن هذه الإصابة لو أفقدت المجنى عليه النطق عقب الحادث لأشار إلى ذلك طبيب المستشفى فى التقرير الإبتدائى المقدم منه وهو الطبيب الكشاف الذى قام بفحص المجنى عليه عند دخوله المستشفى حيث أجريت له عملية التربنة".
وحيث إن عدم إشارة طبيب المستشفى فى التقرير المقدم منه إلى أن المصاب كان فاقد النطق لا يفيد حتما أنه كان يستطيع الكلام، وكانت المحكمة قد اعتمدت فى ردها على رواية عن العمدة من أنه سأل المجنى عليه بعد إصابته - مع طعن الدفاع على مقدرته على الكلام وأن ما قاله العمدة غير صحيح - وفى حين أنه كان من الممكن تحقيق هذا الدفاع والوصول إلى غاية الأمر فيه عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعى، فإن حكمها يكون معيبا لإخلاله بحق الدفاع، إذ المقام مقام إدانة يجب أن تبنى على اليقين، والدفاع الذى تمسك به المتهم دفاع جوهرى قد يترتب عليه لو صح تأثر مركزه من التهمة المسندة إليه. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه دون حاجة إلى بحث الوجه الآخر من الطعن من إلزام المطعون ضده المصاريف.


[(1)] نفس المبدأ فى الطعن رقم 681 سنة 31 ق - جلسة 6/ 11/ 1961.