أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 694

جلسة 29 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل, ومصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي المستشارين.

(154)
الطعن رقم 880 سنة 29 القضائية

(أ) إجراءات المحاكمة. تدوينها بمحضر الجلسة. نقض. أسباب موضوعية. محكمة الموضوع.
العبرة في إثبات طلبات الخصوم هى بحقيقة الواقع لا بما يثبته سهوا كاتب الجلسة.
سلطة قاضي الموضوع في استبعاد عبارة أثبتها الكاتب بمحضر الجلسة خطأ عن تنازل المدعية بالحق المدني عن دعواها بناء على أسباب مؤدية.
عدم قبول الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
دعوى مدنية. مباشرتها أمام القضاء الجنائي. ما لا يسقط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي. تغاير موضوع الدعويين. مثال.
اختلاف دعوى المطالبة بملكية منزل عن دعوى اختلاس مستنداتها ولو كانت مرتبطة بدعوى الملكية.
(جـ) دعوى مدنية. الدفع بسقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي. طبيعته والقواعد الخاصة بإبدائه.
عدم تعلقه بالنظام العام. سقوطه بالتكلم في الموضوع.
(د) خيانة الأمانة. تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة. دعوى جنائية. أسباب انقضائها. مضي المدة. مبدأ سريانها.
بداية ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة من تاريخ طلب الشئ المختلس والامتناع عن رده أو العجز عن رده ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.
(هـ) خيانة الأمانة. عناصر الواقعة الإجرامية. الضرر.
كفاية احتمال الضرر في جريمة خيانة الأمانة.
محكمة الموضوع. نقض. أسباب موضوعية.
البحث في حصول الضرر من عدمه في جريمة خيانة الأمانة.
1 - العبرة في إثبات طلبات الخصوم هى بحقيقة الواقع لا بما أثبته الكاتب سهوا - فإذا كانت محكمة الموضوع في حدود هذا الحق - قد ذكرت الأدلة والاعتبارات التي اعتمدت عليها في قضائها باستبعاد عبارة "تنازل المدعية بالحق المدني عن دعواها", وكانت هذه الأدلة والاعتبارات من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها - خصوما إذا كانت المدعية بالحق المدني قد حضرت في الجلسة التالية لهذا التنازل المدعي به وأبدت طلباتها دون اعتراض من الطاعن - فالجدل في ذلك لا يقبل أمام محكمة النقض.
2 - إذا دل الحكم على أن موضوع الدعوى المطروحة أمام المحاكم المدنية هو ملكية منزل, فإن النزاع لا يمنع من طلب تعويض عن اختلاس المستندات, ولو كانت هذه المستندات مرتبطة بدعوى الملكية, لاختلاف موضوع الدعويين.
3 - الدفع بسقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي ليس من النظام العام, فهو يسقط بعدم إبدائه قبل الخوض في موضوع الدعوى.
4 - ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشئ المختلس, بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجز المتهم عن رده, إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك.
5 - يكفي لتكوين جريمة التبديد احتمال حصول الضرر, ومسألة البحث في حصول الضرر من عدمه مسألة موضوعية يفصل فيها نهائيا قاضي الموضوع, ولا يدخل حكمه في ذلك تحت رقابة محكمة النقض.


الوقائع

أقامت المدعية بالحق المدني دعواها مباشرة أمام محكمة شربين الجزئية على كل من 1 - محمود ابراهيم الأنصاري (الطاعن) و2 - عبد الوهاب عثمان, متهمة إياهما بأنهما بدائرة مركز شربين: بددا المستندات المبينة بعريضة الدعوى, وكانا قد استلماها على وجه الوكالة فاختلساها لنفسيهما إضرارا بالمجني عليها. وطلبت عقابهما بالمادة 341 من قانون العقوبات, كما طلبت الحكم لها عليهما بمبلغ 51 جنيها تعويضا. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا اعتباريا عملا بمادة الاتهام بالنسبة إلى المتهم الأول. أولا - بحبسه شهرا واحدا مع الشغل وكفالة ثلاثة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحق المدني مبلغ 51 جنيها واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض وإلزامه بالمصروفات المدنية ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماه ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات بلا مصروفات جنائية. وثانيا - ببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله بلا مصروفات جنائية. استأنف المحكوم عليه هذا الحكم. وأمام محكمة المنصورة الابتدائية بهيئة استئنافية دفع الحاضر مع المتهم بدفعين أولهما خاص ببطلان الحكم المستأنف لعدم التوقيع عليه في ظرف ثلاثين يوما طبقا للمادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية, وثانيهما - بعدم قبول الدعوى المدنية وما ترتب على ذلك من نتائج بالنسبة للدعوى الجنائية. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا. أولا - بقبول الدفع الأول وبطلان الحكم المستأنف. وثانيا - بضم الدفع الثاني للموضوع وإعادة القضية للمرافعة في موضوعها, وبعد أن سمعت المرافعة قضى حضوريا في الموضوع بحبس المتهم محمود ابراهيم الأنصاري شهرا واحدا مع الشغل وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحق المدعي مبلغ 51 جنيها واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماه بلا مصروفات جنائية. فطعن المحامي الوكيل عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع, وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه طلب إثبات تنازل المدعية عن دعواها - حسبما هو ثابت بمحضر جلسة 10 من يناير سنة 1956 لدى المحكمة الجزئية - ولكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا التنازل بحجة أنه أثبت خطأ من كاتب الجلسة, وفاته أن لمحضر الجلسة حجيته حتى يقضي بتزويره, ولم تطعن المدعية فيه بالتزوير, كما طلب الطاعن عدم قبول الدعوى المدنية وبالتالي عدم قبول الدعوى الجنائية لأن المدعية بالحقوق المدنية قد التجأت إلى الطريق المدني قبل رفع الدعوى المباشرة, ولكن الحكم لم يشر إلى ذلك الدفع مع أنه لو صح لمنع من المحاكمة, ثم إن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بسقوط الدعوى العمومية بمضي المدة بمقولة "إن الطاعن وكيل عن المدعية بالحقوق المدنية وأن وكالته لم تزل قائمة", في حين أنه قدم شهادة رسمية ثابت فيها أنه وقع على التوكيل رقم 439 سنة 947 تصديقات شربين بوصفه شاهدا - لا وكيلا - هذا وقد قدم الطاعن مستندات تفيد أن شراء المدعية بالحقوق المدنية للمنزل هو شراء صوري وقدم ورقة الضد الدالة على ذلك, وأنه لا يتصور وقوع ضرر عليها, وبانتفاء الضرر تنتفي جريمة الاختلاس. ولكن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع الهام مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المدعية بالحق المدني السيدة نبيهه أحمد عياد أقامت الدعوى بطريق الجنحة المباشرة ضد المتهم (الطاعن) ومن يدعي عبد الوهاب عثمان بصحيفة معلنة في 19 أكتوبر سنة 1952 ذكرت فيها أنها وكلت المتهم في مباشرة قضاياها واستلام مستنداتها بمقتضى التوكيل 439 سنة 1947 تصديقات محكمة شربين, ونظرا إلى أنه قد بوشرت دعويان بمحكمة شربين هما 296 و297 سنة 1945 مدني شربين تقدمت فيهما بمستندات قام بسحبها عبد الوهاب عثمان بمقتضى التوكيل الصادر له أيضا وسلمها للمتهم (الطاعن) بمقتضى التوكيل الصادر من المدعية بالحق المدني إليه شخصيا بعد أن أخذ عليه الإيصال اللازم باستلام هذه المستندات لتوصيلها لها, غير أنه بتكرار المطالبة لم يقم المتهم بتسليمها المستندات المذكورة حتى الآن, مما اضطرها إلى تبليغ نيابة شربين التي أجرت تحقيقا لم يستطع فيه المتهم أن يواجه التهمة المسندة إليه" ثم عرض الحكم لما أشار إليه الطاعن في طعنه في قوله "وحيث إن المتهم (محمود ابراهيم الأنصاري - الطاعن - (عاد يتمسك بالدفع الذي بنى على القول بأن المدعية بالحق المدني تنازلت عن دعواها بجلسة 10/ 1/ 1956 كما لوح بالدفع بانقضاء الدعوى العمومية لمرور أكثر من ثلاث سنوات بين تاريخ استلامه المستندات في 3/ 9/ 1949 وإعلان المتهم بالدعوى في 19/ 10/ 1952, وقال عن الموضوع إن المستندات موجودة ولم تبدد, كما ذكر أن هذه المستندات خاصة بعقار يتنازع هو والمدعية بالحق المدني ملكيته, وأن هذا النزاع مطروح أمام القضاء المدني, وأنه إذ احتبس المستندات المشار إليها إنما يعتقد أنه لم يأت عملا ضارا بالمدعية بالحق المدني وأنها توافق على ذلك لصورية عقدها. وحيث إنه بالرجوع إلى محضر جلسة 10/ 1/ 1956 يبين أن كاتب الجلسة أثبت العبارة الآتية (وبالنداء على المتهمين حضر الأول ومعه الأستاذ محمود عيسى. نودي المدعي الذي لم يحضر وحضر عنه الأستاذ محمود القاضي بتوكيل سابق إثباته - ودفع بسقوط الدعوى الجنائية بمضي المدة - عقد مسجل - وانضم الأستاذ محمود عيسى والأستاذ صلاح المحامي طلب إخراج. وقرر المدعي بالحق المدني التنازل عن دعواه. وبعد ذلك أجلت الدعوى لجلسة 13/ 3/ 1956 كطلب الحاضر عن المدعية بالحق المدني). وحيث إن المحكمة تستشف من هذه العبارة أن ما نسب إلى المدعية بالحق المدني من تنازل عن دعواها إنما أثبت في محضر الجلسة خطأ من الكاتب, شأن ذلك شأن ما أثبت على لسانها في ذات المحضر من الدفع بسقوط الدعوى الجنائية, وليس أدل على ذلك من أن عبارات هذا المحضر وردت مضطربة, وانتهت بالتقرير بتأجيل الدعوى بناء على طلب المدعية بالحق المدني مما يؤكد أن هذا التنازل لم يحصل منها, الأمر الذي ترى معه المحكمة استبعاد هذه العبارة, وبالتالي تكون الدعوى المدنية قائمة ويكون الدفع الذي رتبه المتهم الأول على النزول عن هذه الدعوى لا أساس له مما يتعين معه اطراحه. وحيث إنه عن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية لمرور أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ استلام المتهم المستندات في 3/ 9/ 1949 وبين إعلانه بالدعوى في 19/ 10/ 1952 فمردود بأن التهمة التي يسأل عنها المتهم هى جريمة خيانة أمانة باختلاس مستندات مملوكة للمجني عليه بوصفه وكيلا عنها وتبديدها, وهذه الجريمة تظل قائمة طوال قيام عقد الوكالة ولا تنقضي إلا بانتهاء المدة القانونية من تاريخ انقضاء الوكالة, ولما كان الثابت على لسان المتهم عند سؤاله, بالشكوى الإدارية المنضمة في 30/ 7/ 1950 أن وكالته عن المجني عليها لا تزال قائمة حتى ذلك التاريخ, فإذا أضيف إلى ذلك أن الثابت في الدعوى أن المجني عليها تقدمت بشكواها في 30/ 7/ 1950 وهو تاريخ اكتشاف استلام المستندات موضوع الدعوى ونفس التاريخ الذي أقر فيه المتهم بقيام وكالته عن المدعية بالحق المدني, فإن الدعوى الجنائية تكون قائمة, لأنه بفرض انقضاء الوكالة في هذا التاريخ لم تنقض ثلاث سنوات منه إلى تاريخ رفع الدعوى, وعلى هذا الأساس يكون ما ذكره المتهم من انقضاء الدعوى العمومية لا سند له من الواقع والقانون ويتعين لذلك اطراح هذا الدفع أيضا". لما كان ذلك, وكانت العبرة في إثبات طلبات الخصوم بحقيقة الواقع لا بما أثبته الكاتب سهوا, فإذا كانت محكمة الموضوع في حدود هذا الحق قد ذكرت الأدلة والاعتبارات التي اعتمدت عليها في قضائها باستبعاد هذه العبارة, وكانت هذه الأدلة والاعتبارات من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, خصوصا إذا كانت المدعية بالحقوق المدنية قد حضرت في الجلسة التالية لهذا التنازل المدعي به وأبدت طلباتها دون اعتراض من الطاعن, فالجدل في ذلك لا يقبل أمام محكمة النقض, وكان ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشئ المختلس بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجزه عن رده إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك, فإذا اعتبر الحكم تاريخ تقديم الشكوى من جانب المدعية بالحقوق المدنية مبدأ لمدة سقوط الدعوى العمومية في جريمة تبديد المستندات المسندة إلى المتهم - بوصفه وكيلا - ولم يثبت الطاعن أسبقية الحادث على ذلك التاريخ, كما لم يتبين القاضي من تلقاء نفسه هذه الأسبقية أخذا مما يقوم عنده من دلائل الدعوى وظروفها, فإن هذا الحكم لا يقبل الطعن عليه من ناحية مبدأ سريان المدة - لما كان ذلك, وكان ما يقوله الطاعن - بشأن الالتجاء إلى الطريق المدني يسقط به حق اختيار الطريق الجنائي - مردودا بما أورده الحكم في قوله "إن ما أثاره المتهم من وجود نزاع بينه وبين المجني عليها على ملكية المنزل فلا تأثير له على جريمة التبديد, طالما أن أركان هذه الجريمة قد توافرت من ثبوت استلام المتهم المستندات بوصفه وكيلا عن المجني عليها ولحسابها ثم غير حيازته من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك إضرارا بالمجني عليها" فدل الحكم بذلك على أن موضوع الدعوى المطروحة أمام المحاكم المدنية هو ملكية المنزل, وهذا النزاع لا يمنع من طلب تعويض عن اختلاس المستندات ولو كانت هذه المستندات مرتبطة بدعوى الملكية لاختلاف موضوع الدعويين, هذا بالإضافة إلى أن الدفع بسقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي ليس من النظام العام, فهو يسقط لعدم إبدائه قبل الخوض في موضوع الدعوى - كما هو الحال هنا - وكان يكفي لتكوين جريمة التبديد احتمال حصول الضرر, ومسألة البحث في حصول ضرر من عدمه هى مسألة موضوعية يفصل فيها نهائيا قاضي الموضوع ولا يدخل حكمه في ذلك تحت رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة التبديد التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, وكانت المحكمة غير مكلفة بتتبع دفاع المتهم في كل جزئية يثيرها والرد صراحة على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليه مستفادا ضمنا من الحكم بالإدانة إعتمادا على أدلة الثبوت التي أوردها, فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.