أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 701

جلسة 29 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل, ومصطفى كامل, ومحمود محمد مجاهد, وفهيم يسى جندي المستشارين.

(155)
الطعن رقم 883 لسنة 29 القضائية

(أ) نقض. أسباب الطعن الموضوعية. إثبات. إعتراف. تقديره وبحث كيفية صدوره أمر موضوعي.
(ب و ج) اختلاس الأموال الأميرية.
نوع الأشياء المختلسة.
عدم تفرقة نص المادة 112 ع بين الأموال الأميرية والأموال الخصوصية متى سلمت الأموال للمتهم ووجدت في عهدته بسبب وظيفته. عدم تحري الحكم صفة الأخشاب المختلسة - وهل هى مملوكة للحكومة أم الأفراد - لا يوفر الاخلال بحق الدفاع.
المسئولية والعقاب. العقوبات التكميلية. الرد. محكمة الموضوع.
تقدير التعويض إذا تعذر الرد أمر موضوعي ما دام الحكم قد اعتمد في التقدير على أساس معقول. مثال.
(د) عقوبة. الظروف المخففة. المادة 17 ع. دلالة عدم نزول المحكمة بالعقوبة إلى الحد الأدنى المسموح به.
تناسب العقوبة التي قضى بها مع الوقائع الثابتة لدى المحكمة.
(1) اعتراف المتهم وبحث كيفية صدوره والبواعث عليه وتقدير وقائعه هو أمر موضوعي, فلا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) نص المادة 112 من قانون العقوبات صريح في عدم التفرقة بين الأموال الأميرية والأموال الخصوصية, وجعل العبرة بتسليم الأموال إلى المتهم ووجودها في عهدته بسبب وظيفته - فإذا كان الحكم حين أدان المتهم "معاون المحطة" - في جريمة الاختلاس - قد أثبت أن الأخشاب التي اختلسها كانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته, فلا يكون الحكم قد أخل بحق المتهم في الدفاع - إذ هو لم يتحر صفة هذه الأخشاب - هل هى مملوكة للحكومة أم للأفراد.
(3) تقدير التعويض - إذا تعذر الرد - هو من المسائل التي تفصل فيها محكمة الموضوع دون معقب, فلا يقبل من المتهم أن يجادل أمام محكمة النقض في مقدار المبلغ المحكوم برده, ما دامت المحكمة قد اعتمدت في ذلك على أساس معقول مستمد من تقدير المتهم نفسه, وتقديمه أخشابا بهذه القيمة بدل الأخشاب التي اختلسها.
إذا كان الحكم فيما أشار إليه في صدد المادة (17) من قانون العقوبات لم يقصد إلا توقيع العقوبة في الحدود المنصوص عليها فيها, ولا يفهم منه أنه أراد تخفيض العقوبة بإنزالها إلى الحد الأدنى - إذ كان في وسع المحكمة - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت به - أن تنزل إلى الحبس لمدة ستة شهور - وما دامت هى لم تفعل فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلا مع الوقائع التي ثبتت لديها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا - وهو مستخدم عمومي (معاون محطة سكة حديد ألفنت) اختلس الألواح الخشبية الموضحة الوصف والقيمة بالمحضر والتي كانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته. وثانيا - عرض رشوة على مستخدمين عموميين (المخبر أحمد محمد عبد الكريم وفوزي مهنى ساويرس) للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن قدم لأولهما ورقة مالية من فئة الخمسين قرشا مقابل أن يتغاضى هو وزميله عن اتخاذ الاجراءات القانونية حيال اعترافه لهما باختلاس الأخشاب سالفة الذكر وصورة الإفادة الدالة على استلامه لها, ولكن المستخدمين العموميين لم يقبلا الرشوة. وثالثا - اختلس صورة الإفادة الدالة على استلام الأخشاب سالفة الذكر, وكذلك الإفادة الدالة على نقلها من مكان العثور عليها. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 104 و109 مكرر و111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات, فقررت بذلك, ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضوريا عملا بالمواد 112/ 1 و118 و119 مكرر و151 و152 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 17 و32 من نفس القانون بمعاقبة وديع زكي برسوم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبغزله من وظيفته وبرد مبلغ 462 قرشا وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة مبلغ الخمسين قرشا.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن يعيب على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال والاخلال بحق الدفاع, وفي بيان ذلك يقول إن الحكم ذكر في أسبابه معاملة الطاعن بالرأفة والنزول بالعقوبة للحد المنصوص عليه في المادة 17 من قانون العقوبات, ومع هذا قضى بمعاقبة الطاعن بالحبس سنتين مع الشغل, في حين أن الحد الأدنى للعقوبة - في صورة الدعوى بالتطبيق للمادة 17 - هو الحبس لمدة ستة شهور - لا سنتين كما توهمت المحكمة, وقد حال هذا الخطأ بينهما وبين وقف تنفيذ العقوبة بالتطبيق لنص المادة 55 من قانون العقوبات التي تشترط ألا تتجاوز العقوبة المحكوم بها الحبس مدة سنة, هذا وقد اعتمد الحكم فيما اعتمد إليه إلى اعتراف الطاعن أمام المخبرين أحمد عبد الكريم وقدري ساويرس باستلام الأخشاب والتصرف فيها, في حين أن هذا الاعتراف - إن كان قد وقع - فقد وقع بعد أن وعداه ببذل ما في وسعهما للتهوين من الأمر, ثم إن الطاعن طلب من المحكمة الاستعلام من مصلحة السكة الحديد عما إذا كان قد سقطت أخشاب من القطار نمرة 418, ولكن المحكمة لم تجبه إلى طلبه هذا مع أهميته وردت عليه بما لا يصلح ردا له, يضاف إلى ذلك أن الحكم قد دان الطاعن بجريمة الشروع في الرشوة مع انتفاء المبررات لقيام هذه الجريمة, كما أنه أغفل ذكر مواد الرشوة التي دانه بها مخالفا بذلك نص المادة 310 من قانون الإجراءات. هذا وقد خلت الأوراق من تقدير قيمة الأخشاب المختلسة, ولكن الحكم قدرها بمبلغ 462 قرشا, واستند ذلك إلى تقدير الأخشاب التي اشتراها الطاعن لتكون بدلا من الأخشاب المختلسة, مع أن القيام هنا غير جائز لاختلاف الأخشاب عن بعضها.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه (أولا) وهو موظف عمومي (معاون محطة سكة الفنت) اختلس الألواح الخشبية المبينة الوصف بالمحضر والتي كانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته. (وثانيا) عرض رشوة على مستخدمين عموميين (المخبرين أحمد عبد الكريم وقدري فهمي ساويرس) للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن قدّم لأولهما ورقة مالية من فئة الخمسين قرشا في مقابل أن يتغاضى وزميله عن اتخاذ الإجراءات القانونية حيال اعترافه باختلاس الأخشاب سالفة الذكر والامتناع عن إبلاغ المختصين, ولم تقبل منه الرشوة. (ثالثا) اختلس صورة وأصل الإفادة الدالة على استلام الأخشاب سالفة الذكر, وطلبت النيابة العامة عقابه بالمادة 104, 109 مكرر و111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات. فقضت محكمة الجنايات بمعاقبة الطاعن بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبعزله عن الوظيفة وبرد مبلغ 462 قرشا وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة مبلغ الخمسين قرشا - عملا بالمواد 112/ 1 و118 و119 مكرر و151 و152 و32 و17 من قانون العقوبات. وقد بين الحكم واقعة الدعوى في قوله "إن أحد عشر لوحا من الخشب سقطت في يوم 31/ 10/ 1955 من قطار بضاعة على مقربة من محطة الفنت واستقرت على شريط السكة الحديد, ثم عثر عليها (اسماعيل على بكير) ملاحظ الدريسه وتمكن من جمعها بمساعدة بعض عساكر الدريسة وعبد الحميد محمد عاشور أحد الأهالي, وفي اليوم التالي عهد الملاحظ إلى حمال يدعي حسن درويش بنقلها إلى محطة الفنت بعد أن أثبت هذا الملاحظ عثوره على تلك الأخشاب في إفادة بدفتر الإفادات - وسلم الأخشاب للمتهم وديع زكي برسوم (الطاعن) - إذ كان يعمل معاونا للمحطة - الذي وقع على أصل وصورة الإفادة بما يفيد الاستلام واحتفظ بالدفتر وبه الصورة, وقد كان على المتهم إتباعا لما تقضي به تعليمات المصلحة من ضرورة إثبات واقعة العثور على الأخشاب في دفتر داير المحطة وبدفتر تسليم البضائع, إلا أنه لم يقم باتباع تلك التعليمات, وإنما استولى على الأخشاب لنفسه, ثم انتهز فرصة إرسال الملاحظ إليه دفتر الإفادات في يوم 23/ 12/ 1955 مع عسكري الدريسة, فانتزع من الدفتر أصل وصورة الإفادة الخاصة باستلام تلك الأخشاب, ثم حدث أن تلقى رئيس مباحث السكة الحديد بلاغا مؤرخا 11/ 12/ 1955 من مجهول يكشف فيه النقاب عن واقعة اختلاس المتهم الأخشاب سالفة الذكر, فعهدت حكمدارية السكة الحديد لاثنين من رجال مباحثها - وهما أحمد محمد عبد الكريم وقدري فهمي ساويرس - بالتحري عن حقيقة الأمر فيما تضمنه هذا البلاغ, فانتقلا إلى الفنت, وهناك علما من ملاحظ الدريسة صحة ما جاء بالبلاغ وأخبرهما بما كان من انتزاع المتهم الإفادة الخاصة باستلام الأخشاب وقدم لهما دفتر الإفادات, فتحققا أن تلك الصورة قد انتزعت فعلا, ولما التقيا والملاحظ بالمتهم أنكر هذا الأخير بادئ الأمر استلامه الأخشاب من الملاحظ, إلا أنه عاد واعترف باستلامها وتصرفه فيها بعد أن علم من رجلي البوليس الملكي بوجود شهود على واقعة استلامه الأخشاب, كما اعترف لهما بانتزاع إفادة استلام الأخشاب من الدفتر بمعرفة الخفير محمود إسماعيل, وعقب انصراف الملاحظ قدم المتهم لرجل البوليس الملكي أحمد محمد عبد الكريم ورقة مالية من فئة الخمسين قرشا ليتغاضى عن اتخاذ الإجراءات القانونية فرفض قبولها, إلا أنه إزاء إصرار المتهم استلمها, ثم أبلغا الكونستابل علي علي حسنين رئيس نقطة بوليس قضائي مغاغة بالأمر وقدما له الورقة المالية فأجرى تحقيقا وفتش مخزن البضاعة والركاب فلم يعثر على الأخشاب بهما" - وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال ملاحظ الدريسة اسماعيل علي بكر وإبراهيم جمعه أحمد وملاك أسعد وأبو الخير عبد الله وعبد الحميد محمد عاشور وحسن عاشور وأحمد محمد عبد الكريم وقدري فهمي ساويرس والكونستابل علي علي حسانين, ومن اعتراف المتهم باستلامه الأخشاب التي جمعها الملاحظ, وإن كان قد ادعى أنها سرقت من مخزن البضائع. ثم عرض المتهم لدفاع الطاعن الذي أشار إليه في طعنه ورد عليه في قوله "إن الدفاع أثار موضوع عدم ثبوت أن الأخشاب التي عثر عليها ملاحظ الدريسة وسلمها للمتهم كانت مشحونة بقطار السكة الحديد, فإن هذا لا يغير الوضع, لأن الثابت من أقوال الشهود التي تطمئن لها المحكمة أن هذه الأخشاب عثر عليها على شريط السكة الحديد وسلمت للمتهم بصفته معاون محطة السكة الحديد أي بسبب وظيفته, ونص الفقرة الأولى من المادة 112 من قانون العقوبات جاء عاما, ولم يشترط أن تكون الأموال أو الأمتعة التي سلمت لموظف بسبب وظيفته مملوكة للحكومة أو للمصلحة التابع لها وعقابه واجب متى ثبت اختلاسه إياها لنفسه" - وانتهى الحكم إلى القول بثبوت وقائع الاختلاس والشروع في الرشوة وقضى عليه بعقوبة واحدة وهى عقوبة الاختلاس لارتباط الجرائم بعضها ببعض إرتباطا لا يقبل التجزئة, وذكر في صدد العقوبة "وترى المحكمة أخذ المتهم بالرأفة والنزول بالعقوبة للحد المنصوص عليه في المادة 17 من قانون العقوبات". لما كان ذلك, وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها أصل ثابت في الأوراق من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, وكان اعتراف الطاعن وبحث كيفية صدوره والبواعث عليه وتقدير وقائعه, هو أمر موضوعي, فلا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض, ما دام هو لم يطلب إلى محكمة الموضوع تحقيقه, وكان الحكم حين أدان الطاعن (معاون المحطة) في جريمة الاختلاس المعاقب عليها بالمادة 112 عقوبات قد أثبت أن الأخشاب التي اختلسها كانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته, فلا يكون الحكم قد أخل بحق الطاعن في الدفاع إذا هو لم يتحر صفة هذه الأخشاب, هل هى مملوكة للحكومة أم للأفراد, إذ نص تلك المادة صريح في عدم التفرقة بين الأموال الأميرية والأموال الخصوصية, وجعلت العبرة بتسليم الأموال إلى المتهم ووجودها في عهدته بسبب وظيفته, وكان الحكم قد قضى بعقوبة واحدة - هى عقوبة الاختلاس بوصفها العقوبة الأشد - فلا جدوى من الطعن على الحكم في صدد توافر أركان جريمة الرشوة أو في إغفاله المواد التي دانه بها في هذا الخصوص. لما كان ذلك, وكانت مسئولية الطاعن برد الشئ المختلس أو قيمته وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل الجريمة ثابتة, وكان تقدير التعويض - إذا تعذر الرد - هو من المسائل التي تفصل فيها محكمة الموضوع دون معقب, فلا يقبل من الطاعن أن يجادل أمام محكمة النقض في هذا التقدير, ما دامت المحكمة قد اعتمدت في ذلك على أساس مقبول مستمد من تقدير الطاعن نفسه وتقديمه أخشابا بهذه القيمة بدل الأخشاب التي اختلسها, وكان الحكم فيما أشار إليه في صدد المادة 17 من قانون العقوبات لم يقصد إلا توقيع العقوبة في الحدود المنصوص عليها فيها, ولا يفهم منه أنه أراد تخفيف العقوبة بإنزالها إلى الحد الأدنى, وقد كان في وسع المحكمة - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت به - أن تنزل إلى الحبس لمدة ستة شهور, وما دامت هى لم تفعل فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلا مع الوقائع التي ثبتت لديها - لما كان ذلك, وكان الحكم قد قضى بعقوبة العزل دون توقيت وهى لا تكون في حالة الحكم بعقوبة الحبس إلا مؤقتة عملا بالمادة 27 من قانون العقوبات, وكانت المحكمة قد عاملت المتهم بالرأفة وحكمت عليه بعقوبة الحبس, فإنه يتعين نقض الحكم نقضا جزئيا وتصحيحه بتوقيت عقوبة العزل.