أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 731

جلسة 30 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(159)
الطعن رقم 555 لسنة 29 القضائية

نقض. أوجهه. ما لا يعد خطأ في تطبيق القانون الإجرائي. مثال.
تحقيق. الاختصاص المكاني بإجرائه. امتداده بسبب ظرف اضطراري.
مثال في تنفيذ مأمور الضبط القضائي الإذن بتفتيش متهم.
من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني, ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الاجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة, فإن هذه الإجراءات منه أو ممن يندبه لها تكون صحيحة لا بطلان فيها, وإذ كان التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق, وقد صدر الأمر به من وكيل نيابة في حدود اختصاصه, وندب لإجرائه مفتش مكتب مكافحة المخدرات أو من يندبه, فندب هذا الأخير ضابط مباحث لتنفيذ الأمر, وكان الظرف الاضطراري المفاجئ - وهو محاولة المتهمين "اللذين صدر الأمر بضبطهما وتفتيشهما" الهرب بما معهما من المواد المخدرة - هو الذي دعا الضابط إلى مجاوزة حدود اختصاصه المكاني للقيام بواجبه المكلف به, ولم تكن لديه وسيلة أخرى لتنفيذ الأمر غير ملاحظتهما وضبطهما, فإن هذا الاجراء منه يكون صحيحا موافقا للقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين المذكورين بأنهما: أحرزا جواهر مخدرة (حشيشا وأفيونا) في غير الأحوال المصرح بها قانونا, وذلك بقصد الاتجار. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 1, 2, 7, 33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين 1, 12 من الجدول (أ) المرفق, فقررت الغرفة ذلك, ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا عملا بالمواد 1, 2, 33 ج, 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 الخاص بمكافحة المخدرات والفقرتين 1 و12 من الجدول رقم (أ) المرفق بمعاقبة كل من المتهمين طه عبد السلام الحطيبي وأحمد عبد السلام الحطيبي بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة الجواهر المخدرة والميزان المضبوطين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول هو الخطأ في تطبيق القانون, وذلك أنه مع تسليم الحكم المطعون فيه بصحة ما دفع به الطاعنان من أن التفتيش وقع من ضابط مباحث بندر الزقازيق خارج اختصاصه المكاني مما يترتب عليه استبعاد حقه في القبض والتفتيش بناء على الإذن الصادر له من وكيل نيابة بندر الزقازيق, إلا أن الحكم ذهب إلى عدم جدوى هذا الدفع لأن الطاعن الأول تخلى عن المخدر طواعية واختيارا حال مطاردته من رجال المباحث قبل أن يمسك به أحد, فأصبح في حالة تلبس بالجريمة مما يخول القبض عليه وتفتيشه. وفسر الحكم التخلي غير الاختياري بأنه يتلازم مع الامساك بالمتهم, وهو تفسير خاطئ مخالف للقانون, لأن التخلي عن المخدر نتيجة للقبض الباطل كالتخلي عنه نتيجة للشروع في القبض الباطل, كلاهما إجراء باطل غير مشروع, فإذا كان الثابت من واقعة الدعوى أن الطاعن الأول لم يتخل عن المخدر إلا نتيجة المطاردة المسلحة من رجال المباحث فإن هذا التخلي لا يجعل الطاعن المذكور في حالة تلبس تجيز القبض عليه قانونا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله "إنه نما إلى علم البكباشي عبد الفتاح الطرانيسي مفتش مكتب مكافحة المخدرات بالزقازيق أن المتهمين عبد السلام الحطيبي وأحمد عبد السلام الحطيبي (الطاعنين) يتجران في المخدرات, وأنهما ذهبا في صباح يوم 26 من يوليه سنة 1956 إلى مركز منيا القمح لجلب كمية من الجواهر المخدرة إلى بندر الزقازيق فتحرى عنهما, حتى إذا ما تأكد من ذلك حرر محضرا في الساعة العاشرة من صباح يوم 26 من يوليه سنة 1956 وعرضه على وكيل نيابة بندر الزقازيق فأجرى هذا الأخير تحقيقا مفتوحا سأله فيه وبانت له جدية التحريات فأذن بضبط وتفتيش المتهمين بدائرة بندر الزقازيق, وخوّل هذا الحق للبكباشي عبد الفتاح الطرانيسي مفتش مكافحة المخدرات بالزقازيق ولمن يندبه لذلك من رجال الضبطية القضائية على أن يتم ذلك في خلال ثماني وأربعين ساعة من تاريخ الإذن الصادر في الساعة 10.40 من صباح يوم 26 يوليه سنة 1956, وتنفيذا لهذا الإذن كلف البكباشي عبد الفتاح الطرانيسي الملازم أول محمد عبد الله عيسى ضابط مباحث بندر الزقازيق كتابة بضبط وتفتيش المتهمين المذكورين وفي الساعة الواحدة من مساء يوم 26 من يوليه سنة 1956 وتنفيذا لهذا التكليف انتقل الملازم أول محمد عبد الله عيسى ضابط المباحث ومعه المخبران عبد الله أحمد الخولي وعبد الباسط حسن قنصوه من قوة مكتب مكافحة المخدرات بالزقازيق إلى نقطة مرور شرويدة لمراقبة مدخل الطريق, ولما وصلوا النقطة المذكورة كلف الضابط المخبر عبد الله أحمد الخولي أن يجلس فوق مرتفع بالكشك لمراقبة الطريق, بينما جلس الضابط والمخبر عبد الباسط حسن قنصوة إلى جوار كشك المرور, وقرابة الساعة 2.10 مساء شاهد المخبر عبد الله أحمد الخولي المتهم الثاني أحمد عبد السلام الحطيبي قادما من ناحية منيا القمح ويقود موتوسيكلا ويركب خلفه شخص آخر لم يتعرف عليه ساعتئذ لأنه كان على بعد مائة متر منه فأبلغ الضابط بذلك, وقد أشار هذا الأخير بوضع حاجز المرور وما أن هم المخبران برفع ذلك الحاجز حتى عاد المتهم الثاني أحمد عبد السلام الحطيبي بالموتوسيكل بسرعة وإذ وجد الضابط والمخبر أنفسهم أمام ذلك المشهد لم يسعهم إلا أن يتابعوا الموتوسيكل, وقبل أن يلحق الأخيرون بالموتوسيكل, بل بينما كانوا على بعد خمسة عشر مترا من الموتوسيكل نزل من فوقه المتهم الأول طه عبد السلام الحطيبي وأخذ يعدو في الطريق وألقى قبل أن يمسك به أحد منديلا وميزانا على الأرض, فالتقط المخبر عبد الله أحمد الخولي هذا المنديل وذلك الميزان وقدمهما إلى الضابط الذي شاهد الجواهر المخدرة تبدو واضحة داخل المنديل وتحقق منها, فكلف المخبر عبد الله أحمد الخولي بمتابعة المتهم الأول وظل يطارده إلى أن أمسك به بينما اتخذ المتهم الثاني أحمد عبد السلام الحطيبي طريقه بالموتوسيكل هربا, وقد أحضر الضابط والمخبران المتهم الأول وسلموه إلى البكباشي عبد الفتاح الطرانيسي مفتش مكتب المخدرات, وقد الضابط لهذا الأخير المنديل والميزان اللذين تخلى عنهما المتهم الأول وهو يلوذ فرارا وقبل الإمساك به وفق ما سلف بيانه تفصيلا, وقد أخطر البكباشي عبد الفتاح الطرانيسي النيابة بالحادث وبوشر التحقيق, وقد ثبت أن المنديل الذي ألقاه المتهم الأول كان يحوي 297.5 جراما من الحشيش و60.7 جراما من الأفيون" وبعد أن أورد الحكم المطعون فيه الأدلة على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين, عرض لما دفعا به من بطلان القبض والتفتيش لحصولهما من ضابط المباحث في غير حدود اختصاصه الإقليمي, وبغض النظر عما رد به الحكم على هذا الدفع فإنه من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني, ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة, فإن هذه الإجراءات منه أو ممن يندبه لها تكون صحيحة لا بطلان فيها, ولما كان التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وقد صدر الأمر به من وكيل نيابة بندر الزقازيق في حدود اختصاصه وندب لإجرائه مفتش مكتب مكافحة المخدرات أو من يندبه, فندب هذا الأخير ضابط مباحث بندر الزقازيق لتنفيذ الأمر, ثم انتقل هذا الضابط لتنفيذه في دائرة اختصاصه المكاني, وتربص هو واثنان من المخبرين قدوم الطاعنين اللذين صدر الأمر بضبطهما وتفتيشهما - وهما من بندر الزقازيق أيضا -, فلما أقبلا راكبين دراجة بخارية ومعهما المواد المخدرة وهما باجتياز حدود بندر الزقازيق شاهدا ضابط المباحث والمخبرين فتوجسا خيفة وأدركا الخطر المحدق بهما فاستدارا بالدراجة البخارية يلتمسان الفرار بما معهما من حيث أتيا, غير أن الضابط والمخبرين تعقبوهما لتنفيذ أمر الضبط والتفتيش, وعندئذ نزل الطاعن الأول من فوق الدراجة محاولا الهرب وألقى بالميزان والمواد المخدرة التي كان يحملها فالتقطها أحد المخبرين وقدمها للضابط ثم واصل متابعة الطاعن المذكور حتى تمكن من القبض عليه على مسافة قريبة من حدود بندر الزقازيق, ولما كان هذا الظرف الاضطراري المفاجئ - وهو محاولة الطاعنين الهرب بما معهما من المواد المخدرة بعد صدور أمر النيابة بضبطهما وتفتيشهما - هو الذي أوجد حالة الضرورة ودعا الضابط إلى مجاوزة حدود اختصاصه المكاني للقيام بواجبه المكلف به, ولم تكن لديه وسيلة أخرى لتنفيذ الأمر غير ملاحقتهما وضبطهما, فإن هذا الإجراء منه يكون صحيحا موافقا للقانون, ويكون ما يثيره الطاعنان في الوجه المتقدم على غير أساس.
وحيث إن الوجه الثاني هو القصور في البيان, فقد دفع الطاعن الأول بأنه لم يكن يحرز مخدرا, وأن المخبرين قبضا عليه في مبنى السكة الحديد وأن ضابط المباحث لم يحضر إليهما إلا بعد فترة طويلة وأن المواد المخدرة لم تضبط إلا بعد القبض عليه وتفتيشه الذي لم يسفر عن وجود مخدر معه, وأن شهود النفي وهم من موظفي مصلحة السكة الحديد أيدوه في دفاعه, كذلك دفع الطاعن الثاني بأنه لم يضبط في يوم الحادث, وبأن اسمه لم يرد في إشارة التبليغ عن الواقعة, كما دفع بأنه كان وقت الضبط في بلدة أخرى وبأن شاهد النفي شهد بالجلسة بما يعزز دفاعه, غير أن الحكم المطعون فيه لم يتناول هذا الدفاع برد مع أنه دفاع جوهري هام.
وحيث إن ما يثيره الطاعنان في هذا الوجه مردود بأن محكمة الموضوع غير ملزمة بأن ترد صراحة على كل ما يثيره المتهم من أوجه دفاع موضوعية للتشكيك في صحة الواقعة أو في صحة نسبتها إليه أو ترد على ما شهد به شهود النفي, إذ الرد على كل ذلك يكون مستفادا ضمنا من قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أقامت عليها حكمها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.