أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 925

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان،ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وعباس العمراوي.

(177)
الطعن رقم 1747 لسنة 35 القضائية

(أ) تعويض. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعويض مؤقت: قضاء المحكمة به بناء على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذى ارتكب الفعل الضار المسند إليه. يكفى. بيان مدى الضرر: يكون على المحكمة التى ترفع لها الدعوى بالتعويض الكامل.
(ب) مسئولية مدنية. ضرر. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اثبات الحكم وقوع الفعل الضار من الطاعنين على المجنى عليها. تضمنه أركان المسئولية المدنية. وجوب الحكم على مقارفه بالتعويض. لا تثريب على المحكمة عدم تبيانها الضرر بنوعيه المادى والأدبى.
(ج) هتك عرض. قصد جنائى. حكم. "تسبيه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائى في جريمة هتك العرض. تحققه: بانصراف إرادة الجانى إلى الفعل. لا عبرة بما يكون قد دفع الجانى إلى فعلته أو الغرض الذى توخاه منها. يصح العقاب ولو لم يقصد الجانى بهذه الفعلة إلا مجرد الانتقام من المجنى عليها أو ذويها. تحدث الحكم استقلالا عن هذا الركن. غير لازم.
(د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "أوراق رسمية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خضوع أدلة الدعوى لتقدير القاضى في جميع الأحوال ولو كانت أوراقا رسمية ما دام الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى استخلصها القاضى من باقى الأدلة. مثال.
1ـ إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت الذى طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذى سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذى ارتكب الفعل الضار المسند إليه فهذا يكفى لتبرير التعويض الذى قضت به. أما بيان مدى الضرر فانما يستوجبه التعويض الذى قد يطالب به فيما بعد، وهذا يكون على المحكمة التى ترفع أمامها الدعوى به.
2ـ إذا كان الحكم قد أثبت وقوع الفعل الضار من الطاعن على المجنى عليهما من خدش شرفها والمساس بعرضها وهو بيان يتضمن بذاته الاحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على مقارفه بالتعويض - فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تبين الضرر بنوعيه المادى والأدبى الذى حاق بالمدعيين بالحقوق المدنية.
3ـ القصد الجنائى في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجانى إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجانى إلى فعلته أو بالغرض الذى توخاه منها فيصح العقاب ولو لم يقصد الجانى بهذه الفعلة إلا مجرد الانتقام من المجنى عليها أو ذويها. ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالا عن هذا الركن بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه.
4ـ من المقرر أن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضى ولو كانت رسمية. ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى استخلصها القاضى من باقى الأدلة. فاذا كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المجنى عليها وشاهدتى الاثبات من مقارفة الطاعنين للجريمة المسندة إليهما وأطرحت الشاهدة الرسمية المقدمة للأسباب السائغة التى أوردتها فان ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 25/ 7/ 1962 بدائرة قسم الجيزة محافظة الجيزة: هتكا عرض (.........) بالقوة بأن اعتديا عليها بالضرب ثم أمسكها الثانى من ذراعيها وتمكن الأول من رفع ملابسها وجذب سروالها حتى خلعه عنها فكشف بذلك عن عورتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 39 و268/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وادعى بحق مدنى كل من المجنى عليها وزوجها وطلبا القضاء لها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادتين 39 و268/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعنين بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وإلزامهما متضامنين أن يدفعا إلى المدعيين بالحق المدنى مبلغ قرش على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة هتك العرض بالقوة قد شابه القصور في التسبيب وذلك بأن الطاعن الأول دفع بأنه لم يكن موجودا بمحل الحادث وإنما كان بعمله وقدم دليلا على ذلك شهادة رسمية إلا أن المحكمة أهدرت هذا الدليل المستمد من وثيقة رسمية بأسباب لا تؤدى إلى نفى ما جاء بها وما قالته في هذا الشأن من أنه من السهل اصطناع مثل هذه الشهادة وأنها تتعارض مع أقوال شهود الاثبات التى اطمأنت إليها لا يكفى ردا على هذا الدفاع. فالمحكمة لم تتحقق من اصطناع تلك الشهادة ولم تسأل من كانوا مع الطاعن الأول في محل عمله كما لم تبين علة اطمئنانها لأقوال الشهود التى تعارضت مع هذا المستند الرسمى هذا وأن المحكمة استظهرت توافر القصد الجنائى لدى الطاعنين وهو قصد المساس بالعرض ودانت الطاعن الثانى باعتباره فاعلا أصليا في جريمة هتك العرض في حين أن ما أثبتته في حقه من أنه أمسك بذراعى المجنى عليها - وهو ما لا يعد عورة ـ لا يرتب مسئوليته في هذه الجريمة إلا بوصفه شريكا بشرط أن يتوافر لديه القصد الجنائى وثبوت علمه به وهو ما قصر الحكم في اثباته في حقه، وأخيرا فإن المحكمة في قضائها في الدعوى المدنية بالتعويض لم تبين وجه الضرر بشقيه المادى والأدبى الذى أصاب المدعيين بالحقوق المدنية ولم تستظهر ما إذا كان هذا الضرر قد نشأ من الجريمة التى دانت الطاعنين بها وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن مالك المنزل الذى يقيم به الطاعن الأول استصدر حكما بطرده ونفذه ضده الأمر الذى صادف هوى في نفوس باقى السكان ومنهم المجنى عليها التى أبدت من مظاهر الشماتة ما أثار حفيظة الطاعن الأول فاستعان بصديقه الطاعن الثانى وقدما ومعهما زوجة أولهما إلى مسكن المجنى عليها بالدور الأول في مساء يوم الحادث واقتحما عليها المسكن من النافذة وأمسك الطاعن الثانى بذراعيها لشل مقاومتها وخلع الطاعن الأول سروالها وسلمه لزوجته التى كانت تقف على باب المسكن بعد أن فتحه من الداخل وصارت تلوح به وكان ذلك على مرأى من شاهدتى الإثبات الساكنتين بنفس المنزل وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال المجنى عليها وشاهدتى الإثبات وهي أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى الشهادة الرسمية المقدمة من الطاعن الأول للتدليل على أنه لم يكن موجودا في مكان الحادث في قوله "....... ولا يجدى المتهم الأول (الطاعن الأول) المستند المقدم منه إذ من السهل الحصول عليه بعد ارتكاب الجريمة خدمة لدعواه والعودة من عمله في نحو الساعة السادسة مساء وهو وقت ارتكاب الحادث قبل الميعاد الثابت في تلك الشهادة فضلا عما أجمع عليه شهود الإثبات وقد اطمأنت المحكمة إلى أقوالهم من تواجده بمسرح الجريمة ومقارفته لها وبرفقته المتهم الثانى" وما أورده الحكم من ذلك كاف وسائغ للرد على دفاع الطاعن الأول الموضوعى وإطراح الشهادة الرسمية المقدمة، وإذ من المقرر ن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضى ولو كانت رسمية، ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى استخلصها القاضى من باقى الأدلة. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المجنى عليها وشاهدتى الإثبات من مقارفة الطاعنين للجريمة المسندة إليهما واطرحت الشهادة الرسمية المقدمة للأسباب السالفة التى أوردتها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، أما ما يثيره الطاعنان في طعنهما من أن الحكم قد أغفل استظهار القصد الجنائى في جريمة هتك العرض التى دانهما بها فهو نعى غير سديد، ذلك بأن الأصل أن القصد الجنائى في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجانى إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجانى إلى فعلته أو بالغرض الذى توخاه منها فيصح العقاب ولو لم يقصد الجانى بهذه الفعلة إلا مجرد الانتقام من المجنى عليها أو ذويها ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالا عن هذا الركن بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه. ولما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على الطاعنين مقارفتهما جريمة هتك العرض بالقوة بما أورده من اجترائهما على اقتحام مسكن المجنى عليها من النافذة وإمساك الطاعن الثانى بها من ذراعيها ليشل مقاومتها وخلع الطاعن الأول عنها سروالها وسلمه لزوجته التى كانت تقف على باب المسكن بعد أن فتحه من الداخل فصارت تلوح به مما مؤداه أن الطاعن الثانى ظل ممسكا بذراعى المجنى عليها ليشل مقاومتها ممكنا الطاعن الأول من إتمام جريمته بخلع سروالها وهو ما يقتضى بالضرورة واللزوم العقلى من الكشف على عورتها والمساس بعرضها، ولما كان ما أتاه الطاعن الثانى على هذا النحو يعتبر عملا من الأعمال التنفيذية المكونة لركن القوة في جريمة هتك العرض كما هو معرف به في القانون فانه يعد فاعلا أصليا فيها لا شريكا. لما كان ذلك، وكان ما استظهره الحكم على النحو سالف البيان ينطوى على نوع من الفحش الذى لا يدع مجالا للشك في قصد الطاعنين من ارتكابهما لهذه الفعلة فان ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة أسست قضاءها بالتعويض المؤقت قبل الطاعنين على قولها "وإذ ثبتت إدانة المتهمين جنائيا فانه يتعين مساءلتهما مدنيا كذلك عن الأضرار الأدبية والمادية التى لحقت المدعيين بالحق المدنى عملا بنص المادة 163 من القانون المدنى" وما قاله الحكم من ذلك يكفى في القضاء بالتعويض بعد أن أثبت على النحو سالف البيان وقوع الفعل الضار من الطاعنين على المجنى عليها من خدش شرفها والمساس بعرضها وهو بيان يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على مقارفه بالتعويض، فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تبين الضرر بنوعيه المادى والأدبى الذى حاق بالمدعيين بالحقوق المدنية لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت الذى طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذى سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذى ارتكب الفعل الضار المسند إليه فهذا يكفى لتبرير التعويض الذى قضت به. أما بيان مدى الضرر فإنما يستوجبه التعويض الذى قد يطالب به فيما بعد وهذا يكون على المحكمة التى ترفع أمامها الدعوى به. لما كان ذلك، فإن ما يعيبه الطاعنان على الحكم من أنه لم يبين وجه الضرر المادى والأدبى الذى أصاب المدعيين بالحقوق المدنية وقصوره في بيان أركان المسئولية المدنية لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.