أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 931

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبرى، وجمال المرصفاوى، ومحمد عبد المنعم حمزاوى، وبطرس زغلول.

(178)
الطعن رقم 1173 لسنة 35 القضائية

كسب غير مشروع. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
الكسب. متى يمكن وصفه بأنه حرام؟ إذا كانت الوظيفة قد طوعت أمر الحصول عليه بما يخرج عن مقتضى الأمانة والنزاهة.
من المقرر أن الكسب لا يمكن أن يوصف بأنه حرام ما لم تكن الوظيفة قد طوعت أمر الحصول عليه بما يخرج عن مقتضى الأمانة والنزاهة. بمعنى أنه لا يكون حراما كل ما يرد إلى الموظف أو من في حكمه عن طريق وظيفته دون أن يكون قد أتى من جانبه ما يتحقق به هذا الكسب الحرام. ولما كانت أقوال الشهود فضلا عن افتراق مؤداها عن بعض ما حصله الحكم نقلا عنها مخالفا بذلك ما هو ثابت بالأوراق - لا تكشف في مجموعها عن أن المتهم - ويعمل مهندسا للتنظيم - قد أتى عملا من جانبه يحمل أصحاب المبانى الذين لجأوا إليه على معاملته وهو ما عول عليه الحكم في استخلاص أنه انحرف بوظيفته انحرافا يؤدى إلى التأثيم فقد فسد بذلك استدلاله وأصبح قاصرا عما يحمل قضاءه مما يعيبه ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في المدة من أول أبريل سنة 1947 إلى أكتوبر سنة 1950 بدائرة مدينة الإسماعيلية: أثناء ندبه مهندسا للتنظيم بها حصل بسبب ظروف وظيفته على كسب غير مشروع قدره 8963 ج حالة كونه موظفا عاما..... وطلبت محاكمته طبقا لنص المواد 1 و5 و7 و10 و16 و23 من المرسوم بقانون رقم 131 لسنة 1952 المعدل بالقانونين رقمى 191 لسنة 1952 و180 لسنة 1953. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر مع المتهم بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 27 نوفمبر سنة 1955 بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإحالتها إلى النيابة لإجراء شئونها فيها وبتاريخ 31 ديسمبر سنة 1955 أمر السيد رئيس محكمة استئناف القاهرة بتقديم القضية للدائرة الرابعة المدنية. وقضت المحكمة الأخيرة حضوريا عملا بمواد الإتهام في 26 فبراير سنة 1956 بإلزام المتهم بأن يرد لخزانة الدولة مبلغ 8373 ج وألزمته مصاريف الدعوى ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن وكيل المتهم في هذا الحكم بطريق النقض أمام الدائرة المدنية في 11 مارس سنة 1956. ودائرة فحص الطعون بمحكمة النقض قررت بتاريخ 21 مارس 1961 استبعاد هذا الطعن من الجدول المدنى للمحكمة وإعادته إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيه. وبتاريخ 21 مايو سنة 1963 قضت محكمة النقض - الدائرة الجزائية - بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المشار إليها قضت حضوريا في 28 مارس سنة 1964 عملا بمواد الإتهام بإلزام المتهم بأن يرد لخزانة الدولة مبلغ 8373 ج وألزمته بمصروفات الدعوى ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه هو أنه إذا ألزمه بأن يرد لخزانة الدولة المبلغ الذى انتهى إلى أنه يمثل كسبا غير مشروع حصل عليه أثناء عمله مهندسا للتنظيم - وقد أخطأ في الإسناد وفسد استدلاله ذلك بأنه راح يقيم الدليل على انحرافه عن وظيفته - بتعمده تعطيل إجازة رسوم المبانى التى كان يضعها غيره من المهندسين ليحمل أصحاب رسوم البناء على اللجوء إليه - بأقوال نسبها إلى كل من المقاول محمد علي أحمد والمهندسين جورجى ميخائيل وزكى مصطفى محمد في حين أن الثابت بمحضر تحقيق اللجنة أن المقاول محمد علي أحمد قرر أنه كان قد تقدم للطاعن برسم فلم يجزه بدعوى أنه غير قانونى واستبقاه حتى يرى فيه مفتش التنظيم عند مروره رأيا، فلما حضر هذا الأخير أجازه لمطابقته للقانون وقد فصل الشاهد أمام المحكمة هذا الذى أجمله فذكر أنه كان قد تجاوز في الرسم المقدم منه للطاعن الارتفاع المقرر قانونا، وعندما حضر المفتش كان قانون المبانى قد عدل فاعتمد الرسم - وقد كان هذا التفصيل هو ما شهد به مفتش التنظيم بالجلسة فضلا عن أنه تأيد بكشف البلدية المقدم في الدعوى عن بيان مخالفات المبانى وأما الشاهد جورجى ميخائيل فقد قرر في تحقيق اللجنة - ولم يشهد أمام المحكمة - أن الطاعن اعترض على أخذ رسومه وأرسله للإدارة لأخذ الرأى فأقرته ثم أردف الشاهد يقول إن اعتراض الطاعن كان يرجع إلى عدم إلمامه في البداية بقانون المبانى لعدم اشتغاله به من قبل فلما أن اتقنه قلت اعتراضاته، وأما المهندس زكى مصطفى محمد فقد شهد بأنه وضع رسما لعميل وإذ ما قدمه هذا الأخير للطاعن فقد استدعاه مرارا حتى إذا قابله فقد أبلغه أن عميله طلب منه تعديل الرسم وترك له في مقابل ذلك أجرا إلا أنه بحكم الزمالة لم يقبل هذا العرض وقدم له - أى الشاهد - الأجر والرسم ليقوم هو بالتعديل بنفسه وتم ذلك رغم إلحاح المهندس في ترك المبلغ للطاعن ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن أقوال هؤلاء الشهود وهي على النحو المار ذكره لا تؤدى فعلا إلى ما رتبه الحكم عليها ومن ثم فقد فسد استدلاله بها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وقائع الدعوى وحصل مؤدى أقوال الشهود وعدد الرخص التى صرفت عن الرسوم المقدمة لجهة التنظيم بمدينة الاسماعيلية في فترة اشتغال الطاعن مهندسا بها خلص إلى أن ظروف ونفوذ وظيفة الطاعن واستغلاله لهما قد طوعا له أن يجنى كسبا غير مشروع يتمثل في المبلغ الذى ألزمه برده وساق في سبيل التدليل على هذا القضاء قوله: "ومن حيث إن أقوال الشهود محمد علي أحمد وجورج ميخائيل وزكى مصطفى محمد تؤكد في مجموعها أن المدعى عليه - الطاعن - كان يتعمد تعطيل الرسوم التى تأتى عن غير طريقه إما بحجة أنها مخالفة للقانون وإما بحجة أنه يريد أن يستطلع فيها رأى الإدارة بالقاهرة وهذه الأعمال الإيجابية التى أتاها المدعى عليه مع مهندس المدينة من تعطيل أعمالهم وتلمس المعاذير في تأخير صرف الرخص إليهم ألقى في روع الناس جميعا أن الرسم لا يعتمد إلا إذا كان عن طريق المدعى عليه وهذا الإعتقاد الذى ساد الناس وجعلهم ينهالون بطلباتهم عليه ليضمنوا الحصول على الرخص التى يرغبون في الحصول عليها كان نتيجة لفعل المدعى عليه بتعطيل الأعمال التى تأتى عن غير طريقه ولم يكن المدعى عليه محقا في تعطيل تلك الرسوم لأن الرسم الذى قدمه محمد علي أحمد ورفضه المدعى عليه وطلب منه انتظار المفتش لعرضه عليه وافق عليه المفتش وأمر بصرف الرخصة كما أن الرسم الذى قدمه جورج ميخائيل ورفضه المدعى عليه وأرسله للقاهرة لاستطلاع رأى الإدارة فيه أعيد للموافقة والمدعى عليه يعلم في قرارة نفسه أن الرسوم صحيحة وإلا لما وافق عليها المفتش ووافقت عليها الإدارة ولكنه تعمد هذا العمل ليشعر الناس بأهميته وبأنه هو الوحيد القادر على إخراج الرسوم التى تفوز بالرخصة ولتلهف الناس في الحصول على الرخص نظرا لكثرة إقبال الضباط الإنجليز على استئجار المبانى الجديدة فقد أقبل الناس عليه وأثرى من ذلك هذا الثراء الذى كانت الوظيفة واستغلالها سببا في الحصول عليه" لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة المقررات المضمومة أن المقاول محمد علي أحمد شهد أمام لجنة الكسب غير المشروع بما محصله أن أصحاب المبانى كانوا قد اعتادوا على تقديم رسوم مبانيهم بأنفسهم لجهة التنظيم فلما صدر قانون المبانى سنة 1948 كانت ترفض رسومهم لعدم قانونيتها فأشار على هؤلاء أن يتصلوا بالطاعن ليرسم لهم رسوما قانونية لأن مرجع الأمر إليه وقرر الشاهد أن الطاعن كان يتقاضى عن الرسم مبلغا يتراوح بين عشرة وخمسة عشر جنيها وأنه لم يكن يتعجل إنجاز عمل غيره من المهندسين لأن ذلك أمر طبيعى في نفوس البشر وأضاف الشاهد أنه تقدم للطاعن ذات مرة برسم فرآه غير قانونى واستبقاه لحين حضور أحد المفتشين فلما حضر المفتش أحمد صالح اعتبره قانونيا وأجازه. وإذ سئل الشاهد في جلسة المحاكمة فقد قرر أن الأتعاب كانت تؤدى للطاعن دون أن يكون ملحوظا فيها تسهيل إجراءات الترخيص وأن الطاعن لم يكن يستغل نفوذه بل كان أصحاب الشأن يلجأون إليه اعتقادا منهم أنه أقدر على مساعدتهم وخلص الشاهد إلى القول بأن الرسم الذى كان قد قدمه للطاعن كان مجاوزا فيه الارتفاع القانونى وأنه عندما حضر المفتش كان القانون قد عدل في هذا العدد فأصبح الرسم قانونيا. وأما المهندس جورجى ميخائيل فقد شهد أمام اللجنة بما مؤداه أن مؤداه أن الأهالى كانوا راضين عن الطاعن وإن كان بعض المهندسين قد تشكوا منه بدعوى أنه كان يرفض رسومهم أو يعطلها ولكن لا يعلم إن كان ذلك لأسباب فنية أم لا وأضاف الشاهد أن الطاعن اعترض مرة على رسم له وأرسله إلى الإدارة فوافقت عليه ثم استطرد الشاهد يقول إن سبب ذلك كان راجعا إلى أن الطاعن لم يكن قد تفهم القانون في بدء العمل به ثم لما أتقنه لم يرفض رسما صحيحا. وإذ سئل المهندس زكى مصطفى محمد أمام اللجنة فقد شهد بأنه لم يلمس أن الطاعن كان يعطل رسوم غيره بل إنه كان يقوم أحيانا بتعديل رسوم لبعض عملاء الطاعن فلا يغضبه ذلك ويجرى استخراج الرخص دون أية صعوبة، وأضاف الشاهد أنه كان يحاول تفهيم الأهالى خطأ اعتقادهم بأن الطاعن لا يجيز رسوم غيره وأورد للتدليل على هذا النظر أن عميلا كان قد طلب من الطاعن تعديل مسقط النور في رسم من عمله وأعطاه عن ذلك أجرا غير أن الطاعن رفض هذا العرض وأعاد الرسم والأجر له - للشاهد - ليعدل الرسم بنفسه وقرر الشاهد بالجلسة أن أجر الطاعن كان يقل عن أجر غيره لأن غالبية الرسوم كانت بسيطة ومتشابهة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الكسب لا يمكن أن يوصف بأنه حرام ما لم تكن الوظيفة قد طوعت أمر الحصول عليه بما يخرج عن مقتضى الأمانة والنزاهة، بمعنى أنه لا يكون حراما كل ما يرد إلى الموظف أو من في حكمه عن طريق وظيفته دون أن يكون قد أتى من جانبه ما يتحقق به هذا الكسب الحرام وكانت أقوال الشهود الثلاثة على النحو المار ذكره فضلا عن افتراق مؤداها عن بعض ما حصله الحكم نقلا عنها مخالفا بذلك ما هو ثابت بالأوراق - لا تكشف في مجموعها من أن الطاعن قد أتى عملا من جانبه يحمل أصحاب المبانى الذين لجأوا إليه على معاملته وهو ما عول عليه الحكم في استخلاص أنه انحرف بوظيفته انحرافا يؤدى إلى التأثيم فقد فسد بذلك استدلاله وأصبح قاصرا عما يحمل قضاءه مما يعيبه ويستوجب نقضه. بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن. لما كان ماتقدم، وكان هذا الطعن هو الطعن الثانى مرة على الحكم المطعون فيه فإنه يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع وذلك عملا بنص المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض.