أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 945

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمد أبو الفضل حفنى.

(180)
الطعن رقم 1840 لسنة 35 القضائية

(أ) دعوى مدنية. "قبولها". دفوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
قضاء الحكم للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض دون أن يعرض لتقدير الأثر المترتب على عقد الاتفاق المبرم بينه وبين المتهم في مصير الدعوى المدنية ويرد على ما دفع به الطاعن من عدم قبول تلك الدعوى لهذا السبب. قصور.
(ب) تبديد. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
جريمة التبديد. مجرد التأخر في الوفاء. غير كاف لقيامها. وجوب اقتران ذلك بانصراف نية الجانى إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضرارا بصاحبه.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إعتراف".
لا يصح تأثيم انسان بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته. متى كان ذلك مخالفا للواقع والحقيقة.
1- قضاء المحكمة للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض دون أن تعرض لتقدير الأثر المترتب على عقد الاتفاق المبرم بينه وبين المتهم في مصير الدعوى المدنية وترد على ما دفع به الطاعن بالجلسة من عدم قبول تلك الدعوى لهذا السبب يجعل الحكم معيبا بالقصور.
2- لا يكفى في جريمة التبديد مجرد التأخر في الوفاء بل يتعين أن يقترن ذلك بانصراف نية الجانى إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضرارا بصاحبه وهو ما قعد الحكم عن استجلائه ومن ثم يكون معيبا بالقصور.
3- من المقرر أنه لا يصح تأثيم انسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته، متى كان ذلك مخالفا للواقع والحقيقة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم أول أبريل سنة 1959 بدائرة نجع حمادى: بدد الزراعة المبينة بالمحضر والمحجوز عليها قضائيا لصالح محمود حسانين والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتسليمها يوم البيع فاختلسها إضرارا بمالكها وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجنى عليه مدنيا طالبا القضاء له قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت، ومحكمة نجح حمادى الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 21 من أكتوبر سنة 1961 عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ والزامه أن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ عشرة جنيهات والمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة قنا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 21 من نوفمبر سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بايقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم عملا بالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 4 من فبراير سنة 1964 قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة قنا الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماه. ومحكمة قنا الابتدائية قضت بدائرة مجددة حضوريا بتاريخ أول ديسمبر سنة 1964 بقبول الإستئناف شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم شهرا واحدا وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ عشرة جنيهات والمصاريف المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية في يوم صدوره...... الخ.


المحكمة

حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تبديد قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال كما انطوى على إخلال بحق الدفاع وذلك بأنه عول في الادانة على ما أقر به الطاعن بعقد الاتفاق المؤرخ 31 أكتوبر سنة 1961 المبرم بينه وبين المطعون ضده الذى اضطر الطاعن إلى إجرائه عقب إدانته ابتدائيا وقبل الفصل في الاستئناف تفاديا للعقوبة المقضى بها عليه والذى أقيم على أساس التقرير التقريبى الوارد بمحضر تسليم القصب الموضوع تحت حراسة الطاعن القضائية واستخلص الحكم من ذلك العقد أن صافى نصيب المطعون ضده في المحصول هو مبلغ 148 ج و200 م ورتب على أن الطاعن اختلس أموال المطعون ضده إضرارا به في حين أن هذا العقد لا يصلح أساسا لإثبات أن الطاعن أدخل في ذمته شيئا من قيمة المحصول وأن ما ورد به من بيان لا يصلح سندا للمحاسبة بينهما. فضلا عما تردى فيه الحكم من خطأ في تقدير نصيب المطعون ضده على النحو الذى إنتهى إليه، مع أنه ورد بعقد الاتفاق أن الطاعن دفع إلى هذا الأخير مبلغ 107 ج وهو ما يجاوز نصيبه وقدره النصف في تقدير المحضر للمحصول جميعه بمبلغ 126 ج و660 م وقد إلتفت الحكم عن بيان حقيقة صافى ثمن القصب، على الرغم من أن المدافع عن الطاعن تمسك بعدم تحقيق جدية المستندات المقدمة في الدعوى. وأخيرا فإن الحكم قضى بإلزام الطاعن التعويض على الرغم مما ورد بعقد الاتفاق من تخالص، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال تسبيبا لقضائه ما محصله أنه يبين من عقد الإتفاق المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1961 الذى لم يجحده الطرفان - أن الطاعن بوصفه حارسا قضائيا على القصب محل النزاع - قد أقر بأن المدعى بالحقوق المدنية (المطعون ضده) يستحق من ثمن القصب - محل الحراسة - مبلغ 107 ج دفعها له نقدا بالإضافة إلى ما سدده من دينه وما أودعه خزانة المحكمة وجملة ذلك مبلغ 148 ج و200 م باعتباره صافى ما يستحق وليس مبلغ 41 ج و200 م كما كان الطاعن يزعم من قبل ولم يكن هناك خلاف في الحساب يبرر هذا الزعم فهو الذى تولى الانفاق على القصب وبيعه وبالتالى يعرف ثمنه واتخذ الحكم من إنكار الطاعن حق المدعى بالحقوق المدنية في ذلك المبلغ في سنة 1956 وقت قيامه ببيع المحصول ثم اعترافه به بعد ذلك في سنة 1961 وقت تحرير عقد الاتفاق سوء قصد الطاعن وتبديده هذا المبلغ إضرارا بالمجنى عليه وانتهى إلى إدانته وإلزامه التعويض. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على عقد الاتفاق المودع الأوراق والمسلم به من الطرفين أن الطاعن دفع إلى المطعون ضده مبلغ 107 ج وقت تحريره وهو قيمة الباقى من ثمن القصب المقدر بمعرفة المحضر بمبلغ 135 ج - طبقا لما ورد بذلك العقد بعد خصم المصروفات الخاصة بالمطعون ضده وقد أشير بالعقد إلى ما دفعه الطاعن لشريكى المطعون ضده وما سدده لدائنيه كما صرح المطعون ضده بصرف مبلغ 8 ج و360 م المودع خزانة المحكمة وجاء بالبند الرابع منه مبلغ الـ 107 ج المدفوعة في تاريخ تحرير العقد هو المبلغ الصافى بعد خصم أجرة نقل وشحن القصب موضوع الحراسة وبعد حسم نقط الخلاف حول قيمة الزراعة ومقدار المصروفات في حدود نصيب المطعون ضده في زراعة القصب وبعد تصفية كافة الخلافات بين الطرفين. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص إدانة الطاعن من ذلك الاتفاق وحده على أساس صدوره منه ومن تأخره في سداد المبالغ التى أقر بها للمطعون ضده بعد انكارها، وكان يبين من محاضر جلسة المحاكمة أن الطاعن دفع بانتفاء القصد الجنائى لديه وتمسك بتحقيق جدية مستنداته مقررا بوجود مناقشات حسابية بينه وبين المجنى عليه وأن هذا الأخير قدر ثمن القصب بمبلغ 250 ج ثم قبل أخيرا المبلغ الذى عرض عليه، وكان يبين من المفردات المضمومة أن الثابت من الأوراق أن الطاعن قدر ثمن القصب بمبلغ 102 ج وقدره المحضر بمبلغ 126 ج و 660 م وليس 135 ج كما ورد بعقد الاتفاق وأن تصفية الحساب الموضحة بهذا العقد تشير إلى أن قيمة النصف فيه - الخاص بالمجنى عليه - وهو مبلغ 148 ج و200 م ومجموع ذلك هو مبلغ 296 ج و400 م وفي الوقت ذاته أشار هذا الاتفاق في صدره إلى تقدير المحضر وفي صلبه ما يفيد أن شريكى المطعون ضده قد استوفيا حقهما وهو النصف على أساس أنه مبلغ 41 ج و500 م وهذه الفروق الظاهرة سالفة البيان تساند الطاعن فيما ذهب إليه من جدوى طلبه تحقيق دفاعه في هذا الشأن لوجود تلك الخلافات الحسابية. وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعن على مجرد ما استخلصه من التقدير الوارد بعقد الاتفاق وتأخره في السداد دون أن يمحص دفاع الطاعن في هذا الخصوص أو يرد عليه بما يفنده، وكان من المقرر أنه لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته، متى كان ذلك مخالفا للواقع والحقيقة. ولا يكفى في جريمة التبديد مجرد التأخر في الوفاء، بل يتعين أن يقترن ذلك بانصراف نية الجانى إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضرارا بصاحبه، وهو ما قعد الحكم عن استجلائه، ومن ثم يكون معيبا بالقصور والإخلال بحق الدفاع الذى يبطله. هذا فضلا عما تردى فيه من خطأ حين قضى للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض دون أن يعرض لتقدير الأثر المترتب على عقد الاتفاق سالف البيان في مصير الدعوى المدنية ويرد على ما دفع به الطاعن بالجلسة من عدم قبول تلك الدعوى لهذا السبب. ومن ثم يكون الحكم معيبا أيضا بالقصور من هذه الناحية ويتعين لذلك قبول الطاعن بالنسبة إلى الدعويين الجنائية والمدنية ونقض الحكم عنهما. ولما كان الطعن للمرة الثانية فإنه يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع وذلك إعمالا للمادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.