أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 793

جلسة 19 من أكتوبر سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: أحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(169)
الطعن رقم 683 لسنة 29 القضائية

استدلال. تلبس. متى يتحقق؟
بإدراك وقوع الجريمة بأية حاسة من الحواس متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكا. المادة 8 من قانون تحقيق الجنايات و30 من قانون الإجراءات الجنائية.
نقض. أوجه الطعن. الخطأ في تأويل القانون الإجرائي. مثال.
تقرير الحكم عدم جواز الاعتماد على حاسة الشم للاستدلال على قيام حالة التلبس بجريمة.
أورد الشارع في المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات القديم لفظ "الرؤية" في مشاهدة الجريمة المتلبس بها تعبيرا عن الأغلب من طرق المشاهدة عند المفاجأة بجناية أو جنحة ترتكب, والنص الجديد في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية لم يورد الرؤية وإنما عنى ببيان الحال التي ترتكب فيها تلك الجريمة جناية كانت أو جنحة أو الوقوف على هذه الحال عقب ارتكاب أيهما ببرهة يسيرة, ومفاد ذلك وطبقا لما جرى عليه القضاء - حتى في ظل النص القديم - أن الرؤية بذاتها ليست هى الوسيلة الوحيدة لكشف حالة التلبس, بل يكفي أن يكون شاهدها قد حضر ارتكابها بنفسه وأدرك وقوعها بأية حاسة من حواسه تستوي في ذلك حاسة البصر, أو السمع, أو الشم, متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكا فيكون ما انتهى إليه الحكم - من أن الاعتماد على حاسة الشم للاستدلال على قيام حالة التلبس هو استدلال غير جائز لما فيه من اعتداء على الحرية الشخصية - منطويا على تأويل خاطئ للقانون بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: سهل تعاطي المواد المخدرة "حشيش" بأن قدمها لرواد دكانه - وطلبت إلى غرفة الإتهام إحالة المتهم إلى محكمة جنايات بورسعيد لمعاقبته بالمواد 1 و2 و33/ جـ و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 - والبند 12 من الجدول (1) المرفق به فقررت الغرفة ذلك لمحاكمته بالمواد سالفة الذكر. وأمام محكمة جنايات بورسعيد دفع المتهم ببطلان القبض. ومحكمة جنايات بورسعيد قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة عبد السيد الناغي مما أسند إليه ومصادرة المخدر المضبوط - وقدرت ثلاث جنيهات أتعابا للدفاع المنتدب عن المتهم تصرف له من الخزانة - وردت على الدفع قائلة إن القبض على المتهم على غير أساس. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه إذ أسس براءة المطعون ضده على بطلان القبض عليه لمباشرته من بعض المخبرين وهم ليسوا من رجال الضبط القضائي الذين ليس لهم حق القبض والتفتيش, ولأن القول بانبعاث رائحة الحشيش من محل المطعون ضده لا يكفي لتوافر حالة التلبس, لأن الاعتماد على حاسة الشم ينطوي على إهدار الحرية الشخصية للأفراد, ومن ثم يكون الحكم بالبراءة قد أخطأ تأويل القانون وتطبيقه على واقعة الدعوى.
وحيث إنه يتضح من الاطلاع على الأوراق أن الدعوى العمومية رفعت على المطعون ضده لأنه في يوم 30 من يناير سنة 1955 بدائرة قسم ثالث بورسعيد بمحافظة القنال سهل تعاطي مادة (الحشيش) لرواد محله. وطلبت النيابة معاقبته بالمواد 1 و2 و33/ جـ و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول المرفق به, وقضت محكمة جنايات بورسعيد ببراءة المتهم ومصادرة المضبوطات, وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن المحكمة ذكرت في أسبابه ما يأتي: - "الثابت في الدعوى أن الذين قاموا بإجراء القبض على المتهم ليسوا من رجال الضبطية القضائية ولكنهم نفر من أفراد البوليس الملكي الذين لا يجوز لهم قانونا القبض على الأشخاص وتفتيشهم إلا في حالات التلبس الواضح بوقوع جريمة, ولا يكفي لخلق هذه الحالة بالنسبة للمتهم وتبرير القبض عليه أن تكون رائحة الحشيش منبعثة من دكانه لأن مجرد الاعتماد على حاسة الشم للقول بوجود حالة تلبس بجريمة تعاطي الحشيش أو تسهيل تعاطيه ينطوي على إهدار الضمانات التي فرضها القانون للمحافظة على الحرية الشخصية". ولما كانت الواقعة التي أثبتها الحكم هى أن رجال البوليس الملكي وهم ثلاثة, كانوا يمرون بشارع بني سويف ببورسعيد ولما وصلوا أمام دكان المتهم شموا رائحة الحشيش تنبعث منه فاتجهوا إليه وشاهدوه ممسكا بجوزة وبصحبته عدة أشخاص فروا بمجرد دخول المخبرين الدكان وبقي المتهم وقد وضع الجوزة تحت البنك فأمسكوا به وضبطوا الجوزة وتبين من فحصها كيماويا أن بها آثار حشيش وفي حجرها فتات حشيش محترق, فاقتادوه إلى القسم لمباشرة التحقيق, لما كان ذلك وكان القانون قد خوّل لرجال السلطة العامة بمقتضى المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحضروا المتهم المتلبس بجناية أو جنحة يجوز الحكم فيها بالحبس ويسلموه إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي, وكانت حالة التلبس هى حالة تلازم الجريمة نفسها كما هو المستفاد من نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية. وإنه وإن كان الشارع في المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات القديم قد أورد لفظ "الرؤية" في مشاهدة الجريمة المتلبس بها فما كان ذلك إلا تعبيرا عن الأغلب من طرق المشاهدة عند المفاجأة بجناية أو جنحة ترتكب - والنص الجديد في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية لم يورد الرؤية وإنما عنى ببيان الحالة التي ترتكب فيها تلك الجريمة جناية كانت أو جنحة أو الوقوف على هذه الحال عقب ارتكاب أيهما ببرهة يسيرة - ومفاد ذلك وطبقا لما جرى عليه القضاء حتى في ظل النص القديم, أن الرؤية بذاتها ليست هى الوسيلة الوحيدة لكشف حالة التلبس بل يكفي أن يكون شاهدها قد حضر ارتكابها بنفسه وأدرك وقوعها بأية حاسة من حواسه, تستوي في ذلك حاسة البصر, أو السمع, أو الشم متى كان هذا الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكا, لما كان ذلك وكان القانون كما سبق القول قد خوّل رجال السلطة العامة ومنهم رجال البوليس الملكي إحضار المتلبس بجناية أو بجنحة يجوز الحكم فيها بالحبس وتسليمه إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي, بل أجاز القانون ذلك لأي فرد من أفراد الجمهور, لما كان ذلك فإن الإجراءات التي قام بها رجال البوليس هى إجراءات صحيحة ويكون ما انتهى إليه الحكم من أن ضبط المتهم قد وقع باطلا ومن أن الاعتماد على حاسة الشم للاستدلال على قيام حالة التلبس هو استدلال غير جائز لما فيه من إعتداء على الحرية الشخصية, يكون ما انتهى إليه الحكم من ذلك منطويا على تأويل خاطئ للقانون بما يستوجب نقض الحكم دون حاجة إلى بحث سائر ما جاء بأسباب الطعن, ولما كانت المحكمة قد قصرت بحثها على الدفع ببطلان القبض على المتهم دون أن تتعرض للواقعة الجنائية من ناحية ثبوتها أو عدم ثبوتها فإنه يتعين إحالة القضية لنظرها من جديد أمام دائرة أخرى.