أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 829

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار, وبحضور السادة: فهيم يسى جندي, ومحمود حلمي خاطر, وعباس حلمي سلطان, وعادل يونس المستشارين.

(177)
الطعن رقم 592 لسنة 29 القضائية

دعوى مدنية. إنقضاؤها بتنازل المدعي بالحقوق المدنية عن حقوقه. صلح. آثاره. سلطة قاضي الموضوع في تفسير عقد الصلح. عدم جواز التوسع في تفسيره. م 555 مدني.
استخلاص نية الطرفين وتحديد النتائج المبتغاه من الصلح أمر موضوعي ما دام الاستخلاص سائغا. تدليل سليم على أن الصلح كان لتهدئة الخواطر ولم يقصد به التنازل عن الحق المدني.
من المقرر أن الصلح عقد ينحسم به النزاع بين الطرفين في أمر معين وبشروط معينة, ولهذا وجب ألا يتوسع في تأويله, وأن يقصر تفسيره على موضوع النزاع, على أن ذلك لا يحول بين قاضي الموضوع وبين حقه في أن يستخلص من عبارات الصلح ومن الظروف التي تم فيها نية الطرفين والنتائج المبتغاه من الصلح ويحدد نطاق النزاع الذي أراد الطرفان وضع حد له باتفاقهما عليه - شأنه في ذلك شأن باقي العقود - إذ أن ذلك من سلطته, ولا رقابة عليه فيه ما دامت عبارات العقد والملابسات التي تم فيها تحتمل ما استخلصه منها - فإذا استخلص الحكم من عقد الصلح والظروف التي تم فيها أن القصد من إجرائه كان تهدئة الخواطر, وأنه لا يحمل في طياته تنازلا من المجني عليه عن حقوقه المدنية, وكان هذا الاستخلاص سائغا في العقل وتحتمله عبارات الصلح وملابساته, فيكون ما انتهى إليه الحكم من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية - لسبق تنازل المدعي بالحقوق المدنية عن حقوقه - صحيحا في القانون.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين. بأنهما: المتهم الأول - ضرب محمد أحمد عبد الغني - المتهم السادس - على رأسه فأحدث به الإصابة المبينة بالتقرير الطبي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد عظمي بقطر 2.5سم بالعظم الجبهي لا يملأ بنسيج عظمي بل بنسيج ليفي مما قد يعرضه للإصابات الخفيفة وضربات الشمس والتهابات السحايا وخراجات المخ ونوبات الصرع والجنون الأمر الذي يقدر معه مدى العاهة بنحو ثمانية في المائة 8% - والمتهم الثاني - ضرب فهيم عبد السيد نخله على ذراعه الأيمن فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى عسر في حركات كب وبطح الساعد الأيمن مما يقلل من كفاءة هذا الساعد وفائدته بالنسبة له الأمر الذي يقدر معه مدى العاهة بنحو ثمانية في المائة. وطلبت إحالتهما على محكمة جنايات سوهاج لمحاكمتهما بالمادة 240/1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك, وادعى محمد أحمد عبد الغني المجني عليه بحق مدني بمبلغ 100 جنيه قبل المتهم الأول مع المصاريف المدنية المناسبة, ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ 100 جنيه والمصاريف المدنية وخمسة جنيهات أتعابا للمحاماة, وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وأعفتهما من المصاريف الجنائية, فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو القصور والخطأ في الإسناد وفي الاستدلال ذلك أن الحكم المطعون فيه استند في إدانة الطاعن إلى أقوال المجني عليه والشاهد محمد عثمان والأول هو المدعي بالحق المدني والثاني شيخ طاعن في السن ضعيف البصر لم يستطع أن يميز شخصية الطاعن إلا على بعد نصف متر وقد اضطربت أقواله في تعيين من أحدث الإصابة التي تخلفت عنها العاهة بالمجني عليه فنسبها تارة إلى الطاعن وتارة لغيره وانتهى أخيرا إلى أنه لا يعرف أيهما الذي أحدث العاهة وبذلك تكون تهمة جناية إحداث العاهة المسندة إلى الطاعن شائعة ولا يسأل إلا عن القدر المتيقن في حقه وهو جنحة الضرب المنطبقة على المادة 242 فقرة أولى من قانون العقوبات لأن بالمجني عليه إصابتين إحداهما بالرأس تخلفت عنها العاهة والثانية بساعده الأيسر وقد أخطأ الحكم إذ لم يعول على دفاع الطاعن بعلة أنه كان موجودا بإقراره في محل الحادث وأصيب فيه وهو رد غير سائغ لأن وجود الطاعن في محل الحادث وإصابته فيه لا يدل في حد ذاته على أنه ارتكب الجناية المسندة إليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة استخلصها من أقوال المجني عليه والشاهد محمد عثمان وتؤدي إلى ما رتبه عليها - لما كان ذلك - وكان لمحكمة الموضوع ان تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما عداه وكان ذلك منها في حدود سلطتها التقديرية فإن الجدل في هذا الخصوص يكون واردا على مسائل موضوعية لا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من الطعن هو الخطأ في القانون ذلك أن الطاعن تمسك في جلسة المحاكمة بعدم قبول الدعوى المدنية لسبق تنازل المدعي بالحق المدني عن حقوقه في محضر صلح موقع عليه منه ومقدم في التحقيقات وقد اطرحت المحكمة هذا الدفاع بمقولة أن هذا الصلح عقدته لجنة يرأسها مأمور المركز وكان القصد منه التوفيق بين الأسرتين المتخاصمتين وليس التنازل عن التعويض - وما قاله الحكم في هذا الخصوص غير سائغ لأن تنازل المجني عليه عن حقوقه لا يعني إلا تنازله عن حقه في التعويض.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حين عرض لمحضر الصلح ولما يثيره الطاعن في هذا الوجه من الطعن تحدث عن ذلك في قوله "وحيث إنه بالرجوع إلى الصلح تبين أنه تم بواسطة لجنة يرأسها مأمور المركز وفي 26 من يوليه سنة 1954 أي بعد أربعة أيام من وقوع الحادث وكان المجني عليه بالمستشفى طريح الفراش وثابت من صلب هذا الصلح أن القصد منه التوفيق بين العائلتين المتخاصمتين وأن الفريقين أقرا بتصفية النفوس وتنازل أحدهما عن حقه قبل الآخر وأن التنازل كان لتصفية النفوس وتهدئة الخواطر وتعهدوا جميعا بعدم التشاحن وعدم التشاجر وثبت في هذا الصلح أن المجني عليه الأول وقع على الصلح أثناء وجوده في المستشفى بحضور لجنة الصلح. وحيث إن هذا الصلح لم يكن حاسما للنزاع الحالي ولم يشر إليه بشئ منه وجاءت صباغته عامة لا يفهم منه أن القصد كان التنازل عن التعويض المالي مستقبلا بل ظاهر منه أن الإدارة تدخلت لتصفية النفوس ولعدم التشاحن والتشاجر وغير واضح الحق الذي تنازل عنه كل فريق وهذا الإبهام والغموض لا يمكن أن يكون معه فكرة التنازل عن التعويض المالي, خصوصا إذا لوحظ أن المجني عليه كان في اليوم الرابع من إصابته بالمستشفى ولم يكن بطبيعة الحال الوقت مناسب للتحدث في الشئون المالية وبعبارة أصح لا يكون هناك تنازل صريح عن التعويض المالي الذي لم يكن بطبيعة الحال قد ظهر في عالم الحياة ولذلك يكون الدفع بعدم قبول الدعوى غير مقبول" - لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الصلح عقد ينحسم به النزاع بين الطرفين في أمر معين وبشروط معينة ولذا وجب ألا يتوسع في تأويله وأن يقصر تفسيره على موضوع النزاع, على أن ذلك لا يحول بين قاضي الموضوع وبين حقه في أن يستخلص من عبارات الصلح ومن الظروف التي تم فيها نية الطرفين والنتائج المبتغاه من الصلح ويحدد نطاق النزاع الذي أراد الطرفان وضع حد له باتفاقهما عليه - شأنه في ذلك شأن باقي العقود - إذ أن ذلك من سلطته ولا رقابة عليه فيه ما دامت عبارات العقد والملابسات التي تم فيها تحتمل ما استخلصه منها - لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص على ما سلف القول من عقد الصلح والظروف التي تم فيها أن القصد من إجرائه كان تهدئة الخواطر وأنه لا يحمل في طياته تنازلا من المجني عليه عن حقوقه المدنية وكان هذا الاستخلاص سائغا في العقل وتحتمله عبارات الصلح وملابساته. فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.