مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 2001 إلى آخر يونيه سنة 2001) - صـ 1103

(131)
جلسة 18 من مارس سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسينى مسلم - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: أحمد إبراهيم عبد العزيز تاج الدين، وأحمد عبد الحليم أحمد صقر، ود. محمد ماهر أبو العينين حسين، وأحمد محمد حامد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 6629 لسنة 45 القضائية

(أ) تأديب - المسئولية التأديبية - استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية.
الأصل استقلال كل من الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية أساس ذلك أن قوام الأولى الخروج على المجتمع والإخلال بحقه بإرتكاب جرم جنائى مؤثم فى قانون العقوبات بينما الجريمة التأديبية قوامها الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها وما يجب أن يتحلى به الموظف العام من الأمانة والثقة والسلوك القويم، ومن ثم فإن الواقعة المكونة لجرم جنائى فتكون فى ذات الوقت ذنباً إدارياً يتعين مؤاخذة الموظف العام عنه تأديبياً بغض النظر عن محاكمته جنائياً عن ذات الواقعة من عدمه - تطبيق
(ب) تأديب - سلطة المحكمة التأديبية أو مجالس التأديب فى استخلاص المخالفات التأديبية من تحقيقات النيابة العامة.
يجوز لسلطة التأديب سواء كانت محكمة تأديبية أو مجلس تأديب أو رئيس إدارى أن يستخلص من التحقيق الذى تجريه النيابة العامة فى شأن واقعة معينة المخالفات التأديبية ويغنى عن التحقيق الإدارى طالما تناول هذا التحقيق الوقائع التى تشكل المخالفة التأديبية _ تطبيق.


إجراءات الطعن:

فى يوم الخميس الموافق 8/ 7/ 1999 أودع الأستاذ/ ......... المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقريرا بالطعن فى القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات فى الدعوى رقم 7 لسنة 17 ق بجلسة 31/ 5/ 1999 والقاضى فى منطوقه " بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة ".
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه والقضاء مجددا فى الدعوى مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن للجهاز المطعون ضده بتاريخ 20/ 7/ 1999.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسببا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه والقضاء مجدداً ببراءة الطاعن مما هو منسوب إليه مع ما يترتب عليه من آثار للأسباب المبينة بالتقرير.
ونظرت دائرة فحص الطعون - الطعن - بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 10/ 10/ 2000 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الخامسة - موضوع - بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 6/ 8/ 2000 حيث نظرت المحكمة الطعن بجلسات المرافعة على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 19/ 11/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 31/ 12/ 2000 وفيها تم مد أجل النطق بالحكم بجلسة اليوم لاتمام المداولة، حيث صدر فيها هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية فيكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - تتحصل حسبما يبين من الأوراق - فى أن الطاعن أتهم بتقديم رشوة لموظف عام وتم التحقيق معه فى النيابة العامة فى القضية رقم 1021 لسنة 1998 حصر أمن دولة وانتهت النيابة العامة من تحقيقاتها إلى ثبوت قيام الطاعن (المتهم) بالتوسط بين المسئولين بشركة ليموزين مصر وشركة جولدن هاند لكى تقوم الثانية بإجراءات نقل ملكية أسهم شركة ليموزين مصر التى قامت ببيعها لشركة مصر للسياحة، وعرض على أحد موظفيها وهو/ ........ مبلغ الفى جنيه عن العملية التى تمت ووعده بمبالغ أخرى عن كل عملية تتم مستقبلاً وقررت النيابة العامة فى مذكرتها ثبوت ارتكاب الطاعن لواقعة عرض رشوة على موظف عام وأنها قدرت عدم تقديمه للمحاكمة الجنائية اكتفاء بالجزاء التأديبى. وأرسلت الأوراق إلى الجهاز المركزى للمحاسبات لإتخاذ إجراءات توقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليه.
وبناء على مذكرة الإدارة المركزية للشئون القانونية وافق السيد الدكتور رئيس الجهاز على إحالة الطاعن إلى مجلس التأديب لمساءلته تأديبياً عن المخالفة الثابتة فى حقه والتى تتمثل فى الخروج على مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفة اللوائح والتعليمات والإخلال بكرامة الوظيفة وإهدار الثقة والأمانة المطلوبة فى الموظف العام بأن عرض رشوة على موظف عام للإخلال بعمل من أعمال وظيفته على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق.
وبجلسة 31/ 5/ 1999 أصدر مجلس التأديب القرار المطعون فيه وقد شيد هذا القرار على أساس ثبوت المخالفة فى حق المحال (الطاعن) من واقع التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة وأقوال الشهود وأقوال المحال بقيامه بالتوسط بين المسئولين بشركة ليموزين مصر وشركة جولدن هاند لكى تقوم الثانية بإجراءات نقل ملكية أسهم شركة ليموزين مصر والتى قامت ببيعها لشركة مصر للسياحة وعرض على أحد موظفيها وهو..... مبلغ الفى جنيه عن العملية التى تمت ووعده بمبالغ أخرى عن كل عملية تتم مستقبلاً، وما ذكره المحال فى الدفاع عن نفسه والتى اعترف فيها بأن زوجته تعمل سكرتيرة فى مكتب اللواء/ ......... رئيس شركة ليموزين مصر والذى طلب منه المساعدة فى التعرف على شركة سمسرة لنقل ملكية أسهم الشركة وإنه كان يقوم بهذه العملية خدمة للطرفين مما يثبت فى حقه الإخلال بكرامة وظيفته ووضع نفسه موضع الشبهات بإتيانه أعمالاً لا تتصل بواجباته الوظيفية بل تتعارض معها. وعرض نفسه للإتهام الجنائى والقبض عليه والتعريض به وبجهة عمله وهى جهة رقابية وبما يتمتع به من إحترام وهيبة لأهمية وحساسية وظيفتها.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة القرار المطعون فيه للقانون وتأويله وفساد الإستخلاص والغلو فى توقيع الجزاء وذلك لعدم توافر أركان جريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادة 103 وما بعدها من قانون العقوبات وآية ذلك عدم تقديم النيابة العامة للطاعن إلى محكمة الجنايات وأن ما قام به الطاعن لا يعدو أن يكون خدمة للعاملين بشركة ليموزين مصر نظراً لأن زوجته تعمل سكرتيرة لرئيس مجلس إدارة الشركة المذكورة وأن دوره قد اقتصر على بيان أفضل الطرق لشراء أسهم هذه الشركة وهو تفويض شركة سمسرة لإتمام الصفقة فى البورصة وإنه قام بترشيح شركة جولدن هاند لهذه المهمة وأن قررات سلطة التحقيق ليس لها حجية الشئ المحكوم به ولا تقيد القضاء المدنى أو التأديبى وبالتالى فإن القرار المطعون فيه وقد اعتمد على الشك والريبة حيث قرر أن الطاعن وضع نفسه موضع الشبهات يكون قراره بفصل الطاعن قد أخطأ فى تطبيق القانون وخالف ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا، كما إنه تم توقيع جزائين على الطاعن عن مخالفة واحدة حيث تم نقله إلى وظيفة إدارية أقل من الوظيفة الرقابية التى كان يشغلها مما يعتبر جزاء مقنعاً فضلاً عن الجزاء التأديبى الذى تم توقيعه عليه مما يعد خطأ فى تطبيق القانون. وكذا الإخلال بحق الدفاع لعدم مواجهة الطاعن فى التحقيق بحقيقة التهمة المسندة إليه وإحاطته بمختلف الأدلة التى تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلى بأوجه دفاعه. كما أن القرار المطعون فيه استند فى الإدانة إلى التسجيل الصوتى الذى اعترف به الطاعن بينما هذا التسجيل لم يتطرق إلى التهمة محل التحقيق فضلاً عن ثبوت عدم وضوح الصوت لمدة ثلاث دقائق من الشريط مما يشكك فى باقى دلالته، يضاف إلى كل ذلك عدم تناسب الجزاء مع المخالفة المنسوبة إلى الطاعن والمغالاة فى الإسراف فى الشدة فى الجزاء الموقع على الطاعن بفصله من الخدمة.
ومن حيث إنه من المستقر عليه فى قضاء المحكمة الإدارية العليا استقلال كل من الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية على أساس أن قيام الأولى الخروج على المجتمع والإخلال بحقه بارتكاب جرم جنائى مؤثم فى قانون العقوبات بينما الجريمة التأديبية قوامها الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها وما يجب أن يتحلى به الموظف العام من الأمانة والثقة والسلوك القويم ومن ثم فإن الواقعة المكونة لجرم جنائى فتكون فى ذات الوقت ذنباً إدارياً يتعين مؤاخذة الموظف العام عنه تأديبياً بغض النظر عن محاكمته جنائياً عن ذات الواقعة من عدمه.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة قرار مجلس التأديب المطعون فيه أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن هى الإخلال بواجبات الوظيفة وبكرامة الوظيفة التى يشغلها والهيئة التى ينتمى إليها بأن وضع نفسه موضع الشبهات والريب بقيامه بالتوسط بين المسؤولين بشركة ليموزين مصر وشركة السمسرة جولدن هاند لنقل ملكية الأسهم التى تملكها الشركة الأولى إلى الشركة المشترية وهى شركة مصر للسياحة وقيامه بعرض مبلغ الفى جنيه على أحد العاملين بشركة ليموزين مصر وهو......... مما عرض الطاعن للقبض والتحقيق والإتهام من قبل النيابة العامة ومن ثم يكون مجلس التأديب قد حاكم الطاعن عن جريمة تأديبية بغض النظر عن تقديمه للمحاكمة الجنائية فى جريمة الرشوة أو عدم تقديمه باكتفاء النيابة العامة بمجازاة الطاعن تأديبياً عن المخالفة المنسوبة إليه.
ومن حيث إن المستقر عليه أيضاً فى قضاء هذه المحكمة إنه يجوز لسلطة التأديب سواء أكانت محكمة تأديبية أو مجلس تأديب أو رئيس إدارى يكون التحقيق الذى تجريه النيابة العامة فى شأن واقعة معينة يصلح أساساً لاستخلاص المخالفات التأديبية ويغنى عن التحقيق الإدارى طالما تناول هذا التحقيق الوقائع التى تشكل المخالفة التأديبية وبالتالى فلا تثريب على مجلس التأديب المطعون فى القرار الصادر عنه إن هو استخلص من التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة عناصر ثبوت المخالفة التأديبية المقدم عنها الطاعن للمحاكمة التأديبية من هذه التحقيقات لاسيما وأنها تتعلق بالوقائع التى أقيم عليها الإتهام التأديبى المنسوب إليه.
ومن حيث إن الثابت من التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة ومن أقوال الشهود الذين استمعت إلى أقوالهم وبصفة خاصة المبلغ عن واقعة الرشوة المدعو/ ........ وضباط الشرطة الذين قاموا بالقبض على الطاعن حال تسليمه مبلغ من الألف جنيه الثانية إلى/ ......... وتسجيل الحوار الذى دار بين الطاعن وبين المبلغ المذكور فضلاً عن اعتراف الطاعن نفسه بقيامه بالتوسط بين شركة ليموزين مصر وشركة السمسرة جولدن هاند مجاملة لرئيس مجلس إدارة الشركة الأولى فضلاً عما ثبت من علاقة خاصة بشركة جولدن هاند ومحاولته الحصول على نسبة عمولة عالية واقراره بتقديمه الخدمة للمسئول بشركة ليموزين مصر الذى تعمل زوجة الطاعن سكرتيرة بمكتبه. مما أثار الريب والشبهات فى سلوك الطاعن وعرضه للقبض عليه والحبس الإحتياطى والتحقيق والإتهام بجريمة الرشوة بتقديمه مبلغ الفى جنيه إلى......... للموافقة على نسبة العمولة لشركة جولدن هاند، الأمر الذى يشكل إخلالاً جسيماً من الطاعن بواجبات وظيفته ومقتضياتها وكذلك يشكل مسلكاً غير سوى من الطاعن الذى يشغل وظيفة رقابية على أعمال أحد تلك الشركات ذات الصلة بتلك العملية الأمر الذى ينال من كرامة الطاعن وكرامة وهيبة واحترام الجهاز الذى ينتمى إليه وبالتالى يتعين مؤاخذته تأديبياً عن هذه المخالفة بتوقيع الجزاء المناسب.
ومن حيث إنه ولئن كانت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن - على النحو والتكييف السابق بيانه إلا أن المستقر عليه فى قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه يتعين عند توقيع الجزاء التأديبى مراعاة الملاءمة والتناسب بين الذنب الإدارى والجزاء التأديبية الواجب توقيعه على العامل دون إسراف فى التخفيف أو التشديد بما يخرج الجزاء التأديبى عن الغاية والهدف التى تغياها المشرع واستهدفها من تقريره الجزاءات التأديبية. فإن إتسم الجزاء التأديبى بالغلو والإسراف فى التخفيف أو التشديد كان باطلاً.
ومن حيث إن الجزاء المناسب للمخالفة المنسوبة إلى الطاعن - فى ضوء الظروف والملابسات التى أحاطت بها - هى تخفيض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مراعاة لتميزه فى عمله وعدم سابقة توقيع جزاءات سابقة عليه فى مثل أو ما يشبه ما تردى إليه فيه على النحو السالف.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر وقضى بفصل الطاعن من الخدمة وهو أقصى جزاء يمكن توقيعه على الموظف العام والذى يجب أن يقتصر على المخالفات الشديدة التى لا تثور حولها الشبهات وهو ما يختلف كلية عن وضع الموظف لنفسه موضوع الريب والشبهات وعليه فإنه يكون قد خالف صحيح القانون وحيقة الواقع مما يتعين الحكم بإلغائه والقضاء مجدداً بمجازاة الطاعن بعقوبة خفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع ما يترتب على ذلك من آثار.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه والقضاء مجدداً بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع ما يترتب على ذلك من آثار.