أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 881

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار, وبحضور السادة: فهيم يسى الجندي, ومحمد عطيه اسماعيل, ومحمود حلمي خاطر, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(187)
الطعن رقم 1767 لسنة 28 القضائية

رشوة. إجرام الراشي. فساد تدليل الحكم على توافر النيه الإجرامية نتيجة فهم المحكمة شهادة الشاهد على غير ما يؤدي إليه محصلها.
مثال في جريمة عرض رشوة على خفير نظامي لدفع مضرة لا يبررها القانون.
يجب أن تبني الأحكام على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها - فإذا كانت مؤدي أقوال الخفير أنه قبض على المتهم حين رآه يسكب الماء أمام المحل إعتقادا منه بأنه الشخص الذي دأب على إلقاء التراب والملح أمام المحل, والذي طلب منه أصحابه ضبطه, وأن ما فعله المتهم لا يعدو أن يكون من قبيل السحر, وأن الخفير إذ قبض على المتهم إنما فعل ذلك نزولا على رغبة أصحاب المحل مع علمه بماهية الفعل الذي صدر من المتهم - لا اعتقادا منه بأن المتهم ارتكب جريمة ما - كما قالت المحكمة, فإن رفض المحكمة دفاع المتهم المبتنى على أن عرضه الرشوة على الخفير النظامي كان بقصد التخلص من عمل ظالم نتيجة فهم المحكمة شهادة الشاهد على غير ما يؤدي إليه محصلها واستخلاصها منها ما لا يؤدى إليه لا يكون مستندا إلى أساس سليم.


الوقائع

تقدمت نيابة أمن الدولة إلى المحكمة العسكرية العليا بقرار اتهامها بناء على القانون رقم 533 سنة 1954 بنظام الأحكام العرفية والمرسوم الصادر في 26 يناير سنة 1952 بإعلان الأحكام العرفية والمرسوم الصادر في 25 مارس سنة 1952 باستمرار العمل بها والأمر العسكري رقم 57 بإحالة جرائم الرشوة إلى المحاكم العسكرية والأمر العسكري رقم 99 بشأن الإجراءات الخاصة بالتحقيق والمحاكمة في القضايا العسكرية طالبة محاكمة المتهم بالمواد 104 و109 مكرر و110 و111 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 69 سنة 1953 لأنه عرض رشوة على مستخدم عمومي ليخل بواجبات وظيفته والامتناع عن عمل من أعمالها وذلك بأن قدم للخفير النظامي كامل حسين طلبه مبلغ مائة وخمسة وثلاثين قرشا لإخلاء سبيله وعدم اقتياده إلى القسم إثر اشتباهه في أمره ولكن المستخدم العمومي لم يقبل الرشوة منه. فقررت المحكمة العسكرية العليا بناء على القانون رقم 270 سنة 1956 إحالة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لنظرها. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمادة 109 مكرر و110 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة شهور وغرامة خمسمائة جنيه وإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاثة سنين تبدأ من تاريخ صدوره والمصادرة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن دفاعه قام أمام محكمة الموضوع على أن عرض الرشوة للخفير النظامي - كامل حسن طلبه - لم يكن لشراء ذمته بل كان الغرض منه رفع ظلم وقع عليه إذ أن الحالة التي كان عليها وقت أن سكب سائل السحر أمام الدكان لم تولد في نفس الخفير الشبهة أو الاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ما أو يحاول ارتكابها - بل قبض عليه على أساس أنه هو الذي ألقى من قبل المواد السحرية - فماهية الفعل الذي أتاه المتهم لم يكن مجهولا لدى الخفير, ولكن الحكم المطعون فيه استخلص من أقوال الخفير ما يخالف المستفاد منها وانحرف بها عن معناها فسرى الخطأ من ذلك إلى الحكم مما يعيبه.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بتهمة أنه في يوم 18 من يوليو سنة 1955 بدائرة قسم عابدين - عرض رشوة على مستخدم عمومي ليخل بواجبات وظيفته والامتناع عن عمل من أعمالها وذلك بأن قدم للخفير النظامي كامل حسن طلبه 135 قرشا لإخلاء سبيله وعدم اقتياده إلى القسم على إثر اشتباهه في أمره ولكن المبلغ لم يقبل منه. والحكم المطعون فيه دانه بهذه الجريمة وعاقبه بالمواد 109 مكرر و110 عقوبات وذكر في بيان الواقعة "إن مدير محل إيرين "جيل بالوز" كان قد لاحظ عند فتح المحل في الصباح وجود أتربة وكمية من الملح ملقاة أمام المحل ولما تكرر ذلك طلب من الخفير النظامي كامل حسن طلبه المعين لحراسة محل "ليسكوفتش" المجاور لمحل إيرين مراقبة المحل لمعرفة الشخص الذي يلقي هذه الأتربة ليلا وضبطه والذهاب به إلى البوليس لمعرفة السبب في فعلته هذه وفي منتصف الواحدة من صباح يوم 18 من يوليو سنة 1955 بينما كان الخفير النظامي كامل حسن طلبه في نوبة حراسته أمام محل ليسكوفتش رأى المتهم "الطاعن" وقد وقف أمام باب محل إيرين وأخذ يتلفت يمنة ويسرة ثم أخذ يسكب سائلا أبيض من زجاجة كان يحملها أمام باب المحل فأسرع إليه وضبطه فحاول المتهم كسر الزجاجة التي كانت معه فحال الخفير بينه وبين ذلك وأخذ منه الزجاجة وقاده إلى القسم وفي الطريق أخذ المتهم يرجوه في مسامحته وتركه وقدم له مبلغ خمسة وثلاثين قرشا كرشوة مقابل ذلك فرفض قبولها وأصر على أن يقدمه إلى القسم مبلغا بالأمر ثم قدم المتهم له جنيها آخر راجيا تركه فلم يقبل وساقه إلى القسم وأبلغ بالحادث وبعرض المتهم عليه الرشوة من أجل إخلاء سبيله - وقد اعترف المتهم بالتحقيقات بعرضه النقود على الخفير كي يخلي سبيله ولا يقوده إلى البوليس تفاديا من التشهير بسمعته إذ أن ما كان يلقيه أمام محل إيرين هو سائل به سحر أشار عليه بعض أهل الشعوذة بإلقائه في طريق عشيقته التي كانت ستعمل في اليوم التالي بمحل إيرين كعاملة اعتقادا منه أن مرورها على هذا السائل يعوق استمرارها في العمل بهذا المحل وتعود للعمل لديه بمحله" واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى اعترافه وأقوال الخفير كامل حسن طلبه والعسكري إبراهيم محمود وجيل بالوز مدير محل إيرين - ثم عرض لدفاع الطاعن الذي يشير إليه في الطعن في قوله "أما عن القول الأخير الذي ذكره الدفاع من أن المتهم حين عرض الرشوة كان معتقدا أنه لم يرتكب إثما معاقبا عليه وأن ضبطه كان إجراء ظالما ويريد بدفع الرشوة دفع هذا الظلم عنه - هذا القول مردود بأنه ما دام الخفير النظامي قد قامت في نفسه الشبهة فيما فعله المتهم الذي كانت حالته عند سكبه السائل ومن مراقبته الطريق وتلفته يمنة ويسرة في هذا الوقت المتأخر من الليل لا شك يدعو لقيام هذه الشبهة التي زادت لديه عند محاولة المتهم كسر الزجاجة التي كانت تحوي السائل ورغبته الملحة في عدم الذهاب إلى القسم واعتقد بالتالي أن جريمة لابد قد ارتكبها المتهم فزعم أن من أعمال وظيفته ضبطه والذهاب به إلى القسم للتبليغ عما فعل حيث تبين بعدئذ ماهية وكنه الفعل الذي قام به من التحقيق - ما دام ذلك فلا يقبل من المتهم ما يقوله من أن دفع الرشوة كان لرفع ظلم وقع عليه كما يراه هو لا كما يقدره ويزعم المستخدم العمومي أنه من أعمال وظيفته" لما كان ذلك وكان يبين من مطالعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لهذا الوجه من الطعن أن مؤدي أقوال الخفير كامل حسن طلبه في محضر البوليس وأمام النيابة أنه قبض على المتهم حين رآه يسكب الماء أمام المحل اعتقادا منه بأنه هو الشخص الذي دأب على إلقاء التراب والملح أمام الدكان والذي طلب منه أصحاب المحل ضبطه وأن ما فعله المتهم لا يعدو أن يكون من قبيل السحر - وإذن فإن الخفير إذ قبض على المتهم إنما فعل ذلك نزولا على رغبة أصحاب المحل مع علمه بماهية الفعل الذي صدر من الطاعن لا اعتقادا منه بأن المتهم ارتكب جريمة ما - كما قالت المحكمة - لما كان ذلك وكانت الأحكام يجب أن تبنى على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها - وكانت المحكمة قد فهمت شهادة الشاهد على غير ما يؤدي إليه محصلها - واستخلصت منها ما لا تؤدى إليه, فإن رد المحكمة على هذا الدفاع لا يكون مستندا إلى أساس صحيح ويتعين لذلك نقض الحكم دون حاجة إلى بحث باقي وجوه الطعن الأخرى.