أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 930

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: فهيم يسى جندي, ومحمد عطية اسماعيل, ومحمود حلمي خاطر, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(191)
الطعن رقم 1182 لسنة 29 القضائية

(أ, ب) استدلال. إجراءات التحقيق التي يملكها استثناء رجال الضبط القضائي.
القبض عند توافر الدلائل الكافية. السلطة التقديرية لمأمور الضبط تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع.
المراد بحضور المتهم في عرف المادة 34 أ. ج.
هو الحضور الحكمي لا الحضور الفعلي. مثال.
1 - لا تجيز المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم وتفتيشه في حالة التلبس فقط, بل أجازت له ذلك أيضا عند وجود الدلائل الكافية على اتهامه بإحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة, وتقدير تلك الدلائل ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي, على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
2 - إذا كان الثابت من الحكم أن المتهم الأول في اعترافه قد دل على شخص المتهم الثاني ومكان وجوده القريب - في انتظار تسليمه المواد المخدرة المضبوطة مع المتهم الأول - وقد وجد المتهم الثاني فعلا في هذا المكان, فيكون بذلك في حكم المتهم الحاضر - الذي تجيز المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية تتبعه لضبطه وتفتيشه, ولو أراد الشارع الحضور الذي يمثل فيه الحاضر أمام رجال الضبط القضائي لما كان متيسرا لهؤلاء أن يقوموا بأداء واجباتهم التي فرضها القانون عليهم, من المبادرة إلى القبض على المتهم الذي توفرت الدلائل على اتهامه - وهو الأمر المراد أصلا من خطاب الشارع لمأموري الضبط في المادة 34 المذكورة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: أحرزوا جواهر مخدرة "حشيشا" بغير ترخيص وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة القضية إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1 و2 و33/ جـ والفقرة الأخيرة منها و35 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والبند 12 من الجدول الملحق, فقررت الغرفة بذلك. وأمام محكمة جنايات بني سويف دفع الحاضر عن المتهم الثاني ببطلان القبض والتفتيش لعدم وجود إذن من النيابة العامة ولأنه لم يكن في حالة تلبس, والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بالنسبة للمتهم الأول وبالمواد 1 و2 و34 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والبند 12 من الجدول الملحق وذلك بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث بمعاقبة عبد العزيز صابر طعيمة بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه ثلاثة آلاف جنيه وبمعاقبة كل من حسن رمضان حسونة وسعد سلامه منصور بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهما خمسمائة جنيه وبمصادرة جميع المواد المخدرة المضبوطة بالنسبة لجميع المتهمين. وذلك على اعتبار أن الإحراز كان بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن المقدم من الطاعنين هو البطلان في الإجراءات - إذ أن رئيس المحكمة لم يوقع على صفحات محضر جلسة المحاكمة - خلافا لما تقضي به المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه يبين من مراجعة مفردات الطعن أن رئيس المحكمة قد وقع على كل صفحة من صفحات محضر المحاكمة - ومن ثم يكون ما جاء في هذا الوجه غير سديد.
وحيث إن الطاعن الأول - عبد العزيز صابر طعيمه - يعيب على الحكم المطعون فيه - القصور في التسبيب إذ دانه بجريمة إحراز المخدر دون أن يستظهر أن الطاعن كان يعلم بأن ما يحرزه هو مخدر - فقد شهد رجال مكافحة المخدرات بأنهم لا يعرفونه من قبل - كما وجدت المواد المخدرة مغلفة في غلف لا تسمح له بالوقوف على حقيقتها - وقد بادر الطاعن بتقديمها إلى الكونستابل من تلقاء نفسه - وما ساقه الحكم في الرد على الدفع غير سائغ ولا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 16/ 12/ 1957 بدائرة بندر بني سويف بينما كان الكونستابل الممتاز عمر محمد عبد الرحيم ورجل البوليس الملكي محمد ابراهيم شعيب - وهما من قوة مكتب مكافحة المخدرات ببني سويف - يمران حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر في منطقة البحر ببندر بني سويف إذ شاهد المتهم الأول عبد العزيز صابر طعيمه (الطاعن الأول) سائرا في الطريق العام ومعه غلام يدعي أمين وهو ابن المتهم الثاني (الطاعن الثاني) حسن رمضان حسونة وكانا قادمين في مواجهتهما في جهة نهر النيل وعلى بعد بضعة أمتار منهما وما أن شاهدهما الغلام المذكور حتى جرى هاربا وبدت على المتهم الأول علامات الاضطراب وكانا قد وصلا إليه وسأله الكونستابل عن سبب فرار ذلك الغلام وعندئذ أخرج المتهم الأول من تلقاء نفسه - من جيب جلبابه الأيمن كيسا من القماش بداخله قطعة من الحشيش زنتها مائة وثلاثة عشر ونصف جرام ومن جيب جلبابه الأيسر الصغير لفافة من الورق بداخلها قطعة من الحشيش أيضا زنتها أربعون جراما وكانت رائحة الحشيش تنبعث منهما بوضوح وقدمهما إلى الكونستابل مقررا له أن المتهم الثالث سعد سلامه منصور قد سلمهما إليه لتوصيلهما إلى المتهم الثاني حسن رمضان حسونة وأن هذا الأخير في انتظاره لهذا الغرض بمقهى المدعو سيد جنيدي - وبعد ذلك قصد الكونستابل ورجل البوليس الملكي المرافق له ومعهما المتهم الأول وكيس القماش ولفافة الورق بما فيهما من مادة الحشيش سالفة الذكر إلى مكتب مكافحة المخدرات ببني سويف وأبلغ الكونستابل رئيسه الصاغ عبد الفتاح غنيم بالحادث وردد المتهم الأول لهذا الأخير ما كان قد ذكره الكونستابل فانتقل رئيس المكتب مصطحبا معه الكونستابل ورجل البوليس الملكي سالفى الذكر وكذا المتهم الأول إلى مقهى سيد جنيدي ببندر بني سويف ووجد هناك المتهم الثاني حسن رمضان حسونة وكلفهما باستدعائه إليه ثم كلف أولهما بتفتيشه فأجرى ذلك بحضوره ووجد في الجيب الأيسر للمعطف الذي يلبسه المتهم الثاني قطعة من الحشيش زنتها ثلاثون سنتي جراما فقام بضبطه ثم أخطرت النيابة بالحادث - وباشرت التحقيق وقد أمرت النيابة بضبط المتهم الثالث سعد سلامة منصور (الطاعن الثالث) الذي يقيم بناحية بياض النصاري بدائرة مركز بني سويف وتفتيشه فانتقل اليوزباشي وديع وأيضا ضابط المباحث المنتدب بالمركز المذكور يوم 17/ 12/ 1957 إلى تلك الناحية لتنفيذ ذلك - واصطحب معه رجل البوليس الملكي عبد العاطى خليل يوسف وأرشدهما شيخ الخفراء إلى المنزل الموجود به المتهم الثالث وعقب وصولهما إليه شاهد هذا المتهم قد ألقى بلفافة من الورق إلى امرأة كانت معه تدعي أمينه عطيه خليل فكلفها الضابط بتقديم تلك اللفافة وبعد ترددها في ذلك قدمتها إليه وثبت أن بداخلها قطعة من الحشيش زنتها 73.3 جراما واعترف له المتهم الثالث أنها له" - واستند الحكم في إدانة الطاعنين الأول والثاني إلى اعتراف المتهم الأول وأقوال الشهود من رجال مكتب المخدرات وما ثبت من تقارير المعمل الكيماوي عن تحليل المواد المضبوطة - ثم عرض الحكم لما يثيره الطاعن في طعنه ورد عليه في قوله - "ومن حيث إن المتهم الأول اعترف بإحرازه كيس القماش ولفافة الورق المضبوطين معه بما فيهما وقرر أنه كان يجهل أن ما تحتويانه هو مادة الحشيش لأنهما كانا مقفولين - إلا أن المحكمة لا ترى التعويل على إنكاره أنه كان يعلم بأنهما يحويان مادة الحشيش لأنه فضلا عن أنه من غير المألوف أن يتسلم الكيس القماش ولفافة الورق من شخص لتوصيلهما إلى آخر - كما جاء بأقواله - دون أن يعرف محتوياتهما فإنه ثبت من أقوال الكونستابل عمر محمد عبد الرحيم والصاغ عبد الفتاح غنيم أن رائحة الحشيش كانت تنبعث من الكيس واللفافة بوضوح, وجاء بأقوال المتهم نفسه أن الكونستابل عرف أنهما يحويان هذه المادة كما شم رائحة الحشيش تنبعث منهما, ويضاف إلى ذلك أن مبادرة المتهم المذكور بتقديمه كيس القماش ولفافة الورق بما فيهما إلى الكونستابل - كما جاء بأقوال هذا الأخير وبأقوال المخبر محمد ابراهيم شعيب - يدل في حد ذاته على أن المتهم كان يعلم بأن الكيس واللفافة يحويان مادة الحشيش, ولو أنه لم يكن يعلم بأن ما يحمله هو مما يعتبر حمله وإحرازه جريمة معاقب عليها قانونا لما خطر على باله أن يقدم الذي يحمله إلى الكونستابل, والذي يبدو من تصرفه هذا أنه كان يحاول الخلاص من مسئولية إحراز تلك المادة على حسب اعتقاده بمجرد تقديمها من تلقاء نفسه مقررا أنها لا تخصه وإنما قد سلمها إليه المتهم الثاني لتوصيلها إلى المتهم الثالث". وما قاله الحكم من ذلك هو استخلاص سائغ من الظروف والأدلة التي أوردها وهى واضحة في أن المتهم حين تسلم الكيس واللفافة كان يعلم بأنهما يحويان مواد مخدرة - لما كان ذلك فإن جريمة الإحراز تكون متوافرة الأركان في حقه ومن ثم يكون هذا الشق من الطعن على غير أساس.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني حسن رمضان حسونه هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان وفي ذلك يقول إنه دفع ببطلان القبض والتفتيش بمعرفة رجال الضبط القضائي بغير إذن من النيابة وفي غير حالة من حالات التلبس ولكن الحكم قضى برفض الدفع استنادا إلى نص المادة (34) من قانون الإجراءات في حين أن الطاعن لم يكن ابتداء في حالة من حالات التلبس, كما لم يكن حاضرا أمام مأمور الضبط حتى يمكن إعمال هذا النص, هذا وقد قام دفاع الطاعن على أن قطعة المخدر المقول بضبطها في جيب معطفه قد دست عليه من جانب الكونستابل الذي فتشه, خصوصا وأنه ولم يعثر في جيبه على أثر للمخدر - ولكن الحكم المطعون فيه أهدر هذا الدفاع على أهميته مما يعيبه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت في حق الطاعن إحراز قطعة الحشيش التي ضبطت معه في جيب معطفه - للأدلة السائغة التي أوردها عرض لما أثاره بشأن بطلان القبض والتفتيش وفنده في قوله "من حيث إن المتهم الثاني (الطاعن الثاني) أنكر إحرازه ما ضبط معه من مادة الحشيش ودفع الحاضر معه ببطلان القبض عليه وتفتيشه مقررا أن ذلك حصل بدون إذن من النيابة العامة ولأن المتهم لم يكن في حالة تلبس إلا أن المحكمة ترى أن هذا الدفع في غير محله إذ ترى أنه قد قامت لدى الصاغ عبد الفتاح غنيم رئيس مكتب مكافحة المخدرات الذي أمر بالقبض على هذا المتهم وتفتيشه دلائل كافية على اتهامه في هذه الجناية وذلك لما قرره المتهم الأول عند ضبط ما ضبط معه من مادة الحشيش بأنها من شأن هذا المتهم الثاني ولأن ابن هذا المتهم الأخير كان يرافق المتهم الأول وقت ضبطه كما وجد المتهم الثاني عند مقهى سيد جنيدي الذي قال المتهم الأول أنه في انتظاره به ومن ثم فإنه يجوز للصاغ عبد الفتاح غنيم أن يقبض على المتهم الثاني طبقا للمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية ويجوز له بالتالي تفتيشه طبقا لنص المادة (46) من القانون المذكور وترى المحكمة لهذا رفض الدفع, كما ترى عدم التعويل على إنكار المتهم الثاني إحراز ما ضبط معه من مادة الحشيش وذلك لما قام ضده من الأدلة سالفة الذكر... أما ما جاء بشأن خلو جيوب المعطف من آثار الحشيش فإن هذا لا ينفي في حد ذاته ضبط قطع الحشيش في جيبه الأيسر كما جاء بأقوال رجال البوليس وشهود الحادث وبأقوال المتهم الأول" - لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم عن واقع الدعوى يفيد أن ضبط الطاعن وتفتيشه إنما كان بسبب ضبط المتهم الأول متلبسا بجريمة إحراز المخدر وما وضح من اعترافه من أن الطاعن الثاني ضالع فيها, وكان التلبس حالة تلازم الجريمة نفسها بغض النظر عن شخص مرتكبها - فمن حق رجل الضبطية القضائية أن يقبض على كل متهم يرى أنه ضالع في الجريمة سواء كان فاعلا أو شريكا وأن يفتشه بغير إذن من النيابة العامة - هذا إلى أن المادة (34) من قانون الإجراءات الجنائية لا تجيز لمأمور الضبطية القضائية القبض على المتهم في حالة التلبس فقط, بل أجازت له ذلك أيضا عند وجود الدلائل الكافية على اتهامه بإحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة - وتقدير تلك الدلائل ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع, أما ما يقوله الطاعن من أنه لم يكن حاضرا وقت ضبط المتهم الأول ومن ثم وقع القبض عليه وتفتيشه باطلا فمردود بأن الثابت من الحكم المطعون فيه أن المتهم الأول في اعترافه قد دل على شخص الطاعن ومكان وجوده القريب في انتظار تسليم المواد المخدرة المضبوطة مع المتهم الأول, وقد وجد المتهم الثاني فعلا في هذا المكان - فهو بذلك في حكم المتهم الحاضر الذي تجيز المادة 34 من قانون الإجراءات تتبعه بضبطه وتفتيشه - ولو أراد الشارع الحضور الذي يمثل فيه الحاضر أمام رجال الضبط القضائي لما كان متيسرا لهؤلاء أن يقوموا بأداء واجباتهم التي فرضها القانون عليهم من المبادرة إلى القبض على المتهم الذي توفرت الدلائل على اتهامه وهو الأمر المراد أصلا من خطاب الشارع لمأموري الضبط في المادة 34 المذكورة. لما كان ذلك وكان الحكم قد استخلص من وقائع الدعوى في منطق سليم كفاية الدلائل التي ارتكن إليها رجل الضبط القضائي في إجراء القبض على الطاعن والتفتيش الذي أجراه وفقا للمادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية وقضى بناء على ذلك برفض الدفع ببطلان القبض وصحة التفتيش فإنه لا يكون مخطئا من ناحية القانون. لما كان ذلك كله وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن ولم يأخذ به للإعتبارات السائغة التي أوردها, وفي تعويله على شهادة شهود الإثبات ما يفيد أنه لم يقم وزنا لما وجه إلى أقوالهم من اعتراض. لما كان ذلك فإن الطعن برمته لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.