أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 22 - صـ 144

جلسة 14 من فبراير سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام, وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية, ومحمود عطيفة, والدكتور محمد حسنين, وطه دنانه.

(35)
الطعن رقم 1819 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) مواد مخدرة. عقوبة. "الإعفاء منها". موانع العقاب. قانون. "تطبيقه". أسباب الإباحة وموانع العقاب. "موانع العقاب".
(أ) شروط الإعفاء من العقاب وفقا للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960؟
(ب) التفرقة بين حالتي الإعفاء المنصوص عليهما في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960.
اشتراط أن يكون الإخبار عن الجريمة - في الحالة الأولى - قبل علم السلطات بها.
وجوب أن يتسم الإبلاغ عن الجريمة في الحالة الثانية الذي يتم بعد علم السلطات بها. بالجدية والكفاية. وأن يوصل بالفعل إلى ضبط باقي الجناة. كون ما أدلي به الجاني لم يحقق غرض الشارع من ضبط باقي الجناة وكشف صلتهم بالجريمة المخبر عنها. عدم أحقيته في الانتفاع بالإعفاء لتخلف المقابل المبرر له.
1 - جرى قضاء محكمة النقض على أن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع - وفقا للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 - هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ، بما مفاده أنه حتى يتوافر موجب الإعفاء يتعين أولا أن يثبت أن عدة جناة قد ساهموا في اقتراف الجريمة المبلغ عنها - فاعلين كانوا أو شركاء - وأن يقوم أحدهم بإبلاغ السلطات العامة بها فيستحق بذلك منحة الإعفاء المقابل الذي قصده الشارع وهو تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطيرة التي نص عليها القانون. فإذا لم يتحقق صدق البلاغ بأن لم يثبت أصلا أن هناك جناة آخرين ساهموا مع المبلغ في ارتكاب الجريمة فلا إعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع بعدم بلوغ النتيجة التي يجزي القانون عنها بالإعفاء وهو تمكين السلطات من الكشف عن تلك الجرائم الخطيرة.
2 - تفرق المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 بين حالتين، الأولى: اشترط القانون فيها فضلا عن المبادرة بالإخبار أن يصدر هذا الإخبار قبل علم السلطات بالجريمة، والثانية: لم يستلزم القانون فيها المبادرة بالإخبار بل اشترط في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة، فالمقصود بالمبادرة في الحالة الأولى هو المبادأة بالتبليغ عن الجريمة قبل علم السلطات بها، وذلك يقتضي أن يكون الجاني في موقف المبلغ عن الجريمة لا موقف المعترف بها حين يستجوب أو يسأل فيجزي على كشفه عن مرتكبي تلك الجرائم بالإعفاء من العقاب. أما في الحالة الثانية فإن موجب الإعفاء يتوافر إذا كان إخباره السلطات بالجريمة - وبعد علمها بها - هو الذي مكنها من ضبط باقي الجناة. وإذا كان ضبط هؤلاء هو الغاية التي تغياها الشارع في هذه الحالة فإنه يلزم أن يكون ذلك الإخبار قد اتسم بالجدية والكفاية ووصل بالفعل إلى ضبط باقي الجناة الذين ساهموا في اقتراف الجريمة فلا يكفي أن يصدر من الجاني في حق آخرين قول مرسل عار عن الدليل وإلا أنفسح المجال لإلصاق الاتهامات بهم جزافا بغية الإفادة من الإعفاء وهو ما ينأى عنه قصد الشارع. فإذا كان ما أدلى به الجاني لم يحقق غرض الشارع من ضبط باقي الجناة وكشف صلتهم بالجريمة المخبر عنها، فلا حق له في الانتفاع بالإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 لتخلف المقابل المبرر له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم أول يونيو سنة 1965 بدائرة مركز التل الكبير محافظة الإسماعيلية: المتهم الأول: حاز وأحرز جوهرين مخدرين "أفيون وحشيش" وكان ذلك بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانونا - المتهم الثاني: أحرز جوهرا مخدرا "حشيشا" وكان ذلك بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقا لمواد الاتهام، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسماعيلية قضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض وقضي فيه بقبوله شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسماعيلية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة جنايات الإسماعيلية وقضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهمين مما أسند إليهما مع مصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية. وقضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع... الخ.


المحكمة

بعد سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة العامة وأقوال المتهم والمرافعة والإطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن واقعة الدعوى - على ما يبين من التحقيقات التي تمت فيها وما دار في الجلسة تتحصل في أنه الساعة السادسة من صباح يوم أول يونيه سنة 1965 كان الشرطي السري السيد محمد حسنين يمر - وبرفقته زميله الشرطي السري محمد محمود علي بمحطة سكة حديد القصاصين حين شاهد المتهمين يقفان برصيفها القبلي، ولعلمه بأنهما ليسا من أهالي البلدة فقد أثار وجودهما في ذلك الوقت شبهته فاقتادهما إلى مقر نقطة شرطة القصاصين للتحري عن أمرهما ولما أن أقبل ضابط النقطة الملازم أول عصام إبراهيم وهدان وسألهما عن سبب حضورهما إلى القصاصين أجاباه بأنهما حضرا إليها لشراء مواد مخدرة ممن يدعى السيد إبراهيم جبر من أهالي القصاصين وأنه بتفتيشه لهما عثر مع المتهم الأول السيد المرسي الشاذلي على لفافتين من مادة الحشيش ولفافة من مادة الأفيون ومع المتهم الثاني على لفافتين من مادة الحشيش وبوزن المخدر المضبوط تبين أنه 970 جراما من الحشيش، 49.5 جراما من الأفيون.
وحيث إن الواقعة على الصورة المتقدمة قد قام الدليل على صحتها في حق المتهمين من أقوال الضابط عصام إبراهيم وهدان والشرطيين السريين السيد محمد حسنين ومحمد محمود علي، ومن اعتراف المتهمين في تحقيقات الشرطة والنيابة واعتراف أولهما بالجلسة ومن تقرير المعامل الكيماوية. فقد شهد الملازم أول عصام إبراهيم وهدان بالتحقيقات أنه في يوم الحادث ابلغه الشرطيان السريان السيد محمد حسنين ومحمد محمود علي باقتيادهما المتهمين إلى مقر الشرطة للتحري عن أمرهما وما أن سأل المتهمين عن سبب قدوهما إلى ناحية القصاصين حتى اعترفا له بأنهما يحملان مخدرا اشترياه من السيد إبراهيم جبر من أهالي القصاصين وذلك بقصد الاتجار فيه، وأنه بتفتيشه عثر معهما على المخدر المضبوط وشهد الشرطيان السريان السيد محمد حسنين ومحمد محمود علي بأنهما اقتادا المتهمين إلى مقر الشرطة للتحري عن أمرهما فهناك أقرا للضابط - الشاهد السابق - بأنهما قدما إلى القصاصين لشراء مخدر من السيد إبراهيم جبر وأنه بتفتيشه لهما عثر معهما على الكمية المضبوطة من المخدر. واعترف المتهم الأول السيد محمد المرسي الشاذلي بتحقيقات الشرطة والنيابة وأمام هذه المحكمة بإحرازه للمخدر المضبوط معه, وبأنه اشتراه ممن يدعى السيد إبراهيم جبر من أهالي القصاصين بقصد الاتجار فيه وأقر المتهم الثاني محمد المصيلحي أحمد زهرة بالتحقيقات بضبط المخدر معه وأضاف أنه للمتهم الأول الذي اشتراه من السيد إبراهيم جبر, وأنه مرافق للمتهم الأول إلى القصاصين لمعاونته في نقل المخدر إلى بلدتهما. وثبت من تقرير المعامل الكيماوية أن المخدر المضبوط هو من مادتي الحشيش والأفيون.
وحيث إنه بتفتيش السيد إبراهيم جبر وتفتيش مسكنه لم يعثر على أية مواد مخدرة وبسؤاله أنكر معرفته بالمتهمين كما أنكر أي صلة له بالمخدر المضبوط معهما وشهد الضابط عصام إبراهيم وهدان ورجلا الشرطة السريان بأن السيد إبراهيم جبر يعمل في تجارة الحديد, وأنه لم يصل إلى علمهم أنه يتجر في المواد المخدرة وليس له نشاط معروف في تجارة هذه المواد.
وحيث إن المدافع عن المتهم الأول طلب الحكم بإعفاء المتهم من العقاب تطبيقا لنص المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تأسيسا على أنه أخبر السلطات العامة بالمصدر الذي اشترى منه المخدر قبل علمها بالجريمة.
وحيث إن المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 تنص على أن: يعفى من العقوبات المقررة في المواد 33 و34 و35 كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات العامة بالجريمة قبل علمها بها, فإذا حصل الإبلاغ بعد علم السلطات بالجريمة تعين أن يوصل الإبلاغ فعلا إلى ضبط باقي الجناة. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير مبلغ, بما مفاده أنه حتى يتوفر موجب الإعفاء يتعين أولا أن يثبت أن عدة جناة قد ساهموا في اقتراف الجريمة المبلغ عنها - فاعلين كانوا أو شركاء - وأن يقوم أحدهم بإبلاغ السلطات العامة بها فيستحق ذلك منحه الإعفاء المقابل الذي قصده الشارع وهو تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطيرة التي نص عليها القانون فإذا لم يتحقق صدق البلاغ بأن لم يثبت أصلا أن هناك جناة آخرين ساهموا مع المبلغ في ارتكاب الجريمة فلا إعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع بعدم بلوغ النتيجة التي يجزي القانون عنها بالإعفاء وهو تمكين السلطات من الكشف عن تلك الجرائم الخطيرة. وإذا كانت المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تفرق بين حالتين: الأولى: اشترط القانون فيها فضلا عن المبادرة بالإخبار أن يصدر هذا الإخبار قبل علم السلطات بالجريمة - والثانية - لم يستلزم القانون فيها المبادرة بالإخبار بل اشترط في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة, فإن المقصود بالمبادرة في الحالة الأولى هو المبادأة بالتبليغ عن الجريمة قبل علم السلطات بها. وذلك يقتضي أن يكون الجاني في موقف المبلغ عن جريمة لا موقف المقترف لها حين يستجوب أو يسأل فيجزي على كشفه عن مرتكبي تلك الجرائم بالإعفاء من العقاب أما في الحالة الثانية فإن موجب الإعفاء يتوافر إذا كان إخباره السلطات بالجريمة - بعد علمها بها - هو الذي مكنها من ضبط باقي الجناة. وإذا كان ضبط هؤلاء هو الغاية التي تغياها الشارع في هذه الحالة فإنه يلزم أن يكون ذلك الإخبار قد اتسم بالجدية والكفاية ووصل بالفعل إلى ضبط باقي الجناة الذين ساهموا في اقتراف الجريمة فلا يكفي أن يصدر من الجاني في حق آخرين قول مرسل عار عن الدليل وإلا أنفسح المجال لإلصاق الإتهامات بهم جزافا بغية الإفادة من الإعفاء وهو ما ينأى عنه قصد الشارع فإذا كان ما أدلى به الجاني لم يحقق غرض الشارع من ضبط باقي الجناة وكشف صلتهم بالجريمة المخبر عنها، فلا حق له في الانتفاع بالإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 لتخلف المقابل المبرر له.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم, وإذ كان الثابت من التحقيقات في هذه الدعوى أن ما صدر من المتهمين لا يعد مبادرة منهما بإبلاغ السلطات بالجريمة قبل علمها بها وإنما اعترافا بارتكابها بعد أن أودعا مقر الشرطة ووضعا في موقف التحقيق, ولم يكن إخبارهما عن مصدر المخدر جديا بدلالة ما كشف عنه التحقيق من انقطاع صلة السيد إبراهيم جبر بالمخدر المضبوط معهما بل كان اتهاما أرسلاه على غير سند, فإن طلب الدفاع تطبيق المادة 48 وإعفاء المتهمين من العقاب يكون غير سديد.
وحيث إن قصد الاتجار متوافر في حق المتهمين من إعترافهما بشراء المخدر بقصد بيعه في بلدتهما, ومن كبر الكمية المضبوطة منه فقد بلغ وزنها 970 جراما من الحشيش, 49.5 جراما من الأفيون.
وحيث إنه لما تقدم, يكون قد ثبت للمحكمة أنه في يوم أول يونيه سنة 1965 بدائرة مركز التل الكبير محافظة الإسماعيلية - المتهم الأول: حاز وأحرز جوهرين مخدرين (حشيش وأفيون) في غير الأحوال المصرح بها قانونا وكان ذلك بقصد الاتجار. المتهم الثاني: أحرز جوهرا مخدرا (حشيش) في غير الأحوال المصرح بها قانونا وكان ذلك بقصد الاتجار. الأمر المعاقب عليه طبقا للمواد 1 و2 و34/ 1 أو 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 الملحق به.
وحيث إن المتهم الثاني أعلن قانونا ولم يحضر ويصح الحكم في غيبته عملا بالمادة 384 من قانون الإجراءات الجنائية.